الخميس، 22 يناير 2015

الفصل الرابع: معجزات يسوع: معجزات المشي على البحر وتسكين الأمواج والرياح ومعجزات إطعام آلاف الناس بالقليل من الطعام

الفصل الرابع: معجزات يسوع
تحدثت الأناجيل كثيراً عن معجزات يسوع، من شفاء الحمّى الى إحياء الموتى، كما تحدثت عن أسباب قيامه بها، وفي البداية سأستعرض معظمها لنرى إن كانت تثبت ما تقوله الأناجيل وقوانين إيمان الكنائس عنه من صفات سواء كمسيح أو إله وابن إله أو أنه الأُقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم متساوون في الجوهر والقدرة والإرادة، ومن ثم سأُناقش الأسباب التي قال إنه من أجلها قام بها.
معجزات المشي على البحر وتسكين الأمواج والرياح
المعجزة الأُولى
- ولما دخل السفينة تبعه تلاميذه، واذا اضطراب عظيم قد حدث في البحر حتى غطت الأمواج السفينة، وكان هو نائماً،
فتقدم تلاميذه وأيقظوه قائلين يا سيد نجّنا فاننا نهلك،
فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الايمان،
ثم قام وانتهر الرياح والبحر فصار هدوء عظيم،
فتعجب الناس قائلين أي انسان هذا فان الرياح والبحر جميعا تطيعه. (متّى 8: 23-27)
في هذه المعجزة يأمر يسوع الرياح الشديدة بالسكون فتطيعه، ويأمر البحر الهائج بالهدوء فيطيعه، وهو أمر لا يعمله الإنسان العادي ولا يستطيعه، وهو من الأمور غير المألوفة، وهذا لا مشكل فيه، ولكن المشكل هو في موقف التلاميذ، فالتلاميذ خافوا من الغرق مع أنهم بمعية يسوع، الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول الكنائس، فجاءهم الرد من يسوع ليعيدهم إلى صوابهم ويخبرهم أنهم بمعيته فلا داعي للخوف! فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الايمان، وهذا رد على قول يوحنا في المعجزة الأولى من أن التلاميذ آمنوا به!
وقد يقول قائل ان يسوع عندما وصف تلاميذه بقلة الإيمان إنما كانوا قبل أن يقول يوحنا في إنجيله أنهم آمنوا، ولكن بإلقاء نظرة على الفترة الزمنية التي قال يسوع فيها للتلاميذ أنهم قليلي إيمان في إنجيل متّى نجد أنه وصفهم بقلة الإيمان بعد أن رأوا المعجزات التالية:
1- شفاء أبرص من برصه. (متّى 8: 14)
2- شفاء غلام لقائد مئة من الفالج. (متّى 8: 5-13)
3- شفاء حماة بطرس من الحمى التي ألمّت بها. (متّى 8: 14-15) 
4- إخراج أرواح شريرة من أُناس كثيرين وشفاء مرضى من أمراضهم. (متّى 8: 16-17)
وقبل هذه المعجزات معجزة تحويل الماء إلى خمر التي قال يوحنا ان التلاميذ آمنوا على إثرها، واعتبر أنها أول المعجزات أو الآيات التي عملها يسوع!
 فمسألة قلة إيمان التلاميذ بعد مشاهدتهم خمس معجزات لا أظن أن أحداً سيقول أنها أمر طبيعي!
وهذا الوصف بقلة الإيمان قد يتساهل المرء فيه، ولكن الأغرب منه هو ان هؤلاء التلاميذ حتى بعد أن شاهدوا المعجزة السادسة وهي تسكين الرياح وأمواج البحر، وهو أمر عظيم لا يمكن لإنسان أن يشاهد شبيهاً له إلا إذا عاش في زمن نبي أو رسول، كانت ردة فعلهم مزيداً من الاستغراب والشك بقولهم أي إنسان هذا فان الرياح والبحر جميعا تطيعه، فهم حتى بعد مشاهدتهم لهذه المعجزة ما زالوا غير عارفين من هو يسوع!
فإذا كان هذا هو حال التلاميذ من الشك والحيرة وعدم معرفة صفة يسوع، مع أنهم كانوا معاينين له ومشاهدين لمعجزاته، فكيف الحال بمن جاء بعدهم، وهم لم يشاهدوا أي معجزة، هل يقولون أنهم أكثر إيماناً من التلاميذ، لهذا فهم لا يتعجبون مما يسمعونه من معجزات، وبالتالي فهم لا يسألون أي إنسان هذا فان الرياح والبحر جميعاً تطيعه؟
- فصرفوا الجمع وأخذوه كما كان في السفينة، وكانت معه أيضاً سفن أُخرى صغيرة،
فحدث نوْء ريح عظيم فكانت الأمواج تضرب الى السفينة حتى صارت تمتلئ،
وكان هو في المؤخر، على وسادة نائماً،
فأيقظوه وقالوا يا معلم أما يهمُّك أننا نهلك،
فقام وانتهر الريح وقال للبحر اسكت، ابكم،
فسكنت الريح وصار هدوء عظيم،
وقال لهم ما بالكم خائفين هكذا،
كيف لا إيمان لكم،
فخافوا خوفاً عظيماً،
وقالوا بعضهم لبعض من هو هذا،
فإن الريح أيضاً والبحر يطيعانه. (مرقس 4: 36-41)
هذه المعجزة إن لم تكن نفس المعجزة السابقة فهي ثانية، ونرى فيها نفس الموقف من التلاميذ مع تغيير لبعض الألفاظ، فهنا يقول التلاميذ ليسوع أما يهمك أننا نهلك وهذا يدل على عدم معرفتهم وثقتهم بيسوع، الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس، فهم قلقون من إمكان هلاكهم ويسوع نائم على وسادة، لهذا أيقظوه من نومه وهم في عجلة من أمرهم خوفاً من الغرق!
ولكن عندما استيقظ يسوع وانتهر الريح والبحر وبّخهم على خوفهم وعدم إيمانهم فخافوا خوفاً عظيماً، ولكنهم لم يؤمنوا لأنهم كما قال يسوع عنهم ما بالكم لا إيمان لكم.
ومع هذا كله هل آمنوا بهذا الإنسان الذي خضعت الريح والبحر لأمره؟
الجواب كلا، بل ذهبوا يتساءلون فيما بينهم من هو هذا فان الريح أيضاً والبحر يطيعانه!
- وفي أحد الأيام دخل سفينة هو وتلاميذه،
فقال لهم لنعبر الى عبر البحيرة، فأقلعوا وفيما هم سائرون نام،
فنزل نوء ريح في البحيرة،
وكانوا يمتلئون ماء وصاروا في خطر،
فتقدّموا وأيقظوه قائلين يا معلم يا معلم اننا نهلك،
فقام وانتهر الريح وتموّج الماء فانتهيا وصار هدوء،
ثم قال لهم أين ايمانكم،
فخافوا وتعجبوا قائلين فيما بينهم من هو هذا، فانه يأمر الرياح أيضاً والماء فتطيعه. (لوقا 8: 22-25)
هذا النص والنصان السابقان أظنها تتحدث عن قصة واحدة، إلا أن تكرارها يطلعنا على محادثة جديدة بين يسوع والتلاميذ، فهنا يقول لهم أين إيمانكم، ولكنه لم ينتظر جوابهم فهو يعرفهم فأجاب بنفسه عن هذا السؤال بالنصين السابقين، وهو قوله أنهم قليلي الإيمان، وإنهم لا إيمان لهم.
ولكن هل تغير موقف تلاميذ يسوع كما تغيرت أجوبته؟
كلا، فجواب التلاميذ ما زال كما هو من هو هذا، من هو يسوع، هذا السؤال يسأله التلاميذ الذين اختارهم ليكونوا رسله!
فإذا كان هذا حال التلاميذ، فكيف هو حال الكنائس المختلفة؟
وهل حدثت كل هذه الانشقاقات في الكنائس إلا لأنهم غير متفقين على صفات يسوع، ويسألون من هو هذا؟
المعجزة الثانية
هذه المعجزة حدثت بعد المعجزات السابقة وبعد االأُمور التالية:
1- إخراج الشياطين من المجنونين في كورة الجرجسيين. (متّى 8: 28-34)
2- وشفاء المفلوج الذي قال له مغفورة خطاياك. (متّى 9: 8)
3- وشفاء بنت رئيس بعد أن قالوا أنها ماتت. (متّى 9: 18-26)
4- شفاء أعميان. (متّى 9: 27- 31)
5- إخراج شيطان من إنسان اخرس ومجنون. (متّى 9: 32-33)
6- إعطاء تلاميذه سلطاناً على أرواح نجسة أن يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف. (متّى 10: 1)
7- وشفاء رجل يده يابسة. (متّى 12: 9-13)
8- وشفاء مجنون أعمى أخرس. (متّى 12: 22-23)
9- وإطعام نحو خمسة ألاف رجلاً ما عدا النساء والأولاد من خمسة أرغفة وسمكتان. (متّى 14: 14-21)
وبعد إطعام الطعام ألزم يسوع تلاميذه أن يدخلوا السفينة ويسبقوه إلى العبر حتى يصرف الجموع وحدثت المعجزة.
- وفي الهزيع الرابع من الليل مضى اليهم يسوع ماشياً على البحر،
فلما أبصره التلاميذ ماشياً على البحر، اضطربوا قائلين انه خيال ومن الخوف صرخوا،
فللوقت كلمهم يسوع قائلاً تشجعوا، أنا هو، لا تخافوا،
فأجابه بطرس وقال يا سيد ان كنت أنت هو فمرني أن آتي اليك على الماء،
فقال تعال،
فنزل بطرس من السفينة ومشى على الماء ليأتي الى يسوع،
ولكن لما رأى الريح شديدة خاف،
واذ ابتدأ يغرق صرخ قائلاً يا رب نجّني،
ففي الحال مد يسوع يده وأمسك به،
وقال له يا قليل الايمان لماذا شككت،
ولما دخلا السفينة سكنت الريح. (متّى 14: 25-33)
في هذه المعجزة يمشي يسوع على الماء متجهاً إلى سفينة التلاميذ بعد أن أطعم آلاف الناس وأشبعهم من خمسة أرغفة وسمكتين، والأغرب من المعجزة ذاتها هو موقف التلاميذ منها، فهم بعد أن رأوا كل المعجزات التي أشرت إليها، وبعد أن أعطاهم سلطاناً على إخراج الأرواح النجسة، نراهم يضطربون عندما رأوه ويظنونه خيالاً، لا بل إنهم صرخوا من الخوف، فإذا كانوا يصرخون من الخوف إذا رأوا خيالاً فكيف سيُخرجون الأرواح النجسة، وهي بالتأكيد أكثر من خيال؟!
ثم نقرأ موقف بطرس أعظم التلاميذ، فعندما سمع يسوع يُطمئنهم ويُشجّعهم ويقول لا تخافوا أنا هو، يقرر بطرس أن يختبر إيمانه بيسوع فيطلب منه أن يمشي على البحر فيأمره يسوع بالنزول وما أن تلمس قدماه الماء حتى يبدأ بالصراخ ويقول يا رب نجّني!
وبعد أن ينقذه يسوع من الغرق يوبخه ويقول له يا قليل الإيمان لماذا شككت، ولست أدري لماذا هذا التلازم بين بطرس والشكّ في علاقته بيسوع، وعلام يدل هذا الامر، مع العلم أن بطرس دائماً يتصدى لأخذ المبادرات باعتباره أكثر التلاميذ إيماناً؟!
ومرقس ذكر المعجزة قائلاً:
فلما رأوه ماشياً على البحر ظنوه خيالاً فصرخوا،
لأن الجميع رأوه واضطربوا،
وقال لهم ثقوا أنا هو لا تخافوا، فصعد اليهم الى السفينة فسكنت الريح، فبهتوا وتعجبوا في أنفسهم جداً الى الغاية،
لانهم لم يفهموا بالأرغفة،
اذ كانت قلوبهم غليظة. (مرقس 6: 45-52)
وهنا يزيد مرقس بيان حقيقة إيمان التلاميذ، بقوله ان التلاميذ عندما خافوا وصرخوا واضطربوا كانت قلوبهم غليظة لأنهم لم يفهموا بالأرغفة.
وأنا أزيد عليه وأقول إنهم لم يفهموا بالأرغفة فقط بل ولم يفهموا بخمسة عشر معجزة مُشار إليها سابقاً ومع هذه تكون ستة عشر معجزة.
فإذا كانت قلوب التلاميذ غليظة إلى الآن، فمتى سنرى قلوبهم رقيقة مطمئنة بالإيمان؟  
ويوحنا يكتب عنها في إنجيله كما في النص التالي:
- فلما كانوا قد جدفوا خمس وعشرين غلوة أو ثلاثين غلوة نظروا يسوع ماشياً على البحر مقترباً من السفينة فخافوا،
فقال لهم أنا هو لا تخافوا،
فرضوا ان يقبلوه في السفينة وللوقت صارت السفينة الى الارض التي كانوا ذاهبين اليها. (يوحنا 6: 16-21)
في هذا النص نجد أن يوحنا يؤكد على خوف التلاميذ، وهو منهم، عندما رأوا يسوع ماشياً على الماء!
معجزات إطعام آلاف الناس بالقليل من الطعام
تتحدث الأناجيل الأربعة عن معجزات إطعام يسوع لآلاف الناس في ستة مواضع وأظنها حدثت مرتين ولكنني سأذكرها جميعاً باعتبارها منفصلة عن بعضها البعض لدراسة النصوص وما تحتويه من مسائل.
- ولما صار المساء تقدم إليه تلاميذه قائلين ان الموضع خلاء والوقت قد مضى، اصرف الجموع لكي يمضوا الى القرى ويبتاعوا لهم طعاماً،
فقال لهم يسوع لا حاجة لهم أن يمضوا، أعطوهم أنتم ليأكلوا،
فقالوا له ليس عندنا ههنا إلا خمسة أرغفة وسمكتان،
فقال ائتوني بها إلى هنا،
فأمر الجموع أن يتكئوا على العشب ثم أخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين،
ورفع نظره نحو السماء وبارك وكسّر،
وأعطى الأرغفة للتلاميذ والتلاميذ للجموع،
فأكل الجميع وشبعوا،
ثم رفعوا ما فضل من الكسر اثنتي عشرة قُفّة مملوءة،
والآكلون كانوا نحو خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد،
وللوقت ألزم يسوع تلاميذه أن يدخلوا السفينة ويسبقوه الى العبر حتى يصرف الجموع،
وبعدما صرف الجموع صعد إلى الجبل منفرداً ليُصلي، ولما صار المساء كان هناك وحده. (متّى 14: 15-23)
في هذا النص نلاحظ أن يسوع قبل قيامه بالمعجزة رفع نظره نحو السماء، فلماذا رفع يسوع نظره؟
إن هذا الفعل من يسوع يدل بشكل واضح على أنه لا يعرف شيئاً عن قوانين إيمان الكنائس التي تقول عنه انه إله وابن إله والأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، إلا إذا قلنا ان الأقانيم الثلاثة الحالة في جسده عندما تريد أن تعمل عملاً فإنها تنظر إلى السماء وتطلب المساعدة، كما حدث مع يسوع عندما أمضى الليل وهو يُصلي كي لا يُصلب وعندما فشلت هذه الصلاة في الاستجابة له صرخ وهو على الصليب إلى إلهه وقال إلهي إلهي لماذا تركتني، فيسوع في هذه المعجزة نظر إلى السماء وعندما استجاب له إلهه شكره، وان لم يوضح لنا متّى ماذا قال عندما شكر، إلا أنه بعدها بدأ في تنفيذ المعجزة، وعند انتهاء المعجزة صعد إلى الجبل وحده ليُصلي، وهنا أيضاً لم يوضح لنا متّى لماذا صلى، ولمن صلى؟!
ولكنني أعتقد أنه صلى لإلهه ليشكره على الاستجابة له في إطعام الموجودين من هذا الطعام القليل، وهو ما يؤكد أن يسوع لم يسمع بقوانين إيمان الكنائس، وهي التي لم تكتب إلا بعد صعوده الى السماء بمئات السنين.
- وأما يسوع فدعا تلاميذه وقال إني أُشفق على الجمع لأن الآن لهم ثلاثة أيام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون،
ولست أُريد أن أصرفهم صائمين لئلا يخوروا في الطريق،
فقال له تلاميذه من أين لنا في البرية خبز بهذا المقدار حتى يشبع جمعاً هذا عدده،
فقال لهم يسوع كم عندكم من الخبز،
فقالوا سبعة وقليل من صغار السمك،
فأمر الجموع أن يتكئوا على الأرض، وأخذ السبع خبزات والسمك وشكر وكسّر وأعطى تلاميذه والتلاميذ أعطوا الجمع،
فأكل الجميع وشبعوا،
ثم رفعوا ما فضل من الكسر سبعة سلال مملوءة،
والآكلون كانوا أربعة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد. (متّى 15: 32-38)
في هذا النص يتحدث متّى عن معجزة ثانية ليسوع بإطعام أربعة آلاف رجل من طعام قليل، ولكن ما يلفت الانتباه هنا، وهو ما يُبطل قوانين إيمان الكنائس التي تتحدث عن وجود أقانيم ثلاثة، هو قوله انه يشفق على هؤلاء لأنهم لم يأكلوا منذ ثلاثة أيام ولا يوجد معه طعام ليطعمهم! وهذا الكلام لا يقوله إلا إنسان يتعامل مع الأُمور المادية كما هي، الطعام موجود الناس تأكل، الطعام غير موجود الناس لا تأكل، وهو أمر طبيعي فهذا تصرف كل الناس في مثل هذا الموقف، ولكنه ليس من صفات خالق السموات والأرض سبحانه وتعالى عما يصفون ويشركون، فعندما أخرج الرب خالق السموات والأرض بني إسرائيل من مصر ظل أربعين سنة يُطعمهم ويُسقيهم وحتى لم تبلى ملابسهم، وأظن أن الفرق واضح ودون الدخول في تفصيل الأمر.
وكذلك قول التلاميذ من أين لهم في البرية ما يُطعمون هؤلاء الناس، فهذا القول يدل على عدم معرفتهم بقوانين إيمان الكنائس التي تتحدث عن حلول ثلاثة أقانيم في جسد يسوع فلو كانوا عالمين، فضلاً عن أن يكونوا مؤمنين، لما قالوا من أين لهم ما يُطعم هذا الجمع من الناس وهم بحضرة الجسد الحالة فيه ثلاثة أقانيم متحدة مع بعضها البعض ومن نفس الجوهر، هذا إذا كانت موجودة أصلاً، وهم ليسوا بموجودين!
- فلما خرج يسوع رأى جمعاً كثيراً فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدأ يُعلمهم كثيراً، وبعد ساعات كثيرة تقدم اليه تلاميذه قائلين الموضع خلاء والوقت مضى، اصرفهم لكي يمضوا الى الضياع والقرى حوالينا ويبتاعوا لهم خبزاً، لأن ليس عندهم ما يأكلون،
فأجاب وقال لهم أعطوهم أنتم ليأكلوا،
فقالوا له أنمضي ونبتاع خبزاً بمئتي دينار ونعطيهم ليأكلوا،
فقال لهم كم رغيف عندكم، اذهبوا وانظروا،
ولما علموا قالوا خمسة وسمكتان،
فأمرهم أن يجعلوا الجميع يتكئون رفاقا ًرفاقاً على العشب الأخضر،
فاتكئوا صفوفاً صفوفاً مئة مئة وخمسين خمسين،
فأخذ الأرغفة الخمسة ورفع نظره الى السماء وبارك،
وكسّر الأرغفة وأعطى تلاميذه ليقدموا اليهم، وقسّم السمكتين للجميع،
فأكل الجميع وشبعوا،
ثم رفعوا من الكسر اثنتي عشرة قفة مملوءة ومن السمك،
وكان الذين أكلوا من الأرغفة نحو خمسة آلاف رجل،
وللوقت ألزم تلاميذه أن يدخلوا السفينة ويسبقوا الى العبر الى بيت صيدا حتى يكون قد صرف الجمع،
وبعدما ودّعهم مضى الى الجبل ليُصلي. (مرقس 6: 34-46)
في هذه القصة يتحدث مرقس عن يسوع وكأنه لا علاقة له بقوانين إيمان الكنائس وما هو مكتوب فيها، فتلاميذه يطلبون منه أن يصرف الناس لأنه لا يوجد طعام، ويسوع يرفع نظره إلى السماء ويبارك الخبز، وبعد إتمام المعجزة يصعد إلى الجبل ليصلي ويشكر مْن استجاب له؟!
ويكتب مرقس عن معجزة إطعام الطعام مرة ثانية كما في النص التالي:
- في تلك الأيام اذ كان الجمع كثيراً جداً ولم يكن لهم ما يأكلون دعا يسوع تلاميذه وقال لهم اني أُشفق على الجمع لأن الآن لهم ثلاثة أيام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون، وان صرفتهم الى بيوتهم صائمين يخورون في الطريق،
لأن قوماً منهم جاءوا من بعيد،
فأجابه تلاميذه من أين يستطيع أحد أن يُشبع هؤلاء خبزاً هنا في البرية،
فسألهم كم عندكم من الخبز،
فقالوا سبعة،
فأمر الجمع أن يتكئوا على الأرض،
وأخذ السبع خبزات وشكر وكسّر،
وأعطى تلاميذه ليقدموا، فقدموا الى الجميع، وكان معهم قليل من صغار السمك، فبارك وقال أن يُقدموا هذه أيضاً،
فأكلوا وشبعوا، ثم رفعوا فضلات الكسر سبعة سلال،
وكان الآكلون نحو أربعة آلاف، ثم صرفهم. (مرقس 8: 1-9)
وهذه كسابقاتها، التلاميذ يقولون انه لا يوجد أحد يستطيع أن يُطعم الناس في البرية، ونسوا أن يقولوا إلا الرب الذي أطعم بني إسرائيل في البرية أربعين سنة، وهذا يدل على قلة إيمانهم كما قال عنهم يسوع نفسه في نصوص سابقة!
ثم يأخذ يسوع الخبز ويشكر ثم تبدأ المعجزة وتنتهي بإطعام الجمع.
ولوقا ذكر معجزة إطعام الناس فقال:
- فابتدأ النهار يميل فتقدم الاثنا عشر وقالوا له اصرف الجمع ليذهبوا الى القرى والضياع حوالينا فيبيتوا ويجدوا طعاماً لأننا ههنا في موضع خلاء،
فقال لهم أعطوهم أنتم ليأكلوا،
فقالوا ليس عندنا أكثر من خمسة أرغفة وسمكتين، الا أن نذهب ونبتاع طعاماً لهذا الشعب كله،
لأنهم كانوا نحو خمسة آلاف رجل،
فقال لتلاميذه أتكئوهم فرقاً خمسين خمسين،
ففعلوا هكذا واتكأوا الجميع،
فأخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين،
ورفع نظره نحو السماء،
وباركهن ثم كسّر وأعطى التلاميذ ليقدموا للجمع،
فأكلوا وشبعوا جميعاً ثم رُفع ما فضل عنهم من الكسر اثنتا عشرة قفة. (لوقا 9: 12-17)
في هذا النص كتب لوقا ان يسوع رفع نظره إلى السماء وبارك الخبز ويُنهي قصته بإشباع الموجودين هناك.
ويوحنا كتب قصته عن المعجزة فقال:
- بعد هذا مضى يسوع الى عبر بحر الجليل وهو بحر طبرية وتبعه جمع كثير لأنهم أبصروا آياته التي كان يصنعها في المرضى،
فصعد يسوع الى الجبل وجلس هناك مع تلاميذه، وكان الفصح عيد اليهود قريباً، فرفع يسوع عينيه ونظر أنّ جمعاً كثيراً مقبل اليه فقال لفيلبس من أين نبتاع خبزاً ليأكل هؤلاء،
وانما قال هذا ليمتحنه لأنه هو علم ما هو مزمع أن يفعل،
أجابه فيلبس لا يكفيهم خبز بمئتي دينار ليأخذ كل واحد منهم شيئاً يسيراً،
قال له واحد من تلاميذه وهو أندراوس أخو سمعان بطرس هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان،
ولكن ما هذا لمثل هؤلاء،
فقال يسوع اجعلوا الناس يتكئون،
وكان في المكان عشب كثير،
فاتكأ الرجال وعددهم نحو خمسة آلاف،
وأخذ يسوع الأرغفة وشكر،
ووزع على التلاميذ والتلاميذ أعطوا المتكئين،
وكذلك من السمكتين بقدر ما شاءوا،
فلما شبعوا قال لتلاميذه اجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيء،
فجمعوا وملأوا اثنتي عشرة قفة من الكسر من خمسة أرغفة الشعير التي فضلت عن الآكلين،
فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا ان هذا بالحقيقة النبي الآتي الى العالم،
وأما يسوع فاذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً الى الجبل وحده. (يوحنا 16: 1-15)
هذه القصة في سياقها العام لا تختلف عن مثيلاتها السابقة، ولكن لو أمعنا النظر فيها لوجدنا أن يوحنا قام بتوضيح مسألتين لم توضحا فيما سبق، الأولى وهي السبب في طلب يسوع من تلاميذه أن يطعموا الجموع كما قال متّى فقال لهم يسوع لا حاجة لهم أن يمضوا، أعطوهم أنتم ليأكلوا، وكما قال مرقس فأجاب وقال لهم أعطوهم أنتم ليأكلوا، وكما كتب لوقا فقال لهم أعطوهم أنتم ليأكلوا، فهنا يقول يوحنا ان يسوع طلب منهم هذا ليمتحنهم ويرى مدى إيمانهم وإن خصّ يوحنا في قصته فيلبس وأندراوس، فهل نجح التلاميذ في هذا الامتحان؟
لم تخبرنا النصوص السابقة عن هذا ولكن متّى ومرقس قالا في إنجيليها:
- ولما جاء تلاميذه إلى العبر نسوا أن يأخذوا خبزاً،
وقال لهم يسوع انظروا وتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين،
ففكروا في أنفسهم قائلين إننا لم نأخذ خبزاً،
فعلم يسوع وقال لهم لماذا تفكرون في أنفسكم يا قليلي الأيمان أنكم لم تأخذوا خبزاً،
أحتى الآن لا تفهمون ولا تذكرون خمس خبزات الخمسة الآلاف وكم قفة أخذتم،
ولا سبع خبزات الأربعة الآلاف وكم سلا أخذتم،
كيف لا تفهمون أني ليس عن الخبز قلت لكم أن تتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين. (متّى 16: 5-11)
في هذا النص يصف يسوع تلاميذه بقلة الإيمان وعدم الفهم وأنهم لم يؤمنوا به حتى بعد أن رأوا المعجزات.
فلما رأوه ماشياً على البحر ظنوه خيالاً فصرخوا،
لأن الجميع رأوه واضطربوا،
وقال لهم ثقوا انا هو لا تخافوا، فصعد اليهم الى السفينة فسكنت الريح، فبهتوا وتعجبوا في أنفسهم جداً الى الغاية،
لانهم لم يفهموا بالارغفة، اذ كانت قلوبهم غليظة. (مرقس 6: 45-52)
وفي هذا النص يصف مرقس التلاميذ بغلاظ القلوب وأنهم لم يكونوا يفهمون معنى المعجزات وباقي الصفات لا تحتاج إلى شرح!
- وأوصاهم قائلاً انظروا وتحرزوا من خمير الفريسيين وخمير هيرودس،
ففكروا قائلين بعضهم لبعض ليس عندنا خبز،
فعلم يسوع وقال لهم لماذا تفكرون أن ليس عندكم خبز،
ألا تشعرون بعد،
ولا تفهمون،
أحتى ألآن قلوبكم غليظة،
ألكم أعين ولا تبصرون،
ولكم آذان ولا تسمعون،
ولا تذكرون حين كسرت الأرغفة الخمسة للخمسة الآلاف كم قفة مملوءة كسرا رفعتم، قالوا له اثنتي عشرة، وحين السبعة للأربعة الآلاف كم سل كسر مملوءة رفعتم  قالوا له سبعة،
فقال لهم كيف لا تفهمون. (مرقس 8: 15-21)
وهذه الصفات التي وصف بها يسوع تلاميذه تغني عن أي شرح.
ولكن يوحنا تحدث عن موقف فيلبس وأندراوس في اختبار يسوع لهما وكان موقفهما كموقف باقي التلاميذ في قلة الإيمان بيسوع سواء كمسيح أو كإله كما تقول عنه قوانين إيمان الكنائس المختلفة.
فالأول قال لا يكفيهم خبزاً بمئتي دينار ليأخذ كل واحد منهم شيئاً يسيراً، وهذا لا يدل على معرفته بصفة يسوع فضلاً عن الإيمان به، ونسي فيلبس انه من تلاميذ يسوع المسيح الذي قال عنه لنثنائيل ما يلي:
- فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة،
فقال له نثنائيل أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح،
قال له فيلبس تعال وانظر. (يوحنا 1: 45-46)
مع العلم أنه لا يوجد نص في العهد القديم كله يقول يسوع بن يوسف الذي من الناصرة!!
وأما أندراوس فقال هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان، ولكن ما هذا لمثل هؤلاء، فهو غير مؤمن بقدرة يسوع على فعل المعجزات مع أنه هو وباقي التلاميذ كانوا قد شاهدوا عشرات المعجزات كما أوضحت سابقاً، وكان يسوع قبل هذه المعجزة قد أعطاهم السلطان على إخراج الشياطين، ولكن كما قال اندراوس ما هذه المعجزات لمثل هؤلاء التلاميذ غلاظ القلوب!
والمسألة الثانية التي قام يوحنا بتوضيحها هي موقف الناس الذين أكلوا ثمرة تلك المعجزة فقال فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا إن هذا بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم،
وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده.
وهنا نجد أن الجموع ظنت أن يسوع هو النبي الآتي إلى العالم، أي المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم الذي يملك على العالم ولا يكون لملكه نهاية فحاولوا أن يعلنوا قيام مملكته وتنصيبه ملكاً عليهم، ولكن يسوع انصرف إلى جبل وحده ولم يُعلن أنه المسيح الذي بشرت به أسفار العهد القديم والذي يملك على العالم ولا يكون لملكه نهاية كما قالت أسفار العهد القديم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق