الاثنين، 8 يناير 2018

الفصل الأول: حياة يسوع: قصة تجربة الشيطان ليسوع في الأناجيل عرض ونقد

الفصل الأولحياة يسوع
في هذا الفصل سأستعرض حياة يسوع في مختلف مراحلها، من ولادته إلى صلبه وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السماء، مع مقارنة النصوص بعضها ببعض كما وردت في الأناجيل، ومقارنة تلك النصوص مع نصوص العهد القديم عند اقتباس كتبة الأناجيل من العهد القديم، لنرى إن كان مؤلفو الأناجيل قد كتبوا قصة واحدة عن حياة يسوع أم أن كل واحد منهم كتب قصة مختلفة عن الآخرين بحسب معلومات كل واحد منهم والمصادر التي كان يعتمد عليها، وكذلك لنرى صحة ما اقتبسوه في الأناجيل من نصوص العهد القديم.
قصة تجريب الشيطان ليسوع
ذُكِرَت قصة تجريب الشيطان ليسوع في إنجيلي متّى ولوقا، كما في النصين التاليين:
- ثم أُصعد يسوع إلى البرية من الروح ليُجرّب من إبليس،
فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً، فتقدم إليه المجرِّب وقال له إن كنت ابن الإله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً،
فأجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الإله،
ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل،
وقال له إن كنت ابن الإله فاطرح نفسك إلى أسفل،
لأنه مكتوب انه يوصي ملائكته بك فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجرٍ رجلك،
قال له يسوع مكتوب أيضاً لا تجرب الرب إلهك،
ثم أخذه أيضاً إبليس إلى جبل عالٍ جداً وأراه جميع ممالك العالم ومجدها، وقال له أُعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي،
حينئذ قال له يسوع اذهب يا شيطان، لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد،
ثم تركه إبليس وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه. (متّى 4: 1-11)
- وأما يسوع فرجع من الأردن ممتلئ من الروح المقدس،
وكان يقتاد بالروح في البرية أربعين يوما يُجرَّب من إبليس،
ولم يأكل شيئاً في تلك الأيام ولما تمّت جاع أخيراً،
وقال له إبليس إن كنت ابن الإله فقل لهذا الحجر أن يصير خبزاً،
فأجابه يسوع قائلا مكتوب ان ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة من الإله،
ثم أصعده إبليس إلى جبل عال وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان،
وقال له إبليس لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن لأنه إليّ قد دُفع وانا أُعطيه لمن أُريد فان سجدت أمامي يكون لك الجميع،
فأجابه يسوع وقال اذهب يا شيطان انه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد،
ثم جاء به إلى أورشليم وأقامه على جناح الهيكل،
وقال له إن كنت ابن الإله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل،
لأنه مكتوب انه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك، وإنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك،
فأجاب يسوع وقال له انه قيل لا تجرب الرب إلهك،
ولما أكمل إبليس كل تجربة فارقه إلى حين. (لوقا 4: 1-13)
بإلقاء نظرة فاحصة على النصين نخرج بعدة ملاحظات على طريقة كتابة القصة من حيث تسلسل الأحداث وعلى موضوع القصة ذاتها.
الملاحظة الأُولى وهي على طريقة كتابة القصة وتسلسل أحداثها، فمتّى كتب أن الشيطان أخذ يسوع إلى المدينة المقدسة، وهي أُورشليم، ثم أخذه إلى الجبل العالي، وأما لوقا فكتب ان الشيطان، أو إبليس، أصعد يسوع على الجبل العالي أولاً، ثم جاء به إلى أُورشليم، وهذا الفرق ليس خطأ مطبعياً أو اختلافاً في بعض معاني الكلمات حتى يتم تجاوزه، بل كما هو ظاهر من النصين فإن الشيطان في قصة متّى ذهب بيسوع إلى المدينة المقدسة وبعد ذلك ذهب به إلى الجبل العالي ولوقا كتب ان الشيطان صعد بيسوع إلى الجبل العالي أولاً ثم ذهب به إلى أُورشليم.
فهل يمكن كتابة قصة واحدة بزمنين مختلفين ومكانين مختلفين أيضاً، فمتّى عندما يقول أن يسوع ذهب إلى أُورشليم يكون في قصة لوقا صاعداً على الجبل العالي، وعندما يترك أُورشليم ويصعد على الجبل العالي في قصة متّى يكون يسوع في أُورشليم حسب قصة لوقا؟!
أم أن التجربتين حدثتا معاً في نفس الوقت؟!
أم أن التجربتين لم تحدثا ولهذا نجد هذه الاختلافات بين القصتين؟!
فهذه القصة بحاجة إلى شرح وتفسير من الكنائس وبيان مدى علم ودقة وصدق كتبة الأناجيل، وهي بحاجة كذلك إلى إعادة النظر في حقيقة سوق الروح المقدس لكتبة الأناجيل.
الملاحظة الثانية وهي حول موضوع القصة، أي تجريب الشيطان ليسوع، فهذه معضلة حقيقية تحتاج إلى تفسير، إذ كيف يقوم الشيطان وهو أحد المخلوقات بتجريب يسوع، الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، كما تقول قوانين ايمان الكنائس؟
فكيف يقوم هذا المخلوق المتمرد بامتحان يسوع إله وابن إله الكنائس بهذه الطريقة الهادئة والتي ظاهرها الاستسلام لعملية التجريب؟
وما هو السلطان الذي يمتلكه الشيطان حتى يستطيع أن يقود يسوع إله وابن إله الكنائس الوحيد الذي هو من نفس جوهر أبيه كما تقول قوانين ايمان الكنائس؟
وكذلك كيف يرضى يسوع أن ينقاد دون أي مقاومة، لا بل باستسلام كامل، للشيطان إلى المكان الذي يريده ويحاوره ومن ثم يذهب به إلى مكان آخر؟
ان هذه القصة بحاجة إلى توضيح وإجابات شافية، لأننا نحن البشر جميعاً، على ضعفنا وعجزنا، خلال حياتنا على هذه الأرض ندرك أن الشيطان لا يستطيع أن يرغمنا على فعل شيء لا نريده بهذا القدر من الاستسلام والانقياد!
الملاحظة الثالثة وهي عن مغزى طلب تحويل الحجارة إلى خبز، فأنا لا أدرك مغزى هذه التجربة بالنسبة للشيطان أو ليسوع، فإذا كان الشيطان يعلم أن يسوع هو ابن الإله، فهو يعلم أن مسألة خلق شيء من لا شيء أو تحويل شيء عن طبيعته إلى شيء آخر بالنسبة للرب مسألة لا تحتاج إلى جهد، وأما تحويل الحجارة إلى خبز فهو إن لم يكن أسهل فهو بنفس درجة السهولة لخلق الكون كله من لا شيء، وأما إذا كان الشيطان لا يعلم أن يسوع ابن إله، فهل اقتنع بعد رفض يسوع تحويل الحجر الى خبز؟!
وأما بالنسبة ليسوع فإذا كان هو حقاً ابن إله فلماذا لم يقم بتحويل الحجر الى خبز، بدلاً من التهرب من ذلك بالاستشهاد بنص من العهد القديم؟
الملاحظة الرابعة وهي على جواب يسوع للشيطان لا تجرب الرب إلهك، فهذا الجواب هل هو أمر موجه من يسوع الى الشيطان، أم هو قول استدل به يسوع على عدم رغبته في تجريب الرب، فإذا كان الجواب أمراً موجهاً للشيطان، فكان ينبغي على الشيطان أن يتراجع عن إكمال التجربة، لأن يسوع الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد كما تقول قوانين ايمان الكنائس.
وأما إن كان الجواب هو عدم رغبة يسوع بتجريب الرب على الحقيقة، وخوفه من عدم تلبية طلبه في حمايته من الوقوع والاصطدام بالصخور، فخاف أن يرمي نفسه واستدل بهذا القول لعدم تلبية طلب الشيطان، كما حدث معه عندما أمضى الليل وهو يُصلي كي لا يُصلب ولم يُستجب له، فهذه مشكلة في حقيقة التصور الكنسي لطبيعة يسوع وصدق الحديث عنه باعتباره إله وابن إله.
الآن سأورد النص الذي استشهد به يسوع لعدم الاستجابة للشيطان برمي نفسه من جناح الهيكل، وهو كما يلي:
- الرب إلهك تتقي وإياه تعبد وباسمه تحلف،
لا تسيروا وراء آلهة أُخرى من آلهة الأُمم التي حولكم،
لان الرب إلهكم الهٌ غيور في وسطكم لئلا يحمى غضب الرب إلهكم عليكم فيبيدكم عن وجه الأرض.
لا تجربوا الرب إلهكم كما جربتموه في مسّة،
احفظوا وصايا الرب إلهكم وشهاداته وفرائضه التي أوصاكم بها. (التثنية 6: 13-17)
هذا هو النص الذي استشهد به يسوع وفيه نقرأ أمر الرب بالحلف باسمه، وهو ما خالفه يسوع كما في النص التالي:
- أيضاً سمعتم أنه قيل للقدماء لا تحنث بل أوف للرب أقسامك،
وأما أنا فأقول لكم لا تحلفوا البتة،
لا بالسماء لأنها كرسي الإله،
ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه،
ولا بأُورشليم لأنها مدينة الملك العظيم،
ولا تحلف برأسك لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة واحدة بيضاء أو سوداء،
بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا،
وما زاد على ذلك فهو من الشرير. (متّى 5: 33-37)
فهو في هذا النص يمنع الحلف، ويعتبر ان الحلف من الشرير أو الشيطان!
فالرب في العهد القديم يقول ان الانسان يجب ان يحلف به فقط، ويسوع يقول ان الحَلف من الشيطان، وهذا القول يعني أحد أمرين، إما ان الناموس قد زالت بعض أحكامه، وان الذي أزالها هو نفسه من قال ان زوال السماء والارض أيسر من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس!
- لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأُكمل، فإني الحق أقول لكم الى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل. (متّى 5: 17-18)
ولكن زوال السماء والارض أيسر من ان تسقط نقطة واحدة من الناموس. (لوقا 16: 17)
أو ان يسوع يعتبر نفسه مستقلاً عن العهد القديم وانه لا يعترف بما جاء فيه من أحكام، وبالتالي لماذا هذا الولع بالاستشهاد بنصوص العهد القديم واعتبار الأناجيل أنها امتداد له!
ولكن لنقرأ ماذا يقول الرب الإله الحق خالق السموات والأرض عن قدرته لاظهار صدقه ممن يطلب منه آية.
- ثم عاد الرب فكلم آحاز قائلاً، اطلب لنفسك آية من الرب إلهك،
عمّق طلبك أو رفّعه إلى فوق،
فقال آحاز لا أطلب ولا أُجرب الرب. (إشعياء 7: 10-12)
في هذا النص يطلب الرب من آحاز، وهو من ملوك اليهود، أن يطلب آية وان لا يخاف من طلب أي شيء، وذلك بقوله عمّق طلبك أو رفّعه إلى فوق، وكما نلاحظ فإن الرب الذي خلق السموات والأرض، لا يخاف من أي طلب يُطلب منه مهما كان ذلك الطلب كما قال لآحاز عمّق طلبك أو رفعه إلى فوق.
فالرب خالق السموات والأرض لا يعجز عن شيء، وأما يسوع فهو يستشهد بنص من العهد القديم حتى لا يضطر لرمي نفسه من ارتفاع عدة أمتار فيقع ويتكسر!
الملاحظة الخامسة وهي على التجربة الثالثة، عندما أصعد الشيطان يسوع على جبل عال وقال له انه سيُملكه جميع ممالك العالم ومجدها إذا سجد له، فهذه التجربة تثير عدة أسئلة:
السؤال الأول وهو هل الشيطان حقاً يملك جميع ممالك العالم بحيث ان يسوع لو سجد له كان يمكن أن يعطيها له؟
السؤال الثاني وهو أين هو الجبل الذي يقع في فلسطين مكان التجربة أو في أي بقعة من الأرض بحيث لو صعد عليه إنسان يستطيع أن يرى جميع ممالك الأرض؟
ان أقصى ما يستطيع الإنسان رؤيته بشكل واضح هو لعدة كيلومترات، ولنفرض إلى عدة مئات من الكيلومترات وهذا بعيد، فهل هذه المسافة تحيط بجميع ممالك الأرض؟
ثم لو افترضنا انه يوجد جبل في الكرة الأرضية يستطيع الإنسان إذا صعد عليه أن يرى كل شيء فهو لن يستطيع أن يرى سوى نصف الكرة الأرضية، أي نصف ممالك الأرض، وأما النصف الآخر فلن يرى منه شيئاً لأنه محجوب عن الرؤية لأنه يكون خلف النصف الأول كما هو معلوم.
وهنا قد يقول بعض الطيبين من أتباع الكنائس أن هذه القصة ممكنة إذا شاء الرب أن يفعلها لان الرب قادر على كل شيء، وأنا أقول أيضاً ان الرب قادر على كل شيء، ولكن سياق القصة لا يقول أن الرب هو الذي عمل التجربة، بل نقرأ أن الشيطان هو الذي سأل، والشيطان هو الذي أصعد، والشيطان هو الذي ذهب، فالفعل هنا للشيطان وليس للرب أو ليسوع كما هو ظاهر من سياق القصة.
وهنا أطرح سؤالا وهو هل الشيطان في التصور الكنسي قادر على فعل كل شيء، حتى السيطرة على آلهتها؟
إذا كان الجواب نعم، فالقصة إذاً صحيحة!
من هنا ندرك مدى الحرج الذي كانت الكنائس واقعة فيه عندما بدأ علماء الطبيعة في أوروبا بالحديث عن كروية الأرض، لأنها كانت تدرك أن القول بكروية الأرض سيؤدي إلى زعزعة إيمان الناس بهذه القصة، وبالتالي زعزعة إيمان الناس بكل معتقداتها، وهو ما حدث فعلاً، ولهذا اتخذت الكنائس مواقف متشددة تجاه هؤلاء العلماء حتى وصل الأمر بها إلى إصدار أحكام بالقتل والصلب والحرق بحق العشرات من العلماء.
وأخيراً بالنسبة لجواب يسوع أريد أن اذكره فقط، مع الطلب من القارئ أن يتأمل الجواب بقلبه، وان يسعى للعمل به لان فيه خلاص النفس البشرية للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق