الخميس، 20 يوليو 2017

مقدمة كتاب يسوع ابن يوسف النجار ... أسئلة حائرة

المقدمة

هذا الكتاب
إن هذا الكتاب لا يُقصد به الإساءة لطائفة من الناس أو التهجم على أحد بعينه، ولا تشجيع الآخرين على الإساءة أو التهجم على أحد، ولا هو ردّ بالمثل على ما يثيره البعض من مشاغبات وشبهات.
وإنما هو محاولة للكشف عن حقيقة ما هو موجود في الأناجيل من معلومات وقصص تسعى الكنائس للقول أنها حقائق لا تحتمل الخطأ وأنها العهد الجديد للبشرية.
عنوان الكتاب
يسوع بن يوسف النجار أم يسوع المسيح؟
إن عنوان الكتاب ليس هو من باب الإثارة والدعاية، وإنما لتقرير حقيقة غفلت عن الكثير من الناس، وذلك بالخلط بين يسوع بن يوسف النجار والمسيح الذي جاء ذكره في أسفار العهد القديم، وهذا الخلط والاشتباه كان قائماً منذ زمن يسوع مما استدعى أن يوضحه بنفسه في ثلاثة نصوص مذكورة في ثلاثة أناجيل، وهي كما يلي:
- وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلاً ماذا تظنون في المسيح، ابن من هو،
قالوا له ابن داوُد،
قال لهم فكيف يدعوه داوُد بالروح رباً قائلاً، قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فإن كان داوُد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه،
فلم يستطع أحد أن يُجيبه بكلمة، ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بتة. (متّى 22: 41-46)
- ثم أجاب يسوع وقال وهو يُعلم في الهيكل كيف يقول الكتبة أن المسيح ابن داوُد، لأن داوُد نفسه قال بالروح المقدس قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فداوُد نفسه يدعوه رباً فمن أين هو ابنه،
وكان الجمع الكثير يسمعه بسرور. (مرقس 12: 35-37)
- وقال لهم كيف يقولون إن المسيح ابن داوُد،
وداوُد نفسه يقول في كتاب المزامير قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فإذاً داوُد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه. (لوقا 20: 41-44)
في هذه النصوص نقرأ أن يسوع يقول إن المسيح ليس ابن داوُد!
ونحن نعلم أن الأناجيل والكنائس المختلفة تقول ان يسوع هو ابن داوُد، وهذا من المسلمات عندهم، حتى أن متّى ولوقا وضعا له في إنجيليهما نسبين نسبوه فيهما لداوُد، كما في النصين التاليين:
- كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داوُد ابن إبراهيم. (متّى 1: 1)
- ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي .... بن داوُد ..... بن آدم. (لوقا 3: 23-28)
وعندما أخبر جبرائيل مريم بحبلها بيسوع قال لها أنها ستلد ابناً من نسل داوُد ويملك على كرسي داوُد أبيه إلى الأبد كما في النص التالي:
- وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسميه يسوع،
ويكون عظيماً وابن العلي يُدعى،
ويعطيه الرب كرسي داوُد أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية. (لوقا 1: 31-33)
كما ان فيلبس عندما التقى بنثنائيل ودعاه لإتباع يسوع قال له:
- فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة. (يوحنا 1: 45)
فهذه النصوص وغيرها استدعت من يسوع التدخل وتوضيح الأمر قبل صلبه بأُسبوع تقريباً، فقال كما في النصوص السابقة إن المسيح ليس ابن داوُد، وبما أن الأناجيل والكنائس المختلفة ما زالت تقول ان يسوع هو المسيح فقد سعيت لتوضيح المسألة مرة ثانية، واثبات أن المسيح ليس ابن داوُد كما قال يسوع، وبالتالي فان يسوع الذي تقول عنه الأناجيل والكنائس انه ابن داوُد من ناحية الجسد ليس هو المسيح.
فعنوان الكتاب والكتاب نفسه إنما هو استكمال وتوضيح لأقوال يسوع السابقة من أن المسيح ليس ابن داوُد، وبما أن يسوع هو ابن داوُد فهذا يعني أنه ليس المسيح.
فهل سيسمع أتباع الكنائس الطيبين الآن، وبعد أن تم تجاهل هذه الحقيقة مئات السنين، بسرور كما سمع الجمع يسوع بن يوسف النجار عندما قال لهم ان المسيح ليس ابن داوُد، ولا يجسروا على طرح الأسئلة كما لم يجرؤ من سمع يسوع يقول ان المسيح ليس ابن داوُد؟
أم أنهم سيكونون مثل الصدوقيين الذين ينكرون القيامة الذين جادلوا يسوع بن يوسف النجار بشأن قيامة الأموات والنعيم في الفردوس فقال لهم: تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الإله؟! (متّى 22: 29)
وأنا أتمنى أن يكونوا من الصنف الأول ويفرحوا عندما تظهر لهم حقيقة أن يسوع بن يوسف النجار ليس هو المسيح الذي بشرت به أسفار العهد القديم.
وأما ما تقوله قوانين إيمان الكنائس عن يسوع بن يوسف النجار من أنه إله وابن إله والأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، فهذا ما سأُظهر حقيقته في الكتاب الثاني من هذه السلسلة، وهو كتاب شخصيات الأناجيل، وان كان هذا الكتاب وهو يُظهر أن يسوع بن يوسف النجار ليس هو المسيح، فانه سيُظهر كذلك في العديد من المواضع أنه لا علاقة ليسوع بن يوسف النجار بما كتبته عنه قوانين إيمان الكنائس من صفات، وكذلك سيُظهر خطأ فكرة وجود الأقانيم  أصلاً، ووجود أية علاقة لها بالرب خالق السموات والأرض.
أسئلة حائرة
إن الحيرة هي السمة البارزة التي يخرج منها ليس قارئ الأناجيل وحده فقط، وإنما كل من سمع بيسوع أو عاش معه أو شاهده، وهذه الحيرة امتدت عبر الزمان والمكان فتجد أن تلاميذه كانوا حائرين كما في النصوص التالية:
- فنظر يسوع حوله وقال لتلاميذه ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى مملكة الإله،
فتحيّر التلاميذ من كلامه،
فأجاب يسوع أيضاً وقال لهم يا بَنيّ ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى مملكة الإله،
مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى مملكة الإله،
فبهتوا إلى الغاية،
قائلين بعضهم لبعض فمن يستطيع أن يخلص. (مرقس 10: 23-26) و(لوقا 18: 24-26)
- بل بعض النساء منا حيرننا إذ كن باكراً عند القبر،
ولما لم يجدن جسده أتين قائلات أنهن رأين منظر ملائكة قالوا أنه حي،
ومضى قوم من الذين معنا إلى القبر فوجدوا هكذا كما قالت النساء وأما هو فلم يروه. (لوقا 24: 22-24)
- فخرجن سريعاً وهربن من القبر،
لأن الرعدة والحيرة أخذتهن،
ولم يقلن لأحد شيئاً لأنهن كن خائفات. (مرقس 16: 8)
- لما قال يسوع هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق الحق أقول لكم إن واحداً منكم سيُسَلّمني، فكان التلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض وهم محتارون في من قال عنه،
وكان متكئاً في حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يُحبه،
فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذي قال عنه،
فاتكأ ذاك على صدر يسوع وقال له يا سيد من هو،
أجاب يسوع هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأُعطيه،
فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الاسخريوطي،
فبعد اللقمة دخله الشيطان، فقال له يسوع ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة،
وأمّا هذا فلم يفهم أحد من المتكئين لماذا كلمه به،
لأن قوماً إذ كان الصندوق مع يهوذا ظنوا أن يسوع قال له اشتر ما نحتاج إليه للعيد، أو أن يُعطي شيئاً للفقراء. (يوحنا 13: 21-29)
- وكانوا في الطريق صاعدين إلى أورشليم ويتقدمهم يسوع،
وكانوا يتحيرون، وفيما هم يتبعون كانوا يخافون،
فاخذ ألاثني عشر أيضاً وابتدأ يقول لهم عما سيحدث له،
ها نحن صاعدون إلى أُورشليم وابن الإنسان يُسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويُسلمونه إلى الأمم فيهزؤون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم. (مرقس 10: 32-34)
وكانوا مندهشين ومتعجبين ومبهوتين منه ومن أقواله ومعجزاته وهي من دلائل الحيرة كما في النصوص التالية:
- فلما رأى سمعان بطرس ذلك خرّ عند ركبتي يسوع قائلاً اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ،
إذ اعترته وجميع الذين معه دهشة على صيد السمك الذي أخذوه،
وكذلك أيضاً يعقوب ويوحنا ابنا زبدي اللذان كانا شريكي سمعان. (لوقا 5: 8-10)
- إلا أن بطرس قام وركض إلى القبر فانحنى ونظر الأكفان موضوعة وحدها، فمضى متعجباً في نفسه مما كان. (لوقا 24: 12)
- فقال يسوع لتلاميذه الحق أقول لكم انه يعسر أن يدخل غنيّ إلى مملكة السماء وأقول لكم أيضاً إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى مملكة الإله،
فلما سمع تلاميذه بُهتوا جداً قائلين إذاً من يستطيع أن يخلص. (متّى 19: 23-25)
- وفي الصبح إذ كان راجعاً إلى المدينة جاع،
فنظر شجرة تين على الطريق،
وجاء إليها فلم يجد فيها شيئاً إلا ورقاً فقط،
فقال لها لا يكن منك ثمر بعد إلى الأبد، فيبست التينة في الحال،
فلما رأى التلاميذ ذلك تعجبوا قائلين كيف يبست التينة في الحال،
فأجاب يسوع وقال لهم الحق أقول لكم إن كان لكم إيمان ولا تشكون فلا تفعلون أمر التينة فقط بل إن قلتم أيضاً لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون، وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه. (متّى 21: 18-22)
فلما رأوه ماشياً على البحر ظنوه خيالاً فصرخوا،
لأن الجميع رأوه واضطربوا، فللوقت كلمهم وقال لهم ثقوا أنا هو لا تخافوا،
فصعد إليهم إلى السفينة فسكنت الريح فبهتوا وتعجبوا في أنفسهم جداً إلى الغاية،
لأنهم لم يفهموا بالأرغفة، إذ كانت قلوبهم غليظة. (مرقس 6: 49-52)
- وفي أحد الأيام دخل سفينة هو وتلاميذه،
فقال لهم لنعبر إلى عبر البحيرة ، فأقلعوا وفيما هم سائرون نام،
فنزل نوء ريح في البحيرة،
وكانوا يمتلئون ماء وصاروا في خطر،
فتقدموا وأيقظوه قائلين يا معلم يا معلم إننا نهلك،
فقام وانتهر الريح وتموّج الماء فانتهيا وصار هدوء،
ثم قال لهم أين إيمانكم ،
فخافوا وتعجبوا قائلين فيما بينهم من هو هذا، فانه يأمر الرياح أيضاً والماء فتطيعه. (لوقا 8: 22-25)
- ولما دخل السفينة تبعه تلاميذه، وإذا اضطراب عظيم قد حدث في البحر حتى غطت الامواج السفينة، وكان هو نائماً،
فتقدم تلاميذه وأيقظوه قائلين يا سيد نجّنا فإننا نهلك،
فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان،
ثم قام وانتهر الرياح والبحر فصار هدوء عظيم،
فتعجب الناس قائلين أي إنسان هذا فان الرياح والبحر جميعاً تطيعه. (متى 8: 23-27)
- فصرفوا الجمع وأخذوه كما كان في السفينة، وكانت معه أيضاً سفن أُخرى صغيرة، فحدث نوء ريح عظيم فكانت الأمواج تضرب إلى السفينة حتى صارت تمتلئ،
وكان هو في المؤخر على وسادة نائماً،
فأيقظوه وقالوا له يا معلم أما يهمك أننا نهلك،
فقام وانتهر الريح وقال للبحر اسكت، ابكم،
فسكنت الريح وصار هدوء عظيم،
وقال لهم ما بالكم خائفين هكذا،  كيف لا إيمان لكم،
فخافوا خوفا عظيماً،
وقالوا بعضهم لبعض مَن هو هذا،
فإن الريح أيضاً والبحر يطيعانه. (مرقس 4: 36-41)
كما كان الخوف وعدم الفهم ملازماً لهم وهما يعبران عن الحيرة إذ لو كانوا مؤمنين لما أحسوا بالخوف وعدم الفهم، كما في النصوص التالية:
- وأخذ الاثني عشر وقال لهم ها نحن صاعدون إلى أُورشليم وسيتم كل ما هو مكتوب بالأنبياء عن ابن الإنسان،
لأنه يُسلم إلى الأُمم ويُستهزأ به ويُشتم ويُتفل عليه ويجلدونه ويقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم،
وأما هم فلم يفهموا من ذلك شيئا، وكان هذا الأمر مُخفىً عنهم،
ولم يعلموا ما قيل. (لوقا 18: 31-34)
- إن ابن الإنسان سوف يُسلم إلى أيدي الناس،
وأما هم فلم يفهموا هذا القول، وكان مُخفىً عنهم لكي لا يفهموه،
وخافوا أن يسألوه عن هذا القول. (لوقا 9: 45)
- فأخذوا سعوف النخل وخرجوا للقائه، وكانوا يصرخون أُوصنا مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل،
ووجد يسوع جحشاً فجلس عليه كما هو مكتوب،
لا تخافي يا ابنة صهيون هو ذا ملكك يأتي جالسا على جحش أتان،
وهذه الأُمور لم يفهمها تلاميذه أولاً،
ولكن لما تمجّد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه،
وأنهم صنعوا هذه له. (يوحنا 1: 23-16)
ورجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله،
وكانت مريم المجدلية ويونا ومريم أُم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل،
فتراءى كلامهن لهم كالهذيان، ولم يصدقوهن. (لوقا 24: 9-11)
- بعد قليل لا تبصرونني، ثم بعد قليل أيضاً ترونني لأني ذاهب إلى الأب،
فقال قوم من تلاميذه بعضهم لبعض ما هو هذا الذي يقوله لنا بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل أيضاً ترونني ولأني ذاهب إلى الأب،
فقالوا ما هو هذا القليل الذي يقول عنه،
لسنا نعلم بماذا يتكلم. (يوحنا 16: 16-18)
- ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان، حينئذ تقدم تلاميذه وقالوا له أتعلم أن الفريسيين لما سمعوا القول نفروا، فأجاب وقال كل غرس لم يغرسه أبي السماوي يُقلع، اتركوهم هم عميان قادة عميان، وإن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة،
فأجاب بطرس وقال له فسر لنا هذا المثل،
فقال لهم يسوع هل انتم أيضا حتى الآن غير فاهمين،
ألا تفهمون بعد أن كل ما يدخل الفم يمضي إلى الجوف ويندفع إلى المخرج، وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر، وذاك ينجس الإنسان، لان من القلب تخرج أفكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف، هذه هي التي تنجس الإنسان، وأما الأكل بأيد غير مغسولة فلا ينجس الإنسان. (متّى 15: 11-20)
- ولما جاء تلاميذه إلى العَبَر نسوا أن يأخذوا خبزاً،
وقال لهم يسوع انظروا وتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين،
ففكروا في أنفسهم قائلين إننا لم نأخذ خبزاً،
فعلم يسوع وقال لهم لماذا تفكرون في أنفسكم يا قليلي الأيمان إنكم لم تأخذوا خبزاً،
أحتى ألان لا تفهمون ولا تذكرون خمس خبزات الخمسة الآلاف وكم قفة أخذتم،
ولا سبع خبزات الأربعة الآلاف وكم سلا أخذتم،
كيف لا تفهمون أني ليس عن الخبز قلت لكم أن تتحرّزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين، حينئذ فهموا أنه لم يقل أن يتحرّزوا من خمير الخبز بل من تعليم الفريسيين والصدوقيين. (متّى 16: 5-12)
- ونسوا أن يأخذوا خبزاً ولم يكن معهم في السفينة إلا رغيف واحد،
وأوصاهم قائلاً انظروا وتحرّزوا من خمير الفريسيين وخمير هيرودس،
ففكروا قائلين بعضهم لبعض ليس عندنا خبز،
فقال لهم يسوع لماذا تفكرون أن ليس عندكم خبز،
ألا تشعرون بعد ولا تفهمون،
أحتى الآن قلوبكم غليظة،
ألكم أعين ولا تبصرون،
ولكم آذان ولا تسمعون ولا تذكرون،
حين كسّرت الأرغفة الخمسة للخمسة الآلاف كم قفة مملوءة كسراً رفعتم، قالوا له اثنتي عشرة، وحين السبعة للأربعة الآلاف كم سل كسر مملوءاً رفعتم، قالوا سبعة،
فقال لهم كيف لا تفهمون. (مرقس 8: 14- 21)
- ولما كان وحده سأله الذين حوله مع ألاثني عشر عن المثل،
فقال لهم قد أُعطي لكم أن تعرفوا سرّ مملكة الإله،
وأما الذين هم من خارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء، لكي يُبصروا مبصرين ولا ينظروا ويسمعوا سامعين ولا يفهموا لئلا يرجعوا فتُغفر لهم خطاياهم،
ثم قال لهم أما تعلمون هذا المثل،
فكيف تعرفون جميع الأمثال. (مرقس 4: 10-13)
قال له توما يا سيد لسنا نعلم أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق،
قال له يسوع أنا هو الطريق، والحق، والحياة،
ليس أحد يأتي الأب إلا بي،
لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً،
ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه. (يوحنا 14: 5-7)
وهذا الأمر لم يكن مقتصرأً على التلاميذ بل شاركهم فيه غيرهم من الناس في ذلك الوقت كما في النصوص التالية:
- ولما كان المساء إذ كان الاستعداد، أي ما قبل السبت،
جاء يوسف الذي من الرّامة مُشير شريف وكان هو أيضاً منتظراً مملكة الإله فتجاسر ودخل إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع،
فتعجب بيلاطس أنه مات كذا سريعاً،
فدعا قائد المئة وسأله هل له زمان قد مات، ولما عرف من قائد المائة وهب الجسد ليوسف،
فاشترى كتاناً فأنزله وكفنه بالكتان ووضعه في قبر كان منحوتاً في صخرة ودحرج حجراً على باب القبر. (مرقس 15: 42-46)
- وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه لم يُجب بشيء،
فقال له بيلاطس أما تسمع كم يشهدون عليك،
فلم يُجبه ولا عن كلمة واحدة حتى تعجب الوالي جداً. (متّى 27: 12-14)
- وكان رؤساء الكهنة يشتكون عليه كثيراً،
فسأله بيلاطس أيضاً قائلاً أما تجيب بشيء انظر كم يشهدون عليك،
فلم يُجب يسوع أيضاً بشيء حتى تعجب بيلاطس.(مرقس 15: 4-5)
- وكان يُخرج شيطاناً وكان ذلك أخرس،
فلما أخرج الشيطان تكلم الأخرس، فتعجب الجموع. (لوقا 11: 14)
- حينئذ أُحضر إليه مجنون أعمى وأخرس فشفاه،
حتى أن الأعمى الأخرس تكلم وأبصر،
فبهت كل الجموع وقالوا ألعل هذا هو ابن داوُد. (متّى 12: 22-23)
فخاصم اليهود بعضهم بعضاً قائلين كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكله. (يوحنا 6: 52)
- وقالوا أليس هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأُمه، فكيف يقول هذا إني نزلت من السماء، فأجاب يسوع وقال لهم لا تتذمروا فيما بينكم، لا يقدر أحد أن يُقبل اليّ إن لم يجتذبه الأب الذي أرسلني وأنا أُقيمه في اليوم الأخير. (يوحنا 6: 42-44)
من هذه النصوص نجد أن العلاقة بين يسوع والذين من حوله، بمن فيهم تلاميذه، كانت تتميز بالتعجب والحيرة والبهوت وعدم الفهم!
وبعد مضي الجيل الأول ازدادت الحيرة بين أتباعه وحدثت انشقاقات وحروب، وانقسمت الكنيسة إلى عشرات الكنائس، واستمرت بالانشقاق إلى مئات الكنائس، وحدث هجر للكنائس وتعاليمها من قِبل الناس، وهذا كله بسبب الحيرة التي يشعر بها كل من يقرأ الأناجيل، ولهذا نجد أن الملايين من الناس يسعون بكل جهدٍ للخروج من هذه الحيرة، فعندما يسمعون أن أحداً توصل إلى شيء جديد عن حقيقة يسوع بن يوسف النجار نراهم يهرعون لدراستها ومناقشتها كما حدث مؤخراً مع كتاب دان براون شيفرة دافنشي، فهذا الكتاب بيع منه ملايين النسخ وترجم إلى عشرات اللغات وعندما تحولت قصته إلى فيلم سينمائي شاهده الملايين على الرغم من اعتراض الكنائس المختلفة على القصة والفيلم!
وكذلك الحال عندما تم الكشف عن إنجيل يهوذا الاسخريوطي، فقد أحدث ضجة كبيرة ليس لأنه جاء بجديد، بل لان ملايين الناس قلوبهم وعقولهم حائرة وغير مستقرة على الرغم من كل قوانين إيمان الكنائس المختلفة وأسرارها ومواعظها، فالنفس التي خلقها البارئ عز وجل ما زالت تبحث عمن يزيل الحيرة من عقولها ويُبعد الغشاوة عن أبصارها ليعطيها النور والحق.
فمن لهؤلاء الناس الطيبين؟
نادر عيسى

الفصل الأول: حياة يسوع: نسب يسوع في إنجيل متّى وانجيل لوقا والاختلافات التي بينهما عرض ونقد

الفصل الأولحياة يسوع
في هذا الفصل سأستعرض حياة يسوع في مختلف مراحلها، من ولادته إلى صلبه وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السماء، مع مقارنة النصوص بعضها ببعض كما وردت في الأناجيل، ومقارنة تلك النصوص مع نصوص العهد القديم عند اقتباس كتبة الأناجيل من العهد القديم، لنرى إن كان مؤلفو الأناجيل قد كتبوا قصة واحدة عن حياة يسوع أم أن كل واحد منهم كتب قصة مختلفة عن الآخرين بحسب معلومات كل واحد منهم والمصادر التي كان يعتمد عليها، وكذلك لنرى صحة ما اقتبسوه في الأناجيل من نصوص العهد القديم، وسأبدأ باستعراض النسبين اللذين وضعهما متّى ولوقا ليسوع في إنجيليهما ثم نباشر في قراءة حياة يسوع.
نسب يسوع
قبل الحديث عن نسب يسوع في إنجيلي متّى ولوقا أود أن أطرح بعض الأسئلة الحائرة التي تدور في عقول وقلوب الكثير من الناس.
1- هل يسوع، الذي تعتبره قوانين إيمان الكنائس إله وابن إله والأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، بحاجة إلى نسب بشري؟
2- هل يُوافق يسوع نفسه على نسبته إلى داوُد؟
3- هل النسبين اللذين وُضعا ليسوع في الأناجيل متوافقين في الأسماء؟
4- هل يوجد أي رابط جسدي بين  يوسف النجار خطيب مريم ويسوع ابن مريم ليُنسب إليه؟
5- هل حقاً أن النسب الذي في إنجيل لوقا هو نسب مريم، والنسب الذي في إنجيل متّى هو ليسوع؟
وقبل البدء في دراسة نسب يسوع أود أن أذكر النسبين كما كتبهما متّى ولوقا، وكذلك ذكر نسب العهد القديم من آدم وصولاً الى نسب ذرية داوُد بعد سبي بابل، وهي كما يلي:

النسب في العهد القديم
النسب في إنجيل لوقا
النسب في إنجيل مَتّى

آدم
وهو على ما كان يُظن ابن يوسف
إبراهيم
1
شيث
هالي
اسحق
2
آنوش
متثات
يعقوب
3
قينان
لاوي
يهوذا
4
مهللئيل
ملكي
فارص ابن ثامار 
5
يارد
ينّا
حصرون
6
أخنوخ
يوسف
أرام
7
متوشالح
متّاثيا
عميناداب
8
لامك
عاموص
نحشون
9
نوح
ناحوم
سلمون
10
سام
حسلي
بوعز ابن راحاب 
11
ارفكشاد
نجّاي
عوبيد ابن راعوث
12
شالح
مآث
يسّي
13
عابر
متّاثيا
داوُد الملك
14
فالج
شمعي
سليمان
15
رعو
يوسف
رحبعام
16
سروج
يهوذا
أبيّا
17
ناحور
يوحنا
آسا
18
تارح
ريسا
يهوشافاط
19
ابراهيم
زربابل
يورام
20
اسحاق
شألتيئيل
عُزيّا
21
يعقوب
نيري
يوثام
22
يهوذا
ملكي
أحاز
23
فارص
أدّي
حزقيا
24
حصرون
قصم
منسّى
25
رام
ألمُودام
آمون
26
عميناداب
عير
يوشيا (وَلَدَ يكنيا عند سبي بابل) 
27
نحشون
يوسي
يكنيا (بعد السبي وَلَدَ شألتئيل)
28
سلمون
أليعازر
شألتئيل
29
بوعز
يوريم
زربابل
30
عوبيد
متثات
أبيهود
31
يسّي
لاوي
ألياقيم
32
داوُد
شمعون
عازور
33
سليمان
يهوذا
صادوق
34
رحبعام
يوسف
أخيم
35
ابيام
يونان
أليود
36
آسا
ألياقيم
أليعازر
37
يهوشافاط
مليا
متّان
38
يهورام
مينان
يعقوب
39
اخزبا
متّاثا
يوسف رجل مريم التي وُلِدَ منها يسوع الذي يُدعى المسيح 
40
يهواش
ناثان

41
امصيا
داوُد

42
عزريا
يسّي

43
يوثام
عوبيد

44
آحاز
بوعز

45
حزقيا
سلمون

46
منسّى
نحشون

47
امون
عميناداب

48
يوشيّا
أرام

49
يهوياقيم (الياقيم)
حصرون

50
يهوياكين (يكنيا)
فارص

51
شألتئيل
يهوذا

52
فدايا
يعقوب

53
زربابل
إسحاق

54
حننيا
ابراهيم

55
بنو حننيا (فلطيا و يشعيا)
تارح

56

ناحور

57

سروج

58

رَعُو

59

فالج

60

عابر

61

شالح

62

قينان

63

أرفكشاد

64

سام

65

نوح

66

لامك

67

متوشالح

68

أخنوخ

69

يارد

70

مهللئيل

71

قينان

72

أنوش

73

شيث

74

آدم

75

ابن إله

76

نسب متّى مذكور في الاصحاح الاول من العدد 1 الى العدد 17
نسب لوقا مذكور في الاصحاح الثالث من العدد 23 الى العدد 38
نسب العهد القديم مذكور في عدة أسفار ولكن يجمعها سفر أخبار الأيام الأول الاصحاح الاول والثاني والثالث.
بعد هذا الاستعراض لنسب يسوع في إنجيلي متّى ولوقا وأسماء آباء يسوع المفترضين من أسفار العهد القديم سأقوم بدراسة وتحليل هذا النسب لمعرفة مدى صحته ومدى اتفاق متّى ولوقا في كتابة أسماء آباء يسوع، ومدى اتفاقهما مع النسب المذكور في العهد القديم.
نسب يسوع في إنجيل متّى
يقول متّى في بداية إنجيله كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داوُد، ثم يبدأ بذكر سلسلة أولاد إبراهيم وصولاً إلى يوسف رجل مريم، فهل هذا النسب يعتبره يسوع صحيحاً أم يرفضه؟
وهل هذا النسب يُعتبر نسباً صحيحاً لا خلل فيه مقارناً بما جاء في أسفار العهد القديم من أسماء لنسل إبراهيم؟
أما بالنسبة لجواب السؤال الأول فان يسوع، إذا كان هو المسيح، يرفض ويستنكر أن ينسبه أحد الى داوُد! كما في النصوص التالية:
- وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلاً ماذا تظنون في المسيح،
ابن من هو،
قالوا له ابن داوُد،
قال لهم فكيف يدعوه داوُد بالروح رباً قائلاً، قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فإن كان داوُد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه،
فلم يستطع أحد أن يُجيبه بكلمة، ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بتة. (متّى 22: 41-46)
- ثم أجاب يسوع وقال وهو يُعلم في الهيكل كيف يقول الكتبة أن المسيح ابن داوُد، لأن داوُد نفسه قال بالروح المقدس قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فداوُد نفسه يدعوه رباً فمن أين هو ابنه،
وكان الجمع الكثير يسمعه بسرور. (مرقس 12: 35-37)
- وقال لهم كيف يقولون إن المسيح ابن داوُد،
وداوُد نفسه يقول في كتاب المزامير قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فإذاً داوُد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه. (لوقا 20: 41-44)
من هذه النصوص والتي أحدها في إنجيل متّى، الذي كتب أن يسوع ابن داوُد، نجد أن يسوع يستنكر أن يدعوه أحد ابن داوُد!
فلماذا كتب متّى أن يسوع هو ابن داوُد؟
أم إن هذا يدل على أن المسيح الذي كان يتحدث عنه يسوع في النصوص السابقة شخص آخر، ولم يكن يتحدث عن نفسه، لأنه هو ابن داوُد كما كتب عنه متّى في النسب وكما تقول الأناجيل الأُخرى والكنائس المختلفة؟!
إذاً كما قرأنا فان يسوع يستنكر أن  ينسبه أحد إلى داوُد كما فعل متّى وغيره!
فماذا بخصوص النسب من ناحية صحة ما يحتويه من أسماء ومعلومات مقارناً بما جاء في العهد القديم؟
إن أول ما نلاحظه في هذا النسب هو عدم وجود ذكر ليسوع فيه، فهو ينتهي إلى يوسف رجل مريم!
والعلاقة الجسدية أو العضوية بين يسوع ويوسف خطيب أُمه، إن صحت القصة وكان لها خطيب، كعلاقة يوسف بأي إنسان آخر على وجه الأرض، فما هي الصلة من ناحية النسب بين إنسان ولد من امرأة دون رجل، ورجل لم يكن له أي دور في هذه الولادة حتى لو كان ذلك الرجل خطيب أُمه؟!
إلا إذا كان قصد متّى عندما كتب نسب يسوع أن يشير إلى انه يؤمن أن يوسف هو أب يسوع الجسدي، ولكنه نتيجة لوجود بعض النصوص التي ظن متّى أنها تتحدث عن ولادة المسيح من امرأة عذراء اضطر لإخفاء أب يسوع الجسدي أو الطبيعي للقول أن المقصود بها هو يسوع كما في النص التالي:
هو ذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل. (إشعياء 7: 14)
مع العلم أن نسبة يسوع ليوسف باعتباره أب جسدي مذكورة في عدة نصوص في الأناجيل وفيما يلي بعض منها:
- فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة. (يوحنا 1: 45)
وهذا النص لست أدري كيف غفل عنه الروح المقدس، الذي كان يسوق يوحنا عند كتابته لإنجيله، وسمح بكتابته، أو على الأقل كيف غفلت عنه الكنائس وسمحت بكتابته لأن الجميع يعلم أن هذا النص ليس موجوداً في الناموس ولا في غيره من أسفار العهد القديم؟!
- آخرون قالوا هذا هو المسيح، وآخرون قالوا ألعلّ المسيح من الجليل يأتي، ألم يقل الكتاب أنه من نسل داوُد، ومن بيت لحم القرية التي كان داوُد فيها يأتي المسيح. (يوحنا 7: 41-42)
وهذا النص وان كان من قول اليهود إلا أنه يُشير إلى أن المسيح الذي ينتظره اليهود هو رجل من نسل داوُد!
- وقالوا أليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأُمه،
فكيف يقول هذا إني نزلت من السماء. (يوحنا 6: 42)
وهنا نقرأ على لسان أقرباء يسوع انه ابن يوسف، وهم يعرفونه ويعرفون أباه وأُمه!
- وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى ويُعطيه الرب الإله كرسي داوُد أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية. (لوقا 1: 31-33)
في هذا النص يقول الملاك جبرائيل ان يسوع ابن داوُد، ويسوع يقول ان المسيح ليس ابن داوُد، فهل هذا يعني ان يسوع ليس هو المسيح؟!
- فلما أبصراه اندهشا، وقالت له أُمه يا بني لماذا فعلت بنا هكذا،
هو ذا أبوك وأنا كنا نطلبك مُعذبين، فقال لهما لماذا كنتما تطلبانني ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي. (لوقا 2: 48-49)
في هذا النص تقول مريم ليسوع إنها وأباه يوسف كانا يبحثان عنه!
والمرأة هي خير شاهد على أب أبنائها، فهي تقول أن يوسف أب يسوع، ويسوع يقول انه ليس ابن داوُد، هذا إذا اعتبرنا أن يسوع هو المسيح، فمن نصدق مريم أم يسوع؟!
- وعندما دخل بالصبي يسوع أبواه ليصنعا حسب عادة الناموس. (لوقا 2: 27)
من هذه النصوص نجد أن نسبة يسوع ليوسف من الناحية الجسدية والطبيعية باعتباره والد يسوع ليست منفية عنه مما يستدعي توضيحاً من الكنائس، هل يسوع ابن داوُد كما قالت أُمه وجبرائيل وأقربائه واليهود في ذلك الزمان، أم انه ليس ابن داوُد كما قال يسوع عن نفسه أو بمعنى أدق عن المسيح واستنكر على من ينسبه إلى داوُد.
وقد قال البعض أن هذا النسب جاء من الديانة اليهودية التي تقول انه إذا مات رجل ولم يكن له ذرية فإن أخاه أو أقرب مواليه يتزوج بامرأته، والبكر الذي تلده يُنسب للرجل المتوفى لكي لا ينقطع نسله من بني إسرائيل، كما في النص التالي:
- اذا سكن اخوة معاً ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تصر امرأة الميت الى خارج لرجل اجنبي،
أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب أخي الزوج، والبكر الذي تلده يقوم باسم أخيه الميت لئلا يُمحى اسمه من اسرائيل،
وإن لم يرض الرجل ان يأخذ امرأة أخيه تصعد امرأة أخيه الى الباب الى الشيوخ وتقول قد أبى أخو زوجي ان يُقيم لاخيه اسماً في اسرائيل،
ولم يشأ ان يقوم لي بواجب أخي الزوج،
فيدعوه شيوخ مدينته ويتكلمون معه، فان أصرّ وقال لا أرضى ان اتخذها،
تتقدم امرأة أخيه إليه أمام أعين الشيوخ وتخلع نعله من رجله وتبصق في وجهه وتُصرّح وتقول هكذا يُفعل بالرجل الذي لا يبني بيت أخيه،
فيدعى اسمه في اسرائيل بيت مخلوع النعل. (تثنية 25: 5-10)
وكما ذُكر أيضاً في سِفر التكوين عن قصة يهوذا بن يعقوب الأب الرابع ليسوع بحسب إنجيل متّى والثاني والخمسون بحسب إنجيل لوقا وفيما يلي نصها:
- وحدث في ذلك الزمان أن يهوذا نزل من عند إخوته ومال إلى رجل عدلامي وتزوج من ابنة رجل كنعاني، فحبلت وولدت ابناً سمّاه عيرا ثم ولدت له ولداً ثانياً فسمّاه أُنان ثم ولدت له ولداً ثالثاً فسمّاه شيلة.
وأخذ يهوذا زوجة لعيرا الولد الأول اسمها ثامار وكان عيرا شريراً في عيني الرب فأماته الرب،
فقال يهوذا لابنه أُنان ادخل على امرأة أخيك وتزوج بها وأقم نسلاً لأخيك، فعلم أُنان أن النسل لا يكون له فكان إذا دخل على امرأة أخيه أنه أفسد على الأرض لكيلاً يُعطي نسلاً لأخيه، فقبح في عيني الرب ما فعله فأماته أيضاً.
فقال يهوذا لثامار زوجة ابنه اقعدي أرملة في بيت أبيك حتى يكبر شيلة ابني، لأنه قال لعله يموت هو أيضاً كأخويه، فمضت ثامار وقعدت في بيت أبيها... (تكوين 38: 1-11)
وتنتهي هذه القصة بقيام يهوذا بالزنا بزوجة ولديه ثامار، وتضع له توأماً، أحدهما يُعتبر أحد آباء يسوع بحسب النسب الذي وضعه متّى ولوقا وهو فارص!
أو كما حدث مع بوعز الأب الثلاثون المفترض ليسوع كما في نسب متّى، والخامس والأربعون كما في نسب لوقا، الذي تزوج من راعوث، حيث كان هو ولي زوجها كليون بن اليمالك الأقرب، وأنجبت منه عوبيد الأب الواحد والثلاثون المفترض ليسوع كما في نسب متّى، والسادس والأربعون في نسب لوقا، والغريب هنا هو أن عوبيد لم يُنسب لزوج أُمه السابق بل نسب لأبيه الطبيعي، والقصة مذكورة في سِفر راعوث.
فإذا كان هذا ما قاله البعض فأنا أعتقد أنهم وقعوا في مشكلة أكبر من التي حاولوا الهرب منها، لأنهم في هذه الحالة يجب أن يُثبتوا لمريم زوجاً آخر يكون قريباً ليوسف، وأن يوسف تزوج منها لينجب ولداً بكراً وينسبه إلى قريبه، وكما حدث مع بوعز نُسب الولد للأب الجسدي أو الطبيعي وليس للأب المتوفى كما تقول شريعة اليهود، وبهذا يثبتون لمريم عدة أزواج بدلاً من القول انها عذراء!
ننتقل الآن للحديث عن النسب من الناحية الذاتية ومُقارنته مع نسب العهد القديم.
الملاحظة الثانية وهي على قول متّى إن من إبراهيم إلى داوُد أربعة عشر جيلاً ومن داوُد إلى سبي بابل أربعة عشر جيلاً ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً، فالمجموع هو اثنان وأربعون جيلاً.
ولكننا لو قمنا بعدّ الأسماء الواردة في النسب لوجدناها أربعين اسماً دون يسوع، فكيف يخرج من أربعين رجلاً اثنين وأربعين جيلاً؟!
وإذا أضفنا يسوع إلى الأسماء، فيصبح العدد واحد وأربعون اسماً وهذا العدد لا يخرج منه اثنان وأربعون جيلاً!
فمن هو المسؤول عن هذا الخطأ؟
هل هو متّى كاتب الإنجيل، أم الروح المقدس الذي كان يسوق متّى عند كتابته لإنجيله؟
ولماذا لم تصحح الكنائس هذا الخطأ الظاهر، بأمر من المعزي روح الحق الذي قال يسوع انه سيُرسله لهم ويمكث معهم إلى الأبد؟
الملاحظة الثالثة على النسب تكمن في إصرار متّى على تكرار ذكر الأربعة عشر جيلاً ثلاث مرات، فما هو سرّ الرقم أربعة عشر الذي كرره متّى ثلاث مرات على الرغم من عدم صحته؟
بعض العلماء ومنهم البروفسور بارت اهرمان يقول ان السر في هذا الأمر هو ان مجموع احرف اسم داوُد في اللغة العبرية بحسب علم الجُمّل يساوي اربعة عشر لهذا أحب متّى ان يربط نسبه بداوُد من هذا المعنى! (هذا العلم أي علم الجُمّل يعطي لكل حرف رقم، ومنه قد يستخرج بعض المغفلين والمهوسين  بعض الأمور التي يعتقدون انها ستحدث في المستقبل!)
الملاحظة الرابعة وهي أننا لو قارنا بين الأسماء المذكورة في نسب متّى والأسماء المذكورة في العهد القديم فسوف نجد أن متّى قام بحذف عدة أسماء من نسب العهد القديم وهي كما يلي
1- وملّك سكان أُورشليم  أخزيا ابنه الاصغر (أي ابن يورام) عوضاً عنه لأن جميع الاولين قتلهم الغزاة الذين جاءوا مع العرب الى المحلة، فملك أخزيا بن يهورام ملك يهوذا. (أخبار الأيام الثاني 22: 1)
2- كان يوآش (ابن أخزيا) ابن سبع سنين، وملك أربعين سنة في أُورشليم واسم أُمه ظبية من بئر سبع. (أخبار الأيام الثاني 24: 1)
3- مَلكَ أمصيا (ابن يوآش) وهو ابن خمس وعشرين سنة وملك تسعاً وعشرين سنة في أُورشليم واسم أُمه يهوعدّان من أُورشليم. (أخبار الأيام الثاني 25: 1)
فهو يقول إن يورام أب عُزيا في حين إن يورام جد أبيه!
فلماذا قام متّى بحذف هؤلاء الثلاثة، ولماذا وافقه الروح المقدس على ذلك؟
لا جواب، حتى لو اعتبرنا أن متّى كان عنده سرّ في الرقم أربعة عشر وأراد بحذف هذه الأسماء أن يتوافق نسبه مع الرقم، فهو لم يوفق في هذا العمل، فحذفه للأسماء الثلاثة لم يجعل الرقم أربعة عشر صحيحاً في نسبه!
ولكن هل هذه الأسماء هي وحدها التي قام متّى بحذفها من نسب العهد القديم ليُثبت أن الأجيال بين إبراهيم وداوُد وسبي بابل ويسوع كانت تحت رقم أربعة عشر؟
يقول متّى في نسبه إن يوشيا وَلدَ يكنيا وإخوته عند سبي بابل وأن شألتئيل وُلِد بعد سبي بابل، فهل هذا يتوافق مع العهد القديم؟
لنتصفح العهد القديم لنرى ماذا كتب عن هؤلاء الأشخاص.
- كان يوشيا ابن ثمان سنين حين مَلك، ومَلك إحدى وثلاثين سنة في أُورشليم، وعمل المستقيم في عيني الرب وسار في جميع طرق داوُد أبيه. . . . .
وفي أيامه صعد فرعون مصر نخو (اسم الفرعون) على ملك أشور إلى نهر الفرات، فصعد الملك يوشيا للقائه فقتله في مجدّو حين رآه. . .
فأخذ شعب الأرض يهوآحاز بن يوشيا ومسحوه ملكاً عوضاً عن أبيه،
وكان يهوآحاز ابن ثلاث وعشرين سنة حين ملك، وملك ثلاثة أشهر في أُورشليم، وأسره فرعون مصر نخو في ربلة،
ومَلّك فرعون مصر الياقيم بن يوشيا عوضاً، وغيّر اسمه إلى يهوياقيم،
وكان يهوياقيم ابن خمس وعشرون سنة حين ملك، وملك إحدى عشر سنة في أُورشليم، وعمل الشر في عيني الرب حسب أعمال آبائه، وفي أيامه صعد نبوخذناصر ملك بابل، ثم اضطجع يهوياقيم مع آباءه، وملك يهوياكين ابنه عوضاً عنه، وكان يهوياكين ابن ثماني عشرة سنة حين ملك، وملك ثلاثة أشهر في أُورشليم . . .
في ذلك الزمان صعد عبيد نبوخذ ناصر ملك بابل إلى أُورشليم. . . . .
وسُبيَ يهوياكين إلى بابل. (أخبار الأيام الثاني الإصحاح الرابع والثلاثون إلى الإصحاح السادس والثلاثين)
في هذا النص نقرأ أن يوشيا مات قبل سبي بابل بأكثر من عشر سنوات، فمن هو المسؤول عن كتابة هذه الجملة الخاطئة في إنجيل متّى، ولماذا لم تُصحح؟
والأهم من هذا الخطأ هو قيام متّى بحذف اسم آخر من نسب العهد القديم وهو يهوياقيم، فيوشيا ليس والد يكنيا بل جده!
فما هو السبب الذي دفع متّى لحذف أب يكنيا من نسبه؟
لنقرأ النصين التاليين:
- لذلك هكذا قال الرب عن يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا، لا يندبونه قائلين آه يا أخي أو آه يا أُخت،
لا يندبونه قائلين آه يا سيد أو آه يا جلاله،
يُدفن دفن حمار مسحوباً ومطروحاً بعيداً عن أُورشليم. (إرميا 22: 18-19)
- حيّ أنا، يقول الرب ولو كان كنياهو بن يهوياقيم ملك يهوذا خاتماً في يدي اليمنى فاني من هناك أنزعك، وأُسلمك ليد طالبي نفسك ولِيَد الذين تخاف منهم وليد نبوخذ راصر ملك بابل وليد الكلدانيين،
وأطرحك وأُمك التي ولدتك إلى أرض أُخرى لم تولد فيها وهناك تموتان، هل هذا الرجل كنياهو وعاء خزف مُهان ومكسور أو إناء ليست فيه مسرّة،
لماذا طرح هو ونسله وأُلقوا إلى أرض لم يعرفوها،
يا أرض يا أرض اسمعي كلمة الرب،
هكذا قال الرب اكتبوا هذا الرجل عقيماً،
رجلاً لا ينجح في أيامه لأنه لا ينجح من نسله أحد جالساً على كرسي داوُد وحاكماً بعد في يهوذا. (إرميا 22: 24-30)
من هذين النصين يتبين لنا أن يهوياقيم ابن يوشيا وأن يكنيا هو حفيد يوشيا وليس ابنه، كما يتبين لنا أن نهاية يهوياقيم كانت مزرية، إذ أنه دفن كالحمار مسحوباً ومطروحاً بعيداً عن أُورشليم!
والأهم من كل ما سبق أن الرب قال انه لن ينجح ليكنيا أحد من نسله جالساً على كرسي داوُد وحاكماً بعد في يهوذا، وهو ما يُشير إلى أن يسوع إذا اعتبرته الكنائس من نسل داوُد كما كتبه متّى، أي من النسل الملكي، فانه ليس المُبَشرَ به في أسفار العهد القديم، لأن الرب يقول انه لن ينجح أحد من نسل يكنيا في الجلوس على كرسي داوُد، وأظن أن هذا هو السبب الذي جعل متّى يسعى إلى حذف عدد من أسماء نسب العهد القديم وخاصة يهوياقيم حتى لا ينتبه أحد لهذه النبوءة، وأن حذفه للأسماء لم يكن له علاقة بالرقم أربعة عشر، لأن ذكره لهذا الرقم زاد الأمر شكاً في صحة النسب الذي كتبه، خاصة وأنه لم يذكر أسماء معينة تؤدي إلى صحة الرقم أربعة عشر كما ظهر لنا سابقاً.
وقد وجدت نصاً أوضح من النصوص السابقة يؤكد أنه لن يكون ليهوياقيم من ذريته من يجلس على كرسي داوُد وهذا النص في سِفر إرميا وهو كما يلي:
- لذلك هكذا قال الرب عن يهوياقيم ملك يهوذا،
لا يكون له جالس على كرسي داوُد وتكون جثته مطروحة للحرّ نهاراً وللبرد ليلاً،
وأُعاقبه ونسله وعبيده على إثمهم وأجلب عليهم وعلى سكان أُورشليم وعلى رجال يهوذا كل الشرّ الذي كلمتهم عنه ولم يسمعوا. (إرميا 36: 30-31)
وأعتقد أن لوقا قد انتبه لهذه المشكلة في نسب يهوياقيم وأنه لن يكون أحد من نسله جالساً على كرسي داوُد وحاكماً في أُورشليم فكتب نسبه بطريقة تخرجه من نبوءة إرميا كما سنقرأ بعد قليل.
وأما قول متّى أن شألتئيل وَلدَ زربابل فهذا خطأ لأن شألتئيل هو جدّ زربابل وليس أباه كما هو مكتوب في النص التالي:
- وبنو يوشيا البكر يوحنان الثاني يهوياقيم الثالث صدقيا الرابع شلوم،
وابنا يهوياقيم يكنيا ابنه وصدقيا ابنه،
وابنا يكنيا أسير وشألتئيل ابنه،
وملكيرام وفدايا وشنأصر ويقميا وهوشاماع وندبيا،
وابنا فدايا زربابل وشمعي،
وبنو زربابل مشلام وحننيا وشلومية أُختهم،
وحشوبة وأُهل وبرخيا وحسديا ويوشب حسد خمسة،
وبنو حننيا فلطيا ويشعيا وبنورفايا وبنوأرنان وبنو عوبديا وبنو شكنيا،
وبنو شكنيا شمعيا،
وبنو شمعيا حطوش ويجآل وباريح ونعريا وشافاط ستة،
وبنو نعريا اليوعيني وحزقيا وعزريقام ثلاثة،
وبنو اليوعيني هوداياهو وألياشيب وفلايا وعقوب ويوحانان ودلايا وعناني، سبعة. (أخبار الأيام الأول 3: 15-24)
في هذا النص يظهر لنا أن زربابل هو ابن فدايا وفدايا ابن شألتئيل وليس كما كتب متّى أن شألتئيل هو والد زربابل، وإن كان هناك نص في كتاب عزرا يقول فيه أن زربابل هو ابن شألتئيل:
- وقام يشوع بن يوصاداق وإخوته الكهنة وزربابل بن شألتئيل وإخوته وبنوا مذبح إله اسرائيل ليُصعدوا عليه محرقات كما هو مكتوب في شريعة موسى رجل الاله. (عزرا 3:2)
Ezra 3:2 Then Jeshua the son of Jozadak and his brethren the priests, and Zerubbabel the son of Shealtiel and his brethren, arose and built the altar of the God of Israel, to offer burnt offerings on it, as it is written in the Law of Moses the man of God.
وهذا الامر لا ينهي المشكلة لأن الكنائس تقول أن كتب العهد القديم مكتوبة بسوق من الروح القدس وهذا الاختلاف بحاجة الى توضيح.
ثم يُكمل متّى ذكر أسماء آباء يسوع المفترضين فيقول زربابل ولد أبيهود وأبيهود ولد الياقيم والياقيم ولد عازور وعازور ولد صادوق وصادوق ولد أخيم وأخيم ولد أليود وأليود ولد أليعازر وأليعازر ولد متان ومتان ولد يعقوب ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يُدعى المسيح.
ولكن لو استعرضنا ذرية زربابل كما ذكرت في النص السابق فسنجد أنه لا يوجد بعد زربابل اسم واحد يشبه الأسماء التي ذكرها متّى؟!
فلماذا هذا الاختلاف في الأسماء؟
قد يقول بعضهم إن الأسماء الواردة في نسب متّى هي الصحيحة وأن ما هو مكتوب في العهد القديم هو الخطأ.
وهذا القول معقول، إلا أن ما تقوله الكنائس من أن أسفار العهد القديم مكتوبة بسوق من الروح المقدس أيضاً ينقض هذا القول، إلا إذا اعترفت الكنائس أن ما هو مكتوب في العهد القديم ليس مكتوباً بسوق من الروح المقدس، وانه ليس كل ما هو مكتوب في العهد القديم صحيح، فإذا اعترفت الكنائس بهذه الحقيقة فإننا نرضى بهذا ونقول إن نسب متّى صحيح بالنسبة لما جاء في العهد القديم، ولكن يبقى أن نرى إن كان قد اتفق متّى ولوقا في كتابة أسماء النسبين اللذين قالا إنهما لآباء يسوع!
نسب يسوع في إنجيل لوقا
ننتقل الآن للحديث عن النسب الذي كتبه لوقا لنرى إن كان قد توافق مع النسب الذي كتبه متّى، وإن كان قد استطاع أن يتجاوز الأخطاء السابقة أم لا.
يبدأ لوقا بذكر النسب على النحو التالي:
- ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة،
وهو على ما كان يُظن ابن يوسف ابن هالي ابن متثان. . . . إلى آخر النسب كما هو مكتوب أول الفصل.
أول ما يُلاحظه القارئ في هذا النسب هو الجملة الافتتاحية التي بدأ فيها لوقا بذكر النسب وهي قوله وهو على ما كان يُظن فهذه الجملة تعتبر من الجمل الغريبة التي يمكن للإنسان أن يقرأها في كتاب يقول أصحابه أنه مكتوب بسوق من الروح المقدس، وأنه العهد الجديد للبشرية، وأنه لا خلاص لها إلا بإتباعه والإيمان بما فيه من معلومات.
فكيف يخفى على الروح المقدس إن كان يسوع هو ابن يوسف أم ابن غيره أم ليس له أب أصلاً حتى يقول انه على ما كان يُظن!
ألم يعلم لوقا أو الروح المقدس الذي كان يسوقه عند كتابة إنجيله أن يسوع ليس ابن يوسف؟
أم إن لوقا والروح المقدس يؤمنان أن يسوع مولود من مريم نتيجة اجتماعها مع رجل ولكنهما غير متيقنان من شخصيته، لهذا ظنا أنه ابن يوسف؟!
أم نقول إن لوقا، وهو ليس من تلاميذ يسوع، عند كتابته إنجيله بعد عشرات السنين من صعود يسوع الى السماء لم تسعفه المعلومات المتوفرة له عن ولادة يسوع إن كان يسوع وُلِدَ من يوسف أم من غيره فكتب ما كان يظنه الناس عن يسوع من انه ابن يوسف؟
ولست أدري أين كان الروح المقدس حين كتب لوقا هذه الجملة ولماذا لم ينبهه إلى أنها غير صحيحة ويخبره أن يسوع وُلِدَ من غير رجل وأن ولادته كانت معجزة، إلا إذا كان الروح المقدس يوافق لوقا فيما كتبه وهو يظن أيضاً أن يسوع ابن يوسف؟!
وإذا كان علم لوقا والروح المقدس عن أب يسوع ظناً فماذا نتوقع عن علمهما بحياة يسوع الحقيقية؟!
وهنا يحضرني سؤال وهو كيف رضيت الكنائس بإبقاء هذه الجملة في إنجيل لوقا ولم تقم بحذفها طالما أن يسوع قال لهم انه سيرسل لهم المعزي روح الحق ويمكث معهم إلى الأبد ويرشدهم إلى الحق كله، أم إن الروح المقدس الماكث مع الكنائس أرشدهم إلى أن أب يسوع هو على ما كان يُظن يوسف؟!
وإذا كانت الكنائس توافق لوقا فيما كتبه من أن يسوع يُظن أنه ابن يوسف فكيف ستقنع أتباعها الطيبين بأن يسوع وُلِدَ من غير أب بشري؟!
الملاحظة الثانية وهي على قوله  في آخر النسب شيت بن آدم ابن الإله!
فنجد أن لوقا لم يكتب انه يظن أن آدم ابن الإله كما كتب عن يسوع في أول النسب مع العلم أنه لا يوجد أي نص في العهد القديم يقول ان آدم ابن الإله.
وهنا قد يقول بعضهم إن كلمة ابن الإله عائدة على يسوع وليس على آدم.
فنقول لهم إذا كان ما تقولونه صحيحاً فلماذا أتحفنا لوقا بذكر خمسة وسبعين اسماً وقال إنهم آباء يسوع طالما أن يسوع ابن الإله؟!
الملاحظة الثالثة وهي أن لوقا كتب في نسبه أن داوُد أحد آباء يسوع، والغريب أن لوقا نفسه كتب في إنجيله ان يسوع يستنكر أن يدعوه أحد أنه ابن داوُد كما في النص التالي:
- وقال لهم كيف يقولون إن المسيح ابن داوُد،
وداوُد نفسه يقول في كتاب المزامير قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فإذاً داوُد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه. (لوقا 20: 41-44)
فكما نقرأ فإن لوقا نفسه كتب أن يسوع يستنكر على من يقول عنه، أو بمعنى أدق عن المسيح، انه ابن داوُد، فكيف يكتب ان داوُد أحد آباء يسوع، إلا إذا كان يسوع يتحدث عن مسيح آخر سيكون رباً لداوُد وليس ابنه؟!
والآن لنلقي نظرة على النسب بعيداً عن الملاحظات السابقة، مقارناً بنسب متّى ونسب العهد القديم.
أول ما نلاحظه على نسب لوقا هو قيامه بكتابة اسم لرجل لا يعرف عنه أحد في العالم شيئاً ولم يأت له ذكر في أي من أسفار العهد القديم وهو قينان الذي يحمل الرقم الثالث والستون في نسبه!
وهنا لا بد من الاشارة الى أن هذا الاسم مذكور في التوراة السبعينية التكوين الاصحاح العاشر ولكنه غير مذكور في أخبار الأيام الأول الإصحاح الأول من نفس النسخة! وهذا الامر سيتم توضيحه بشكل مفصل في كتاب مصادر الاناجيل وكيفية تعامل كتبة الاناجيل مع العهد القديم سواء النسخة السبعينية أو العبرانية.
الملاحظة الثانية وهي أن لوقا كتب اسم ناثان بدلاً من سليمان، وهذا الرجل ليس له ذكر في العهد القديم سوى أنه ابن داوُد ولا يوجد أي ذكر لذريته أصلاً، (صموئيل الثاني 5: 14-16) و (الأيام الأول 3: 5)
وأظن ان السبب الذي دفع لوقا لكتابة نسب يسوع بعيداً عن النسل الملكي هو ما سبق وذكرته عن النبوءة التي تتحدث عن أنه لن يكون ليكنيا أحد من نسله جالساً على كرسي داوُد في أُورشليم، ولوقا كتب إنجيله على أساس أن يسوع هو المُبَشر به في أسفار العهد القديم باعتباره الرجل الذي من نسل داوُد الذي سيجلس على كرسي داوُد ولا يكون لحكمه نهاية، وللخروج من تلك النبوءة قام بوضع نسب ليسوع من ناثان ابن داوُد وليس من سليمان، ومن ثم أُضطر إلى ذكر تسعة وثلاثين اسماً من متاثا ابن ناثان إلى هالي والد يوسف النجار لا يعلم أحد في العالم عنهم شيئاً ولم يأت لهم أي ذكر في أي سفر من أسفار العهد القديم ولا العهد الجديد سوى ما كتبه لوقا عن أسمائهم!
كما يلاحظ القارئ أيضاً عند قراءة نسب متّى ونسب لوقا هو اتفاقهما في الأسماء البعيدة، والمذكورة في نسب العهد القديم، من إبراهيم إلى داوُد، واختلافهما الكلي في الأسماء القريبة بدءاً من أب يوسف النجار وجده وصولاً إلى داوُد الذي اتفقا عليه، وهذا الأمر يثير في النفس الكثير من التساؤلات عن المصادر التي كانا يعتمدان عليها في كتابة نسبيهما!
فيمكن للإنسان أن يتساهل في نسيان اسم الجد العاشر أو الخامس عشر، أما أن لا يتفقا على اسم أب يوسف النجار فيقول متّى انه يعقوب ويقول لوقا انه هالي، فهذا ما لا يمكن التساهل فيه!
إن هذا الاختلاف من غرائب الأُمور، إذ كيف لا يعرف متّى ولوقا اسم أب يوسف ويُخالف أحدهما الآخر، في حين يتفقان في الأسماء البعيدة، فإذا كانا مختلفين في الأسماء القريبة فكيف يطلبان من الناس تصديقهما في الأسماء البعيدة؟
وهنا لا بد من الإشارة الى خطأ ما تقوله الكنائس من أن نسب لوقا هو نسب مريم، فالأمر أصبح واضحاً وضوح الشمس أن نسب لوقا هو ليسوع أيضاً كما قال هو نفسه عندما كتب وهو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي.
وأخيراً ألم يكن جديراً بمتّى ولوقا أن يكتبا نسب يسوع من جهة أُمه، وهو الذي وُلِدَ من غير رجل، بدلاً من الخوض في أسماء لا يعلم أحد عنها شيئاً ودون الحاجة لحذف أسماء وإضافة أُخرى؟!
ولماذا كل هذه المحاولات في إثبات نسب لإنسان لم يُولد من رجل أصلاً، والقول مرة يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع، وأُخرى وهو على ما كان يُظن ابن يوسف؟