الثلاثاء، 27 يناير 2015

الفصل الأول: حياة يسوع: يسوع في أُورشليم: قصة دخول يسوع إلى أُورشليم راكباً على جحش وحمارة ومعجزة تيبيسه شجرة تين ورفضه الإعلان عن مصدر سلطانه ونفيه أن يكون المسيح ابن داؤد وتحديده علامات آخر الزمان ورجسة الخراب وقصة استفانوس شهيد الكنيسة الاول وقصة اضطراب نفسية يسوع وحقيقة تمجيد الأب له وقصة الحية النحاسية وتشبيه يسوع بها

الفصل الأولحياة يسوع
في هذا الفصل سأستعرض حياة يسوع في مختلف مراحلها، من ولادته إلى صلبه وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السماء، مع مقارنة النصوص بعضها ببعض كما وردت في الأناجيل، ومقارنة تلك النصوص مع نصوص العهد القديم عند اقتباس كتبة الأناجيل من العهد القديم، لنرى إن كان مؤلفو الأناجيل قد كتبوا قصة واحدة عن حياة يسوع أم أن كل واحد منهم كتب قصة مختلفة عن الآخرين بحسب معلومات كل واحد منهم والمصادر التي كان يعتمد عليها، وكذلك لنرى صحة ما اقتبسوه في الأناجيل من نصوص العهد القديم، وسأبدأ باستعراض النسبين اللذين وضعهما متّى ولوقا ليسوع في إنجيليهما ثم نباشر في قراءة حياة يسوع.
قصة دخول يسوع أُورشليم راكباً على جحش وحمارة
- ولما قربوا من أُورشليم وجاءوا إلى بيت فاجي عند جبل الزيتون حينئذ أرسل يسوع تلميذين، قائلاً لهما اذهبا إلى القرية التي أمامكما فللوقت تجدان أتاناً مربوطة وجحشاً معها فحلاهما واتياني بهما،
وإن قال لكما أحد شيئاً فقولا الرب محتاج إليهما، فللوقت يرسلهما،
فكان هذا كله ليتم ما قيل بالنبي القائل، قولوا لابنة صهيون هو ذا ملكك يأتيك وديعا راكبا على أتان وجحش ابن أتان،
فذهب التلميذان وفعلا كما أمرهما يسوع،
وأتيا بالأتان والجحش ووضعا عليهما ثيابهما فجلس عليهما. (متّى 21: 1-7)
- ولما قربوا من أُورشليم إلى بيت فاجي وبيت عنيا عند جبل الزيتون أرسل اثنين من تلاميذه،
وقال لهما اذهبا إلى القرية التي أمامكما فللوقت وأنتما داخلان إليها تجدان جحشاً مربوطاً لم يجلس عليه أحد من الناس فحلاه واتيا به،
وإن قال لكما أحد لماذا تفعلان هذا فقولا الربّ مُحتاج إليه، فللوقت يُرسله إلى هنا،
فمضيا ووجدا الجحش مربوطاً عند الباب خارجاً على الطريق فحلاه فقال قوم من القيام هناك ماذا تفعلان تحلان الجحش، فقالا لهم كما أوصى يسوع فتركوهما،
فأتيا بالجحش إلى يسوع وألقيا عليه ثيابهما فجلس عليه. (مرقس 11:1-7)
- ولما قال هذا تقدم صاعداً إلى أُورشليم، وإذ قرب من بيت فاجي وبيت عنيا عند الجبل الذي يُدعى جبل الزيتون أرسل اثنين من تلاميذه، قائلاً اذهبا إلى القرية التي أمامكما وحين تدخلانها تجدان جحشاً مربوطاً لم يجلس عليه أحد من الناس قط،
فحُلاه واتيا به، وإن سألكما أحد لماذا تحلانه فقولا له هكذا إن الرب مُحتاج إليه،
فمضى المُرسلان ووجدا كما قال لهما، وفيما هما يحلان الجحش قال لهما أصحابه لماذا تحلان الجحش، فقالا الربّ مُحتاج إليه،
وأتيا به إلى يسوع وطرحا ثيابهما على الجحش وأركبا يسوع. (لوقا 19: 28-35)
- وفي الغد سمع الجمع الكثير الذي جاء إلى العيد أن يسوع آت إلى أُورشليم،
فأخذوا سعوف النخل وخرجوا للقائه وكانوا يصرخون أُوصنّا مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل،
ووجد يسوع جحشاً فجلس عليه كما هو مكتوب، لا تخافي يا ابنة صهيون هو ذا ملكك يأتي جالساً على جحش أتان،
وهذه الأمور لم يفهمها تلاميذه أولاً،
ولكن لما تمجّد يسوع، حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه وإنهم صنعوا هذه له. (يوحنا 12: 12-16)
هذه الحادثة تعتبر من البديهيات عند الكنائس المختلفة فهم يؤمنون أن يسوع دخل أُورشليم راكباً على حمارة وجحش تحقيقاً لما هو مكتوب في العهد القديم، قولوا لابنة صهيون هو ذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان، ولكن بإمعان النظر في النصوص السابقة نجد أن بينها اختلافات كثيرة، واختلافها جميعاً مع نص العهد القديم كما سيظهر معنا بعد قليل.
فمتّى يقول إن يسوع جلس على الأتان،أي الحمارة، وابنها الجحش معاً.
- They brought the donkey and the colt, placed their cloaks on them,
And Jesus sat on them. (Matthew 21: 7)
 وهذا الأمر من غرائب ما كُتب ليس في الأناجيل فقط بل في كل ما كتبته البشرية على مدار العصور، إلا في كتب الأساطير والخيال الفني! ولا أظن أن الكنائس تعتبر الأناجيل من هذا الصنف من الكتب، فهم يقولون أنها العهد الجديد للبشرية وانها مكتوبة بسوق من الروح المقدس.
وهذه الغرابة ستكون أقل وقعاً على القارئ لو أن كتبة الأناجيل الثلاثة الآخرين قد اتفقوا مع ما كتبه متّى، خاصة وانه يتفق وان بشكل ظاهري مع النص المقتبس من سفر زكريا، أما وقد خالفوه، وقالوا انه ركب جحشاً فقط، فهذا يثير التساؤلات عن المصادر التي اعتمد عليها كتبة الأناجيل في كتابتهم لها، وعن التأثير الشخصي لهؤلاء الكتبة في فَهم نصوص العهد القديم، وعن دور الروح المقدس في كتابتها، إن كان له دور، كما تحاول الكنائس أن تقول.
فنحن هنا أمام نص في سفر زكريا يقول إن ملك أورشليم يأتي وهو راكب حمار وجحش ابن أتان فيأتي متّى ويكتب قصة دخول يسوع إلى أُورشليم، وفي خضم انهماك متّى في محاولة إثبات أن النصّ يتحدث عن يسوع، ينسى مضمون النصّ ويكتب ان يسوع أرسل تلميذيه ليحضرا له أتان، أي حمارة، وابنها أي جحش مع أن نص زكريا لا يتحدث عن حمارة بل يتحدث عن حمار وهذا فرق شاسع لا أظن انه يخفى على الروح المقدس لو كان يسوق متّى!
ولم يكتف متّى بإحداث هذا التغيير في النص، بل انه لحماسته الشديدة في إثبات انه توجد نصوص في العهد القديم تتحدث عن يسوع، أو بمعنى أدق صياغة إنجيله وفقاً لنصوص العهد القديم كما بينته في كتاب مصادر الأناجيل، نجده يُنهي القصة بشكل تضحك منه الثكالى، إذ قال إن يسوع جلس على الاثنين أي على الحمارة والجحش دفعة واحدة! وكيف يتأتى لإنسان أن يركب الاثنان معاً، مع أن نص زكريا لا يذكر هذه الصفة في الركوب كما سنقرأ لاحقاً.
وذكر الحمار والجحش في نص زكريا لم يستطع كتبة الأناجيل الآخرون تصوره، لهذا قاموا بحذف الحمار، أو الحمارة بحسب قول متّى، واقتصروا على ذكر الجحش وقيام يسوع بركوبه، مع أن نص زكريا لا يذكر صفة ركوب ملك أُورشليم للحمار والجحش، فيمكن أن يكون قد ركب الحمار أولاً ثم ركب الجحش بعد ذلك، وهذا الركوب ليس هو الصفة المهمة في النص، ولكن كتبة الأناجيل ركّزوا جهدهم على صفة الركوب، لأن الصفات الأهم المذكورة لملك أُورشليم في نص زكريا ليست متحققة في يسوع، وهم كانوا يحاولون أن يلتقطوا أي كلمة أو جملة من العهد القديم يمكن وضعها في سياق معين على إنها تتحدث عن يسوع بغض النظر عن مكانها في النص أو مدى ارتباطها التاريخي.
وأما قول متّى على لسان يسوع عندما أرسل التلميذين انه إن سألهما أحد عن الأمر أن يقولا إن الرب محتاج إليهما، أي الأتان والجحش، فهو يُنسي ما قبله وما بعده! إذ أي حاجة ليسوع، الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، لحمارة وجحش كي يركبهما ليدخل أُورشليم؟
وما هي قوة هذه الحمارة وذاك الجحش كي يتحمل مجد يسوع أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس المختلفة كلها؟
ألم يكن دخول يسوع الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد إلى أُورشليم وهو محمول على أكف الملائكة أو على كرسي تحمله أو على سحابة أعظم من دخوله على حمارة وجحش كما كتب متّى؟!
وأما مرقس ولوقا فيتحفاننا بمعلومة جديدة عن الجحش الذي ركبه يسوع بعد أن تناسيا ذكر الحمار كما جاء في نص زكريا، وكذلك تجاهلا نسبة القصة للعهد القديم حتى لا يقعا في مشكلة صفات ملك أُورشليم التي لا تنطبق على يسوع فقالا إن ذلك الجحش لم يجلس عليه أحد قط سابقاً!!
وأما يوحنا فيقول إن يسوع وجد جحشاً، هكذا وجد جحشاً، دون ذكر إرسال التلميذين إلى القرية لإحضاره، فجلس عليه كما هو مكتوب لا تخافي يا ابنة صهيون هو ذا ملكك يأتي جالساً على جحش أتان، ودون ذكر أين هو مكتوب ذلك الأمر، حتى لا يظهر بسهولة ذكر الحمار مع الجحش وصفات ملك أُورشليم الداخل إليها على حمار وعلى جحش، ولم يكتف يوحنا بهذا بل أتحفنا بمعلومة عن التلاميذ وهي أنهم لم يفهموا هذا الأمر، أي إن التلاميذ حتى ذلك الوقت، أي قبل صلب يسوع بأسبوع تقريباً، لم يكونوا فاهمين ان يسوع هو ملك أُورشليم، وهذا يدل على علم أولئك التلاميذ وإيمانهم!
الآن سنقرأ نص زكريا لنرى إن كان ما قال عنه متّى فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل قولوا لابنة صهيون هو ذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان ينطبق على يسوع أم لا، أو ان ما قاله عنه يوحنا ووجد يسوع جحشاً فجلس عليه كما هو مكتوب لا تخافي يا ابنة صهيون هو ذا ملكك يأتي جالسا على جحش أتان صحيحاً أم لا؟ وهو كما يلي:
ابتهجي جداً يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أُورشليم،
هو ذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان.
كما نقرأ فإن النصّ يقول ابتهجي يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أُورشليم، بينما يقول متّى قولوا لابنة صهيون، ويوحنا يقول لا تخافي يا ابنة صهيون، والفرق واضح بين قول قولوا لابنة صهيون أو لا تخافي يا ابنة صهيون وقول النص ابتهجي جداً يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم، وهذا الاختلاف لا أظن انه كان يمكن أن يخفى على الروح المقدس لو كان يسوق كتبة الأناجيل!
ثم يبدأ النص بذكر السبب الذي من أجله يطلب الرب من ابنة صهيون وبنت أُورشليم الابتهاج والهتاف، فيقول إن السبب هو قدوم ملكهما إليهما، الذي هو ملك عادل ومنصور ووديع، أي غير متكبر، وهذا الملك يأتي راكباً على حمار وعلى جحش ابن أتان، أي إنه لن يكون راكباً سيارة أو طائرة أو سفينة، وحتى انه لن يكون راكباً عربة تجرّها الخيول.
فالملك الذي تبتهج به ابنة صهيون وتهتف له بنت أورشليم هو ذلك الملك العادل والمنصور والوديع الذي يأتي وهو راكب على حمار وجحش، وهذا الركوب دليل على الوداعة والتواضع لان الملوك في ذلك الزمان كانوا يُحبون إظهار قوتهم بالدخول إلى عواصمهم ومدنهم راكبين الخيل أو العربات والجنود حولهم بكامل عدّتهم وقوتهم خاصة بعد المعارك التي يخوضونها وينتصرون فيها، ولكن النص يقول إن ذلك الملك المنصور والعادل يدخل عاصمته أُورشليم بكل وداعة وتواضع حتى انه يكون راكباً على حمار وعلى جحش وهما من الحيوانات التي لم تكن تستخدم في الحروب، بل كان يستخدمها بسطاء الناس من الفلاحين وغيرهم.
هذا ما يعنيه النص الأصلي لكل من يقرأه بشكل دقيق ودون الحاجة للسَوْق من الروح المقدس!
ولكن متّى كما ظهر لنا قرأه بطريقة مختلفة فقام بحذف صفة النصر والعدل وأبقى صفة الوداعة لان من يقرأ الأناجيل يعلم أن يسوع لم يخض أي معركة حتى ينتصر فيها، لا بل انه هرب من أتباعه عندما حاولوا أن يجعلوه ملكاً!
- وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا 6: 15)
وكيف يكون يسوع ملكاً منصوراً وهو خاضع لقيصر روما ودافع الجزية له طوال حياته وداعياً أتباعه إلى الخضوع لقيصر بقوله أعطوا ما لقيصر لقيصر، فأي ملك منصور كان يسوع، والأناجيل كتبت انه بعد ستة أيام أو أقل من دخوله أُورشليم يُلقي أتباع قيصر واليهود القبض عليه ويحاكمونه وبعد ذلك يقومون بجلده وضربه ولطمه حتى ينتهي به المطاف معلقاً على خشبة بين سارقين؟!
وأي ملك منصور وهو يصرخ بصوت عظيم لإلهه فيقول إلهي إلهي لماذا تركتني؟
من أجل هذا ترك متّى كتابة المنصور والعادل ولا أظن أن هاتين الصفتين كانتا خافيتين عن بصره، ولكن واقع الحال يوجب إخفائهما!
وأمّا صفة العدل فيسوع لم يدّعيها لنفسه، والدليل على ذلك انه رفض أن يحكم لأحد الرجال الذي طلب منه أن يقاسم أخاه الميراث، وقال له بكل وضوح من أقامني عليكما قاضياً فهذا دليل واضح على انه لم يُقِمْ العدل بين الناس، فكيف يكون يسوع ملكاً عادلاً؟
وقال له واحد من الجمع يا معلم قل لأخي أن يقاسمني الميراث،
فقال له يا إنسان من أقامني عليكما قاضياً أو مقسماً. (لوقا 12: 13-14)
وكذلك الأمر عندما أمر أتباعه أن لا يقاوموا الشر!
وأما أنا فأقول لا تقاوموا الشر،
بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً. (متّى 5: 39)
فإذا كان يسوع يطلب عدم مقاومة الشر فكيف سيُقيم العدل حتى تنطبق عليه صفة ملك أورشليم؟
وأما يوحنا فالأمر معه أشد تعقيداً، فهو حذف صفات العدل والنصر والوداعة وذكر صفة ذلك الملك انه يأتي راكباً على جحش، ولم يكتف بذلك بل لم يحدد أين هو النص الذي استشهد به واكتفى بالقول كما هو مكتوب!
فيوحنا كما قال في إنجيله انه لم يذكر كل ما يعرفه عن يسوع وأعماله يأتي هنا أيضاً ولا يقول أين هو مكتوب ذلك القول!
- وآيات أُخر كثيرة صنع يسوع قدّام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب،
وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا ان يسوع هو المسيح ابن الإله،
ولكي تكون لكم اذا آمنتم حياة باسمه. (يوحنا 20: 30-31)
- وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع ان كتبت واحدة واحدة فلست أظن ان العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة. (يوحنا 21: 25)
وأقطع المركبة من أفرايم والفرس من أُورشليم وتقطع قوس الحرب، ويتكلم بالسلام للأمم.
هذه الفقرة تقول أنه بعد أن يأتي ملك أُورشليم ستقطع المركبة من أفرايم (أفرايم المقصود به إحدى الدولتين التي كانت تضم اليهود ويُطلق عليها أحياناً إسرائيل أو السامرة والثانية دولة يهوذا وعاصمتها أورشليم وغالباً ما تذكر أُورشليم للدلالة على الدولة) وتقطع الفرس من أُورشليم وتقطع قوس الحرب ويتكلم بالسلام بين الأمم.
وكل هذه الأُمور لم يخبرنا أحد من كتبة الأناجيل أنها حدثت بعد دخول يسوع إلى أُورشليم في ذلك الوقت، بل كتبوا ان يسوع بعد ستة أيام أُلقي القبض عليه وجُلد ولطم وبُصق عليه ومن ثم عُلق على خشبة بين لصين، ولم تكن هناك أصلاً أفرايم ولا أُورشليم كدولتين، بل كانت تلك المناطق تحت سيطرة الرومان، ولم يكن أحد ليجرؤ على مخالفة أمرهم وسلطانهم.
فأين هذه الحقائق مما يحاول كتبة الأناجيل أن يقنعوا الطيبين من أتباع الكنائس أن هذا النص كان المقصود به يسوع؟
وسلطانه من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض.
وهذه الفقرة أوضح من سابقاتها في إثبات أن النص لا يتحدث عن يسوع، لأن يسوع لم يكن له سلطاناً مطلقاً بدليل خضوعه لسلطان الرومان ودفعه الجزية لهم وأمره تلاميذه أن يخضعوا لقيصر روما، كما أن الأناجيل لم تخبرنا عن مملكة يسوع أنها امتدت من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض، وإنما أخبرتنا أن يسوع قال ان مملكته ليست من هذا العالم، عندما سأله بيلاطس هل هو ملك!
- ثم دخل بيلاطس أيضاً إلى دار الولاية ودعا يسوع وقال له أنت ملك اليهود،
أجابه يسوع أمِنْ ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني،
أجابه بيلاطس ألعلي أنا يهودي،
أُمّتك ورؤساء الكهنة أسلموك إليّ، ماذا فعلت،
أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم،
لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدّامي يُجاهدون لكي لا أُسلم الى اليهود،
ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. (يوحنا 18: 33-36)
والكنائس كلها تقول ان مملكة يسوع ليست على الأرض، ونحن سنوافقهم على قولهم هذا، ولكن نطلب منهم بكل أنواع الرجاء والمحبة الكف عن القول إن يسوع هو المقصود بهذا النص وأنه ملك أُورشليم وأنه جاء إليها راكباً على حمارة وجحش، لأن هذا النص لا يتحدث عنه!
فأين هذا النص الذي يقول إن ذلك الملك يكون سلطانه من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض من يسوع الذي يقول إن مملكته ليست من هذا العالم!
وباقي النص يتحدث عن اليهود في عصور سواء كانت سابقة أو لاحقة ولكنها بالتأكيد لا تتحدث عن الزمن الذي عاش فيه يسوع.
وأنتِ أيضاً فاني بدم عهدكِ قد أطلقت أسراكِ من الجب الذي ليس فيه ماء،
ارجعوا إلى الحصن يا أسرى الرجاء اليوم أيضاً أُصرّح أني أرد عليكِ بضعفين،
لأني أوترت يهوذا لنفسي وملأت القوس أفرايم،
وأنهضت أبناءك يا صهيون على بنيك يا ياوان وجعلتك كسيف جبار،
ويُرى الرب فوقهم وسهمه يخرج كالبرق والسيد الرب ينفخ في البوق ويسير في زوابع الجنوب،
ربّ الجنود يحامي عنهم فيأكلون ويدوسون حجارة المقلاع ويضجّون كما من الخمر ويمتلئون كالمنضح وكزوايا المذبح،
ويخلصهم الرب الههم في ذلك اليوم كقطيع شعبه،
بل كحجارة التاج مرفوعة على أرضه. (زكريا 9: 9-17)
استقبال الجموع ليسوع
بعد دخول يسوع الى أُورشليم تكتب الأناجيل عن استقبال الجموع له كما في النصوص التالية:
- والجموع الذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين أُوصنا لابن داوُد، مبارك الآتي باسم الرب، أُوصنا في الأعالي،
ولما دخل أورشليم ارتجّت المدينة كلها قائلة من هذا،
فقالت الجموع هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل. (متّى 21: 9-11)
- والذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين أُوصنا،
مبارك الآتي باسم الرب،
مباركة مملكة أبينا داوُد الآتية باسم الرب، أُوصنا في الأعالي. (مرقس 11: 9-10)
- ولما قرب عند منحدر جبل الزيتون ابتدأ جمهور التلاميذ يفرحون ويُسبحون الإله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التي نظروا، قائلين مبارك الملك الآتي باسم الرب،
سلام في السماء ومجد في الأعالي. (لوقا 19: 37-38)
- وفي الغد سمع الجمع الكثير الذي جاء الى العيد أن يسوع آت الى أُورشليم،
فأخذوا سعوف النخل وخرجوا للقائه وكانوا يصرخون أُوصنا مبارك الآتي باسم الرب، ملك اسرائيل. (يوحنا 12: 12-13)
في هذه النصوص نرى أن التلاميذ كانوا مع الجموع كما قال لوقا، أي أنهم كانوا يصرخون مع باقي الناس الذين استقبلوا يسوع.
فماذا كانت تلك الجموع تصرخ عند استقبالها يسوع؟
يقول متّى إنها كانت تقول هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل، أي إن التلاميذ كانوا يؤمنون أن يسوع هو نبي، وهذا يهدم قوانين إيمان الكنائس على رؤوس كاتبيها، لأن الفرق بين النبي وبين الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول تلك القوانين كالفرق بين موسى والرب الذي أرسله نبياً لبني إسرائيل، فهل تعيد الكنائس كتابة قوانين جديدة تقول فيها إن يسوع هو النبي الذي من ناصرة الجليل، وأنه مبارك لأنه جاء باسم الرب؟
وأما ما قاله مرقس من أن الجموع كانت تصرخ وتقول مباركة مملكة أبينا داوُد الآتية باسم الرب فان كان يقصد مملكة بني إسرائيل فهذا فيه شيء من القبول وإن كانت تلك المملكة لم تظهر للوجود وأعلن يسوع انه لا يمثلها لأن مملكته ليست من هذا العالم!
وأما ما كتبه يوحنا عن ملك إسرائيل فأظن أن حياة يسوع قبل وصوله لهذا المكان لا تدل على كونه ملكاً لإسرائيل لأنه هرب من اليهود عندما علم أنهم يسعون ليجعلوه ملكاً كما في النص التالي:
- وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا 6: 15)
وحياته بعد هذا لم تُظهر انه ملك إسرائيل، فما كتبه يوحنا ان الجموع كانت تقول عن يسوع انه ملك إسرائيل هو من باب الظنون التي أظهر الزمن عدم صحتها!
دخول يسوع الى الهيكل
ثم تحدثنا الأناجيل الثلاثة عن قصة دخول يسوع إلى الهيكل وإخراج الباعة منه، كما في النصوص التالية:
- ودخل يسوع الى هيكل الإله واخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام،
وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعى،
وانتم جعلتموه مغارة لصوص. (متّى 21: 12-13)
- وجاءوا الى أُورشليم، ولما دخل يسوع الهيكل ابتدأ يخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام، ولم يدع أحد يجتاز الهيكل بمتاع،
وكان يُعلم قائلاً لهم أليس مكتوباً بيتي بيت صلاة يدعى لجميع الأمم،
وانتم جعلتموه مغارة لصوص. (مرقس 11: 15-17)
- ولما دخل الهيكل ابتدأ يخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون فيه قائلاً لهم مكتوب ان بيتي بيت الصلاة، وانتم جعلتموه مغارة لصوص. (لوقا 19: 45-46)
هذه النصوص تتحدث عما فعله يسوع عندما دخل الهيكل فتقول انه قام بطرد الباعة والمشترين والصيارفة وباعة الحمام قائلاً لهم انه مكتوب بيتي بيت صلاة يدعى كما كتب متّى، وأما مرقس فقال إن يسوع كان يُعلّم قائلاً لهم أليس مكتوباً بيتي بيت صلاة يدعى لجميع الأمم، وأما لوقا فكتب إن يسوع قال لهم مكتوب إن بيتي بيت صلاة. وهذه النصوص كتبت للإيحاء بان يسوع يعتبر أن الهيكل هو بيته باعتباره الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول الكنائس.
ولكن لو قرأنا النص الذي اقتبس منه هؤلاء هذه الفقرة، هل هو حقاً ينطبق على يسوع والكنائس؟
هذا النص مذكور في سفر إشعياء الإصحاح السادس والخمسون وفيما يلي نصه:
هكذا قال الرب احفظوا الحق وأجروا العدل،
لانه قريب مجيء خلاصي واستعلان برّي،
طوبى للانسان الذي يعمل هذا،
ولابن الانسان الذي يتمسك به الحافظ السبت لئلا ينجسه والحافظ يده من كل عمل شرّ.
هل الكنائس تحافظ على السبت كما قال الرب هنا، أم أنهم استبدلوه بيوم الأحد الذي يعني باللغة الانجليزية يوم الشمس؟
فلا يتكلم ابن الغريب الذي اقترن بالرب قائلاً افرازاً أفرزني الرب من شعبه، ولا يقل الخصي ها أنا شجرة يابسة،
لأنه هكذا قال الرب للخصيان الذين يحفظون سبوتي ويختارون ما يسرني ويتمسكون بعهدي.
وهنا مرة أُخرى يؤكد الرب على حفظ السبت، ومع هذا فالكنائس لم تحفظه واستبدلته بيوم الشمس!
اني أُعطيهم في بيتي وفي أسواري نُصباً واسماً أفضل من البنين والبنات، أُعطيهم اسماً أبديا لا ينقطع،
وأبناء الغريب الذين يقترنون بالرب ليخدموه وليحبوا اسم الرب ليكونوا له عبيداً كل الذين يحفظون السبت لئلا ينجسوه ويتمسكون بعهدي.
نقرأ في هذه الفقرات مرة ثالثة تأكيد على السبت وحفظه، وكذلك نقرأ فيها أن أبناء الغريب الذين اقترنوا بالرب ليخدموه ويحبوا اسم الرب أن الرب جعل لهم اسماً وصفة أنهم عبيد للرب، فأين هذا الاسم وهذه الصفة عبيد الرب من إصرار الكنائس على القول انهم أبناء الإله بالتبني؟!
آتي بهم الى جبل قدسي وأفرّحهم في بيت صلاتي وتكون محرقاتهم وذبائحهم مقبولة على مذبحي،
لان بيتي بيت الصلاة يدعى لكل الشعوب. (إشعياء 56: 1-7)
وأنا أتساءل هل تقدم الكنائس المحرقات والذبائح في بيت الرب، أم انهم انسلخوا من كل الشرائع التي أنزلها الرب على موسى كما قال بولس ان الشريعة لا تنفع من يلتزم بها من أتباع الكنائس ولن يُخلصه يسوع؟!
إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس بل بإيمان يسوع المسيح،
آمنا نحن أيضاً بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس،
لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسدٌ ما. (غلاطية 2: 16)
بعد هذه الحادثة يبقى يسوع عدة أيام في أُورشليم قبل الفصح وسأتحدث عما جرى فيها من أُمور بالتتابع.
معجزة تيبيس يسوع لشجرة تين
- وفي الصبح اذ كان راجعاً الى المدينة جاع،
فنظر شجرة تين على الطريق،
وجاء اليها فلم يجد فيها شيئاً الا ورقاً فقط،
فقال لها لا يكن منك ثمر بعد الى الأبد، فيبست التينة في الحال،
فلما رأى التلاميذ ذلك تعجبوا قائلين كيف يبست التينة في الحال،
فأجاب يسوع وقال لهم الحق أقول لكم ان كان لكم ايمان ولا تشكون فلا تفعلون أمر التينة فقط بل ان قلتم لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون، وكل ما تطلبونه في الصلوة مؤمنين تنالونه. (متّى 21: 18-22)
- وفي الغد لما خرجوا من بيت عنيا جاع،
فنظر شجرة تين من بعيد عليها ورق، وجاء لعله يجد فيها شيئاً،
فلما جاء اليها لم يجد شيئاً الا ورقاً، لأنه لم يكن وقت التين،
فأجاب يسوع وقال لها لا يأكل أحد منك ثمراً بعد الى الأبد،
وكان تلاميذه يسمعون. (مرقس 11: 11-14)
- وفي الصباح اذ كانوا مجتازين رأوا التينة قد يبست من الاصول،
فتذكر بطرس وقال له يا سيدي انظر التينة التي لعنتها قد يبست،
فأجاب يسوع وقال لهم ليكن لكم ايمان بالإله،
لأني الحق أقول لكم ان من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر ولا يشك في قلبه بل يؤمن ان ما يقوله فمهما قال يكون له. (مرقس 11: 20-23)
في هذين النصين يذكر متّى ومرقس قصة أو معجزة لعن يسوع لشجرة التين وتيبيسها لأنه لم يجد فيها ثمر وكان جائعاً ولم يكن وقت إثمارها!
وفي هذا المقام لا أرغب بالحديث عن الاختلافات الظاهرة بين النصين فهو من جهة لا يقنع الكنائس، فهي تؤمن بما هو أشدّ وأعظم من كل هذه الاختلافات، ومن جهة ثانية فأنا أتحدث عن صلب يسوع وقيامته.
فلو قلنا لهم كيف يجوع يسوع الأُقنوم الثاني أو الأقانيم الثلاثة باعتبار الوحدة التي بينهم؟
لقالوا إن الذي جاع ليس هو الأُقنوم أو الأقانيم الثلاثة وإنما الجسد البشري الذي يحوي هؤلاء الثلاثة!
ولو قلنا انه يوجد فرق في موضع الشجرة فمتّى يقول إنها كانت على الطريق ومرقس يقول انه نظر شجرة من بعيد.
لقالوا إن الشجرة كانت على الطريق وان متّى كتب القصة منذ لحظة وصول يسوع إليها، ومرقس كتب ويسوع يمشي في الطريق.
ولو قلنا إن مرقس كتب وجاء لعله يجد فيها شيئاً، فلما جاء إليها لم يجد شيئاً إلا ورقاً، لأنه لم يكن وقت التين، وكلمة لعلّ تفيد الرجاء والظن، ويُفترض بالأقانيم الثلاثة، أو الأُقنوم الثاني، أن يعلموا أو يعلم الغيب وبالتالي يعلموا أو يعلم انه لا يوجد ثمر في التينة، أو على الأقل يذهب الأُقنوم الثالث من الأقانيم الثلاثة وهو الروح المقدس فيرى إن كان في الشجرة ثمر أم لا، ثم يعود ويُخبر الاقنوم الثاني، وخاصة أن مرقس كتب إن ذلك الوقت لم يكن وقت التين!
لقالت الكنائس إن السبب في إظهار عدم علم يسوع الغيب هو حدوث هذه المعجزة!
ولو قلنا انه يوجد اختلاف في وقت تعجب التلاميذ لتيبيس الشجرة، فمتّى يقول إن التلاميذ تعجبوا عند حدوث المعجزة، ومرقس يقول إن التلاميذ في صباح اليوم التالي رأوا التينة قد يبست من أُصولها فتذكر بطرس وقال له يا سيدي انظر التينة التي لعنتها قد يبست.
لقالت الكنائس المختلفة لعل بطرس لم يكن معهم في اليوم السابق!
ولكن لا الكنائس ولا الأناجيل ولا كل رسائل العهد الجديد تستطيع أن تخبرنا قصة واحدة عن تحقق الوعد الذي أطلقه يسوع في هذه القصة، كما كتب متّى على لسان يسوع بقوله الحق أقول لكم إن كان لكم إيمان ولا تشكون فلا تفعلون أمر التينة فقط بل إن قلتم لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون، ولا بما كتب مرقس إذ قال فأجاب يسوع وقال لهم ليكن لكم إيمان بالإله، لأني الحق أقول لكم إن من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر ولا يشك في قلبه بل يؤمن أن ما يقوله فمهما قال يكون له.
فهل عدم قدرة تلاميذ يسوع على نقل الجبال من أماكنها وطرحها في البحار والمحيطات يدل على عدم إيمانهم؟
أم إن عدم نقل التلاميذ للجبال من أماكنها وطرحها في البحار يدل على أن هذا الوعد وهذه القصة ليست من وحي السماء؟
يسوع يرفض الإعلان عن مصدر سلطانه
ثم بعد ذلك كتب متّى ومرقس ولوقا عن حوار جرى بين يسوع ورؤساء الكهنة، وفيما يلي نصه:
- ولما جاء إلى الهيكل تقدم إليه رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وهو يُعلم قائلين بأي سلطان تفعل هذا ومن أعطاك هذا السلطان،
فأجاب يسوع وقال لهم وأنا أيضاً أسألكم كلمة واحدة فان قلتم لي عنها أقول لكم أنا أيضاً بأي سلطان أفعل هذا، معمودية يوحنا من أين كانت، من السماء أم من الناس،
ففكروا في أنفسهم قائلين إن قلنا من السماء يقول لنا فلماذا لم تؤمنوا،
وان قلنا من الناس نخاف من الشعب،
لان يوحنا عند الجميع مثل نبي،
فأجابوا يسوع وقالوا لا نعلم،
فقال لهم هو أيضاً ولا أنا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا. (متّى 21: 23-27) و(مرقس 11: 27-33) و(لوقا 20: 1-8)
في هذا النص يحاول رؤساء الكهنة معرفة مصدر السلطان الذي يعمل بموجبه يسوع تلك المعجزات والتي يتخذها دليلاً على دعوته بقرب مملكة الإله، ولكن يسوع، الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد كما تقول الكنائس، يلجأ إلى وسيلة ليست مقبولة من إنسان عادي فكيف بمن هذا صفته فيرد عليهم بسؤال بدلاً من الإجابة عن سؤالهم فيسألهم عن معمودية يوحنا من أين كانت!
ويكتب لنا كتبة الأناجيل بسوق من الروح المقدس ان اليهود لم يجيبوا، مع أنهم كتبوا نصوصاً أُخرى تقول ان جميع اليهود ذهبوا إلى عبر الأردن واعتمدوا من يوحنا المعمدان، (متّى 3: 5) و (مرقس 1: 5) و (لوقا 3: 7)! والجواب على سؤال يسوع من رؤساء الكهنة لا يتطلب منهم أي عناء أو كذب لأن يوحنا المعمدان كان قد قتل قبل عدة سنوات بحسب الأناجيل، فما الذي يُخيفهم من يوحنا المعمدان وهو ميت، ولا يخافون من يسوع، الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول الكنائس، الواقف أمامهم؟!
وما هي المشكلة عند رؤساء الكهنة وعند اليهود القول إن معمودية يوحنا من السماء، فيوحنا المعمدان كما تذكر الأناجيل لم يكن له شريعة خاصة به، بل كان ملتزماً بناموس موسى.
فهذا الابتعاد عن الإجابة على سؤالهم لا يدل على أن يسوع كان يؤمن انه هو المسيح فضلاً عن أن يكون أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر!
يسوع ينفي أن يكون المسيح ابن داوُد
- وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلاً ماذا تظنون في المسيح، ابن من هو،
قالوا له ابن داوُد،
قال لهم فكيف يدعوه داوُد بالروح رباً قائلاً، قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فإن كان داوُد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه،
فلم يستطع أحد أن يُجيبه بكلمة، ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بتة. (متّى 22: 41-46)
- ثم أجاب يسوع وقال وهو يُعلم في الهيكل كيف يقول الكتبة إن المسيح ابن داوُد، لأن داوُد نفسه قال بالروح المقدس قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فداوُد نفسه يدعوه رباً فمن أين هو ابنه،
وكان الجمع الكثير يسمعه بسرور. (مرقس 12: 35-37)
- وقال لهم كيف يقولون إن المسيح ابن داوُد،
وداوُد نفسه يقول في كتاب المزامير قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فإذاً  داوُد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه. (لوقا 20: 41-44)
في هذه النصوص نجد أن يسوع، قبل قصة الصلب بعدة أيام، يقول إن المسيح ليس ابن داوُد ويستنكر على كل من يقول ذلك، فالكنائس وكتبة الأناجيل أمام خيارين لا ثالث لهما.
إما أن يقولوا إن المسيح ليس ابن داوُد، وان يسوع، الذي يعتبرونه المسيح، ليس ابن داوُد، وبالتالي عليهم التصريح بأن كل ما جاء في الأناجيل ورسائل العهد الجديد من نصوص تنسب فيه يسوع إلى داوُد خطأ وانها لم تكتب بسوق من الروح المقدس.
أو أن يقولوا ان يسوع هو ابن داوُد وان ما كتب في العهد الجديد من أقوال وأنساب ليسوع هي صحيحة، وهذا يوجب عليهم التوقف عن القول ان يسوع هو المسيح، كما يوجب عليهم إزالة كل النصوص التي تصف يسوع بانه المسيح، لان يسوع ابن داوُد والمسيح ربّ داوُد وليس ابن داوُد!
يسوع يُحدد علامات آخر الزمان ورجسة الخراب
ثم يكتب متّى ومرقس ولوقا أن يسوع تنبأ عن علامات آخر الزمان، كما في النصوص التالية:
- ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل فتقدم تلاميذه لكي يُروه أبنية الهيكل،
فقال لهم يسوع أما تنظرون جميع هذه الحق أقول لكم انه لا يُترك ههنا حجر على حجر لا يُنقض،
وفيما هو جالس على جبل الزيتون تقدم إليه التلاميذ على انفراد قائلين قل لنا متى يكون هذا وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر،
فأجاب يسوع وقال لهم انظروا لا يُضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين أنا هو المسيح ويُضلون كثيرين، وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب انظروا لا ترتاعوا لأنه لا بُدّ أن تكون هذه كلها ولكن ليس المُنتهى بعد، لأنه تقوم أُمّة على أُمّة ومملكة على مملكة وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن، ولكن هذه مُبتدأ الأوجاع،
حينئذ يسلمونكم إلى ضيق ويقتلونكم وتكونون مبغضين من جميع الأُمم لأجل اسمي،
وحينئذ يعثر كثيرون ويُسلمون بعضهم بعضاً ويُبغضون بعضهم بعضاً. (متّى 24: 1-10)
- فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس ليفهم القارئ،
فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال، والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئاً، والذي في الحقل فلا يرجع إلى ورائه ليأخذ ثيابه، وويل للحبالى والمُرضعات في تلك الأيام،
وصلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت. (متّى 24: 15-20)
- وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يُعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوّات السماء تتزعزع،
وحينئذ تظهر علامات ابن الإنسان في السماء،
وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض،
ويُبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير،
فيُرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مُختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السموات إلى أقصائها. (متّى 24: 29-31)
الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله،
السماء والارض تزولان ولكن كلامي لا يزول،
وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماء إلا أبي وحده. (متّى 24: 34-36)
- فإذا سمعتم بحروب وبأخبار حروب فلا ترتاعوا لأنها لا بدّ أن تكون ولكن ليس المنتهى بعد، لأنه تقوم أُمّة على أُمّة ومملكة على مملكة وتكون زلازل في أماكن وتكون مجاعات واضطرابات هذه مُبتدأ الأوجاع، فانظروا الى نفوسكم، لأنهم سيُسلمونكم الى مجالس وتجلدون في مجامع وتوقفون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم،
وينبغي أن يُكرز أولاً بالانجيل في جميع الأُمم،
فمتى ساقوكم ليسلموكم فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا،
بل مهما أُعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا،
لأن لستم أنتم المتكلمين بل الروح المقدس،
وسيُسلم الأخ أخاه الى الموت والأب ولده، ويقوم الأولاد على والديهم ويقتلونهم، وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي ولكن الذي يصبر الى المنتهى فهذا يخلص،
فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة حيث لا ينبغي، ليفهم ألقارئ،
فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية الى الجبال. (مرقس 13: 7-14)
- وأمّا في تلك الأيام بعد ذلك الضيق فالشمس تظلم والقمر لا يُعطي ضوءه، ونجوم السماء تتساقط والقوّات التي في السموات تتزعزع،
وحينئذ يبصرون ابن الانسان آتياً في سحاب بقوة كثيرة ومجد،
فيُرسل حينئذ ملائكته ويجمع مختاريه من الاربع الرياح من أقصاء الارض الى أقصاء السماء. (مرقس 13: 24-27)
الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله،
السماء والارض تزولان ولكن كلامي لا يزول،
وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن الا الأب. (مرقس 13: 30-32)
- وقبل هذا كله يُلقون أيديهم عليكم ويطردونكم ويُسلمونكم إلى مجامع وسجون وتساقون أمام ملوك وولاة لأجل اسمي، فيؤول ذلك لكم شهادة، فضعوا في قلوبكم أن لا تهتموا من قبل لكي تحتجوا،
لأني أنا أُعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها،
وسوف تسلمون من الوالدين والاخوة والأقرباء والأصدقاء ويقتلون منكم، وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي،
ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك،
بصبركم اقتنوا أنفسكم،
ومتى رأيتم أُورشليم مُحاطة بجيوش فحينئذ اعلموا أنه قد اقترب خرابها، حينئذ ليهرب الذين في اليهودية الى الجبال، والذين في وسطها فليفرّوا خارجاً، والذين في الكورة فلا يدخلوها،
لأن هذه أيام انتقام، ليتمّ كل ما هو مكتوب. (لوقا 21: 12-22)
- وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم وعلى الأرض كرب أُمم بحيرة البحر والأمواج تضج، والناس يُغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة لأن قوّات السموات تتزعزع،
وحينئذ يبصرون ابن الانسان آتياً في سحابة بقوة ومجد كثير،
ومتى ابتدأت هذه تكون فانتصبوا وارفعوا رؤوسكم لأن نجاتكم تقترب. (لوقا 21: 25-28)
- الحق أقول لكم إنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل،
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. (لوقا 21: 32-33) 
هذه الفقرات أخذتها من حديث يسوع عن الأُمور التي ستحدث في آخر الزمان، وهي تشمل المسائل التي نستطيع أن نناقشها، وأما المسائل الأُخرى من تقصير مدة الأيام وانطفاء الشمس والقمر وغيرها من الحوادث الكونية فهي خارج إطار بحث العقل البشري لعدم حدوثها.
والمسائل التي ستكون مدار البحث والنقاش في النصوص السابقة هي:
1- رجسة الخراب التي تحدث عنها دانيال.
2- حدوث كل تلك الأُمور قبل مضي الجيل المعاصر ليسوع.
3- مجيء يسوع سيكون أيضاً قبل مضي ذلك الجيل.
4- عدم علم يسوع باليوم والساعة الأخيرة.
5- التزام يسوع بالسبت إلى آخر الزمان.
6- عدم هلاك شعرة من رؤوس التلاميذ.
7- ان التلاميذ عند إلقاء القبض عليهم سيتكلمون بالروح المقدس كما قال مرقس، ويعطيهم يسوع فماً وحكمة كما قال لوقا.
وسأبدأ بمناقشة هذه المسائل بالترتيب.
رجسة الخراب
رجسة الخراب مذكورة في سفر دانيال كما قال متّى ومرقس وان لم يذكر هناك رجسة الخراب بل ذكر إقامة رجس المخرّب وهو فرق واضح إلا أنني لن أتوقف عنده الآن!
وأما رجسة الخراب أو إقامة رجس المخرب كما كُتبت في سفر دانيال فهي عبارة عن حديث عن آخر الزمان وما يقع فيه من حوادث وهي عبارة عن كلمات مخفية ومختومة كما هو مذكور في النص!
وأنا سأذكر بعض الفقرات فقط دون الحاجة للتعليق عليها لأنها مخفية ومختومة وهي كما يلي:
- فسمعت الرجل اللابس الكتّان الذي من فوق مياه النهر اذ رفع يمناه ويسراه نحو السماء وحلف بالحيّ الى الابد انه الى زمان وزمانين ونصف،
فاذا تم تفريق الشعب المقدس تتمّ كل هذه،
وأنا سمعت وما فهمت،
فقلت يا سيدي ما هي آخر هذه،
فقال اذهب يا دانيال لان الكلمات مخفية ومختومة الى وقت النهاية،
كثيرون يتطهرون ويبيضون ويمحّصون،
أما الاشرار فيفعلون شراً ولا يفهم أحد الاشرار ولكن الفاهمون يفهمون،
ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرّب ألف ومئتان وتسعون يوماً،
طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى الألف والثلاث مئة والخمسة والثلاثين يوماً،
اما انت فاذهب الى النهاية فتستريح وتقوم لقرعتك في نهاية الايام. (دانيال 12: 7-13)
من هذا النص نرى أن رجسة الخراب مخفية ومختومة إلى وقت النهاية، وقد تم تحديد عدة مواعيد لها، واحدة منها قبل يسوع في زمن المكابيين ولكن الواقع اثبت ان هذا الامر من الامور المخفية كما صرح كاتب دانيال!
والغريب في الأمر أن متّى ومرقس كتبا ان يسوع استشهد بسِفر دانيال مع أنه كما تصفه قوانين إيمان الكنائس هو من أوحى لدانيال سِفره، أو أحد الثلاثة، باعتبار الوحدة والاتحاد، فكيف يستشهد يسوع بما أوحاه قبل مئات السنين ولا يخبر عما سيحدث مباشرة، لو كان ما تقوله تلك القوانين عنه صحيحا؟!
المسألة الثانية وهي اتفاق الأناجيل الثلاثة على القول  الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله.
وهذا يعني بما لا يدع مجالاً للشك أن كل تلك الأمور كان يجب أن تقع قبل نهاية الجيل الذي كان في زمن يسوع، وهو ما لم يحدث!
ونحن الآن نعيش بعد مضي ذلك الجيل بأكثر من تسعة عشر قرناً ولم يحدث ما قال عنه يسوع بأنه يكون هذا قبل مضي ذلك الجيل.
وهذا يعطينا مؤشراً لحقيقة أقوال يسوع ومصداقيتها وخاصة انه حاول أن يُظهر صدق أقواله بقول آخر اتفق كتبة الأناجيل الثلاثة على كتابته وهو قوله السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول، وهذا القول أشد من القول السابق لأنه يظهر أن كلام يسوع قد زال ولم يتحقق، والسماء والأرض باقيتان!
المسألة الثالثة وهي اتفاق الأناجيل الثلاثة على القول ان يسوع سيجيء قبل مضي ذلك الجيل، كما قال متّى ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير، ومرقس وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتياً في سحاب بقوة كثيرة ومجد، ولوقا وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتياً في سحابة بقوة ومجد كثير.
فهل جاء يسوع، الذي تزول السماء والأرض ولكن كلامه لا يزول، على سحاب السماء بقوة ومجد كثير، أو أتى على سحاب السماء، أو على الأقل جاء في سحابة بقوة ومجد كثير أو قليل؟ لا تعليق!
المسألة الرابعة وهي عدم علم يسوع بالغيب وموعد يوم القيامة كما قال متّى وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماء إلا أبي.
وكما قال مرقس وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب.
فهذا يعطينا فكرة عما كتبته قوانين إيمان الكنائس عن مكانة يسوع باعتباره أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، فلو كان هذا صحيحاً لعلم على الأقل ما يجري حوله وما سيجري في العالم من أحداث وأُمور، ولما خفي عليه شيء!
المسألة الخامسة هي التزام يسوع بالسبت، كما كتب متّى على لسان يسوع وصلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت.
وهذا يدل على التزام يسوع بالسبت وإلزام أتباعه به إلى آخر الزمان، وهو ما لم تلتزم به الكنائس لأنها التزمت يوم الشمس، أي يوم الأحد، وهذا يبين مدى إتّباعها ليسوع، حتى بما قاله في الأناجيل التي تقول أنها تمثل تعاليمه.
المسألة السادسة هي قول لوقا على لسان يسوع ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك. وهذا القول تتفق معي جميع الكنائس أنه قول غير صحيح وزائل من أقوال يسوع، لأن جميع التلاميذ هلكوا، وهلكت معهم شعورهم!
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا كتب لوقا هذا النص وهو يعلم عدم صدقه، لأنه عندما كتب إنجيله كان عدد من التلاميذ قد ماتوا، أو على الأقل إذا كتب إنجيله والتلاميذ أحياء فلماذا لم يصحح هذا الخطأ بعد فترة من الزمن عندما بدأ التلاميذ بالهلاك؟
والغريب في الأمر أن لوقا يذكر هذه الفقرة في كتاب أعمال الرسل واعتبرها نبوءة لبولس تحققت، كما في النصين التاليين:
- لذلك التمس منكم أن تتناولوا طعاماً لأن هذا يكون مفيداً لنجاتكم لأنه لا تسقط شعرة من رأس واحد منكم. (أعمال الرسل 27: 34)
فهكذا حدث أن الجميع نجوا. (أعمال الرسل 27: 44)
فلوقا كتب ذات الفقرة أو النبوءة مرتين، مرة على لسان يسوع ثبت خطأها، ومرة ثانية على لسان بولس وتحققت!
المسألة السابعة وهي قول مرقس على لسان يسوع فمتى ساقوكم ليسلموكم فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا، بل مهما أُعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا، لأن لستم أنتم المتكلمين بل الروح المقدس، وقول لوقا على لسان يسوع فضعوا في قلوبكم أن لا تهتموا من قبل لكي تحتجوا، لأني أنا أُعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها.
ويكتب لنا لوقا في أعمال الرسل عدة قصص عن حلول الروح المقدس في التلاميذ عندما كانوا يُساقون إلى المحاكم، إلا انه اعتبر أن ما حدث مع استفانوس شهيد الكنائس الأول هو تعبير وترجمة لما قاله يسوع عن علامات آخر الزمان وان التلاميذ سيتركون أُورشليم وينتشرون في الأرض نتيجة الاضطهاد الذي سيتعرضون له.
ولمعرفة حقيقة ما كتبه مرقس ولوقا عن حلول الروح المقدس في التلاميذ وتكلمه بلسان التلاميذ أو إعطاء يسوع لهم فماً وحكمة لا يقدر جميع المعاندين أن يقاوموها أو ينقضوها سأقوم باستعراض ما كتبه لوقا عن استفانوس ثم نحكم في النهاية على هذه الأقوال.
استفانوس شهيد الكنائس الأول
يحدثنا لوقا مؤلف كتاب أعمال الرسل أن اليونانيين تذمروا على العبرانيين لأنهم كانوا يهملون خدمة أرامل اليونانيين، فقام التلاميذ الرسل باختيار سبعة رجال مملوءين من الروح المقدس للتفرغ للخدمة وكان استفانوس واحداً منهم، وكان مملوءاً إيمانا وقوة وكان يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب، فحدثت مناقشات بينه وبين اليهود فلم يستطيعوا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي يتكلم به، فحرضوا عليه الشعب وقالوا انه يجدّف على موسى وعلى الإله، وأقاموا عليه شهود زور، فأحضروه إلى المجمع فشخص إليه الجميع فرأوا وجهه كأنه ملاك، فقام يدافع عن نفسه بخطبة فيما يلي نصها:
- فقال أيها الرجال الإخوة والآباء اسمعوا،
ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم وهو في ما بين النهرين قبلما سكن في حاران، وقال له أُخرج من أرضك ومن عشيرتك وهلمّ إلى الأرض التي أُريك، فخرج حينئذ من أرض الكلدانيين وسكن في حاران،
ومن هناك نقله بعدما مات أبوه إلى هذه الأرض التي أنتم الآن ساكنون فيها،
ولم يُعطه فيها ميراثاً ولا وطأة قدم،
ولكن وعد أن يُعطيها مُلكاً له ولنسله من بعده، ولم يكن له بعد ولد، وتكلم الإله هكذا،
أن يكون نسله متغرباً في أرض غريبة فيستعبدوه ويسيئوا إليه أربع مئة سنة،
والأمة التي يُستعبدون لها سأُدينها أنا يقول الإله، وبعد ذلك يخرجون ويعبدونني في هذا المكان،
وأعطاه عهد الختان وهكذا ولد إسحاق وختنه في اليوم الثامن،
وإسحاق ولد يعقوب ويعقوب ولد رؤساء الآباء الاثني عشر،
ورؤساء الآباء حسدوا يوسف وباعوه إلى مصر وكان الإله معه،
وأنقذه من جميع ضيقاته وأعطاه نعمة وحكمة أمام فرعون ملك مصر فأقامه مدبراً على مصر وعلى كل بيته،
ثم أتى جوع على كل أرض مصر وكنعان وضيق عظيم فكان آباؤنا لا يجدون قوتاً، ولما سمع يعقوب أن في مصر قمحاً أرسل آباءنا أول مرة،
وفي المرة الثانية استعرف يوسف إلى إخوته واستعلنت عشيرة يوسف لفرعون،
فأرسل يوسف واستدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته خمسة وسبعين نفساً،
فنزل يعقوب الى مصر ومات هو وآباؤنا،
ونقلوا الى شكيم ووضعوا في القبر الذي اشتراه إبراهيم بثمن فضة من بني حمور أبي شكيم،
وكما كان يقرب وقت الموعد الذي أقسم الإله عليه لإبراهيم كان ينموا الشعب ويكثر في مصر،
الى أن قام ملك آخر لم يكن يعرف يوسف، فاحتال هذا على جنسنا وأساء الى آبائنا حتى جعلوا أطفالهم منبوذين لكي لا يعيشوا،
وفي ذلك الوقت ولد موسى وكان جميلاً جداً، فربي هذا ثلاثة أشهر في بيت أبيه،
ولما نبذ اتخذته ابنة فرعون وربَّته لنفسها ابناً،
فتهذب موسى بكل حكمة المصريين وكان مقتدراً في الأقوال والأعمال،
ولما كملت له مدة أربعين سنة خطر على باله أن يفتقد إخوته بني إسرائيل،
واذ رأى واحداً مظلوماً حامى عنه وأنصف المغلوب اذ قتل المصري،
فظن أن إخوته يفهمون أن الإله على يده يُعطيهم نجاة،
وأما هم فلم يفهموا، وفي اليوم الثاني ظهر لهم وهم يتخاصمون فساقهم الى السلامة قائلاً أيها الرجال أنتم إخوة لماذا تظلمون بعضكم بعضاً،
فالذي كان يظلم قريبه دفعه قائلاً من أقامك رئيساً وقاضياً علينا،
أتريد أن تقتلني كما قتلت أمس المصري، فهرب موسى بسبب هذه الكلمة وصار غريباً في أرض مديان حيث ولد ابنين،
ولما كملت أربعون سنة ظهر له ملاك الرب في برية جبل سيناء في لهيب نار عليقة،
فلما رأى موسى ذلك تعجب من المنظر، وفيما هو يتقدم ليتطلع صار إليه صوت الرب، أنا إله آبائك إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب،
فارتعد موسى ولم يجسر أن يتطلع،
فقال له الرب اخلع نعليك لأن الموضع الذي انت واقف عليه أرض مقدسة، إني لقد رأيت مشقة شعبي الذين في مصر وسمعت أنينهم ونزلت لأُنقذهم، فهلم الآن أُرسلك الى مصر،
هذا موسى الذي أنكروه قائلين من أقامك رئيساً وقاضياً هذا أرسله الإله رئيساً وفادياً بيد الملاك الذي ظهر له في العليقة،
هذا أخرجهم صانعاً عجائب وآيات في أرض مصر وفي البحر الأحمر وفي البرية أربعين سنة،
هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون،
هذا هو الذي كان في الكنيسة في البرية مع الملاك الذي كان يكلمه في جبل سيناء ومع آبائنا،
الذي قبل أقوالاً حية ليعطينا إياها، الذي لم يشأ آبائنا أن يكونوا طائعين له، بل دفعوه ورجعوا بقلوبهم إلى مصر قائلين لهارون اعمل لنا آلهة تتقدم أمأمننا، لأن هذا موسى الذي أخرجنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه،
فعملوا عجلاً في تلك الأيام وأصعدوا ذبيحة للصنم وفرحوا بأعمال أيديهم، فرجع الرب وأسلمهم ليعبدوا جند السماء،
كما هو مكتوب في كتاب الانبياء،
هل قرّبتم لي ذبائح وقرابين أربعين سنة في البرية يا بيت إسرائيل،
بل حملتم خيمة مولوك ونجم إلهكم رمفان التماثيل التي صنعتموها لتسجدوا لها،
فأنقلكم الى ما وراء بابل،
وأما خيمة الشهادة فكانت مع آبائنا في البرية كما أمر الذي كلم موسى أن يعملها على المثال الذي كان قد رآه،
التي أدخلها أيضاً آباؤنا اذ تخلفوا عليها مع يشوع في مُلك الأمم الذين طردهم الإله من وجه آبائنا الى أيام داوُد الذي وجد نعمة أمام الإله والتمس أن يجد مسكناً لإله يعقوب،
ولكن سليمان بنى له بيتاً،
لكن العلي لا يسكن في هياكل مصنوعات الأيادي كما يقول النبي السماء كرسي لي والأرض موطئ لقدمي،
أي بيت تبنون لي يقول الرب وأي هو مكان راحتي، أليست يدي صنعت هذه الأشياء كلها،
يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان أنتم دائماً تقاومون الروح المقدس كما كان آباؤكم كذلك أنتم،
أيُّ الانبياء لم يضطهده آباؤكم وقد قتلوا الذين سبقوا فأنبأوا بمجيء البارّ الذي أنتم الآن صرتم مسلميه وقاتليه،
الذين أخذتم الناموس بترتيب ملائكة ولم تحفظوه. (أعمال الرسل 7: 2-53)
هذا ما كتبه لوقا عن خطبة استفانوس شهيد الكنائس الأول، الذي كان مملوءاً بالروح، أي إن الروح المقدس حلّ فيه، كما كان الروح المقدس يسوق لوقا وهو يكتب أعمال الرسل كما تقول الكنائس.
ولكن لو تأملنا في هذه الخطبة وما تحويه من معلومات عن تاريخ بني إسرائيل ومقارنته بما هو مكتوب في أسفار العهد القديم هل نستطيع القول ان استفانوس أو لوقا أو حتى الروح المقدس كانوا على علم بما هو مكتوب في العهد القديم؟!
لنتفحص بعض فقرات هذه الخطبة:
1 - ولم يُعطه فيها ميراثاً ولا وطأة قدم،
يكتب لوقا مساقاً بالروح المقدس على لسان استفانوس المملوء بالروح المقدس أيضاً أن الرب لم يُعطِ ابراهيم في الارض المقدسة ميراثاً ولا وطأة قدم، فهل هذه المعلومة صحيحة؟
لنقرأ النص التالي:
- فسمع إبراهيم لعفرون ووزن إبراهيم لعفرون الفضة التي ذكرها في مسامع بني حِثّ، أربع مئة شاقل فضة جائزة عند التجار،
فوجب حقل عفرون في المكفيلة التي أمام ممرا،
الحقل والمغارة التي فيه وجميع الشجر الذي في الحقل الذي في جميع حدوده وحواليه لإبراهيم مُلكاً لدى عيون بني حِثّ بين جميع الداخلين باب مدينته،
وبعد ذلك دفن إبراهيم سارة امرأته في مغارة المكفيلة أمام ممرا التي هي حبرون في أرض كنعان،
فوجب الحقل والمغارة التي فيه لإبراهيم ملك قبر من عند بني حِثّ. (تكوين 23: 16-20)
كما هو واضح من النص فإن إبراهيم اشترى حقلاً بما فيه من شجر والمغارة الموجودة فيه بقيمة أربع مائة شاقل فضة، واستفانوس يقول إن إبراهيم لم يكن له موطئ قدم في أرض كنعان!
فمن نصدق الروح المقدس الذي كان يسوق لوقا والحالّ في استفانوس أم موسى الذي كلمه الرب وكان الرب معه كل حياته؟
2 - وتكلم الرب هكذا، أن يكون نسله متغرباً في أرض غريبة فيستعبدوه ويسيئوا إليه أربع مئة سنة.
في هذه الفقرة يقول لوقا المساق بالروح المقدس على لسان استفانوس الممتلئ بالروح المقدس أن مدة بقاء بني إسرائيل في مصر كانت أربع مائة سنة لا غير، ولكن من له أدنى علم بالعهد القديم ودون الحاجة لحلول الروح المقدس فيه يعلم أن هذه المعلومة خطأ! كما في النص التالي:
- وأما إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر فكانت أربع مئة وثلاثين سنة،
وكان عند نهاية أربع مئة وثلاثين سنة في ذلك اليوم عينه أن جميع أجناد الرب خرجت من أرض مصر. (خروج 12: 40-41)
هذا النص يذكر أن بني إسرائيل أقاموا في مصر مدة أربع مائة وثلاثين سنة وهذا بخلاف ما كتبه لوقا في النص إذ أنه أنقص من المدة ثلاثون سنة، وهذه المدة ليست بالقليلة حتى نغض النظر عنها، إذ أنها تمثل جيلاً كاملاً تقريباً.
3 - فأرسل يوسف واستدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته خمسة وسبعون نفساً،
في هذه الفقرة يكتب لوقا على لسان استفانوس أنه قال إن عدد الذين دخلوا مصر من عشيرة يعقوب خمسة وسبعون نفساً، فماذا كتبت أسفار العهد القديم؟
- جميع النفوس ليعقوب التي أتت إلى مصر الخارجة من صلبه ما عدا نساء بني يعقوب جميع النفوس ست وستون نفساً،
وابنا يوسف اللذين ولدا له في مصر نفسان،
جميع نفوس بيت يعقوب التي جاءت إلى مصر سبعون. (تكوين 46: 23-27)
كما نقرأ فإن عدد الداخلين إلى مصر من عشيرة يعقوب كانوا سبعين شخصاً وهم معروفون بأسمائهم، فمن أين جاء استفانوس أو لوقا أو الروح المقدس بخمسة أشخاص زيادة عما هو مكتوب في سفر التكوين؟
4 - فنزل يعقوب إلى مصر ومات هو وآباؤنا،
ونقلوا إلى شكيم ووضعوا في القبر الذي اشتراه إبراهيم بثمن فضة من بني حمور أبي شكيم.
في هذه الفقرات يسوق الروح المقدس لوقا للكتابة على لسان استفانوس الذي حلّ فيه الروح المقدس وكان يعمل المعجزات لليهود وكان ينطق بالحكمة ان بني إسرائيل عند خروجهم من مصر نقلوا جثامين الآباء إلى شكيم ووضعوهم في القبر الذي اشتراه إبراهيم من بني حمور أبي شكيم بثمن فضة!
وهذا النص على قصره يحمل الكثير من الأخطاء التي تؤكد أن الروح المقدس لا علاقة له بما هو مكتوب في أعمال الرسل!
أول تلك الأخطاء هو القول أن يعقوب نُقل مع الآباء ودُفن في شكيم، مع أنه مكتوب في العهد القديم أن يعقوب دُفن في أرض كنعان في مغارة المكفيلة الموجودة في حبرون والتي اشتراها إبراهيم من عفرون الحِثي كما في النص التالي:
- حمله (أي يعقوب) بنوه إلى أرض كنعان ودفنوه في مغارة حقل المكفيلة التي اشتراها إبراهيم مع الحقل مُلكَ قبر من عفرون الحِثي أمام ممرا. (تكوين 50: 13)
هذا النص يقول إن يوسف وإخوته بعد أن مات يعقوب قاموا بحمله إلى أرض كنعان ودفنوه في مغارة حقل المكفيلة التي اشتراها إبراهيم مع الحقل مُلك قبر من عفرون الحِثي أمام ممرا، وهذا يتناقض مع ما قاله لوقا على لسان استفانوس من انه بعد أن مات يعقوب والآباء نقلوا إلى شكيم، فيعقوب نقل إلى أرض كنعان ودُفن في حبرون وليس في شكيم قبل خروج بني إسرائيل من مصر بمئات السنين!
الخطأ الثاني وهو قول لوقا على لسان استفانوس أن الآباء نقلوا ودُفنوا في شكيم، لأن أسفار العهد القديم لا تذكر سوى نقل يوسف ودفنه في شكيم، كما في النصين التاليين:
- وقال يوسف لإخوته أنا أموت، ولكن الرب سيفتقدكم ويُصعدكم من هذه الأرض إلى الأرض التي حلف لإبراهيم وإسحاق ويعقوب،
واستحلف يوسف بني إسرائيل قائلاً الرب سيفتقدكم،
فتصعدون عظامي من هنا،
ثم مات يوسف وهو ابن مئة وعشر سنين، فحنطوه ووضع في تابوت في مصر. (تكوين 50: 24-26)
- وعظام يوسف التي أصعدها بنو إسرائيل من مصر دفنوها في شكيم في قطعة الحقل التي اشتراها يعقوب من بني حمور أبي شكيم بمائة قسيطة، فصارت لبني يوسف مُلكاً. (يشوع 24: 32)
كما نقرأ فإن الذي أخذ بنو إسرائيل عظامه من مصر هو يوسف وحده، في حين أن لوقا يكتب على لسان استفانوس مُساقاً بالروح المقدس أنهم نقلوا رفات الآباء جميعاً مضافاً إليهم يعقوب إلى شكيم، فهو أضاف في القبر إحدى عشرة جثة دون وجه حق، ونقل جثمان يعقوب من مغارة حقل المكفيلة في حبرون إلى مغارة شكيم!
والخطأ الثالث وهو كتابة لوقا على لسان استفانوس قوله ان إبراهيم هو الذي اشترى القبر الموجود في شكيم بفضة وهذا القول ليس صحيحاً لأن الذي اشترى القبر في شكيم هو يعقوب وليس إبراهيم كما في النص التالي:
- ثم أتى يعقوب سالماً إلى مدينة شكيم التي في أرض كنعان، حين جاء من فدّان أرام، ونزل أمام المدينة وابتاع قطعة الحقل التي نصب فيها خيمته من يد بني حمور أبي شكيم بمائة قسيطة،
وأقام هناك مذبحاً ودعاه ايل اله إسرائيل. (تكوين 33: 18-20)
فكما نقرأ فإن يعقوب، وليس إبراهيم، هو من اشترى الحقل الذي في مدينة شكيم!
فمن الذي أخبر لوقا واستفانوس والروح المقدس ان الذي اشترى حقل شكيم إبراهيم وليس يعقوب؟!
وأخيراً فقول لوقا على لسان استفانوس أن إبراهيم اشترى القبر الذي في شكيم، وعلى الرغم من عدم صحته، إلا انه يشير إلى أن إبراهيم كان له مُلك أكبر من موطئ قدم في أرض كنعان، في حين أنه قال سابقاً إن إبراهيم لم يُعطه الرب في أرض كنعان موطئ قدم!
5 - وإذ رأى واحداً مظلوماً حامى عنه وأنصف المغلوب إذ قتل المصري،
فظن أن إخوته يفهمون أن الإله على يده يُعطيهم نجاة،
وأما هم فلم يفهموا.
في هذه الفقرات يكتب لوقا على لسان استفانوس قوله ان موسى ظن أن الرجال الاسرائليين الذين كانوا يتشاجرون مع المصري سيفهمون أن الرب على يده يعطيهم نجاة، وأما هم فلم يفهموا!
وكيف سيفهمون إذا كان موسى نفسه في هذا المكان والزمان لا يعرف ان الرب سيُعطي بني إسرائيل النجاة على يديه، لأن الرب في هذا الوقت لم يكن قد أرسل موسى وكلمه عن خلاص بني إسرائيل بعد، فموسى كما كتب لوقا نفسه في هذا النص كان عمره أربعين سنة وبعد هذه الحادثة يهرب إلى مديان ويمكث هناك أربعين سنة أُخرى، ومن ثم يذهب إلى جبل حوريب في سيناء فيكلمه الرب هناك ويرسله لتخليص بني إسرائيل من سيطرة فرعون مصر وهذا أيضاً بحسب ما كتب لوقا في النص أو بحسب ما قاله استفانوس.
فكيف سيفهم إخوة موسى ان الرب على يده يعطيهم نجاة، إذا كان موسى نفسه لم يكن يفهم ولا يعرف أن الرب سيعطيهم نجاة على يده، لأن الرب بعد أربعين سنة سيُظهر لموسى هذه الحقيقة؟
6 - هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون.
في هذه الفقرة يكتب لوقا على لسان استفانوس قوله ان موسى قال لبني إسرائيل ان الرب سيُقيم لهم نبياً من إخوتهم، وطلب منهم أن يسمعوا له، وهنا، وبعيداً عن الحديث عمن هم إخوة بني إسرائيل، أقول إن استفانوس تحدث عن نبي مثل موسى سيقيمه لهم الرب وهو يقصد يسوع.
أي إن استفانوس المملوء بالروح المقدس كان يؤمن أن يسوع نبي مثل موسى وهذا ما وافقه عليه لوقا عندما كتبه مساقاً بالروح المقدس أيضاً.
فهل تعيد الكنائس كتابة قوانين إيمانها وتقول كما قال الروح المقدس وموسى ولوقا واستفانوس ان يسوع هو نبي من إخوة بني إسرائيل؟!
وأخيراً إذا كانت الكنائس تعتبر أن استفانوس شهيدها الأول وهو الذي يقول ان يسوع كان نبياً وان موسى تنبأ عنه باعتباره نبياً، فهل توافق الكنائس على إثبات الخلاص لمن يقول ان يسوع كان نبياً كما قال استفانوس المملوء بالروح المقدس وكما كتب لوقا مساقاً بالروح المقدس وكما تنبأ موسى في أسفاره بان يسوع نبي، وأنه لا علاقة ليسوع بقصة الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر لا من قريب ولا من بعيد؟!
7 - لكن العلي لا يسكن في هياكل مصنوعات الأيادي كما يقول النبي السماء كرسي لي والأرض موطئ لقدمي، أي بيت تبنون لي يقول الرب وأيٌّ هو مكان راحتي، أليست يدي صنعت هذه الأشياء كلها.
هذه الفقرات تعتبر استكمالاً للفقرة السابقة إذ نقرأ فيها ان استفانوس كما كتب لوقا يقول إن الرب لا يسكن في هياكل، وأنه خلق السموات والأرض وما فيهن، ويسوع جسد مخلوق فكيف تقول الكنائس انه سكن وحلّ في هذا الجسد المخلوق، سبحانه وتعالى عما يصفون ويشركون؟!
8 - يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان أنتم دائماً تقاومون الروح المقدس كما كان آباؤكم كذلك أنتم،
أيُّ الأنبياء لم يضطهده آباؤكم وقد قتلوا الذين سبقوا فأنبئوا بمجيء البارّ الذي أنتم الآن صرتم مُسلّميه وقاتليه.
في هذه الفقرات يُعيدنا لوقا إلى أمر كنت قد تحدثت عنه سابقاً وهو قلة علم كتبة الأناجيل والروح الذي يسوقهم بأسفار العهد القديم!
فهو يكتب على لسان استفانوس قوله ان اليهود قتلوا الأنبياء الذين تنبؤوا عن يسوع وهذا القول لا يدل على علم استفانوس ولا لوقا ولا حتى الروح الذي نطق بهذا الكلام على لسان استفانوس ووافق لوقا على كتابته بالعهد القديم!
فالجميع يعلم أن كتبة الأناجيل قد استشهدوا بعشرات النصوص من مزامير داوُد وقالوا انها تتنبأ عن يسوع، والجميع يعلم كذلك ان داوُد لم يقتله اليهود بل مات على فراشه وحكم مدة أربعين سنة.
والرجل الثاني الذي أخذ كتبة الأناجيل من نصوص سِفره وقالوا أنها تتنبأ عن يسوع هو إشعياء ولم يقتله اليهود بل مات موتاً طبيعياً.
وموسى الذي كتب لوقا على لسان استفانوس انه تنبأ عن يسوع أنه نبي هو أيضاً مات موتاً طبيعياً.
وسليمان كذلك لم يقتله اليهود، وغيرهم من الأنبياء الذين لهم أسفار في العهد القديم لم يُقتلوا بل ماتوا موتاً طبيعياً!
إن الإشكال الذي أوقع استفانوس ولوقا والروح المقدس في هذا الخطأ هو كثرة الأنبياء الذين قتلهم اليهود كما تذكر أسفار العهد القديم! ولكن كثرة قتل اليهود للأنبياء لا يعني انهم قتلوا الأنبياء الذين لهم أسفار في العهد القديم كما ظنّ استفانوس وكتب لوقا ووافقهما الروح المقدس.
ثم بعد هذه الخطبة المليئة بالأخطاء التاريخية والتي تظهر بشكل لا غموض فيه أنها كتبت بعيداً عن العلم بأسفار العهد القديم، فضلاً عن كتابتها بسوق من الروح المقدس، أو أن الروح المقدس هو من تكلم بها على لسان استفانوس، إلا إذا قالت لنا الكنائس أن الروح المقدس يمكن أن يجهل الكثير مما في العهد القديم! كتب لوقا النص التالي:
- فلما سمعوا هذا حنقوا بقلوبهم وصرّوا بأسنانهم عليه،
وأما هو فشخص إلى السماء وهو ممتلئ من الروح المقدس فرأى مجد الإله ويسوع قائماً عن يمين الإله،
فقال ها أنا أنظر السماء مفتوحة وابن الإنسان قائماً عن يمين الإله،
فصاحوا بصوت عظيم وسدّوا آذانهم وهجموا عليه بنفس واحدة،
وأخرجوه خارج المدينة ورجموه والشهود خلعوا ثيابهم عند رجلي شاب يقال له شاول،
فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو ويقول أيها الرب يسوع اقبل روحي،
ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يا رب لا تُقم لهم هذه الخطية، وإذ قال هذا رقد،
ص8 وكان شاول راضياً بقتله. (أعمال الرسل 7: 54-60) ص8 تعتبر الفقرة الأُولى في الإصحاح الثامن.
في هذا النص يريد لوقا من أتباع الكنائس الطيبين تصديقه ان استفانوس هذا كان ممتلئاً من الروح المقدس وأنه رأى مجد الإله ويسوع قائماً عن يمين الإله!
وفات لوقا أن هذا الروح أخطأ في عدة مواضع في الخطبة السابقة، فكيف سيصدقه أتباع الكنائس الطيبين في هذا الموضع؟!
بهذا نكون قد وصلنا إلى ما قبل الفصح بيومين كما كتب هؤلاء الثلاثة، كما في النصوص التالية:
- ولمّا أكمل يسوع هذه الأقوال كلها قال لتلاميذه تعلمون أنه بعد يومين يكون الفصح وابن الإنسان يُسلم ليصلب. (متّى 26: 1-2)
- وكان الفصح وأيام الفطير بعد يومين. (مرقس 14: 1)
- وقرب عيد الفطير الذي يُقال له الفصح. (لوقا 22: 1)
وفي هذين اليومين قبل العشاء الأخير يكتب هؤلاء عن حدثين مهمين وقعا، الأول وهو سكب امرأة لقارورة طيب على رأس يسوع والثاني خيانة يهوذا وذهابه للكهنة لتسليمهم يسوع.
ولكن كما نرى فإننا افتقدنا يوحنا في كل هذه المواقف فماذا كتب عن هذه الفترة في إنجيله؟
إن يوحنا في إنجيله أخذ قصته في مسار آخر في فهو بعد دخول يسوع إلى أُورشليم كتب عن محاولة بعض اليونانيين اللقاء به، ولم يحدثنا إن كان يسوع قد التقى بهم أم لا، وانتقل بالحديث مباشرة عن العشاء الأخير، إلا أنه ذكر بعض الأقوال ليسوع، وفيما يلي أهمها:
اضطراب نفسية يسوع
- الآن نفسي قد اضطربت وماذا أقول،
أيها الأب نجني من هذه الساعة،
ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة. (يوحنا 12: 27)
في هذا النص يصف يوحنا نفسية يسوع الجسد الذي حلت فيه الأقانيم الثلاثة بالاضطراب، أي إن أقانيم الكنائس الثلاثة، أو على الأقل الأُقنوم الثاني، مضطربة نفسياً.
لا تعليق!
كما نلاحظ أن يسوع، الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس المختلفة، يطلب النجاة من الصلب وهو بخلاف ما تقوله تلك القوانين من أن يسوع ما جاء إلا ليُصلب كي تتصالح الأقانيم الثلاثة مع ذرية آدم نتيجة لأكله من شجرة في الجنة قبل آلاف السنين.
والعجيب في الأمر أن قانون العقل والمنطق يقول إن الذي يرتكب خطأ ما فانه يترتب عليه حساباً ما، إلا في قوانين إيمان الكنائس المختلفة فأكل آدم من الشجرة لم يترتب عليه عقاباً لآدم وإنما العقاب تحملته أقانيم الكنائس الثلاثة وذلك بالصلب على الخشبة، وعندها تصالحت الأقانيم الثلاثة مع آدم وذريته!
تمجيد يسوع
- أيها الأب مجّد اسمك،
فجاء صوت من السماء مجّدت وأُمجد أيضاً،
فالجمع الذي كان واقفاً وسمع قال قد حدث رعد، وآخرون قالوا قد كلمه ملاك،
أجاب يسوع وقال ليس من أجلي صار هذا الصوت بل من أجلكم،
الآن دينونة هذا العالم، الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجاً. (يوحنا 12: 28-31)
في هذا النص يقول يوحنا على لسان يسوع انه طلب من أبيه أن يُمجّد اسمه، ويقول انه جاء صوت من السماء مجّدت وأُمجّد، وهذه إشارة إلى أن صلب يسوع عملية تمجيد ليسوع وأبيه، وهذا في منتهى قلب الحقائق والأُمور، لأن جلد يسوع ولطمه والبصق عليه والاستهزاء به ومن ثم صلبه وطعنه في جنبه لا يدل على التمجيد بل يدل على الاحتقار والإذلال.
وهذا ما دفع يسوع نفسه إلى الصراخ وهو معلق على الصليب إلهي إلهي لماذا تركتني، فلو كان الصلب تمجيداً لما صرخ هذه الصرخة من أعماق نفسه!
ولو قارنا بين تمجّد الرب في العهد القديم وتمجّد يسوع وأبيه في قصة الصلب لعلمنا الفرق بين الرب وبين الأقانيم الثلاثة التي تؤمن بها الكنائس، فالرب يقول في العهد القديم:
- وأُشدّد قلب فرعون حتى يسعى وراءهم فأتمجّد بفرعون وبجميع جيشه ويعرف المصريون أني أنا الرب، ففعلوا ذلك. (خروج 14: 4)
- وها أنا أُشدّد قلوب المصريين حتى يدخلوا وراءهم فأتمجّد بفرعون وكل جيشه بمركباته وفرسانه، فيعرف المصريون اني أنا الرب حين أتمجّد بفرعون ومركباته وفرسانه. (خروج 14: 17-18)
فهذا هو المجد الحقيقي للرب الإله الحق، أن يقوم بإغراق فرعون وجيشه في البحر بطريقة لا تتخيلها عقول البشر، وأما ما حاول يوحنا القول إن أب يسوع قال انه مجّد اسمه بصلب يسوع الجسد الذي حلّ فيه مع ابنه والأُقنوم الثالث فهذا ما لا تقبله عقول البشر حتى يسوع نفسه، الذي صرخ وهو مُعلق على الصليب إلهي إلهي لماذا تركتني!
قول ليسوع يُمهّد فيه للصلب
وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب اليّ الجميع،
قال هذا مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يموت،
فأجابه الجمع نحن سمعنا من الناموس أن المسيح يبقى إلى الأبد،
فكيف تقول أنت أنه ينبغي أن يرتفع ابن الإنسان،
من هو هذا ابن الإنسان،
فقال لهم يسوع النور معكم زماناً قليلاً بعد، فسيروا ما دام لكم النور،
آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور،
تكلم يسوع بهذا ثم مضى واختفى عنهم. (يوحنا 12: 32-36)
في هذا النص يستدل يوحنا على صلب يسوع بقول نسبه إليه: وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليّ الجميع، وهذا القول يحمل في طياته عدم صحته، لأن يسوع بعد أن ارتفع عن الأرض لم يجذب جميع اليهود إليه ولا جميع الناس، ولا حتى جميع تلاميذه لان يهوذا الاسخريوطي خانه وقام بتسليمه لليهود، وباقي التلاميذ تركوه وحده وأنكروه وشكوا فيه ولم يصدقوا أنه قام من الأموات، كما تقول الأناجيل.
وفي هذا المقام ونحن نتحدث عن الدليل الذي فهم منه يوحنا أن يسوع سوف يُصلب، أجد أنه من المناسب مناقشة الدليل الثاني الذي استشهد به يوحنا على صلب يسوع، وان كان قد قاله في زمن غير هذا وفي مكان آخر، لتتضح أمامنا الطريقة التي اعتمدها كتبة الأناجيل والكنائس في إثبات صلب يسوع.
تشبيه يسوع بالحية النحاسية التي رفعها موسى في سيناء
وكما رفع موسى الحيّة في البرّيّة هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان،
لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية،
لأنه هكذا أحب الإله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية، لأنه لم يرسل الإله ابنه الى العالم، ليدين العالم بل ليخلص به العالم. (يوحنا 3: 14-17)
في هذا النص يقول يوحنا على لسان يسوع انه كما رفع موسى الحيّة في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان، وهنا يقصد عملية صلبه، لكي لا يهلك كل من يؤمن بيسوع وتكون له الحياة الأبدية.
فما هي قصة الحية التي رفعها موسى وشبّه يسوع نفسه بها؟
لنقرأ النص التالي:
- وارتحلوا من جبل هور في طريق بحر سوف ليدوروا بأرض أدوم فضاقت نفْس الشعب في الطريق،
وتكلم الشعب على الرب وعلى موسى قائلين لماذا أصعدتمانا من مصر لنموت في البرّيّة لأنه لا خبز ولا ماء،
وقد كرهت أنفسنا الطعام السخيف،
فأرسل الرب على الشعب الحيّات المحرقة فلدغت الشعب فمات قوم كثيرون من إسرائيل،
فأتى الشعب الى موسى وقالوا قد أخطأنا اذ تكلمنا على الرب وعليك، فصَلِّ الى الرب ليرفع عنّا الحيّات، فصلّى موسى لأجل الشعب،
فقال الرب لموسى اصنع حيّة محرقة وضعها على راية فكل من لُدِغَ ونظر اليها يحيا،
فصنع موسى حيّة من نحاس ووضعها على الراية فكان متى لدغت حيّة انساناً ونظر إلي حيّة النحاس يحيا. (عدد 21: 4-9)
هذا النص فيه ذِكر لجزء من تاريخ اليهود وعصيانهم وتمردهم على الرب وعلى رسوله موسى بعد إخراجهم من مصر، وفي العهد القديم قصص كثيرة تتحدث عن عصيان اليهود، وما يهمّ هنا هو ان الرب وعلى اثر عصيان اليهود أرسل عليهم الحيّات التي كانت تلدغهم فمات الكثير منهم، وعندما رأى اليهود نتيجة عصيانهم رجعوا واعتذروا وطلبوا من موسى أن يُصلي للرب كي يرفع عنهم هذا العقاب، فلما صلّى موسى، طلب منه الرب أن يصنع حية نحاسية ويضعها على راية، وكان كل من تلدغه حيّة وينظر إلى الحيّة النحاسية لا يضره السُّم ويحيا.
هذه قصة الحية النحاسية التي رفعها موسى في البريّة والتي شبّه يسوع نفسه بها كما كتب يوحنا، وهذا التشبيه من العجائب والغرائب لسببين.
السبب الأول انه لا وجه للشبه بين رفع قطعة نحاسية بأمر من الرب ورفع يسوع على الصليب، الجسد الذي حلت فيه أقانيم الكنائس الثلاثة، أو على الأقل أحدها!
السبب الثاني وهو الفرق في النتيجة التي أحدثتها رفع الحية النحاسية وصلب يسوع، فكل من نظر لتلك الحية وهو ملدوغ كان يشفى ولا يموت، في حين أن من نظر إلى يسوع وهو معلق على الصليب لم يؤمن به، حتى اللصين اللذين صُلبا معه كانا يُعيرانه، أو أحدهما كما قال لوقا، وقام أحد الجند بطعنه في خاصرته بعد إنزاله عن الصليب، وكان جميع الحاضرين هناك يستهزئون به!
وأما اللذين آمنوا به فقد هلكوا وماتوا ولم توهب لهم الحياة الأبدية، وسواء كان معنى الحياة الأبدية هو المعنى الحقيقي للكلمة، أي عدم الموت، أو المعنى المجازي، أي الإيمان به، فالتلاميذ لم يؤمنوا أن يسوع قام من الأموات ولم يُصدقوا من قال لهم إنهم نظروه خارجاً من القبر فقام يسوع بتوبيخهم لعدم إيمانهم، كما في النص التالي:
واخيراً ظهر للأحد عشر وهم متكئون،
ووبخ عدم إيمانهم،
وقساوة قلوبهم،
لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام. (مرقس 16: 14)
فلا وجه للمقارنة بين النتيجة التي ظهرت عندما رفع موسى الحية في البرية ورفع يسوع معلقاً على الخشبة.
وأما تعقيب يوحنا على كلام يسوع بقوله لأنه هكذا أحب الإله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية، لأنه لم يُرسل الإله ابنه الى العالم، ليدين العالم بل ليُخلص به العالم، فهو تعقيب في غير محله، لأن محاولة الربط بين الرب في العهد القديم وما يقوله كتبة الأناجيل عن يسوع وأبيه غير صحيح، فالرب في العهد القديم يقول إن المسيح ليس ابن داوُد والأناجيل وضعت ليسوع نسبين ونسبته إلى داوُد، ، والرب يقول في العهد القديم عن ابن الإنسان:
كنتُ أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان،
أتى وجاء إلى قديم الأيام فقرّبوه قدّامه،
فأعطي سلطاناً ومجداً ومملكة لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة.
سلطانه سلطانٌ ابديّ ما لن يزول،
ومملكته ما لا تنقرض. (دانيال 7: 13-14)
والأناجيل التي قالت إن ابن الإنسان هو يسوع لم يملك في حياته ساعة واحدة من الزمن فما فوقها، وكان يدفع الجزية لقيصر وخاضعاً له ولولاته ورافضاً أن يكون ملكاً عندما حاول أتباعه أن يجعلوه ملكاً كما في النص التالي:
- فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم،
وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا 6: 14-15)
وغيرها الكثير من الاختلافات بين ما هو مذكور في العهد القديم وما حاول كتبة الأناجيل القول انه تعبير عما هو موجود في العهد القديم.
وكذلك تعقيب يوحنا هنا بالقول إن الإله أحب العالم حتى انه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، هو من باب التعقيب المخالف لما جاء في العهد القديم، لأن الرب في العهد القديم كان إذا كفر الإنسان وابتعد عنه وعن شريعته لا يقبله ولا يحبه بل يعاقبه حتى يرجع عن كفره وعصيانه ولم يحدث في تاريخ البشرية أن الرب غفر لمن يعصيه دون أن يتوب أو أن يعاقبه.
والعهد القديم مليء بالقصص التي تقول إن الرب كان يعاقب الناس إذا أخطئوا وعَصَوْا شريعته حتى الأنبياء والرسل كما حدث مع مريم أُخت موسى وهارون، وكما حدث مع داوُد، لا بل انه عاقب موسى نفسه كما تذكر أسفار العهد القديم وحرمه من دخول الأرض المقدسة والقصص أكثر من أن تحصى في هذا المجال، ثم يأتي يوحنا ويقول إن الإله أحب العالم ولهذا فانه سيبذل ابنه الوحيد!
لماذا أحب الإله العالم في ذلك الزمان، هل لأنهم مؤمنون أكثر من إبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى؟
هل أحب الإله العالم في ذلك الوقت لأن اليهود كلهم آمنوا بيسوع ولم يسعوا إلى قتله وصلبه؟
يستطيع يوحنا أن يكتب ما يشاء في إنجيله ولكن عليه أن يعلم أنه لا يتكلم عن الرب الذي جاء ذكره في العهد القديم، واختصاراً للموضوع الآن سأكتفي بذكر نص من العهد القديم يظهر الفرق بين الرب في العهد القديم وما يحاول يوحنا أن يقوله عن إلهه في إنجيله:
يا رب أي شيء هو الإنسان حتى تعرفه،
او ابن الانسان حتى تفتكر به،
الانسان اشبه نفخة ايامه مثل ظل عابر. (مزمور 144: 3-4)
فإذا كان الإنسان لا يستحق أن يعرفه الرب أو حتى أن يفكر فيه، فكيف يقول يوحنا ذلك الكلام، إلا إذا كان يوحنا يتكلم عن إله غير الرب الذي جاء ذكره في العهد القديم.
بعد هذا الشرح يبقى سؤال واحد وهو ما هي نهاية تلك الحية النحاسية التي أخذها يوحنا دليلاً على صلب يسوع؟
لنقرأ هذا النص:
- وفي السنة الثالثة لهوشع بن إيلة ملك إسرائيل مَلكَ حزقيّا بن آحاز ملك يهوذا،
كان ابن خمس وعشرين سنة حين ملك، وملك تسعاً وعشرين سنة في أُورشليم،
واسم أُمه أبي ابنة زكريا،
وعمل المستقيم في عيني الرب حسب كل ما عمل داوُد أبوه،
هو أزال المرتفعات وكسّر التماثيل وقطع السواري وسحق حيّة النحاس التي عملها موسى لأن بني إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يُوقدون لها، ودعوْها نحُشتان. (الملوك الثاني 18: 1-4)
كما نقرأ فإن بني إسرائيل قاموا بتقديس تلك الحية النحاسية بعد موسى ظناً منهم إنها تشفي بذاتها، وليس بأمر من الرب، حتى جاء حزقيا وهو من ملوك بني اسرائيل المؤمنين كما تقول أسفار العهد القديم وقام بسحقها، وحطم التماثيل والأصنام وكل ما يعبد من دون الرب أو مع الرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق