الثلاثاء، 27 يناير 2015

الفصل الأول: حياة يسوع: قصة العشاء الاخير ليسوع وحقيقة الافخارستيا أو سرّ التناول أو أكل جسد يسوع وشرب دمه واعلان يسوع عن خيانة يهوذا الاسخريوطي وشك بطرس وباقي التلاميذ فيه في الاناجيل الاربعة وتناقضاتها

الفصل الأولحياة يسوع
في هذا الفصل سأستعرض حياة يسوع في مختلف مراحلها، من ولادته إلى صلبه وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السماء، مع مقارنة النصوص بعضها ببعض كما وردت في الأناجيل، ومقارنة تلك النصوص مع نصوص العهد القديم عند اقتباس كتبة الأناجيل من العهد القديم، لنرى إن كان مؤلفو الأناجيل قد كتبوا قصة واحدة عن حياة يسوع أم أن كل واحد منهم كتب قصة مختلفة عن الآخرين بحسب معلومات كل واحد منهم والمصادر التي كان يعتمد عليها، وكذلك لنرى صحة ما اقتبسوه في الأناجيل من نصوص العهد القديم، وسأبدأ باستعراض النسبين اللذين وضعهما متّى ولوقا ليسوع في إنجيليهما ثم نباشر في قراءة حياة يسوع.
الإعداد للعشاء الأخير أو عشاء الفصح
ثم يذكر متّى ومرقس ولوقا الإعداد للعشاء الأخير، كما في النصوص التالية:
- وفي أول أيام الفطير تقدّم التلاميذ إلى يسوع قائلين له أين تريد أن نعدّ لك لتأكل الفصح،
فقال اذهبوا الى المدينة الى فلان وقولوا له المعلم يقول ان وقتي قريب، عندك أصنع الفصح مع تلاميذي،
ففعل التلاميذ كما أمرهم يسوع وأعدّوا الفصح. (متّى 26: 17-19)
- فأرسل اثنين من تلاميذه وقال اذهبا الى المدينة فيلاقيكما انسان حامل جرّة ماء، اتبعاه، وحيثما يدخل فقولا لرب البيت ان المعلم يقول أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي،
فهو يريكما عليّة كبيرة مفروشة معدّة، هناك أعدّا لنا،
فخرج تلميذاه وأتيا الى المدينة ووجدا كما قال لهما،
فأعدّا الفصح. (مرقس 14: 13-16) ولوقا ذكر نفس القصة الا انه حدد أسماء التلميذين وقال انهما بطرس ويوحنا. (لوقا 22: 7-13)
وأما يوحنا فلم يذكر شيئاً عن التحضير للفصح وبدأ بالحديث عما جرى في العشاء مباشرة.
العشاء الأخير
ووقت العشاء يجتمع يسوع مع تلاميذه الاثني عشر وخلال العشاء يقوم بعملين ويخبرهم بخبرين.
أما العملان فهما:
الأول وهو قيام يسوع بإطعام التلاميذ خبزاً واسقائهم خمراً وقوله لهم إن الخبز والخمر هما جسده ودمه.
والثاني وهو قيامه بغسل أرجلهم، وهذا العمل لم يذكره سوى يوحنا الذي بدوره لم يتحدث عن إطعام يسوع تلاميذه الخبز واسقائهم الخمر والقول إنهما جسده ودمه!
وأما الخبران فهما:
الأول إعلانه عن خيانة يهوذا.
والثاني إعلانه عن شكهم جميعاً فيه وخاصة بطرس.
وفي الصفحات التالية سأُناقش هذه المسائل بالترتيب وأبدأ بإطعامهم الخبز واسقائهم الخمر، أو ما تسميه الكنائس الافخارستيا أو سرّ التناول.
الافخارستيا أو سرّ التناول أو أكل جسد يسوع وشرب دمه
- وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسّر وأعطى التلاميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي،
وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً اشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا،
وأقول لكم اني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا الى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديداً في مملكة أبي. (متّى 26: 26-29)
- وفيما هم يأكلون أخذ يسوع خبزاً وبارك وكسّر وأعطاهم وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي،
ثم أخذ الكأس وشكر وأعطاهم فشربوا منها كلهم،
وقال لهم هذا هو دمي الذي للعهد الجديد، الذي يسفك من أجل كثيرين،
الحق أقول لكم اني لا أشرب بعد من نتاج الكرمة الى ذلك اليوم حينما أشربه جديداً في مملكة الاله. (مرقس 14: 22-25)
- ولما كانت الساعة اتكأ والاثنا عشر رسولاً معه،
وقال شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم،
لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد حتى يُكمل في مملكة الإله،
ثم تناول كأساً وشكر وقال خذوا هذه واقتسموها بينكم،
لأني أقول لكم إني لا أشرب من نتاج الكرمة حتى تأتي مملكة الإله،
وأخذ خبزاً وشكر وكسّر وأعطاهم قائلاً هذا هو جسدي الذي يُبذل عنكم،
اصنعوا هذا لذكري،
وكذلك الكأس أيضاً بعد العشاء قائلاً هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُسفك عنكم. (لوقا 22: 14-20)
من هذه النصوص يلاحظ القارئ انه توجد عدة مسائل بحاجة للبحث والنقاش:
1- حضور يهوذا الاسخريوطي العشاء وأكله جسد يسوع وشربه دمه كباقي التلاميذ.
2- وَعْدْ يسوع لتلاميذه بأن يشربوا معه الخمر في مملكة أبيه كما قال الثلاثة وزاد لوقا بأنه سيأكل معهم أيضاً في المملكة.
3- إطعامهم الخبز وسقيهم الخمر والقول إنهما جسد يسوع ودمه الذي يُسفك عنهم.
المسألة الأُولى وهي حضور يهوذا الاسخريوطي وأكله لجسد يسوع وشربه دمه فهذه معضلة لن تستطيع الكنائس التخلص منها ما دامت الأناجيل تطبع وفيها هذه الفقرات، لأنه لو كان ما تقوله الأناجيل وقوانين إيمان الكنائس من أن تناول جسد يسوع وشرب دمه يعني حلول يسوع في جسم المتناول لكان أولى واحد في هذا الحلول هو يهوذا، وهذا ما تنفيه الكنائس، وهنا لن تستطيع القول إن عدم حلول يسوع في جسد المتناول قد يكون بسبب الحالة الإيمانية للكاهن أو الراهب الذي يقوم بأداء صلوات معينة حتى يحلّ جسد يسوع في المتناول، لأنه في حالة يهوذا كان يسوع هو من قام بمناولته الخبز والخمر، وقد تقول الكنائس ان عدم حلول يسوع في يهوذا كان بسبب عدم إيمانه، كما قال بولس في النص التالي:
- إذاً أي من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرماً في جسد الرب ودمه، ولكن ليمتحن الإنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس، لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق، يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب،
من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون،
لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا،
ولكن إذ حُكم علينا نؤدب من الرب لكي لا ندان مع العالم. (1كورنثوس 11: 27-32)
في هذا النص يقول بولس ان من يأكل ويشرب بدون استحقاق، كيهوذا، يكون مجرماً، ولكنه يكمل كلامه فيقول ان الأكل والشرب بغير استحقاق يؤدي الى الضعف والمرض والموت، وهذا الكلام ينطبق على جميع أتباع الكنائس بدءاً من التلاميذ وانتهاءاً بآخر إنسان أكل جسد يسوع وشرب دمه ومات!
وهذا الكلام قاله بولس لأنه كان يؤمن ان يسوع سوف يعود والتلاميذ، أو بعضهم، أحياء كما في النص التالي:
- ثم لا أُريد أن تجهلوا أيها الإخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم،
لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الإله أيضاً معه،
فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب،
إننا نحن الأحياء الباقين الى مجيء الرب لا نسبق الراقدين،
لأن الرب نفسه بهتافٍ بصوت رئيس ملائكة وبوق الإله سوف ينزل من السماء، والأموات في المسيح سيقومون أولاً،
ثم نحن الأحياء الباقين سنُخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء،
وهكذا نكون كل حين مع الرب.
لذلك عَزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام. (1تسالونيكي 4: 13-18)
  فحالة الإنسان الإيمانية لا علاقة لها بحلول يسوع في المتناول، وحقيقة التناول ندركها من خلال ما كتبته الأناجيل عن التلاميذ بعد العشاء الأخير، إذ كتبت ان هؤلاء التلاميذ أمضوا الليلة وهم نيام مع أن يسوع طلب منهم السهر معه ولو لساعة، وهربوا وتركوه وحيداً عند إلقاء القبض عليه وشكوا فيه وأنكروه كلهم وزاد بطرس على ذلك بلعنه، ولم يصدقوا انه قام من الأموات، فلو كان ما كتبته الأناجيل وما تقوله الكنائس عن حقيقة التناول أو الافخارستيا صحيحاً لما كانت هذه هي حالة التلاميذ، ولما ماتوا كما قال بولس في النص السابق، وهي تشبه حالة يهوذا في عدم الإيمان.
المسألة الثانية وهي وعد يسوع للتلاميذ بأن يأكلوا ويشربوا معه في مملكته، فهي مما تصرّ الكنائس على نفيه بكل قوة وتقول انه لا يوجد أكل ولا شرب في مملكة يسوع، مع أنه ينقض قول يسوع هنا، وينقض قول يسوع التالي:
- أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي،
وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي مملكة،
لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في مملكتي،
وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل ألاثني عشر. (لوقا 22: 28-30)
في هذا النص يَعِد يسوع تلاميذه بالإضافة إلى جلوسهم على كراسي ليدينوا أسباط إسرائيل الاثني عشر بأنهم سيأكلون معه ويشربون على مائدته في مملكته، كما انه يوجد نص في إنجيل لوقا يتحدث فيه يسوع عن قصة الرجل الغني مع الرجل الفقير، واسمه لعازر، فيدخل الغني الجحيم ولعازر الجنة، فيطلب الغني من إبراهيم أن يرسل مع لعازر بعض الماء من الجنة إليه وهو في الجحيم، كما في النص التالي:
- فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم،
ومات الغني أيضاً ودُفن،
فرفع عينيه في الجحيم وهو في العذاب ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه،
فنادى وقال يا أبي إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء ويُبرّد لساني لأني معذب في هذا اللهيب،
فقال إبراهيم يا ابني اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا، والآن هو يتعزّى وأنت تتعذب. (لوقا 16: 22-25)
كل هذه النصوص تنقضها الكنائس وتقول انه لا يوجد أكل ولا شرب في الجنة بحجة أن الناس في الجنة يكونون كالملائكة، وحتى لا أُطيل الكلام أكثر في هذه المسألة سأُحضر نصاً من المزامير التي تتباهى الكنائس أنه يوجد بها عشرات النصوص تحدثت وتنبأت عن يسوع لنرى ماذا قالت المزامير عن الملائكة وطعامهم:
- وأمطر عليهم منّاً للأكل وبُرّ السماء أعطاهم،
أكل الإنسان خبز الملائكة. (مزمور 78: 24-25)
فهذا القول واضح في أن للملائكة خبزاً تأكله، طبعاً كما يقول من كتب المزمور!
ولست أدري بعد هذا الشرح ما الذي يضير الكنائس أن تكتب قانوناً جديداً للإيمان تقول فيه أن الناس في مملكة يسوع سيأكلون ويشربون، وخاصة أن يسوع نفسه يقول انه سيأكل ويشرب مع تلاميذه في مملكته؟!
المسألة الثالثة وهي أكل جسد يسوع وشرب دمه وحلول يسوع في الإنسان الذي يفعل هذا، فهي مسألة تحتاج إلى شرح وتفصيل، فظاهرياً نستطيع القول، والكنائس تعرف هذا، ان هذه العملية لا تزيد عن كونها عملاً طقسياً تقوم به الكنائس بحسب قول لوقا على لسان يسوع اصنعوا هذا لذكري، لأنه لم يحدث في التاريخ كله منذ زمن العشاء الأخير إلى وقتنا الحاضر أن حلّ يسوع في أحد تناول هذا الخبز وشرب معه قليلاً من الخمر، بدءاً من التلاميذ وانتهاء بآخر طقس قامت فيه الكنائس بمناولة أتباعها الخبز والخمر.
ولكن إصرار الكنائس على القول إن أكل الخبز وشرب الخمر يعني حلول يسوع في الإنسان كما فعل في العشاء الأخير، على الرغم من نقضها لقوله انه يوجد طعام وشراب في مملكته، يدفعني لمناقشة المسألة من نص آخر ذكره يوحنا في إنجيله وتحدث فيه يسوع عن دمه وجسده باعتباره قابلاً للأكل، وهو كما يلي:
فقالوا له فأيّة آية تصنع لنرى ونؤمن بك، ماذا تعمل،
آبائنا أكلوا المنّ في البرية كما هو مكتوب أنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا،
فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء.
يبدأ النص بحوار بين اليهود ويسوع، فيطلبون منه آية ويشيرون الى آية إطعام بني إسرائيل المنّ في سيناء، فيجيبهم بقوله إن موسى ليس هو من أعطاهم المنّ من السماء! وللحقيقة فان المتأمل في طلب اليهود هنا يجد إنهم لم يتحدثوا عن موسى إن كان هو من أعطاهم المنّ أم لا، فهم يعلمون أن المنّ ليس من موسى، وإنما هم طلبوا من يسوع آية وأشاروا إلى آية قرأوا عنها في العهد القديم.
بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء،
لأن خبز الإله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم،
فقالوا يا سيد أعطنا في كل حين هذا الخبز.
ويُعقّب يسوع على قوله إن موسى لم يعطهم المنّ، فيقول إن أباه يُعطيهم الخبز الحقيقي من السماء، وهنا هؤلاء اليهود يظنون أن يسوع سيستجيب لطلبهم بأن يريهم آية، فهم قد حاولوا معه عدة مرات ولم يُفلحوا في اقناعه بأن يُعطيهم آية تدل على رسالته أو على من أرسله، فيُسارعون إلى اغتنام الفرصة ويقولون له يا سيد أعطنا في كل حين هذا الخبز، فيجيبهم يسوع بقوله:
فقال لهم يسوع أنا هو خبز الحياة،
من يُقبل اليّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً.
ومن هول المفاجأة يُصاب هؤلاء بالذهول فيتابع يوحنا الكتابة على لسان يسوع فيقول:
ولكني قلت لكم إنكم قد رأيتموني ولستم تؤمنون.
ويبقى هؤلاء مصابون بالذهول فهم توقعوا أن يحصلوا على الخبز الحقيقي، ولكنه يقول لهم انه هو الخبز، وفيما هم يفكرون في الطريقة التي سيتناولون فيها هذا الخبز الحقيقي النازل من السماء يُتابع يوحنا كتابة الكلام على لسان يسوع فيقول:
كل ما يُعطيني الأب فاليّ يُقبل، ومن يُقبل اليّ لا أُخرجه خارجاً.
وهذا الكلام لا يزيد هؤلاء المساكين إلا دهشة وحيرة، فهم سألوه عن آية ليؤمنوا به، وهو بدأ يتحدث عن الخبز الحقيقي ويقول عن نفسه انه هو الخبز، وهم يفكرون في كيفية أكله، وهو يقول لهم إن ما يُعطيه أبوه له فانه يُقبل إليه ومن يُقبل إليه لا يخرجه خارجاً، ويستمر في الحديث عن أبيه ومشيئته:
لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني،
وهذه مشيئة الأب الذي أرسلني، أن كل ما أعطاني لا أُتلف منه شيئاً بل أُقيمه في اليوم الأخير،
لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني، أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخير.
وهنا يقول يوحنا إن مشيئة يسوع ليست كمشيئة أبيه، وان يسوع ما جاء ليعمل مشيئته بل مشيئة أبيه، وفي خضم الحديث عن مشيئة يسوع ومشيئة أبيه، ينسى يسوع أو بمعنى أدق يوحنا، أن قوانين إيمان الكنائس تقول إن مشيئتهما واحدة وأنهما من نفس الجوهر، أو نقول إن قوانين إيمان الكنائس تناست، أو تتناسى، أن مشيئة يسوع ليست كمشيئة أبيه، لهذا كان عليها أن تقول إن مشيئتهما ليست واحدة وأنهما بالتالي ليسا واحد ولا من نفس الجوهر!
وأما قوله إن كل ما أعطاه أبوه فانه لا يتلف منه شيئاً بل يقيمه، فنحن سننتظر بضعة أسطر لنرى حقيقة هذا القول! ثم يزيد الأمر صعوبة على هؤلاء اليهود، وعلى الكنائس على مدار العشرين قرناً الماضية، فيقول إن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية.
كيف تكون له حياة أبدية وكل تلاميذه ماتوا؟!
وهذا ما دفع الكنائس لتأويله والقول انه يعني الإيمان وليس المعنى الحقيقي للكلمة بأنهم سيحيون إلى الأبد، وهذا المعنى ثبت خطأه أيضاً لأن الأناجيل كتبت ان التلاميذ هربوا وقت إلقاء القبض عليه وانكروه، ولم يصدقوا انه قام، وهذه الأعمال تدل على تلف التلاميذ وعدم إيمانهم.
وبعد هذا الحديث عن الحياة الأبدية التي يظهر لأي إنسان عدم صحتها، استفاق هؤلاء اليهود على أنفسهم وعلى ما قاله سابقاً عن الخبز الحقيقي النازل من السماء، فقالوا:
فكان اليهود يتذمرون عليه لأنه قال أنا هو الخبز الذي نزل من السماء،
وقالوا أليس هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأُمه،
فكيف يقول هذا اني نزلت من السماء.
وهنا يقول بعضهم لبعض أليس هذا هو ابن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأُمه، فهي ولدته كما يولد باقي الناس وختنته في اليوم الثامن وقدمته للرب وذبحت عنه زوج يمام أو فرخي حمام في الهيكل، فكيف يقول انه نزل من السماء!
أليس هذا ابن يوسف؟!
كيف يقول انه نزل من السماء؟
هل يجيبهم يسوع عن هذا السؤال ويُظهر لهم أنه ليس ابن يوسف وإنما هو المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم؟
فأجاب يسوع وقال لهم لا تتذمروا فيما بينكم،
لا يقدر أحد أن يُقبل اليّ ان لم يجتذبه الأب الذي أرسلني وأنا أُقيمه في اليوم الأخير.
هنا يسوع لم يُجب عن السؤال واستمر بالحديث عن أبيه، فهل تجيب الكنائس عن السؤال وتقول لنا كيف نزل يسوع من السماء وهو نزل من بطن أُمه كباقي البشر؟!
وإذا بيّنت وأثبتت الكنائس انه نزل من السماء بطريقة غير معروفة للبشر وليس من بطن أُمه بحبلها به وولادتها له، تكون قد قامت بعمل عظيم!
ثم نقرأ انه استشهد بنص من العهد القديم:
- انه مكتوب في الأنبياء ويكون الجميع متعلمين من الإله.
وماذا سيستفيد هؤلاء اليهود من هذا القول وهم كانوا قد سألوه عن كيفية نزوله من السماء مع انه وُلِدَ كباقي البشر؟
ولكنه يتابع حديثه فيقول:
- فكل من سمع من الأب وتعلمَ يُقبل إليّ.
وهنا لا بد من وقفة مع هذا القول لنسأل من هو الذي سمع من الأب وتعلّم حتى يُقبل إليه؟
تخبرنا الأناجيل عن صوتين سُمعا من السماء، مرة في قصة تعميد يوحنا ليسوع، والثانية في قصة التجلي عندما صعد يسوع على جبل مع بعض تلاميذه فسمعوا صوتاً من سحابة، وقال كتبة الأناجيل إنهما لأب يسوع، وهما كما يلي:
- فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء،
وإذا السماء قد انفتحت له فرأى روح الإله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه، وصوت من السماء قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. (متّى 3: 16-17)
فيوحنا سمع صوت أب يسوع كما تقول الأناجيل، ومع هذا بقي مستقلاً عنه وغير مُقبل إليه، حتى أنه قبل مقتله بقليل أرسل اثنين من تلاميذه ليسألا يسوع إن كان هو أم ينتظروا آخر كما بينت ذلك سابقاً.
- وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه وصعد بهم إلى جبل عال منفردين،
وتغيرت هيئته قدّامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور، وإذا موسى وإيليا قد ظهرا لهم يتكلمان معه،
فجعل بطرس يقول ليسوع يا رب جيد أن نكون ههنا،
فان شئت نصنع هنا ثلاث مظال،
لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليا واحدة،
وفيما هو يتكلم إذا سحابة نيرة ظللتهم وصوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا،
ولما سمع التلاميذ سقطوا على وجوههم وخافوا جداً،
فجاء يسوع ولمسهم وقال قوموا ولا تخافوا،
فرفعوا أعينهم ولم يروا أحداً الا يسوع وحده. (متّى 17: 1-8)
وفي هذا النص نقرأ أن من سمع صوت أب يسوع هم تلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنا وهم أنفسهم الذين تركوه في آخر ليلة يُصلي وحده وناموا، كما سنقرأ بعد قليل، وهم أنفسهم الذين هربوا ساعة القبض عليه وأنكروه وشكوا فيه وتركوه وحده يواجه المحاكمة والصلب، وهم كذلك أنفسهم الذين لم يصدقوا أنه قام من الأموات عندما أخبرهم من قالوا أنهم نظروه خارج القبر حتى وبخ يسوع عدم إيمانهم.
فأين قوله كل من يسمع من أبيه وتعلّم فانه يُقبل إليه مِن هؤلاء الذين هم وحدهم سمعوا صوت أبيه ولم يُقبلوا إليه؟!
ثم بعد قوله كل من يسمع من أبيه ويتعلم يُقبل إليه يخبرنا بمعلومة أيضاً لا تصح إلا إذا قرأها الإنسان وحدها ومن ثم أغلق الأناجيل، وهي:
- ليس أن أحداً رأى الأب إلا الذي من الإله،
هذا قد رأى الأب.
وهنا سأستحضر نصين ذكرهما يوحنا في إنجيله لنرى إن كان أحد غير الذي من الإله رأى أب يسوع.
- قال له فيلبس يا سيد أرنا الأب وكفانا،
قال له يسوع أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس،
الذي رآني فقد رأى الأب فكيف تقول أنت أرنا الأب. (يوحنا 14: 8-9)
والذي يراني يرى الذي أرسلني. (يوحنا 12: 45)
في هذين النصين يقول يوحنا على لسان يسوع أن من رأى يسوع فقد رأى الأب، وهذا يعني بكل بساطة ووضوح أن كل من رأى يسوع في ذلك الزمان يكون قد رأى أب يسوع، مما يعني أنه لا معنى لقوله هذا انه ليس أحد رأى الأب إلا الذي من الإله!
ثم يُعيدنا يوحنا إلى قصة خبز الحياة مرة جديدة ولكن هذه المرة بطريقة لن تستطيع الكنائس تبريرها، كما حدث في المرة السابقة عندما تحدث عن الخبز الحقيقي وان من يأكله فلن يجوع، لنقرأ النص ثم نتابع التعليق.
- الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية،
أنا هو خبز الحياة،
آباؤكم أكلوا المنّ في البرية وماتوا،
هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الانسان ولا يموت،
انا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء،
إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا الى الابد،
والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم.
نعم الحق الحق يقوله لكم يوحنا على لسان يسوع ان من يؤمن بيسوع فله حياة أبدية لأنه هو خبز الحياة.
آباءكم أنتم أيها اليهود أكلوا المنّ في البرية وماتوا، وأما يسوع هذا الخبز النازل من السماء كما يقول يوحنا على لسان يسوع فإن الإنسان الذي يأكله لا يموت!
نعم أيها اليهود فإن آباءكم أكلوا المنّ في البرية وماتوا، ولكن اسمعوا فإن يوحنا يكتب على لسان يسوع أنه يقول لكم الحق الحق إن من يأكله، الخبز النازل من السماء، الخبز الحي، الخبز الحقيقي فانه لا يموت.
ويزيدنا يوحنا معلومة جديدة فيقول إن من يأكل الخبز فانه لا يموت فقط، بل يحيا إلى الأبد، وهذا الخبز هو جسد يسوع!
وهذه الفكرة راقت لأولئك اليهود كما كتب يوحنا وبدؤوا بالتفكير في الطريقة التي سيأكلون بها جسد يسوع فقال يوحنا:
- فخاصم اليهود بعضهم بعضاً قائلين كيف يقدر هذا أن يُعطينا جسده لنأكل.
وفيما هم يفكرون في الطريقة التي سيأكلون فيها جسد يسوع حتى لا يموتوا ويحيوا إلى الأبد، يكتب يوحنا أن يسوع استمر في شرح حقيقة أكل جسده فقال:
- فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الانسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم،
من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخير،
لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق،
من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه.
وهنا يضيف يوحنا على لسان يسوع شرب دمه وأن من لا يأكل جسده ويشرب دمه فليس له حياة وسيموت، ومن يأكل جسده ويشرب دمه فإنه يحيا إلى الأبد، لأن جسده مأكل حق ودمه كذلك، وان من يأكل جسده ويشرب دمه فإن يسوع سيحلّ فيه، وهو يحلّ في يسوع!
ويستمر يوحنا في الحديث عن أكل جسد يسوع ولا يكتفي بما كتبه سابقاُ فيقول:
- كما أرسلني الأب الحيّ وأنا حيّ بالأب فمن يأكلني فهو يحيا بي،
هذا هو الخبز الذي نزل من السماء،
ليس كما أكل آباؤكم المنّ وماتوا،
من يأكل هذا الخبز فانه يحيا إلى الأبد.
هنا نجد يوحنا يجمع يسوع مع أبيه وتلاميذه، ولكن دون التصريح بهذه النتيجة مباشرة، فهو يقول إن يسوع يحيا بأبيه الحي ومن يأكله فانه يحيا به، ثم يبتعد عن التصريح بحياة من يأكل أب يسوع، فيعود للتذكير بأن يسوع هو الخبز النازل من السماء، وأن يسوع ليس كالمنّ الذي أكله اليهود في البرية وماتوا، بل إن من يأكل يسوع فانه يحيا إلى الأبد، فهو يقول إن من يأكل جسده ويشرب دمه فانه يحيا إلى الأبد.
فماذا ستقول الكنائس لأتباعها الطيبين عن هذا القول ولماذا وهم يأكلون الخبز ويشربون الخمر يموتون كما مات اليهود الذين أكلوا المنّ في البرية؟
ولتأكيد صدق يوحنا على ما كتبه في إنجيله يقول إن يسوع قال هذا الكلام في كفر ناحوم.
- قال هذا في المجمع وهو يُعلم في كفر ناحوم.
نحن سمعنا بعضاً مما قاله اليهود عندما سمعوا هذا الكلام فماذا قال تلاميذ يسوع عند سماعهم هذا الكلام؟
لنقرأ الفقرات التالية:
- فقال كثيرون من تلاميذه إذ سمعوا،
إن هذا الكلام صعب،
من يقدر أن يسمعه.
إن هذا الكلام صعب من يقدر أن يسمعه؟
إن هذا الكلام صعب من يستطيع أن يسمعه؟
وهنا يتدخل يسوع لتوضيح معنى كلامه فيقول كما كتب يوحنا:
- فعلم يسوع في نفسه أن تلاميذه يتذمرون على هذا،
فقال لهم أهذا يعثركم،
فان رأيتم ابن الانسان صاعداً إلى حيث كان أولاً.
ولكن من رآه نازلاً حتى يراه صاعداً؟!
فالأناجيل لا تذكر أن أحداً شاهده نازلاً من السماء، بل هم سمعوا، ولا أقول شاهدوا، أنه ولد كباقي البشر ونزل من رحم أُمه!
كما أنها لا تذكر أن أحداً شاهده صاعداً إلى السماء كما سيظهر لنا بعد قليل.
ولكن يسوع يستمر في شرح معاني كلماته كما كتبها يوحنا فيقول:
- الروح هو الذي يُحيي وأما الجسد فلا يُفيد شيئاً،
الكلام الذي أُكلمكم به هو روح وحياة،
ولكن منكم قوم لا يؤمنون،
لأن يسوع من البدء علم من هم الذين لا يؤمنون ومن هو الذي يسلمه،
فقال لهذا قلت لكم انه لا يقدر أحد أن يأتي اليّ ان لم يُعط من أبي.
ولكن هذا الكلام وتعقيب يوحنا هل أوضح الكلام للتلاميذ واقتنعوا به؟
لنقرأ موقف التلاميذ، وهم يُفترض أنهم كانوا قد سمعوا كلام أب يسوع ورأوه وأقبلوا عليه كما قال سابقاً:
- من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه الى الوراء ولم يعودوا يمشون معه.
بعد أن قال يسوع ذلك الكلام عن الخبز الحقيقي وخبز الحياة وقال انه هو الخبز الحي رجع الكثير من التلاميذ ولم يعودوا يمشون معه، ولم تعد مشكلة يسوع في إقناع اليهود، بل في إقناع تلاميذه فقد تراجعوا عنه ولم يعودوا يمشون معه مما اضطره لبحث هذا الموقف مع الاثني عشر الذين بقوا معه ليعرف حقيقة مشاعرهم، فكتب يوحنا:
- فقال يسوع للاثني عشر ألعلكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا،
فأجابه سمعان بطرس يا رب إلى من نذهب،
كلام الحياة الأبدية عندك،
ونحن آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الإله الحيّ،
أجابهم يسوع أليس أني أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان،
قال عن يهوذا سمعان الاسخريوطي،
لأن هذا كان مزمعاً أن يُسلمه، وهو واحد من الاثني عشر. (يوحنا 6: 1-71)
يوحنا يقول ان سمعان بطرس طمأن يسوع، وان التلاميذ الاثني عشر معه لأنهم يسمعون عنده كلام الحياة الأبدية وأنهم عرفوا وآمنوا أنه هو المسيح ابن الإله الحي، فيقول يسوع انه هو من اختارهم وان واحداً منهم شيطان.
فمن هو التلميذ الذي وصفه يسوع بالشيطان؟
يوحنا يقول تعقيباً على هذا الكلام ان التلميذ الشيطان هو يهوذا الاسخريوطي ولكن دون ذكر قول مباشر ليسوع، لهذا سنقرأ النصوص التالية لنعرف من وصف يسوع من تلاميذه بالشيطان.
- ولما جاء يسوع إلى نواحي قيصرية سأل تلاميذه قائلاً من يقول الناس أني أنا ابن الإنسان،
فقالوا قوم يوحنا المعمدان وآخرون إيليا وآخرون إرميا أو واحد من الأنبياء،
قال لهم وأنتم من تقولون أني أنا،
فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الإله الحيّ،
فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا، إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي في السماء،
وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها،
وأُعطيك مفاتيح مملكة السماء، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السماء، حينئذ أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد أنه يسوع المسيح. (متّى 16: 13-20)
في هذا النص يكتب متّى أن بطرس قال عن يسوع انه المسيح ابن الإله الحي وهو ذات القول الذي قاله بطرس في النص السابق، وأن يسوع فرح بهذا القول وقام بإعطائه مفاتيح السماء وأن كل ما يقوله بطرس يكون هو حكم السماء، ولكن هل هذا كل شيء؟
لنكمل قراءة النص:
- من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يُظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أُورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم،
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يا رب، لا يكون لك هذا،
فالتفت وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان،
أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما للإله لكن بما للناس. (متّى 16: 21-23)
في هذه الفقرات نقرأ أن بطرس انتهر يسوع، الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين الإيمان للكنائس المختلفة!
فهل كان بطرس يُدرك أو يؤمن أنه بهذا العمل إنما ينتهر الأقانيم الثلاثة المتحدة مع بعضها البعض ومن نفس الجوهر؟
ولكن كما نقرأ في النص أيضاً فإن يسوع الاقنوم الثاني لم يسكت عن انتهار بطرس له، أو لهم باعتبار الوحدة التي تجمعهم، فيرد على بطرس فيصفه بأنه شيطان وأنه معثرة له أي معثرة للأقانيم الثلاثة وأنه لا يهتم بما للإله ولكن بما للناس!
قبل عدة أسطر يقول يسوع لبطرس طوبى لك، وأعطاه مفاتيح مملكة السماء والسلطة على التحليل والتحريم، وهنا يصفه بأنه شيطان وأنه لا يهتم بما للإله بل بما للناس!
فما هي حقيقة بطرس هل هو حامل مفاتيح مملكة السماء أم هو شيطان لا يهتم بما للإله وأنه معثرة للأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد؟
- ثم خرج يسوع وتلاميذه الى قرى قيصرية فيلبس،
وفي الطريق سأل تلاميذه قائلاً لهم من يقول الناس أني أنا،
فأجابوا يوحنا المعمدان،
وآخرون إيليا،
وآخرون واحد من الأنبياء،
فقال لهم وأنتم من تقولون أني أنا،
فأجاب بطرس وقال له أنت المسيح،
فانتهرهم كي لا يقولوا لأحد عنه. (مرقس 8: 27-30)
وتنتهي قصة مرقس بما انتهت إليه قصة متّى باعتبار بطرس شيطاناً!
- وابتدأ يُعلمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيرا ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويُقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم،
وقال القول علانية،
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره،
فالتفت وأبصر تلاميذه، فانتهر بطرس قائلاً،
اذهب عني يا شيطان،
لأنك لا تهتم بما للإله لكن بما للناس. (مرقس 8: 31-33)
في هذه النصوص يصف يسوع بطرس مرة ثانية بأنه شيطان بعد أن قال انه يؤمن أن يسوع هو المسيح ابن الإله، فمن نصدق يسوع الذي قال إن بطرس هو التلميذ الشيطان أم يوحنا الذي قال إن التلميذ الشيطان هو يهوذا الاسخريوطي؟
أم نقول إنهما الاثنان شيطانان حتى لا نكذب متّى ولا مرقس ولا يوحنا؟!
بعد هذا الاستعراض للنص الذي تحدث فيه يوحنا عن أسرار تناول جسد يسوع وشرب دمه، وظهر لنا ما فيه من أخطاء وتناقضات، يأتي متّى ومرقس ولوقا ليقولوا إن التلاميذ أكلوا جسد يسوع وشربوا دمه وهو من أطعمهم وسقاهم بيديه في العشاء الأخير، ومع هذا فلم يحلّ فيهم ولم يؤمنوا به، ولم يحيوا إلى الأبد بل ماتوا كغيرهم من الناس!
وكل ما تقوله الأناجيل عن هؤلاء من قصص تخالف أقوال يسوع بعد أكل جسده وشرب دمه يشير إلى أحد أمرين، إما أن التلاميذ غير مؤمنين بيسوع، لأنهم لو كانوا مؤمنين لما ناموا وهو يُصلي في الليلة الأخيرة، ولما هربوا وتركوه يواجه الأعداء وحده ولما شكوا فيه وأنكروه، ولما كذّبوا من قال انه قام من الأموات، وأخيراً لما ماتوا ولعاشوا إلى الأبد كما قال يسوع عمن يأكل جسده ويشرب دمه.
أو ان موت التلاميذ وعدم حلول يسوع فيهم يدل على أن ما هو مكتوب من قصص عن العشاء الأخير وأكل جسد يسوع وشرب دمه غير صحيحة.
غسل يسوع لأرجل التلاميذ
والعمل الثاني الذي قام به يسوع، وذكره يوحنا وحده، هو غسل أرجل تلاميذه، مع أنه لم يذكر قصة تناول الخبز والخمر، كما أن الثلاثة لم يذكروا هذه القصة، إلا أنني سأعتبر أن القصتين وقعتا في العشاء الأخير.
- قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة واتزر بها، ثم صبّ ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزراً بها،
فجاء الى سمعان بطرس، فقال له ذاك يا سيد أنت تغسل رجليّ،
أجاب يسوع وقال له لست تعلم أنت الآن ما أنا أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد،
قال له بطرس لن تغسل رجليّ أبداً،
أجابه يسوع ان كنت لا أغسلك فليس لك معي نصيب،
قال له سمعان بطرس يا سيد ليس رجليّ فقط بل أيضاً يدي ورأسي،
قال له يسوع الذي اغتسل ليس له حاجة الا الى غسل رجليه، بل هو طاهر كله، وأنتم طاهرون ولكن ليس كلكم، لأنه عرف مسلمه لذلك قال لستم كلكم طاهرين. (يوحنا 13: 4-11)
الذين كتبوا للكنائس قوانين إيمانها هل قرأوا هذه القصة قبل كتابة تلك القوانين؟
هل كانوا مُدركين لما كتبوا عن يسوع وهم يقرأون هذه القصة؟
سأُعيد قراءة القصة بناء على قوانين إيمان الكنائس، الأقانيم الثلاثة الابن وأبيه والروح المقدس كانوا حالين في جسد يسوع يأكلون ويشربون الفصح، وفجأة يقومون بخلع ثيابهم أو ثياب الجسد الحالين فيه ويأخذون منشفة ويتزرون بها، وأنا أتساءل أي منشفة ستُحيط بيسوع وأبيه والروح المقدس؟! ويُحضِرون وعاء فيه ماء ويبدؤون بغسل أرجل التلاميذ ومسحها، وأي تلاميذ هم هؤلاء الذين غسل يسوع وأبيه والروح المقدس أرجلهم ومسحها؟
هؤلاء التلاميذ هم الذين سيتركون يسوع يُصلي وحده ويغطوا في نوم عميق، وهم الذين سيتركونه وحيداً ويهربون عنه ويشكون فيه وينكرونه، ومعهم يهوذا الذي سيسلمه مقابل فضة.
هؤلاء هم التلاميذ الذين قامت الأقانيم الثلاثة بغسل أرجلهم ومسحها في العشاء الأخير، والأغرب من هذا هو موقف بطرس إذ انه شعر بالحرج من هذا العمل فخاطبته الأقانيم الثلاثة قائلة انه إن لم يوافق على غسل رجليه فانه لن يكون له معهم نصيب!
وعند هذا الكلام يستسلم بطرس، الذي سيشك في يسوع وينكره ثلاث مرات ولا يكتفي بالشك والإنكار فيزيد عليه اللعن، ويسمح للأقانيم الثلاثة بغسل رجليه ومسحهما.
هل يتصور أو يتخيل أحد من أتباع الكنائس الطيبين أن هذه القصة وقعت بناء على قوانين إيمان الكنائس؟
إن على الكنائس أن تعلم أنها تستطيع أن تكتب في قوانين إيمانها ما تشاء وأن تقول ما تشاء وتؤمن بما تشاء، ولكن بالتأكيد عليها أن تعلم إن ما تكتبه وتقوله وما تؤمن به لا علاقة له بالرب خالق السموات والأرض، سبحانه وتعالى عما يصفون ويشركون.
إعلان يسوع عن خيانة يهوذا الاسخريوطي
نأتي الآن على ذكر الخبرين اللذين أخبر بهما يسوع تلاميذه في العشاء الأخير ونبدأ بالإعلان عن خيانة يهوذا له.
وفيما هم يأكلون قال الحق أقول لكم إن واحدا منكم يسلّمني،
فحزنوا جداً، وابتدأ كل واحد منهم يقول له هل أنا هو يا رب،
فأجاب وقال الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمني،
ان ابن الانسان ماض كما هو مكتوب عنه،
ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يُسلّم ابن الانسان، كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد،
فأجاب يهوذا مسلّمه وقال هل أنا هو يا سيدي،
قال له أنت قلت. (متّى 26: 21-25)
- ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر، وفيما هم متكئون يأكلون قال يسوع الحق أقول لكم إن واحداً منكم يُسلمني، الآكل معي،
فابتدأوا يحزنون ويقولون له واحداً فواحداً هل أنا، وآخر هل أنا،
فأجاب وقال لهم هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس معي في الصحفة،
إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يُسلم ابن الانسان كان خيراً لذلك الرجل لو لم يُولد. (مرقس 14: 17-21)
- ولما كانت الساعة اتكأ والاثنا عشر رسولاً معه. (لوقا 22: 14)
- ولكن هو ذا يد الذي يُسلمني هي معي على المائدة،
وابن الانسان ماض كما هو محتوم، ولكن ويل لذلك الانسان الذي يُسلمه،
فابتدأوا يتساءلون فيما بينهم من ترى منهم هو المزمع أن يفعل هذا. (لوقا 22: 21-23)
كما نلاحظ من هذه النصوص فإن متّى ومرقس ولوقا اتفقوا على الكيفية التي أعلن فيها يسوع عن خيانة يهوذا مع اختلاف بسيط في الألفاظ، فهو يقول لهم كما كتب متّى الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمني، ومرقس كتب وقال لهم هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس معي في الصحفة، ولوقا كتب: ولكن هو ذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة، والإنسان عندما يقرأ هذه النصوص أول مرة يظن أنه كان مع يسوع في ذلك الوقت آلاف الناس لهذا كان من الصعب عليه أن يُشير إلى ذلك الشخص مباشرة لبُعد المسافة، أو لعدم معرفة التلاميذ بذلك الإنسان، ولكن الأناجيل تقول أنه لم يكن موجوداً في ذلك الوقت في تلك الغرفة (أو العليّة) سوى يسوع والتلاميذ الاثنا عشر!
فالجميع كانوا يغمسون أيديهم في الصحفة، وكذلك الجميع كانوا يأكلون معه، وأيديهم جميعاً كانت معه على المائدة، فهذه الطريقة لا أظن أنها الطريقة المناسبة لإعلان يسوع عن خيانة يهوذا، فلماذا أعلن يسوع عن خيانة يهوذا بهذه الطريقة؟!
ألم يكن يسوع قادراً على كشف يهوذا أمام التلاميذ فيقوم التلاميذ بقتل يهوذا، أو على الأقل حجزه حتى يستطيع يسوع الخروج من أُورشليم والذهاب إلى أي مكان يستطيع الاختباء فيه؟!
هنا يأتينا قول الكنائس مرة أُخرى ان يسوع ما جاء إلا ليُصلب من أجل البشرية وحمل الخطيئة التي أخذوها وتوارثوها من أبيهم آدم!
وأُعيد القول عليهم إن ما كُتب في الأناجيل عن صلاة يسوع طوال الليل من أجل أن لا يُصلب ثم صراخه على إلهه وهو معلق على الصليب إلهي إلهي لماذا تركتني، يدل على عدم رضاه عن عملية الصلب كلها وهو ما ينقض قولهم.
بالإضافة الى ان هذه الأفعال من يسوع تدل على انه غير مساو للأُقنوم الأول، لا بل هو غير مساو للأُقنوم الثالث لان يسوع قال إن من يُجدف على الاقنوم الثالث الروح المقدس فلن يُغفر له وأما من يشتمه هو شخصياً فسيُغفر له كما في النصوص التالية:
- أقول لكم إن كل تجديف يُغفر للناس،
وأما التجديف على الروح فلن يُغفر للناس،
ومن قال كلمة على ابن الإنسان يُغفر له،
وأما من قال على الروح المقدس فلن يُغفر له،
لا في هذا العالم ولا في الآتي. (متّى 12: 21-22)
- الحق أقول لكم إن جميع الخطايا تُغفر لبني البشر والتجاديف التي يجدفونها،
ولكن من جدف على الروح المقدس فليس له مغفرة الى الابد،
بل هو مستوجب دينونة ابدية. (مرقس 3: 28-29)
وكل من قال كلمة على ابن الانسان يُغفر له وأما من جدف على الروح المقدس فلا يُغفر له. (لوقا 12: 10)
كما نقرأ أيضاً أن متّى ومرقس كتبا إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولوقا كتب كما هو محتوم، ولست ادري أين قرأ متّى ومرقس ولوقا ويسوع والروح المقدس أن ابن الإنسان مكتوب عنه انه سيُصلب ويُجلد ويُستهزأ به، وكل ما هو مكتوب عن ابن الإنسان الذي ألصقت الأناجيل اسمه بيسوع هو النص التالي:
كنتُ أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان،
أتى وجاء إلى قديم الأيام فقرّبوه قدّامه،
فأعطي سلطاناً ومجداً ومملكة لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة.
سلطانه سلطانٌ ابديّ ما لن يزول،
ومملكته ما لا تنقرض. (دانيال 7: 13-14)
فأين يُوجد أو يُفهم من هذا النص أن ابن الإنسان هذا سيُجلد ويُلطم ويُبصق عليه ويستهزأ به ومن ثم يُصلب ويُطعن في خاصرته كما كتبت الأناجيل عن يسوع؟!
أما يوحنا فقد توسع في ذكر قصة إعلان يسوع لخيانة يهوذا، كما في النص التالي:
- لست أقول عن جميعكم، أنا أعلم الذين اخترتهم لكن ليتم الكتاب الذي يأكل معي الخبز رفع عليّ عقبه، أقول لكم الآن قبل ان يكون حتى متى كان تؤمنون أني أنا هو،
الحق الحق أقول لكم الذي يقبل من أُرسله يقبلني والذي يقبلني يقبل الذي أرسلني،
لما قال يسوع هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق الحق أقول لكم ان واحداً منكم سيُسلمني،
فكان التلاميذ ينظرون بعضهم الى بعض وهم محتارون في من قال عنه،
وكان متكئاً في حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يحبه،
فأومأ اليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذي قال عنه،
فاتكأ ذاك على صدر يسوع وقال له يا سيد من هو،
أجاب يسوع هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأُعطيه،
فغمس يسوع اللقمة وأعطاها ليهوذا الاسخريوطي،
فبعد اللقمة دخله الشيطان،
فقال له يسوع ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة،
وأما هذا فلم يفهم أحد من المتكئين لماذا كلمه به،
لأن قوماً إذ كان الصندوق مع يهوذا ظنوا أن يسوع قال له اشتر ما نحتاج اليه للعيد، أو أن يُعطي شيئاً للفقراء،
فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت، وكان ليلاً. (يوحنا 13: 18-30)
كما نلاحظ من النص فإن يوحنا أخذ القصة في اتجاه مخالف كلياً للقصة المكتوبة في الأناجيل الثلاثة الأخرى، إذ انه في قصته بدأ بالاستشهاد بنص من العهد القديم الذي يقول إن الذي يأكل معي رفع عليّ عقبه، وقبل المضي في مناقشة القصة لا بد من وقفة مع هذا النص لنرى حقيقته وإن كان ينطبق على يسوع أم لا، والنص مذكور في المزمور الحادي والأربعين، وهو كما يلي:
طوبى للذي ينظر إلى المسكين،
في يوم الشر يُنجيه الرب، الرب يحفظه ويُحييه،
يغتبط في الأرض ولا يُسلمه إلى مرام أعدائه،
الرب يعضده وهو على فراش الضعف،
مهّدت مضجعه كله في مرضه.
يبدأ المزمور بالدعاء بالطوبى للذي ينظر إلى المسكين، وهذا المسكين بمفهوم يوحنا والكنائس هو يسوع لأنه أخذ ذلك القول من هذا المزمور، وهو مفهوم غير صحيح كما يظهر لمن يعرف حياة يسوع، لأن ما يقوله يوحنا والكنائس عن يسوع باعتباره أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر يتناقض مع صفة المسكنة، إلا إذا كما قلت سابقاً ان هذه الأقانيم لا علاقة لها بالرب خالق السموات والأرض، وهو ما يظهر لنا كثيراً في هذا الكتاب وسيكون هذا الأمر مدار بحث بشكل موسع في كتاب شخصيات الأناجيل، ولم ينظر يوحنا إلى المزمور كاملاً وهو يقتطع تلك الفقرة منه، لأنه كان مشغولاً في إثبات ان العهد القديم تحدث عن يسوع، أو بمعنى أدق وهو يكتب إنجيله بناء على العهد القديم، بغض النظر عما يحويه المزمور من معلومات تتناقض مع ما هو مكتوب في الأناجيل عن حياة يسوع، فلو كان المزمور يتحدث عن يسوع لكانت نهايته غير ما هي مكتوبة في الأناجيل، لان هذه الفقرات تؤكد أن الرب ينجّي ذلك المسكين في يوم الشّر ويحفظه، وهذا عكس ما أخبرتنا به الأناجيل عن يسوع، إذ ان الرب لم يُنجّيه ولم يحفظه في يوم الشّر بل سمح لليهود بصلبه وقتله وقبل هذا جلده ولطمه وضربه والاستهزاء به، فأين نهاية يسوع من نهاية هذا المسكين؟
- أنا قلتُ يا رب ارحمني،
اشف نفسي لأني قد أخطأت إليك.
في هذه الفقرة نقرأ أن ذلك المسكين يطلب الرحمة من الرب كما انه يطلب شفاء نفسه لأنه أخطأ في حق الرب!
وهذه الفقرة كانت كافية ليوحنا كي يعلم أن النص لا يتحدث عن يسوع، لو كان حقاً يؤمن بيسوع كما تصفه قوانين إيمان الكنائس وكما وصفه هو في إنجيله!
فما هو الخطأ الذي ارتكبه يسوع في حق الرب حتى مرضت نفسه مما اضطره لطلب الرحمة والشفاء لنفسه مما أصابها! ولم يحدثنا يوحنا ولا غيره عن أخطاء يسوع، فهل هذا مما أخفاه كتبة الأناجيل ولم يكتبوه حتى لا تظهر أخطاء يسوع، أم ان الأمر متعلق فقط بأخذ تلك الجملة بعيداً عن مُجمل النص؟
وإذا كان يسوع يطلب الغفران من الرب على أخطائه حتى تشفى نفسه، أليس حريّاً بأتباع الكنائس الطيبين أن يقوموا بنفس ما قام به يسوع، ويدعون الرب القادر على غفران خطايا يسوع وغيره من البشر، ويكفّوا عن دعاء يسوع الذي لا يستطيع أن يغفر خطايا نفسه فكيف بغفران خطايا غيره؟
- أعدائي يتقاولون عليّ بشرّ متى يموت ويبيد اسمه،
وإن دخل ليراني يتكلم بالكذب قلبه يجمع لنفسه إثماً يخرج في الخارج يتكلم،
كل مُبغضي يتناجون معاً عليّ، عليّ تفكروا بأذيتي،
يقولون أمر رديء قد انسكب عليه، حيث اضطجع لا يعود يقوم.
هذه الفقرات تتحدث عن أمور عامة وليس فيها أيّة إشارة إلى عملية الصلب أو إلى أن يسوع أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد.
فداوُد الذي هو صاحب المزمور أمضى معظم حياته وهو يحارب أعداءه، ومرّ بضيقات كثيرة ونجّاه الرب منها وكان أعداءه يتمنون هلاكه ويتقاولون عليه بشرّ ويتمنون هلاك اسمه ويتناجون عليه ويقولون حيث اضطجع لا يعود يقوم، فهذا النص ينطبق على داوُد بشكل كامل، إذ أن الرب أنجاه من كل ضيقاته، وعضده الرب حتى انتصر على جميع أعداءه، لا بل إن هذا المزمور هو أصلاً لداوُد!
- أيضاً رجل سلامتي الذي وثقت به آكل خبزي رفع عليّ عقبه.
هذه هي الفقرة التي استشهد بها يوحنا وكما قلت سابقاً فإنه كان مشغولاً بربط ما يكتبه بالعهد القديم أو بمعنى أدق تأليف إنجيله بناءاً على نصوص وقصص العهد القديم كما هو مُبين بالتفصيل في كتاب مصادر الأناجيل، فهو هنا قام بتحريف معنى الفقرة بشكل غير مقبول، لأنها تقول آكل خبزي رفع عليّ عقبه بينما قام يوحنا بكتابتها الذي يأكل معي الخبز رفع عليّ عقبه وهذا للإيحاء لأتباع الكنائس الطيبين أن الفقرة تتحدث عن العشاء الأخير، لأن الفرق كبير جداً بين آكل خبزي، والذي يأكل معي الخبز، فمعنى آكل خبزي هو الانسان الذي أُساعده أو أُعطيه خبزاً فيأكله سواء بالقرب مني أو بعيداً عني ثم يخونني أو يغدر بي، وأما تحريف يوحنا للفقرة بقوله الذي يأكل معي الخبز فهو للإشارة الى القصة التي هو مزمع على كتابتها عن إعلان يسوع لخيانة يهوذا والتي خالف فيها ما كتبته الأناجيل الثلاثة كما هو ظاهر في نصوصهم السابقة!
- أما أنت يا رب فارحمني وأقمني فأُجازيهم،
بهذا علمت أنك سُررت بي أنه لم يهتف عليّ عدوّي،
أما أنا فبكمالي دعمتني وأقمتني قدّامك الى الأبد.
هذه الفقرات هي استمرار لتضرع ذلك المسكين الذي حاول يوحنا أن يقول انه يسوع، فهذه التضرعات من ذلك المسكين تهدم على الكنائس قوانين إيمانها، إذ كيف يتضرع يسوع أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، إلا إذا قلنا إن الأقانيم الثلاثة المتحدة في جسد يسوع لا علاقة لها بالرب خالق السموات والأرض إلا علاقة العبودية والخضوع، لهذا فهي تتضرع للرب وترجوا رحمته!
وأما قوله لم يهتف عليّ عدوي فهذا يؤكد ان المزمور لا يقصد يسوع لان أعداء يسوع لم يكتفوا بالهتاف عليه بل جلدوه ولطموه وضربوه وبصقوا عليه وفي نهاية الأمر صلبوه.
فإذا كان هذا قد حدث فعلاً مع يسوع فهل لنا أن نقول إن الرب لم يكن مسروراً به لأنه لو كان مسروراً به لمنع هتاف الأعداء عليه؟
- مبارك الرب إله اسرائيل من الأزل والى الأبد. (مزمور 41: 1-13)
أعود الآن لاستكمال مناقشة قصة يوحنا فنجده يقول إن من يقبل من يُرسله يسوع فانه يقبل يسوع وان من يقبل يسوع فانه يقبل من أرسل يسوع، وفي هذا إشارة قوية جداً إلى أن يسوع ليس أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد، ولا حتى على علم بوجودها أصلاً.
ثم يعطينا يوحنا إشارة أُخرى على عدم إحساس يسوع بموضوع الأقانيم الثلاثة ووحدتها ووجودها بقوله ولما قال يسوع هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق الحق أقول لكم إن واحداً منكم سيُسلمني، وهذا الاضطراب بالروح يدل على أن الروح ليس كامناً فيه ولا هو جزء منه، بل هذا الروح يأتي ويذهب كما كان يحدث مع الأنبياء.
وبعد اضطراب يسوع بالروح كما كتب يوحنا، قال إن واحداً منهم سيسلمه.
وهنا يأتي الاختلاف في القصة مع الكتبة الآخرين إذ أنهم قالوا إن جميع التلاميذ حزنوا وسألوا يسوع من يكون مُسَلّمه، حتى أن متّى ذكر ان يهوذا الاسخريوطي سأله!
وأما يوحنا فقال إن بطرس أومأ إليه ليسأل يسوع عن مسلمه، في تفصيل لا يخلو من مدح يوحنا لنفسه، وقال يوحنا إن يسوع أعطى اللقمة ليهوذا فدخله الشيطان وهنا لا أُريد تكرار ما قلته سابقاً عن السبب الذي منع يسوع من إخراج الشيطان من يهوذا، بل أريد التوقف عند محاولة يوحنا إظهار نفسه انه كان محبوباً من يسوع، فأقول إن كتبة الأناجيل الثلاثة قالوا إنهم لم يكونوا يعرفون من الذي سيُسلم يسوع وهذا أمر مقبول ومعقول لان يسوع لم يُفصح لهم عنه، ولكن يوحنا يقول إن يسوع أعلمه، أو على الأقل هو علم ان يهوذا هو من سيُسلمه لأنه قال إن يسوع أخذ لقمة وأعطاها ليهوذا، وللتدليل على ثقة يوحنا بعلمه قال إن الشيطان دخل في يهوذا بعد اللقمة، فيوحنا إذاً علم أن يهوذا سيُسلم يسوع لليهود، فماذا عمل يوحنا لمنع هذه الخيانة؟
يوحنا التلميذ الذي كان يسوع يحبه لم يعمل شيئاً من أجل منع يهوذا من تسليم يسوع! مع أن الواجب يفرض عليه أن يحاول منع يهوذا من تسليم يسوع، كما حاول بطرس منع الجند من إلقاء القبض على يسوع وقام بقطع أُذن أحد الأشخاص، ولكنه بدلاً من ذلك أمضى الليل نائماً وهو يرى يسوع يُصلي طوال الليل من أجل أن لا يُصلب، وان كان في إنجيله قد أغفل ذكر أي شيء عن هذه الصلاة، وأنكر هو وباقي التلاميذ قيامة يسوع من الأموات كما هو مكتوب في الأناجيل!
إعلان يسوع عن شك التلاميذ فيه وإنكارهم له
الخبر الثاني الذي أعلنه يسوع في العشاء الأخير هو شك التلاميذ كلهم فيه وإنكاره وتحديداً بطرس.
- حينئذ قال لهم يسوع كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة،
لأنه مكتوب أني أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية،
ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل. (متّى 26: 31-32)
في هذا النص يكتب متّى على لسان يسوع قوله للتلاميذ أنهم كلهم سيشكون فيه، وأنه بعد قيامته سيسبقهم إلى الجليل، لنتذكر هذا القول لنرى بعد قليل إن كان قد التقى بهم في الجليل أم في أُورشليم!
- ثم سبّحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون، وقال لهم يسوع إن كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة، لأنه مكتوب أني أضرب الراعي فتتبدد الخراف،  ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل. (مرقس 14: 26-28)
في هذا النص كتب مرقس ذات الكلام الذي كتبه متّى عن شكّ التلاميذ كلهم في يسوع، وأنه سيسبقهم إلى الجليل!
وأما لوقا فكتب النص التالي:
- وقال الرب سمعان سمعان هو ذا الشيطان طلبكم لكي يُغربلكم كالحنطة، ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك، وأنت متى رجعت ثبّت إخوتك. (لوقا 22: 31-32)
في هذا النص نلاحظ أن لوقا لم يتحدث عن شكّ التلاميذ وإنما تحدث عن سعي الشيطان لغربلة التلاميذ، وأن يسوع طلب من أجل بطرس أن لا يفنى إيمانه، وهنا لا بد من طرح سؤال وهو ممن طلب يسوع، الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر؟
ألا يُشير هذا الطلب إلى أن يسوع ليس مساوياً للأقانيم الأخرى سواء في الارادة او القدرة او الجوهر؟
وأما يوحنا فأخذ منحى آخر عن الثلاثة، ولكنه لم يُصرّح إلا بشكّ بطرس وحده!
إعلان يسوع  عن شك بطرس
- فأجاب بطرس وقال له وان شكّ فيك الجميع فأنا لا أشكّ أبداً،
قال له يسوع الحق أقول لك انك في هذه الليلة قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرات،
قال له بطرس ولو اضطررت أن أموت معك لا أُنكرك،
وهكذا قال أيضاً جميع التلاميذ. (متّى 26: 33-35)
- فقال له بطرس وان شكّ الجميع فأنا لا أشكّ،
فقال له يسوع الحق أقول لك انك اليوم في هذه الليلة قبل أن يصيح الديك مرّتين تنكرني ثلاث مرات،
فقال بأكثر تشديد ولو اضطررت أن أموت معك لا أُنكرك،
وهكذا قال أيضاً الجميع. (مرقس 14: 29-31)
- فقال له يا رب اني مستعد أن أمضي معك حتى الى السجن والى الموت،
فقال أقول لك يا بطرس لا يصيح الديك اليوم قبل أن تنكر ثلاث مرات أنك تعرفني. (لوقا 22: 33-34)
- قال سمعان بطرس يا سيد الى أين تذهب،
أجابه يسوع حيث أذهب لا تقدر الآن أن تتبعني،
ولكنك ستتبعني أخيراً،
قال له بطرس يا سيد لماذا لا أقدر أن أتبعك الآن،
إني أضع نفسي عنك،
أجابه يسوع أتضع نفسك عني،
الحق الحق أقول لك لا يصيح الديك حتى تنكرني ثلاث مرات. (يوحنا 13: 36-38)
في هذه النصوص اتفق كتبة الأناجيل الأربعة على انكار بطرس ليسوع، ولكنهم اختلفوا في تحديد الوقت الذي سينكره فيه، فمتّى حدد الوقت بقوله قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرات، ومرقس كتب قبل أن يصيح الديك مرّتين تنكرني ثلاث مرات، ولوقا قال لا يصيح الديك اليوم قبل أن تنكر ثلاث مرات أنك تعرفني، وأمّا يوحنا فقال الحق الحق أقول لك لا يصيح الديك حتى تنكرني ثلاث مرات.
فمتى ولوقا ويوحنا حددوا الإنكار ثلاث مرات قبل صياح الديك، وأما مرقس فقال إن الإنكار سيكون  ثلاث مرات قبل صياح الديك مرتين!
فمن نصدق متّى ولوقا ويوحنا أم مرقس، والأربعة كتبوا أناجيلهم وهم مساقون بالروح المقدس؟!
ولتوضيح الاختلاف والتناقض بين كتبة الأناجيل الأربعة في هذه القصة سأستبق الأحداث كما هي مكتوبة في الأناجيل واستحضر موقف بطرس بعد إلقاء القبض على يسوع.
شك بطرس في يسوع
- أما بطرس فكان جالساً خارجاً في الدار،
فجاءت إليه جارية قائلة وأنت كنت مع يسوع الجليلي،
فأنكر قدّام الجميع قائلاً لست أدري ما تقولين،
ثم اذ خرج الى الدهليز رأته أُخرى فقالت للذين هناك وهذا كان مع يسوع الناصري،
فأنكر أيضاً بقسَم اني لست أعرف الرجل،
وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس حقاً أنت أيضاً منهم فان لغتك تظهرك،
فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف اني لا أعرف الرجل،
وللوقت صاح الديك، فتذكر بطرس كلام يسوع الذي قال له انك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات فخرج الى خارج وبكى بكاء مرّاً. (متّى 26: 69-75)
كما نقرأ فإن من قال لبطرس أنه مع يسوع في المرة الأولى كانت امرأة وفي المرة الثانية امرأة أُخرى وفي الثالثة مجموعة من الموجودين هناك، كما نلاحظ أيضاً أن بطرس لم يكتف بالإنكار بالقسم والحلف بل في المرة الثالثة ابتدأ يلعن يسوع، وبعد إنكاره للمرة الثالثة صاح الديك!
- وبينما كان بطرس في الدار أسفل جاءت احدى جواري رئيس الكهنة، فلما رأت بطرس يستدفئ نظرت اليه وقالت وأنت كنت مع يسوع الناصري،
فأنكر قائلاً لست أدري ولا أفهم ما تقولين،
وخرج خارجاً الى الدهليز،
فصاح الديك،
فرأته الجارية أيضاً وابتدأت تقول للحاضرين ان هذا منهم،
فأنكر أيضاً،
وبعد قليل أيضاً قال الحاضرون لبطرس حقاً أنت منهم لأنك جليلي أيضاً ولغتك تشبه لغتهم،
فابتدأ يلعن ويحلف أني لا أعرف هذا الرجل الذي تقولون عنه،
وصاح الديك ثانية،
فتذكر بطرس القول الذي قاله له يسوع انك قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات، فلما تفكر به بكى. (مرقس 14: 66-72)
في هذا النص يُثبت مرقس ما كتبه سابقاً من أن بطرس سينكر يسوع قبل صياح الديك مرتين، فأنكره مرة فصاح الديك ثم أنكره مرتين فصاح الديك ثانية، وليس كما قال متّى إن صياح الديك كان بعد إنكاره ثلاث مرات، فهذا الاختلاف بين القصتين من المسؤول عنه؟
- ولما أضرموا النار في وسط الدار وجلسوا معاً جلس بطرس بينهم،
فرأته جارية جالساً فتفرّست فيه وقالت وهذا كان معه،
فأنكره قائلاً لست أعرفه يا امرأة،
وبعد قليل رآه آخر وقال أنت منهم، فقال بطرس يا إنسان لست أنا،
ولما مضى نحو ساعة واحدة أكد آخر قائلاً بالحق ان هذا أيضاً كان معه لأنه جليلي أيضاً،
فقال بطرس يا انسان لست أعرف ما تقول،
وفي الحال بينما هو يتكلم صاح الديك،
فالتفت الرب ونظر الى بطرس، فتذكر بطرس كلام الرب كيف قال له انك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات،
فخرج بطرس الى خارج وبكى بكاء مرّاً. (لوقا 22: 55-62)
في هذا النص يوافق لوقا متّى في وقت صياح الديك، ولكنه خالف متّى ومرقس فيمن وجه السؤال الثاني والثالث فهو يقول إن من وجه السؤالين هما رجلان، والآخران قالا إن من وجه السؤال الثاني كانت امرأة ومن وجه السؤال الثالث كانوا مجموعة من الحاضرين، وأنا لن أُشدد على السؤال الثالث لأنه يمكن أن يكون أحد الحاضرين هو من وجه السؤال ويمكن أن يكونوا جميعاً فهذا له وجه معقول فيما كتب لوقا ولكن الشيء غير المعقول هو أن يُخطئ لوقا في معرفة جنس من وجه السؤال الثاني!
- وأمّا بطرس فكان واقفاً عند الباب خارجاً،
فخرج التلميذ الآخر الذي كان معروفاً عند رئيس الكهنة وكلم البوابة فأدخل بطرس،
فقالت الجارية البوابة لبطرس ألست أنت أيضاً من تلاميذ هذا الانسان،
قال ذاك لست أنا،
وكان العبيد والخدّام واقفين وهم قد أضرموا جمراً، لأنه كان برد، وكانوا يصطلون وكان بطرس واقفاً معهم يصطلي. (يوحنا 18: 16-18)
- وسمعان بطرس كان واقفاً يصطلي، فقالوا له ألست أنت أيضاً من تلاميذه،
فأنكر ذاك وقال لست أنا،
قال واحد من عبيد رئيس الكهنة وهو نسيب الذي قطع بطرس أُذنه أما رأيتك أنا معه في البستان،
فأنكر بطرس أيضاً وللوقت صاح الديك. (يوحنا 18: 25-27)
في هذا النص يخالف يوحنا متّى ومرقس في جنس من وجه السؤال الثاني، فهو يقول إنهم مجموعة من الناس وليس امرأة، أو أن متّى ومرقس خالفا يوحنا فيمن وجه السؤال الثاني، فهذه الاختلافات تثير الشك في حقيقة  تلك القصة التي أخبر يسوع فيها عن شك التلاميذ فيه، وبحقيقة قول الكنائس أن الأناجيل مكتوبة بسوق من الروح المقدس، إلا إذا قالت الكنائس إن الروح المقدس كان يُعطي معلومات مختلفة لكل كاتب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق