الأربعاء، 28 يناير 2015

الفصل الأول: حياة يسوع: قصة بدء كرازة يسوع وأوائل التلاميذ في الاناجيل الاربعة عرض ونقد

الفصل الأولحياة يسوع
في هذا الفصل سأستعرض حياة يسوع في مختلف مراحلها، من ولادته إلى صلبه وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السماء، مع مقارنة النصوص بعضها ببعض كما وردت في الأناجيل، ومقارنة تلك النصوص مع نصوص العهد القديم عند اقتباس كتبة الأناجيل من العهد القديم، لنرى إن كان مؤلفو الأناجيل قد كتبوا قصة واحدة عن حياة يسوع أم أن كل واحد منهم كتب قصة مختلفة عن الآخرين بحسب معلومات كل واحد منهم والمصادر التي كان يعتمد عليها، وكذلك لنرى صحة ما اقتبسوه في الأناجيل من نصوص العهد القديم، وسأبدأ باستعراض النسبين اللذين وضعهما متّى ولوقا ليسوع في إنجيليهما ثم نباشر في قراءة حياة يسوع.
قصة بدء كرازة يسوع وأوائل التلاميذ
كتبت الأناجيل الاربعة أن يسوع بعد تعميد يوحنا المعمدان له، وتجريب الشيطان بدأ يكرز باقتراب مملكة الإله، وبدأ يتخذ تلاميذ، وقبل أن أتحدث عن هذه الفترة أود أن اطرح بعض الأسئلة الحائرة.
هل اتفقت الأناجيل على أسماء أوائل التلاميذ الذين تبعوا يسوع؟
هل اتفقت الأناجيل على زمن بدء كرازة يسوع؟
هل اتفقت الأناجيل على المكان الذي بدأ يسوع يكرز أو يبشر فيه؟
ولما سمع يسوع أن يوحنا أُسْلِمَ انصرف إلى الجليل وترك الناصرة وأتى فسكن في كفر ناحوم التي عند البحر في تخوم زبلون ونفتاليم،
لكي يتمّ ما قيل بإشعياء النبي القائل،
أرض زبلون وأرض نفتاليم طريق البحر عبر الاردن جليل الأُمم،
الشعب الجالس في ظلمةٍ أبصر نوراً عظيماً والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور،
من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لأنه قد اقتربت مملكة السماء،
وإذ كان يسوع ماشياً عند بحر الجليل أبصر أخوين سمعان الذي يقال له بطرس وأندراوس أخاه يلقيان شبكة في البحر، فإنهما كانا صيادين، فقال لهما هلمّ ورائي فأجعلكما صيادي الناس، فللوقت تركا الشباك وتبعاه،
ثم اجتاز من هناك فرأى أخوين آخرين يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه في السفينة مع زبدي أبيهما يصلحان شباكهما فدعاهما، فللوقت تركا السفينة وأباهما وتبعاه. (متّى 4: 12-22)
وبعدما أُسْلِمَ يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة مملكة الإله،
ويقول قد كمل الزمان واقتربت مملكة الإله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل،
وفيما هو يمشي عند بحر الجليل أبصر سمعان واندراوس أخاه يلقيان شبكة في البحر، فإنهما كانا صيادين، فقال لهما يسوع هلم ورائي فأجعلكما تصيران صيادي الناس، فللوقت تركا شباكهما وتبعاه،
ثم اجتاز من هناك قليلاً فرأى يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه وهما في السفينة يصلحان الشباك،
فدعاهما للوقت، فتركا أباهما زبدي في السفينة مع الأجْرَى وذهبا وراءه. (مرقس 1: 14-20)
في هذين النصين نجد أن متّى ومرقس قد اتفقا على أن يسوع بدأ في الكرازة بعد قصة تجريب الشيطان له وعودته إلى الجليل، وبعد إلقاء يوحنا المعمدان في السجن، كما اتفقا على أول من تبعه من التلاميذ والزمان والمكان الذي دعاهم فيه، كما نلاحظ أيضاً أن متّى بين أن سبب ترك يسوع للناصرة وسكنه في كفر ناحوم هو لكي يتم ما قيل في إشعياء أرض زبلون وأرض نفتاليم طريق البحر عبر الاردن جليل الأُمم، الشعب الجالس في ظلمةٍ أبصر نوراً عظيماً والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور، فهل حقاً لم يتم قول إشعياء إلا عندما ترك يسوع الناصرة وسكن في كفر ناحوم؟
هذا النص مكتوب في إشعياء في الاصحاح التاسع وهو كما يلي:
ولكن لا يكون ظلام للتي عليها ضيق،
كما أهان الزمان الأول أرض زبلون وأرض نفتاليم يُكرم الأخير طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم.
هذه الفقرات تتحدث عن أرض زبلون وأرض نفتاليم والمقصود بهما الأراضي التي كانت لسبطي زبلون ونفتالي، فهذا النص يتحدث عن هذه الأماكن وكيف أنه في الأزمنة القديمة تمت اهانتهما بالحروب والسبي كما في النص التالي:
- زبلون شعب أهان نفسه الى الموت مع نفتالي على روابي الحقل. (قضاة 5: 18)
ويذكر النص انه في المستقبل سيتم إكرام طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم، وهذا الإكرام عبّر عنه النص بالفقرة التالية:
- الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً،
الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور.
وهنا يُخبر النص أن إكرام تلك المناطق سيكون بإرسال نوراً عظيماً يُبصره سكان تلك المناطق وحتى الجالسون في أرض ظلال الموت يُشرق عليهم ذلك النور، وتعبيراً عن الفرح بهذا النور يقول النص:
- أكثَرْتَ الأُمة عظّمتَ لها الفرح،
يفرحون أمامك كالفرح في الحصاد،
كالذين يبتهجون عندما يقتسمون غنيمة.
من هذه الفقرات يبدأ الحديث عن الرابط بين ما قاله متّى في انجيله من ان هذا النص يتكلم عن يسوع والفترة التي كان يعيش فيها على الارض، فكما نقرأ فإن ذلك النور الذي أبصره الشعب في أرض جليل الأمم وطريق البحر عبر الأردن استقبله الناس بفرح عظيم، وأنهم كانوا فرحين به كالفرح في الحصاد أو كالذين يفرحون وقت تقسيم الغنائم.
وهذه الحالة ليست هي حالة الناس زمن يسوع سواء في جليل الأمم أو في عبر الأردن أو في أي مكان ذهب إليه يسوع، والدليل على ذلك أن إخوة يسوع وأقاربه لم يكونوا مؤمنين به، حتى أنه قال ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه.
- لأن إخوته أيضاً لم يكونوا يؤمنون به. (يوحنا 7: 5)
- فقال لهم يسوع ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه وبين أقربائه وفي بيته، ولم يقدر أن يصنع هناك ولا قوة واحدة غير أنه وضع يديه على مرضى قليلين فشفاهم. (مرقس 6: 4-5)
وكذلك الحال في نهاية أمره فمن تبعه منهم لم يتجاوز العشرات وجميعهم أنكروه وشكوا فيه، فأين نجد تعظيم الفرح للأمة وابتهاجهم بيسوع كالذين يقتسمون الغنائم؟!
لا بل ان اليهود في ذلك الوقت لم يشف غيظ صدورهم منه إلا بعد أن صلبوه على الخشبة كما تقول الاناجيل، وأظن أن هذا الموقف يعبر عن منتهى الكره وليس الفرح، وهو ما يؤكد ان النص لا يتحدث عن أرض الجليل زمن يسوع.
- لأن نير ثقله وعصا كتفه وقضيب مسخّره كسّرتهن كما في يوم مديان.
في هذه الفقرة حديث عن تكسير القيود التي كانت على شعب تلك المنطقة كما حدث في يوم مديان، وهذا الوصف لا ينطبق على اليهود في زمن يسوع، ولا على يسوع نفسه، فاليهود كانوا خاضعين لحكم الرومان وكانوا يجبرونهم على دفع الجزية، حتى ان يسوع نفسه كان يدفع الجزية، فأي نير كان في أيدي اليهود أو أي عصا كانت تقصم كاهلهم وهم مُسخّرون لخدمة الرومان وأي قوانين كانت تقيدهم من قبل الرومان قام يسوع بتكسيرها، وهذا يدل على أن النص لا يتحدث عن يسوع ولا عن زمانه.
- لأن كل سلاح المتسلح في الوغى وكل رداء مُدَحرَج في الدماء يكون للحريق مأكلا للنار.
وهذه الفقرة أوضح من سابقتها في ان الإصحاح كله لا يتحدث عن يسوع ولا عن الزمن الذي كان يعيش فيه، لأن يسوع في حياته كلها لم يقم بحرق قشة للرومان فضلاً عن أسلحتهم أو ملابسهم! لا بل انه كان طوال حياته خاضعاً لهم دافعاً للجزية كأي واحد من اليهود، حتى أنه هرب من اليهود عندما علم أنهم مزمعون ان يخطفوه ويجعلوه ملكاً عليهم خوفاً من الرومان، فلو كان هو المقصود في هذا النص لكتبت الاناجيل عن تكسيره لأسلحة روما وحرقه لملابس جنودها!
- وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا 6: 15)
- لأنه يُولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويُدعى اسمه عجيباً مُشيرا إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام.
هذه الفقرة يجب قراءتها من نسخ أُخرى لنعرف حقيقة ما هو مكتوب في العهد القديم وهل تم اقتباسها بشكل دقيق أم تمّ التلاعب في معناها وتحريفها.
نص إشعياء من نسخة الملك جيمس:
9:6 For unto us a child is born, unto us a son is given: and the government shall be upon his shoulder: and his name shall be called Wonderful, Counsellor, The mighty God, The everlasting Father, The Prince of Peace.
نص إشعياء من النسخة السبعينية:
9:6 For a child is born to us, and a son is given to us, whose government is upon his shoulder: and his name is called the Messenger of great counsel: for I will bring peace upon the princes, and health to him.
نص إشعياء من النسخة العبرانية:
9:5 For a child is born unto us, a son is given unto us; and the government is upon his shoulder; and his name is called Pele-joez-el gibbor-Abi-ad-sar-shalom;
كما نلاحظ فإن الفقرة تم تغيير كلماتها بشكل كبير في نسخة الملك جيمس لتخدم معتقدات الكنائس القائمة على تعدد الآلهة، مع أن العهد القديم كله قائم على وحدانية الرب وعدم وجود آلهة معه أو مساوية له، ولكن لنفرض أن النص الأصلي هو المكتوب في النسخة العربية او نسخة الملك جيمس فهل هذا يدل على ابن حقيقي للرب أو إله حقيقي مع الرب، وإذا كان المقصود بهما ابن حقيقي وإله حقيقي فهل المقصود بهما يسوع؟!
ان وجود مصطلحات ابن الرب وإله مع الرب، إذا لم يتم التلاعب بها كما حدث في هذا النص، في العهد القديم لا يعني ابن حقيقي وإله حقيقي، لأن العهد القديم يستخدم هذه المصطلحات أحيانا لبعض الشخصيات ولا يُقصد بها المعنى الحقيقي كما في النصوص التالية:
- فقال الرب لموسى انظر، أنا جعلتك إلهاً لفرعون،
وهارون أخوك يكون نبيك، أنت تتكلم بكل ما آمرك،
وهارون أخوك يكلم فرعون. (خروج 7: 1-2)
هذا النص يقول ان موسى إله لفرعون وأن هارون نبي له! وهو لا يعني أن موسى كان إلهاً حقيقياً بل هو من باب المجاز.
- فتكلمه وتضع الكلمات في فمه وأنا أكون مع فمك ومع فمه وأُعلمكما ماذا تصنعان، وهو يُكلم الشعب عنك، وهو يكون لك فماً وأنت تكون له إلهاً. (خروج 4: 15-16)
في هذا النص نقرأ أن موسى إله هارون أيضاً!!!!! وهذا لا يعني أن موسى إلهاً حقيقياً لأنه يوجد عشرات النصوص التي تقول ان موسى عبد الرب ومنها ما يلي:
- ورأى إسرائيل الفعل العظيم الذي صنعه الرب بالمصريين،
فخاف الشعب الرب وآمنوا بالرب وبعبده موسى. (خروج 14: 31)
- وأما عبدي موسى فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي،
فماً الى فم وعياناً أتكلم معه لا بالألغاز،
وشبه الرب يعاين،
فلماذا لا تخشيان ان تتكلما على عبدي موسى. (عدد 21: 7-8)
- وكان بعد موت موسى عبد الرب أن الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلاً. (يشوع 1: 1)
وكذلك الحال بالنسبة لمصطلح الابن، فقد أُطلق على أفراد وقبائل وشعوب، كإطلاقه على سبط أفرايم وشعب اسرائيل، وهو بالتأكيد لا يعني الحقيقة، كما في النصوص التالية:
- فتقول لفرعون هكذا يقول الرب إسرائيل ابني البكر،
فقلت لك أطلق ابني ليعبدني،
فأبيتَ أن تطلقه، هاأنا أقتل ابنك البكر. (خروج 4: 22-23)
لأني صرت لإسرائيل أباً وأفرايم هو بكري. (إرميا 31: 9)
- قدّموا للرب يا أبناء الإله قدّموا للرب مجداً وعزاً،
قدّموا للرب مجد اسمه، اسجدوا للرب في زينة مقدسة. (مزمور 29: 1-2)
أبو اليتامى وقاضي الأرامل الإله في مسكن قُدسه. (مزمور 68: 5)
لأنه من في السماء يعادل الرب،
من يشبه الرب بين أبناء الإله،
إله مهوب جداً في مؤامرة القديسين ومخوف عند جميع الذين حوله. (مزمور 89: 6-7)
أنتم أولاد للرب إلهكم لا تخمشوا أجسامكم ولا تجعلوا قرعة بين أعينكم لأجل ميّت. (تثنية 14: 1)
- فرأى الرب ورذل من الغيظ بنيه وبناته،
وقال أحجب وجهي عنهم وأنظر ماذا تكون آخرتهم،
إنهم جيل متقلب أولاد لا أمانة فيهم. (تثنية 32: 20)
- لكن يكون عدد بني إسرائيل كرمل البحر الذي لا يُكال ولا يُعدّ، ويكون عوضاً عن أن يُقال لهم لستم شعبي، يُقال لهم أبناء الاله الحي. (هوشع 1: 9-10)
كما أن مصطلح العبادة يستخدم في بعض الأحيان للدلالة على الخضوع ولا يقصد بها العبادة التي لا تجب إلا للخالق، كما في النص التالي:
ويسجد له كل الملوك، كل الأمم تتعبد له. (مزمور 72: 11)
هذا المزمور لسليمان وفيه دعاء من سليمان للرب خالق السموات والأرض بأن يثبت ملكه وأن يحفظ مملكته، ومنها الفقرة التي يطلب فيها أن يسجد له كل الملوك وأن تتعبد له كل الأُمم، وهي لا تعني السجود أو العبادة التي لا تجوز إلا للرب الخالق، بل تعني الخضوع.
ولو كان نص إشعياء يتحدث عن ابن وإله حقيقي لكان بالتأكيد لا يقصد يسوع، لأن النص يذكر صفات ليست موجودة فيه، فالفقرات تقول ان ذلك الابن تكون له الرئاسة على كتفه، ويسوع لم يكن في يوم من الايام رئيساً على أحد، لا بل انه رفض ان يكون ملكاً عندما سعى بعض اليهود لتنصيبه ملكاً عليهم!
- وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا 6: 15)
كما ان الفقرات تقول ان ذلك المولود تنمو رئاسته الى ما لا نهاية، ويسوع الذي لم يكن رئيساً في يوم من الايام كيف ستنمو رئاسته غير الموجودة! ومما يؤكد ان هذا النص لا يتحدث عن يسوع ولا عن زمانه هو الفقرة التالية:
- لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داوُد وعلى مملكته ليُثبّتها ويعضدها بالحق والبرّ من الآن وإلى الأبد غيرة الرب تصنع هذا.
هذه الفقرة توضح معنى الرئاسة التي ستتحقق للولد الذي يولد والابن المُعطى، بأنها ستكون على كرسي داوُد وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن والى الأبد، وهذه الفقرة لو لم يوجد غيرها لكانت كافية في إثبات أن النص الذي اقتبسه متّى ليس صحيحاً لان النص يقول ان ذلك الولد والابن سيجلس على كرسي داوُد من الآن والى الأبد، ويسوع لم يجلس على كرسي داوُد ولو لساعة واحدة، لا بل انه كان يدفع الجزية لقيصر ويأمر أتباعه بطاعة قيصر وإعطائه ما يطلب منهم.
- أرسل الرب قولاً في يعقوب فوقع في إسرائيل،
فيعرف الشعب كله أفرايم وسكان السامرة القائلون بكبرياء وبعظمة قلب قد هبط اللبن فنبني بحجارة منحوتة، قطع الجميز فنستخلفه بأرز،
فيرفع الرب أخصام رصين عليه ويهيج أعداءه الآراميين من قدّام والفلسطينيين من وراء فيأكلون إسرائيل بكل الفم،
مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد.
في هذه الفقرات يتحدث إشعياء عن اليهود سكان السامرة، وخاصة أفرايم وملكهم رصين وان الرب سيُهيج عليهم أعدائهم الآراميين والفلسطينيين فيقضون عليهم وعبّر عن ذلك بقوله فيأكلون إسرائيل، وهذه الأحداث لم تقع في زمن يسوع بل وقعت قبله بمئات السنين وهي دليل على ان النص لا يقصد يسوع، وان متّى لم يكن مصيباً باستشهاده بالنص على الزمان والمكان الذي بدأ فيه يسوع بالكرازة، وكذلك باقي النص وهو ليس بحاجة الى أي شرح فهو يصرخ ويقول انه يتحدث عن زمن غير زمن يسوع!
- والشعب لم يرجع الى ضاربه ولم يطلب رب الجنود،
فيقطع الرب من اسرائيل الرأس والذنب والنخل والأسل في يوم واحد،
الشيخ والمعتبر هو الرأس والنبي الذي يُعلم بالكذب هو الذنب،
وصار مُرشدو هذا الشعب مُضلين ومرشدوه مُبتلعين،
لأجل ذلك لا يفرح السيد بفتيانه ولا يرحم يتاماه وأرامله لأن كل واحد منهم منافق وفاعل شر وكل فم متكلم بالحماقة،
مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد. (إشعياء 9: 1-17)
ومع هذا كله هل اتفق لوقا معهما لنقول ان قصة بدء كرازة يسوع صحيحة؟
لنقرأ النصوص التالية:
- ورجع يسوع بقوة الروح إلى الجليل وخرج خبر عنه في جميع الكورة المحيطة وكان يعلّم في مجامعهم ممجداً من الجميع،
وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ، فدُفع إليه سفر إشعياء النبي،
ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه، روح الرب عليّ لأنه مسحني لأُبشر المساكين أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأُنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأُرسل المنسحقين في الحرية واكرز بسنة الرب المقبولة،
ثم طوى السفر وسلمه إلى الخادم وجلس وجميع الذين في المجمع كانت شاخصة إليه،
فابتدأ يقول لهم انه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم،
وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه ويقولون أليس هذا ابن يوسف،
فقال لهم على كل حال تقولون لي هذا المثل أيها الطبيب اشف نفسك، كم سمعنا انه جرى في كفر ناحوم، فافعل ذلك هنا أيضاً في وطنك،
وقال الحق أقول لكم انه ليس نبيّ مقبولاً في وطنه. (لوقا 4: 14-24)
- وانحدر إلى كفر ناحوم مدينة من الجليل، وكان يُعلمهم في السُّبوت،
فبُهتوا من تعليمه لأن كلامه كان بسلطان. (لوقا 4: 31-32)
- ولما قام من المجمع دخل بيت سمعان، وكانت حماة سمعان قد أخذتها حمّى شديدة فسألوه من أجلها. (لوقا 4: 1)
- ولما صار النهار خرج وذهب إلى موضع خلاء وكان الجموع يُفتشون عليه فجاءوا إليه وأمسكوه لئلا يذهب عنهم، فقال لهم انه ينبغي لي أن أُبشر المدن الأُخر أيضاً بمملكة الإله لأني لهذا قد أُرسلت، فكان يكرز في مجامع الجليل. (لوقا 4: 42: 44)
- وإذ كان الجمع يزدحم عليه ليسمع كلمة الإله كان واقفاً عند بحيرة جنيسارت،
فرأى سفينتين واقفتين عند البحيرة والصيادون قد خرجوا منهما وغسلوا الشباك، فدخل إحدى السفينتين التي كانت لسمعان وسأله أن يبعد قليلا عن البر، ثم جلس وصار يُعلم الجموع من السفينة،
ولما فرغ من كلامه قال لسمعان ابعد إلى العمق والقوا شباككم للصيد، فأجاب سمعان وقال له يا معلم قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئاً ولكن على كلمتك أُلقي الشبكة،
ولما فعلوا ذلك أمسكوا سمكاً كثيراً جداً فصارت شبكتهم تتخرق، فأشاروا الى شركائهم الذين في السفينة الاخرى ان يأتوا ويُساعدوهم فأتواوملأوا السفينتين حتى أخذتا في الغرق،
فلما رأى سمعان بطرس ذلك خرّ عند ركبتي يسوع قائلاً اخرج من سفينتي يا ربّ لأني رجل خاطئ،
إذ اعترته وجميع الذين معه دهشة على صيد السمك الذي أخذوه،
وكذلك أيضا يعقوب ويوحنا ابنا زبدي اللذان كانا شريكي سمعان،
فقال يسوع لا تخف من الآن تكون تصطاد الناس،
ولما جاءوا بالسفينتين إلى البر تركوا كل شيء وتبعوه. (لوقا 5: 1-11)
من هذه النصوص نلاحظ أن لوقا خالف متّى ومرقس فيما كتباه عن الزمان والمكان الذي تبع فيه أوائل التلاميذ يسوع، وان اتفق معهما في أسماء التلاميذ، فلوقا يقول إن هذا حدث في البحيرة وليس على الشاطئ ويسوع ماشياً، كما انه خالفهما في الزمان، فهو يقول إن هذا حدث بعد شفاء يسوع لحماة بطرس من الحُمّى وهما يقولان إن شفاء حماة بطرس كان بعد أن تبعه التلاميذ الأربعة!
كما نلاحظ أيضاً في النص أن الناس كانوا يقولون عن يسوع أليس هذا ابن يوسف، ولم يُعلق لوقا على هذا القول ولم يستنكره، مما يشير الى أنه كان يؤمن أن يسوع ابن يوسف من الناحية الجسدية، وهو ما أثبته له في نسبه الذي كتبه في إنجيله!
كما نقرأ أيضاً قول يسوع عن نفسه وقال الحق أقول لكم انه ليس نبيّ مقبولاً في وطنه، وهذا ينقض كل قوانين إيمان الكنائس التي تقول إن يسوع إله وابن إله وأحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر! إذ أن يسوع يقول بكل وضوح أنه نبي، وشتان بين النبي وبين ما تقوله الكنائس عنه في قوانين إيمانها، فهل نصدق يسوع أم نصدق قوانين إيمان الكنائس؟!
وقبل أن انتقل للحديث عن قصة بدء يسوع لكرازته وأوئل التلاميذ كما كتبها يوحنا في إنجيله أود التطرق لنص العهد القديم الذي كتبه لوقا على لسان يسوع لنرى إن كان هذا النص ينطبق على زمن يسوع كما قال أم لا.
- وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ،
فدفع إليه سفر إشعياء النبي،
ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه روح الرب عليّ لأنه مسحني لأُبشر المساكين أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأُنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأُرسل المنسحقين في الحرية واكرز بسنة الرب المقبولة،
ثم طوى السفر وسلمه إلى الخادم وجلس وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه،
فابتدأ يقول لهم انه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم،
وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه ويقولون أليس هذا ابن يوسف،
فقال لهم على كل حال تقولون لي هذا المثل أيها الطبيب اشف نفسك كم سمعنا انه جرى في كفر ناحوم،
فافعل ذلك هنا أيضاً في وطنك،
وقال الحق أقول لكم انه ليس نبي مقبولاً في وطنه. (لوقا 4: 17-24)
والنص المستشهد به مكتوب في سفر إشعياء الإصحاح الحادي والستين وسأستعرضه كاملاً لنرى إن كان ينطبق على يسوع أم لا، وهو كما يلي:
روح السيد الرب عليّ،
لأن الرب مسحني لأُبشر المساكين،
أرسلني لأعصب منكسري القلب،
لأُنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق،
لأنادي بسنة مقبولة للرب.
هذه هي الفقرات التي اقتبسها لوقا ونلاحظ أنها مختلفة عما كتبه لوقا، وسبب هذا الأمر هو أن لوقا اقتبس من التوراة السبعينية وهذه الترجمة تستخدم التوراة العبرانية، وهذا الأمر يشكك في أصل القصة كلها لأن اليهود من المستحيل أن يستخدموا التوراة السبعينية لأنهم لا يعترفون بها ويعتبرونها محرفة فكيف يقرؤونها في معابدهم؟!
على الرغم من هذا الأمر الخطير ولكن دعونا الآن نكمل قراءة الاصحاح.
- وبيوم انتقام لإلهنا لأُعزي كل النائحين،
لأجعل لنائحي صهيون لأُعطيهم جمالاً عوضاً عن الرماد ودهن فرح عوضاً عن النوح ورداء تسبيح عوضاً عن الروح اليائسة،
فيُدعون أشجار البرّ غرس الرب للتمجيد،
ويبنون الخرب القديمة ويُقيمون الموحشات الأول،
ويُجدّدون المدن الخربة موحشات دور فدور.
في هذه الفقرات يبدأ الحديث عن بني إسرائيل وكيف أن الرب الإله سيُعزي نائحي صهيون وأنه سيُعوّضهم عن كل ما أصابهم، وهذا الأمر لا ينطبق على اليهود زمن يسوع لأنهم كانوا في ذلك الوقت تحت الاحتلال الروماني، كما أن موقف الكنائس منهم لا يُشير الى أنها تعتبرهم أشجار البر غرس الرب للتمجيد، وحملات الإبادة التي تعرض لها اليهود تؤكد أن هذه الفقرات لا تتحدث عنهم زمن يسوع أو في الأزمان اللاحقة.
- ويقف الأجانب ويرعون غنمكم،
ويكون بنو الغريب حرّاثيكم وكرّاميكم.
هذه الفقرة تؤكدان أن النص لا يتحدث عن زمن يسوع لأنهما تتحدثان عن وضع لليهود يكون فيه الأجانب والغرباء رعاة وحراثين وكرامين عندهم وزمن يسوع كان اليهود تحت الاحتلال الروماني.
- وأما أنتم فتدعون كهنة الرب تسمّون خدّام إلهنا.
وهذه الفقرة تؤكد أن النص لا يتحدث عن زمن يسوع لأنها تصف اليهود أنهم كهنة الربّ في حين أن كتبة العهد الجديد، وخصوصاً بولس في رسالة العبرانيين، قالوا بنقض العهود مع اليهود بما فيها عهد الكهانة كما بينت ذلك في كتاب مصادر الأناجيل.
- تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتأمّرون،
عوضاً عن خزيكم ضعفان وعوضاً عن الخجل يبتهجون بنصيبهم،
لذلك يرثون في أرضهم ضعفين،
بهجة أبدية تكون لهم.
وهذه الفقرات تتحدث عن وعد الرب لليهود بأنهم سيأكلون ثروة الأمم وإنهم يتأمّرون ويسودون عليهم وتكون لليهود بهجة أبدية، وهذا الأمر لم يكن متحققاً زمن يسوع مما يدل على أن النص لا يتحدث عنه كما كتب لوقا على لسان يسوع مُساقاً بالروح المقدس.
- لأني أنا الرب مُحب العدل مُبغض المُختلس بالظلم،
وأجعل أُجرتهم أمينة وأقطع لهم عهداً أبدياً،
ويُعرف بين الأُمم نسلهم وذريتهم في وسط الشعوب،
كل الذين يرونهم يعرفونهم أنهم نسل باركه الرب.
وهذه الفقرات كذلك تتحدث عن عهد الرب لليهود وانه عهد أبدي، أي إلى آخر الزمان وأن اليهود نسل باركه الرب، وأنا أسأل أين هي وعود الكنائس لأتباعها؟
هل سيقولون إن هذا الوعد قد أُبطل بمجيء يسوع، مع العلم أن هذا النص يقول يسوع نفسه انه يتحدث عنه؟
وإذا كان هذا العهد قد أُبطل فهل تقول الكنائس ان هذا النصّ قد زال، وهو ما أنكر يسوع إمكانية حدوثه بقوله لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأُكمل، فإني الحق أقول لكم الى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل. (متّى 5: 17-18). وهنا لا نجد نقطة أو حرفاً قد زال، بل عشرات النقاط والحروف قد زالت إذا هم قالوا إن هذا العهد قد أُبطل!
وباقي النص يتحدث عن فرح ذلك الإنسان بربه وابتهاجه بإلهه وبربط أول هذا النص بوسطه وآخره نعلم انه لا يتحدث عن يسوع.
- فرحاً أفرح بالرب،
تبتهج نفسي بإلهي لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص،
كساني رداء البرّ مثل عريس بعمامة ومثل عروس تتزين بحُليّها،
لأنه كما أن الأرض تخرج نباتها وكما أن الجنة تنبت مزروعاتها هكذا السيد الرب يُنبت برّاً وتسبيحاً أمام كل الأُمم. (إشعياء 61: 1-11)
وأما يوحنا فقد كتب قصة بداية كرازة يسوع وزمانها ومكانها وأوائل التلاميذ بشكل مختلف كلياً عما كتبه الثلاثة، كما في النص التالي:
- وفي الغد أيضاً كان يوحنا واقفاً هو واثنان من تلاميذه، فنظر إلى يسوع ماشياً فقال هو ذا حمل الإله،
فسمعه التلميذان يتكلم فتبعا يسوع، فالتفت يسوع ونظرهما يتبعان فقال لهما ماذا تطلبان،
فقالا ربي الذي تفسيره يا معلم أين تمكث، فقال لهما تعاليا وانظرا،
فأتيا ونظرا أين يمكث، ومكثا عنده ذلك اليوم،
وكان نحو الساعة العاشرة،
كان أندراوس أخو سمعان بطرس واحداً من الاثنين اللذين سمعا يوحنا وتبعاه،
هذا وجد أولاً أخاه سمعان فقال له قد وجدنا مسيّا الذي تفسيره المسيح،
فجاء به إلى يسوع، فنظر إليه يسوع وقال أنت سمعان بن يونا،
أنت تدعى صفا الذي تفسيره بطرس،
وفي الغد أراد يسوع أن يخرج إلى الجليل فوجد فيلبس فقال له اتبعني،
وكان فيلبس من بيت صيدا من مدينة أندراوس وبطرس،
فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة،
فقال له نثنائيل أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح،
قال له فيلبس تعال وانظر،
ورأى يسوع نثنائيل مقبلاً إليه فقال عنه هوذا إسرائيلي لا غشّ فيه،
قال له نثنائيل من أين تعرفني،                                                     
أجاب يسوع وقال له قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة رأيتك،
أجاب نثنائيل وقال يا معلم أنت ابن الإله، أنت ملك إسرائيل،
أجاب يسوع وقال له هل آمنت لأني قلت لك اني رأيتك تحت التينة،
سوف ترى أعظم من هذا،
وقال له الحق الحق أقول لكم من ألآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الإله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان. (يوحنا 1: 29-51)
في هذا النص ينقلنا يوحنا بعيداً جداً عن الأحداث التي قرأناها سابقاً في الأناجيل الثلاثة بحيث لا يستطيع أحد الجمع بينها وبين ما كتبه هؤلاء!
فهؤلاء الثلاثة اتفقوا على أن الزمن الذي بدأ يسوع يكرز فيه كان بعد أن أُلقي القبض على يوحنا المعمدان، ويوحنا يقول إن الزمن الذي بدأ يسوع يكرز فيه كان قبل إلقاء القبض على يوحنا المعمدان، ولم يكتف بهذا حتى قال إن أوائل تلاميذ يسوع كانوا من تلاميذ يوحنا، كما خالفهم في أسماء أوائل التلاميذ، فهو يقول إن أول من تبعه كان أندراوس وتلميذ آخر لم يذكر اسمه!
ثم دعا أندراوس أخاه سمعان بطرس، ثم دعا يسوع نثنائيل وفيلبس، ولم يأت على ذكر اسم أخيه يعقوب ولا ذكر نفسه، وهذا الأمر يثير الشبهات حول ما كتبه الثلاثة الآخرون، لأن الإنسان أدرى بنفسه من غيره، فهو لم يقل انه كان من التلاميذ الأوائل ليسوع في حين إن هؤلاء كتبوا انه كان من التلاميذ الأوائل الأربعة، كما أن يوحنا يقول ان يسوع بدأ يكرز في عبر الاردن في حين ان الثلاثة الاخرين قالوا ان المكان هو بحيرة طبرية سواء على شاطئها كما كتب متّى ومرقس او فيها كما كتب لوقا، فمن نصدق الأناجيل الثلاثة أم إنجيل يوحنا؟
وبعيداً عن الاختلاف بين الأناجيل في قصة بدء يسوع كرازته ومكانها وزمانها وأوائل تلاميذه فهذا الاختلاف ظاهر للعيان ولا يحتاج إلا لقراءة الأناجيل بطريقة جمع المواضيع المتشابهة ومقارنتها ببعض، إلا أنني أود قراءة النص بتفاصيله لنرى صدق ما كتبه من قصص ومعلومات، والتي ستكون مثالاً لما سنقرأه لاحقاً، لنعلم ونتيقن إن كان يوحنا كتب إنجيله وهو مساق بالروح المقدس كما تقول الكنائس أم لا.
فبعد كلامه عن يوحنا المعمدان وسماع التلميذين لقول يوحنا عن يسوع انه حَمَل الإله، كتب ان التلميذين تبعا يسوع فالتفت إليهما وقال لهما ماذا تطلبان، فأجابا وقالا ربي الذي تفسيره يا معلم، ثم يقول إن التلميذين سألا يسوع أين تمكث فقال لهما تعالا وانظرا ومكثا عنده ذلك اليوم، وللتأكيد على صدق ما يقوله حدد الساعة التي حدثت فيها تلك المقابلة بقوله وكان نحو الساعة العاشرة!
ولكن لو قرأنا النص التالي الذي كتبه متّى في إنجيله، فبماذا سيجيب عنه يوحنا والكنائس المختلفة:
- ولما رأى يسوع جموعاً كثيرة حوله أمر بالذهاب إلى العبر،
فتقدم كاتب وقال له يا معلم أتبعك أينما تمضي،
فقال له يسوع للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكارٌ وأما ابن الانسان فليس له أين يسند رأسه. (متّى 8: 18-20)
في هذا النص يقول متّى على لسان يسوع ان ابن الإنسان، أي يسوع، ليس له أين يسند رأسه، في حين أن يوحنا يقول إن التلميذين أمضيا اليوم عند يسوع حيث يمكث، إذاً متّى يقول إن يسوع ليس له مكان يمكث فيه ويوحنا يقول إن يسوع له مكان يمكث فيه!
ثم نقرأ هذه الفقرة أنت تدعى صفا الذي تفسيره بطرس، وهذه الفقرة لست أدري على من يقع اللوم في كتابتها بهذا الشكل، هل يقع على مترجمي الأناجيل أم على الروح المقدس الذي يسوق كتبة الأناجيل، لأن الأصل في هذه الفقرة أنها مترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية فكان المفروض على من سمح بكتابتها أن يعلم انه يترجم من اللغات الأجنبية إلى العربية وليس العكس، فقوله أنت تدعى صفا الذي تفسيره بطرس من غرائب الأُمور لأنه كان الواجب عليه أن يقول أنت تدعى بطرس الذي تفسيره صفا، ومعنى صفا هو الصخرة.
ثم يكتب يوحنا في إنجيله مساقاً بالروح المقدس أن فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة.
وهذه الفقرة أيضاً من غرائب ما يمكن أن يقرأه الإنسان، لأنه كما تعلم جميع الكنائس وأتباعها الطيبين أنه لا يوجد في الناموس الذي كتبه موسى ولا في باقي أسفار الأنبياء أن يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة، والأهم من هذا هو أن هذه الفقرة تنقض ما تقوله الكنائس عن ولادة يسوع من غير رجل فهي تثبت أن يسوع هو ابن يوسف النجار! فهل توافق الكنائس وقوانين إيمانها على أن يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة والذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء، مع أن موسى لم يكتب هذه الفقرة لا في الناموس ولا في الأنبياء؟!
ثم يتحدث يوحنا عن نثنائيل فيقول: قال له نثنائيل من أين تعرفني، أجاب يسوع وقال له قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة رأيتك، أجاب نثنائيل وقال يا معلم أنت ابن الإله، أنت ملك إسرائيل، أجاب يسوع وقال له هل آمنت لأني قلت لك إني رأيتك تحت التينة، سوف ترى أعظم من هذا، وقال الحق الحق أقول لكم من ألان ترون السماء مفتوحة وملائكة الإله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان.
أي إن نثنائيل آمن أن يسوع ابن الإله وملك إسرائيل لأن يسوع قال له انه رآه تحت شجرة تين!
فيُعقب يسوع بالقول ان نثنائيل ومن معه من الآن سيرون السماء مفتوحة والملائكة تصعد وتنزل على يسوع ابن الإنسان!
ولكن للأسف لم ير نثنائيل السماء مفتوحة ولا رأى الملائكة تصعد وتنزل على ابن الإنسان، وإنما سمع، ولا أقول رأى لأنه لم يكن هناك بل كان هارباً ومختبئاً، أن يسوع عُلق على الصليب بعد أن ضُرب واستهزأ به وجُلد وبُصق عليه، وصرخ وهو مُعلق على الصليب إلى إلهه، إلهي إلهي لماذا تركتني، وهذا طبعاً كما هو مكتوب في الأناجيل!
فكما نلاحظ فإن كتبة الأناجيل الأربعة تناقضوا في المكان والزمان الذي بدأ فيهما يسوع بالكرازة وكذلك اختلفوا في أوائل التلاميذ، وهذا يطرح أسئلة حائرة عن السبب الذي جعلهم يختلفون هذا الاختلاف، وكذلك عن صحة القول بأن الروح المقدس كان يسوق الكتبة، إلا إذا قالت الكنائس ان الروح المقدس يمكن أن يعطي معلومات تتناقض مع بعضها البعض في القصة الواحدة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق