الأربعاء، 28 يناير 2015

الفصل الأول: قصة حياة يسوع: قصة ولادة يسوع في الاناجيل وقصة عمانوئيل وقصة المجوس وقصة ختان يسوع وقصة ذهاب يسوع الى مصر وقصة قتل اطفال بيت لحم واختلاف وتناقض الاناجيل حولها

الفصل الأولحياة يسوع
في هذا الفصل سأستعرض حياة يسوع في مختلف مراحلها، من ولادته إلى صلبه وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السماء، مع مقارنة النصوص بعضها ببعض كما وردت في الأناجيل، ومقارنة تلك النصوص مع نصوص العهد القديم عند اقتباس كتبة الأناجيل من العهد القديم، لنرى إن كان مؤلفو الأناجيل قد كتبوا قصة واحدة عن حياة يسوع أم أن كل واحد منهم كتب قصة مختلفة عن الآخرين بحسب معلومات كل واحد منهم والمصادر التي كان يعتمد عليها، وكذلك لنرى صحة ما اقتبسوه في الأناجيل من نصوص العهد القديم، وسأبدأ باستعراض النسبين اللذين وضعهما متّى ولوقا ليسوع في إنجيليهما ثم نباشر في قراءة حياة يسوع.
ولادة يسوع
بعد أن تحدثنا عن نسب يسوع الذي وضعه متّى ولوقا وظهر لنا ما فيه من أسئلة حائرة، سنطرح عدداً من الأسئلة الحائرة حول ولادة يسوع، ثم نناقش بالتفصيل قصة الولادة كما هي مكتوبة في إنجيلي متّى ولوقا لنرى إن كان ما كتبه الاثنان متطابقاً، ويُجيب عن أسئلتنا الحائرة أم انه سيزيد من حيرتها.
1- لماذا يجب أن تكون السيدة مريم العذراء مخطوبة ليوسف النجار، وليس بدون رجل في حياتها، خاصة وأنها ستحبل بيسوع، الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد كما تقول قوانين إيمان الكنائس؟
2- ما هو دور يوسف في قصة حبل مريم وولادتها ليسوع؟
3- الأحلام التي كان يحلمها يوسف النجار هل هي أحلام صحيحة، وهل كان يلتزم بما جاء فيها؟
4- هل يسوع فعلاً سُمّي يسوع لأنه خلص شعبه؟
5- هل الفقرة التي في العهد القديم هو ذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الإله معنا تنطبق على يسوع أم إن المقصود بها إنسان آخر؟
6- المجوس عندما جاءوا إلى أُورشليم هل سألوا عن الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس، أم أنهم سألوا عن ملك اليهود؟
7- لماذا ضاع النجم من المجوس عند أُورشليم فاضطروا للسؤال عن المكان الذي يُولد فيه ملك اليهود، ثم بعد خروجهم من المدينة ظهر لهم ثانية؟
8- إذا كان يسوع مُرسل للناس كافة، لماذا لم يبق المجوس عنده حتى يكونوا من تلاميذه وأتباعه؟
9- الفقرة الثانية من العهد القديم التي تقول وأنت يا بيت لحم ارض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مُدبّر يرعى شعبي إسرائيل، هل المقصود بها يسوع، وهل يسوع فعلاً رعى شعب الرب إسرائيل في حياته وأخرجهم من تحت حكم الرومان؟ وأنقذهم من خطاياهم؟ وما معنى الرعاية هنا؟
10- الفقرة التي اقتبست من العهد القديم صوت سمع في الرامة نوح وبكاء وعويل كثير، وراحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين هل تنطبق على بيت لحم في زمن يسوع أم تتحدث عن بيت لحم أيام السبي البابلي؟
11- ما هو الفرق بين الروح المقدس الذي امتلأ به يسوع والروح المقدس الذي امتلأ به يوحنا المعمدان وزكريا واليصابات؟
12- ملاك الرب عندما قال انه، أي يسوع، سيُعطى كرسي أبيه داوُد ويملك على بيت يعقوب، ألا يعلم ملاك الرب أن يسوع ليس ابن داوُد، وان يسوع نفسه يستنكر على أي احد يدعوه ابن داوُد؟
13- أين هو الكرسي، أي الحكم، الذي أخذه يسوع في حياته وهل هو فعلاً مَلكَ على بيت يعقوب؟
14- هل دعاء زكريا عندما امتلأ من الروح المقدس، خلاص من أعدائنا وبلا خوف مُنقذين من أيدي أعدائنا، تحقق على يدي يسوع؟!
15- هل يسوع بحاجة لأن يُختن ثم يُقدّم عنه ذبيحة وهو الذي يُعتبر بحسب قانون إيمان الكنائس أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد؟
16- هل تحقق قول ملاك الرب للرعاة أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب وُلد اليوم مخلص هو المسيح الرب، وهل فرح اليهود يوم ولادته وخلال حياته على الأرض؟
قصة ولادة يسوع في إنجيل متّى
يذكر متّى قصة ولادة يسوع قائلاً:
- أما ولادة يسوع فكانت هكذا، لما كانت أُمه مريم مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وُجدَت حبلى من الروح المقدس،
فيوسف رجلها إذ كان باراً ولم يشأ أن يشهرها أراد تخليتها سراً، ولكن فيما هو متفكر في هذه الأُمور إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلاً يا يوسف ابن داوُد لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لأن الذي حبل به فيها هو من الروح المقدس، فستلد ابناً وتدعوا اسمه يسوع لأنه يُخلص شعبه من خطاياهم،
وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل هو ذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الإله معنا،
فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب وأخذ امرأته، ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ودعا اسمه يسوع. (متّى 1: 18-25)
ذكرت ولادة يسوع في الأناجيل مرتين، مرة في إنجيل متّى كما هو مكتوب في النص، وثانية في إنجيل لوقا كما سيأتي بعد قليل، وهناك عدة ملاحظات على هذه القصة في السياق القصصي والزمني لسردها، لأن متّى ولوقا لم يكونا دقيقين فيما كتباه عن ولادة يسوع، كما لم يكونا دقيقين في النسب الذي كتباه ليسوع كما قرأنا سابقاً، وانهما كانا في كتابتهما للقصة يحاولان جهدهما إقناع اليهود وباقي الناس أن يسوع  هو المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم وأنبيائه، حتى لو أدّى ذلك إلى اختلاق قصص لتتطابق مع نص هنا ونبوءة هناك، وهذا شيء عجيب لان ولادة يسوع من دون أب والمعجزات التي عملها هي خير دليل أو أدلة على صدق رسالته!
كما هو مكتوب نلاحظ أن مريم وُجدت حبلى وهي مخطوبة لرجل اسمه يوسف، الذي يظهر له ملاك الرب في حلم ويخبره أنها حبلى من الروح المقدس وستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم ونقف عند هذه الجملة.
هل صحيح أن يسوع خلص شعبه، أي اليهود، من خطاياهم أم انه حملّهم خطايا فوق خطاياهم، وخاصة خطيئة صلبه كما تقول الأناجيل والكنائس؟
وهل خلصهم من الاضطهاد الذي كانوا يتعرضون له على أيدي الرومان؟
إننا عندما نقول ان موسى خلص شعبه ونقرأ سيرته نلاحظ، مع كل الشغب الذي قام به بنو إسرائيل، انه استطاع في نهاية الأمر أن يُخلصهم من عبودية فرعون وأن يُعيدهم إلى الأرض التي وعدهم الرب بها.
وكذلك الأمر عندما نقول إن داوُد مسيح ومخلص إسرائيل، نقرأ أنه أمضى حياته في الدفاع عن بني إسرائيل والسعي لتوحيدهم وفي النهاية استطاع أن يُوحّد هذا الشعب وان يبني له دولة قوية مهابة الجانب كما هو مكتوب عنه في أسفار العهد القديم.
ولكن عندما يُقال ان يسوع جاء ليُخلص شعبه أو انه خلّص شعبه فهذه مشكلة، إذ انه في حياته كلها لم يؤمن به أكثر من مائة وعشرون رجلاً وعدة نسوة كنّ ينفقن عليه من أموالهنّ، وان كانوا في الحقيقة غير مؤمنين كما يُلاحظ كل من يقرأ الأناجيل، وبقي كل الشعب غير مؤمن به ساعياً لقتله حتى استطاعوا في نهاية الأمر أن يعلقوه على الصليب كما تقول الأناجيل.
فكيف يمكن أن نقارن هذا العدد الضئيل من أتباع يسوع مع أتباع موسى أو داوُد أو سليمان آباء خطيب أُمه، ولا أقول آباءه لأنه ليس له أب بشري، إلا إذا شاءت الكنائس أن تقول غير هذا؟!!
ثم يُكمل متّى كلامه فيقول وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل هو ذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الإله معنا.
في هذه الفقرة نلاحظ ان المولود من تلك العذراء اسمه عمانوئيل، فلماذا لم تسمِّ مريم وخطيبها الولد باسمه عمانوئيل، وسمّوه يسوع كما قال ملاك الرب ليوسف قبل أن يستشهد متّى بما قاله الرب بالنبي القائل هو ذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل؟!
فالاستشهاد بهذه الفقرة خطأ والدليل على ذلك هو تسميته يسوع وليس عمانوئيل.
هذا من ناحية ما ذكره متّى، ولكن ما هي حقيقة  تلك النبوءة وهل تتحدث عن يسوع كما قال متّى؟
نص أو نبوءة عمانوئيل في العهد القديم
إن فقرة هو ذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل، تعتبرها الكنائس من أوضح النصوص التي ذكرتها أسفار العهد القديم عن يسوع ولن تجد أي كتاب بأي لغة كتب يتحدث عن يسوع إلا وهي مذكورة عدة مرّات!
فماذا يقول العهد القديم عن عمانوئيل؟
هذه الفقرة مذكورة في سِفر إشعياء ضمن الإصحاح السابع، كما في النص التالي:
- وحدث في أيام آحاز بن يوثام بن عزيّا ملك يهوذا أن رصين ملك أرام صعد مع فقح بن رمليا ملك إسرائيل إلى أُورشليم لمحاربتها فلم يقدر ان يُحاربها،
وأُخبر بيت داوُد وقيل له قد حلّت أرام في أفرايم، فرجف قلبه وقلوب شعبه كرجفان شجر الوعر قدّام الريح،
فقال الرب لإشعياء اخرج لملاقاة آحاز أنت وشآر ياشوب ابنك الى طرف قناة البركة العليا الى سكة حقل القصّار، وقل له احترز واهدأ،
لا تخف ولا يضعف قلبك من أجل ذنبي هاتين الشعلتين المدخنتين بحمو غضب رصين وأرام وابن رمليا،
لان أرام تآمرت عليك بشر مع أفرايم وابن رمليا قائلة، نصعد على يهوذا ونقوضها ونملك في وسطها ملكا ابن طبئيل،
هكذا يقول السيد الرب لا تقوم لا تكون،
لان رأس أرام دمشق ورأس دمشق رصين،
وفي مدة خمس وستين سنة ينكسر أفرايم حتى لا يكون شعباً،
ورأس أفرايم السامرة ورأس السامرة ابن رمليا،
إن لم تؤمنوا فلا تأمنوا،
ثم عاد الرب فكلم آحاز قائلاً اطلب لنفسك آية من الرب إلهك،
عمّق طلبك أو رفعه إلى فوق،
فقال آحاز لا أطلب ولا أُجرب الرب، 
فقال اسمعوا يا بيت داوُد هل هو قليل عليكم أن تضجروا الناس حتى تضجروا إلهي أيضاً،
ولكن يعطيكم السيد نفسه آية،
ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعوا اسمه عمانوئيل،
 زبداً وعسلاً يأكل، متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير،
 لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يرفض الشر ويختار الخير، تخلى الأرض التي أنت خاش من مَلِكيها،
 يجلب الرب عليك وعلى شعبك وعلى بيت أبيك أياماً لم تأت منذ يوم اعتزال أفرايم عن يهوذا أي ملك أشور،
ويكون في ذلك اليوم أن الرب يصفر للذباب الذي في أقصى ترع مصر، وللنحل الذي في أرض أشور، فتأتي وتحلّ جميعها في الأودية الخربة وفي كل غاب الشوك وفي كل المراعي،
في ذلك اليوم يحلق السيد بموسى مستأجرة في عبر النهر بملك أشور الرأس وشعر الرجلين وتنزع اللحية أيضاً،
ويكون في ذلك اليوم أن الانسان يُربي عجلة بقر وشاتين، ويكون أنه من كثرة صنعها اللبن يأكل زبداً، فإن كل من أُبقي في الارض يأكل زبداً وعسلاً،
ويكون في ذلك اليوم أن كل موضع كان فيه ألف جفنة بألف من الفضة يكون للشوك والحسك،
بالسهام والقوس يُؤتى إلى هناك لأن كل الارض تكون شوكاً وحسكاً، وجميع الجبال التي تنقب بالمعول لا يؤتى إليها خوفاً من الشوك والحسك فتكون لسرح البقر ولدوس الغنم. (إشعياء 7: 1-25)
من هذا النص الطويل والذي أحببت أن أكتبه كاملاً حتى  نستطيع أن نعيش الجو الذي ذكر فيه قول ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل، والذي حاول متّى كاتب الإنجيل أن يقول للناس إن هذا النص يُشير إلى يسوع.
ولكن بإلقاء نظرة فاحصة على النص نجد انه يتحدث عن قصة حدثت قبل ولادة يسوع بمئات السنين وانه ليس في محتواه أي دلالة على يسوع إلا ما اقتبسه متّى في قوله ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل.
فالنص يتحدث عن بني إسرائيل في فترة انقسامهم إلى دولتين بعد الملك سليمان، الأولى دولة يهوذا والتي كانت عاصمتها أُورشليم والثانية دولة إسرائيل أو السامرة وهنا يُسمّيها أفرايم نسبة لسبط أفرايم الذي كانت له السيادة والحكم عليها، في زمن الملك آحاز بن يوثام بن عزيا وهو الملك الثامن من نسل سليمان كما هو مذكور في العهد القديم، في ذلك الوقت تحالف الملك فقح بن رمليا ملك إسرائيل أو السامرة مع الملك رصين ملك أرام وصعدوا لمحاربة أُورشليم واحتلالها وتمليك ملك عليها وهو ابن طبئيل.
فخاف آحاز وبيت داوُد والشعب كذلك، ورجفت قلوبهم من الخوف، فقال الرب لإشعياء اخرج لملاقاة آحاز وقل له لا تخف ولا يضعف قلبك، هكذا يقول السيد الرب لا تقوم ولا تكون، لان رأس أرام دمشق ورأس دمشق رصين، وفي مدة خمس وستين سنة ينكسر أفرايم  حتى لا يكون شعباً، ثم يقول الرب إن لم تؤمنوا فلا تأمنوا.
فنحن نقرأ ان الرب يطلب من إشعياء أن يُخبر آحاز أن لا يخاف، لأن الرب خلال مدة خمس وستين سنة سيكسر أفرايم حتى لا يكون شعباً، ثم يقول الرب إن لم تؤمنوا فلا تأمنوا أي إن لم تؤمنوا أن الرب خلال خمس وستين سنة سيكسر أفرايم حتى لا يكون شعباً فلن يتحقق لكم الأمان.
وللتأكيد على تحقيق هذا القول، وخاصة ان أفرايم بقيادة ملكها فقح بن رمليا كان متحالفاً مع أرام بقيادة ملكها رصين وهذا يشكل خطراً كبيراً على آحاز ومملكته، عاد الرب فكلم آحاز قائلاً اطلب لنفسك آية من الرب إلهك، عمّق طلبك أو رفعه إلى فوق، أي للتأكيد على أن وعد الرب له بانكسار أفرايم حتى لا يكون شعباً خلال مدة خمس وستين سنة هو وعد حقيقي وليس ظناً أو وهماً تخيله إشعياء، فقال آحاز لا اطلب ولا أُجرب الرب.
ولعلّ بعض الناس ومنهم آحاز، فهو من ملوك يهوذا غير المؤمنين، لم يصدقوا هذه النبوءة فرد عليهم إشعياء قائلاً اسمعوا يا بيت داوُد هل قليل عليكم أن تضجروا الناس حتى تضجروا إلهي أيضاً، ولكن للتدليل على صدق نبوءة إشعياء وكذلك صدق الكلام الذي قاله الرب لآحاز قال لهم:
ولكن يعطيكم السيد نفسه أية،
ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل.
فهذه هي آية صدق نبوءة إشعياء وكلام الرب لآحاز ان العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل، فكما نقرأ فإن عمانوئيل كان آية لآحاز وشعبه بان الرب سيكسر أفرايم في مدة خمس وستين سنة حتى لا يكونوا شعباً.
فأين الحديث عن يسوع في هذه النبوءة، وهو الذي وُلِدَ بعد وفاة آحاز بمئات السنين؟
ثم نتابع النص فنجده يتحدث عن صفات ذلك المولود الذي سيولد للتدليل على صدق نبوءة إشعياء فيقول زبداً وعسلاً يأكل متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير، لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يرفض الشر ويختار الخير تُخلى الأرض التي أنت خاشٍ من مَلِكيها، يجلب الرب عليك وعلى شعبك وعلى بيت أبيك أياما لم تأت منذ يوم اعتزال افرايم عن يهوذا أي ملك أشور.
فالنص يصف ذلك المولود بأنه سيأكل زبداً وعسلاً متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير، ثم يُكمل الحديث فيقول لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يرفض الشر ويختار الخير تخلى الأرض التي أنت خاش من ملكيها.
وهذا يدل على أن الرب سيُخلي أرض أفرايم وأرض أرام من ساكنيها قبل أن يعرف ذلك الصبي رفض الشر وقبول الخير، وهذا يعني أن ذلك الصبي يكون مولوداً في ذلك الوقت ولكنه قبل أن يعرف رفض الشر وقبول الخير تخلى تلك الأرض من ساكنيها بسبب هجوم ملك أشور على أرام وأفرايم.
ثم يكمل النص النبوءة فيقول يجلب الرب عليك وعلى شعبك وعلى بيت أبيك أياما لم تأت منذ يوم اعتزال أفرايم عن يهوذا، أي ملك أشور، وهو ما ذكرته أسفار العهد القديم من تحالف آحاز مع ملك أشور وهجومهم على أرام وأفرايم وتدميرهم لتلك الدولتين، والقصة مذكورة بالتفصيل في تلك الأسفار.
ثم يُكمل النص الحديث عن النبوءة فيقول:
ويكون في ذلك اليوم أن الرب يُصفر للذباب الذي في أقصى ترع مصر، وللنحل الذي في أرض أشور فتأتي وتحلّ جميعها في الأودية الخربة وفي كل غاب الشوك وفي كل المراعي، في ذلك اليوم يحلق السيد بموسى مستأجرة في عبر النهر بملك أشور الرأس وشعر الرجلين وتنزع اللحية أيضاً.
في هذه الفقرات حديث عن مصير دولة أفرايم وكيف أنها ستنتهي تنفيذاً للنبوءة، ثم يتحدث النص عما سيكون من أمر أرض بني إسرائيل من خراب وهجران لها من ساكنيها فيقول:
ويكون في ذلك اليوم ان الإنسان يُربّي عجلة بقر وشاتين، ويكون انه من كثرة صنعها اللبن يأكل زبداً، فان كل من بقي في الأرض يأكل زبداً وعسلاً، ويكون في ذلك اليوم ان كل موضع كان فيه ألف جفنة بألف من الفضة يكون للشوك والحسك، بالسهام والقوس يؤتى إلى هناك لان كل الأرض تكون شوكاً وحسكاً، وجميع الجبال التي تنقب بالمعول لا يُؤتى إليها خوفاً من الشوك والحسك فتكون لسرح البقر ولدوس الغنم .
وهذه الأُمور كلها حدثت قبل مئات السنين من ولادة يسوع، ولم تخبرنا الأناجيل أنها وقعت في زمن يسوع مما يثبت أن هذه النبوءة لا تتحدث عنه ولا تقصده، لا مباشرة ولا تلميحاً، وخاصة أننا نعلم ان يسوع عاش في فترة حكم الرومان أي بعد انقضاء دولة أشور.
ثم يذكر متّى للتدليل على معجزة ولادة يسوع قصة المجوس والنجم الذي ظهر لهم وهي كما يلي:
قصة المجوس
- ولما وُلد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أُورشليم. قائلين أين هو المولود ملك اليهود. فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له،
فلما سمع هيرودس اضطرب وجميع أُورشليم معه. فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم أين يُولد المسيح. فقالوا له في بيت لحم اليهودية. لأنه مكتوب بالنبي وأنتِ يا بيت لحم أرض يهوذا لستِ الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منك يخرج مدبِّر يرعى شعبي إسرائيل،
حينئذ دعا هيرودس المجوس سرّاً وتحقق منهم زمان النجم الذي ظهر. ثم أرسلهم إلى بيت لحم وقال اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبيّ ومتى وجدتموه فأخبروني لكي آتي أنا أيضاً وأسجد له، فلما سمعوا من الملك ذهبوا وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف فوق حيث كان الصبي. فلما رأوا النجم فرحوا فرحاً عظيماً جداً. وأتوا الى البيت ورأوا الصبي مع مريم أُمّه فخرّوا وسجدوا له ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهباً ولباناً ومرّاً، ثم إذ أُوحي إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس، انصرفوا في طريق أُخرى إلى كورتهم.  (متّى 2: 1-12)
أول ما نلاحظه في هذا النص هو ان النجم لم يستمر مع المجوس طوال الرحلة، بدليل ذهابهم إلى أُورشليم وسؤالهم عن المولود ملك اليهود، فلو كان النجم معهم لما احتاجوا للذهاب إلى أُورشليم والسؤال عنه، وبعد سؤالهم وقول الناس لهم إن المولود يولد في بيت لحم  ظهر لهم النجم مرة ثانية، ولست أدري لماذا اختفى ذلك النجم ولماذا ظهر؟!
الملاحظة الثانية وهي أنه لو كان المجوس صادقين في كلامهم، إذا كانوا أصلاً موجودين، فلماذا غادروا المكان بعد تقديم الهدايا ولم يبقوا في خدمته حتى يكبر ويصبحوا من تلاميذه وأتباعه، وخاصة، بحسب قوانين إيمان الكنائس، أن هذا المولود هو الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، فكم كان حرياً بهم أن يلازموه حتى ينالوا الخلاص الأبدي؟!
الملاحظة الثالثة وهي من الذي أخبر متّى بهذا الحلم الذي يطلب منهم أن يسلكوا طريقاً آخر؟
وخاصة أن الأناجيل لا تذكر من أخبارهم شيئاً، وهذه الحادثة وقعت قبل ثلاثين سنة من بدء كرازة يسوع، وكتبت بعد عشرات السنين من صعود يسوع الى السماء؟
قد يقول بعض الطيبين من أتباع الكنائس إن الروح المقدس هو الذي أخبر متّى بهذا الحلم!
أقول لهؤلاء الطيبين فلماذا لم يُخبر الروح المقدس متّى انه لا ينبغي ان يكتب في إنجيله النسب الذي كتبه ليسوع لأن يوسف النجار ليس والد يسوع، ولماذا لم ينبه الروح المقدس متّى للأخطاء التي كتبها في نسبه؟!
وأما بالنسبة لكلام المجوس وقولهم ملك اليهود وكذلك النبوءة التي تقول عن بيت لحم إن مدبراً يخرج منها يرعى شعبي إسرائيل فهذا يطرح سؤالاً وهو هل كان يسوع ملكاً لليهود خلال كرازته وتبشيره أم انه رفض أن يتولى الملك؟
لنقرأ ما كتب يوحنا في إنجيله:
- وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا 6: 15)
فأين صفة ملك اليهود بحسب كلام المجوس من شخص ينصرف من المنطقة حتى لا يصبح ملكاً، فهل هذا تصرف من ينطبق عليه قول المجوس أو النبوءة؟
كما أن يسوع صرح ان مملكته ليست من هذا العالم  كما في النص التالي:
- ثم دخل بيلاطس أيضاً إلى دار الولاية ودعا يسوع وقال له أنت ملك اليهود.
أجابه يسوع أمِنْ ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني.
أجابه بيلاطس ألعلي أنا يهودي،
أُمّتك ورؤساء الكهنة أسلموك إليّ، ماذا فعلت.
أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم،
لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدّامي يُجاهدون لكي لا أُسلم الى اليهود،
ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. (يوحنا 18: 33-36)
فهذا النص يؤكد أن ما قاله المجوس ليس صحيحاً لأن يسوع صرّح ان مملكته ليست من هذا العالم!
وأما بخصوص النبوءة التي كتبها متّى وهي انه يخرج من بيت لحم مدبر يرعى شعبي إسرائيل، فهل هذه النبوءة تنطبق على يسوع، وهل يسوع فعلاً رعى شعبه كما رعى موسى بني إسرائيل أو داوُد وسليمان آباء خطيب أُمه يوسف النجار، أم إن يسوع كان طوال حياته خاضعاً لسلطات الرومان ومطيعاً لكل أوامرهم، ولم يصدر عنه أي قول أو فعل يُحرّض فيه على سلطة الرومان، بدليل انه كان يُعطي الجزية لولاة الرومان كما ذكر متّى في إنجيله؟
- ولما جاءوا إلى كفر ناحوم تقدم الذين يأخذون الدرهمين إلى بطرس وقالوا أما يوفي معلمكم الدرهمين،
قال بلى،
فلما دخل البيت سبقه يسوع قائلاً ماذا تظن يا سمعان ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية، أمن بنيهم أم من الأجانب،
قال له بطرس من الأجانب،
قال له يسوع فإذاً البنون أحرار،
ولكن لئلا نعثرهم اذهب إلى البحر وألقِ صنارة والسمكة التي تطلع أولاً خذها ومتى فتحت فاها تجد إستار فخذه وأعطهم عني وعنك. (متّى 17: 24-27)
وطلب من أتباعه أن يخضعوا للرومان في قوله الشهير:
- فقال لهم أعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر وما للإله للإله. (متّى 22: 21)
فأين تدبير يسوع  لشعبه ورعايتهم خلال فترة كرازته أو تبشيره كلها؟
فهل يجرؤ احد أن يقول إن هذه النبوءة تنطبق على يسوع أو أنه هو المقصود بها طبقاً لما هو مكتوب عنه في الأناجيل الأربعة؟
- وبعدما انصرفوا إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلاً قم وخذ الصبي وأُمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك، لأن هيرودس مُزمع أن يطلب الصبي ليُهلكه، فقام وأخذ الصبي ليلاً وانصرف الى مصر، وكان هناك الى وفاة هيرودس، لكي يتم ما قيل بالنبي القائل من مصر دعوت ابني. (متّى 2: 13-15)
ثم يقوم هيرودس، كما يقول متّى، بذبح الأطفال في بيت لحم:
- حينئذ لما رأى هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جداً، فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحققه المجوس، حينئذ تم ما قيل بإرميا النبي القائل، صوت سمع في الرامة نوح وبكاء وعويل كثير، راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين. (متّى 2: 16-18)
- فلما مات هيرودس إذا ملاك الرب قد ظهر في حلم ليوسف في مصر، قائلاً قم وخذ الصبي وأُمه واذهب الى أرض إسرائيل، لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي، فقام وأخذ الصبي وأُمه وجاء الى أرض اسرائيل، ولكن لما سمع أن أرخيلاوس يملك على اليهودية عِوضاً عن هيرودس أبيه خاف أن يذهب الى هناك، وإذ أُوحي إليه في حلم انصرف الى نواحي الجليل، وأتى وسكن في مدينة يُقال لها ناصرة، لكي يتم ما قيل الأنبياء انه سيدعى ناصريا. (متّى 2: 19-23)
هذا السياق من القصة توجد عليه عدة ملاحظات:
الملاحظة الأولى وهي قول الملاك ليوسف خطيب أُمه وهم في مصر قم وخذ الصبي وأمه واذهب إلى أرض إسرائيل فقام وأخذ الصبي وأُمه وجاء إلى أرض إسرائيل ولكن لما سمع ان أرخيلاوس يملك على اليهودية عوضاً عن هيرودس أبيه خاف أن يذهب إلى هناك.
 فهذه الجملة عجيبة جدأ في هذا السياق لأن قول الملاك ليوسف واضح وهو ان يذهب إلى أرض إسرائيل، وأرض إسرائيل في المفهوم اليهودي والتاريخي، هي الأرض التي انفصلت عن أُورشليم بعد موت سليمان وأُقيمت عليها دولة مستقلة، وأما أُورشليم وغيرها من الأراضي فتسمى يهوذا، أو اليهودية.
فكلام الملاك ليوسف واضح وهو أن يذهب إلى أرض إسرائيل ولم يأمره بالذهاب إلى اليهودية فكيف يخاف من الذهاب إلى أرض هو أصلاً لم يؤمر بالذهاب إليها!
والأغرب من ذلك كما يقول متّى ان الملاك يأتي إلى يوسف النجار في حلم آخر فينصرف الى نواحي الجليل، مع العلم ان الحلم الأول كان المقصود به الذهاب الى أرض الجليل، لأنها جزء من أرض إسرائيل، وفي نهاية القصة يقول متّى انه أتى، أي يوسف خطيب مريم، وسكن مدينة يقال لها ناصرة!
الملاحظة الثانية وهي حول شغف متى بالاستشهاد بنصوص العهد القديم مما جعله يُفصّل هذه القصة على تلك النصوص، حتى لو أحدث ذلك خللاً في معتقدات وعقول الطيبين من أتباع الكنائس، ومنها ذبح الأطفال والخروج الى مصر، وهذه المسألة سأناقشها عند الحديث عن قصة ولادة يسوع في إنجيل لوقا بعد قليل.
الملاحظة الثالثة وهي مدى صحة استشهاد متّى بنصوص العهد القديم، فنجد أنه استشهد في هذه الفقرات بثلاثة نصوص، وفيما يلي استعراض لها.
نص أو نبوءة عن ولادة يسوع في بيت لحم
- فلما سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أُورشليم معه،
فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشّعب وسألهم أين يولد المسيح،
فقالوا له في بيت لحم اليهودية،
لأنه هكذا مكتوب بالنبي،
وأنت يا بيت لحم ارض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا،
لان منك يخرج مدبّر يرعى شعبي إسرائيل. (متّى 2: 3-6)
هذا النص مذكور في سفر ميخا وفيما يلي نصه:
- الآن تتجيشين يا بنت الجيوش قد أقام علينا مترسة،
يضربون قاضي إسرائيل بقضيب على خده،
وأما أنت يا بيت لحم أفراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل،
لذلك يُسلمهم إلى حينما تكون قد ولدت والدة،
ثم ترجع بقية إخوته إلى بني إسرائيل،
ويقف ويرعى بقدرة الرب بعظمة اسم الرب إلهه ويثبتون،
لأنه الآن يتعظم إلى أقاصي الأرض،
ويكون هذا سلاماً،
إذا دخل أشور في أرضنا وإذا داس في قصورنا نقيم عليه سبعة رعاة وثمانية من أمراء الناس،
فيرعون أرض أشور بالسيف وأرض نمرود في أبوابها فينفذ من أشور إذا دخل أرضنا وإذا داس تخومنا،
وتكون بقيّة يعقوب في وسط شعوب كثيرين كالندى من عند الرب، كالوابل على العشب الذي لا ينتظر انساناً ولا يصبر لبني البشر،
وتكون بقيّة يعقوب بين الأمم في وسط شعوب كثيرين كالأسد بين وحوش الوعر كشبل الأسد بين قطعان الغنم، الذي إذا عبر يدوس وليس من يُنقذ،
لترتفع يدك على مبغضيك وينقرض كل أعدائك،
ويكون في ذلك اليوم يقول الرب أني اقطع خيلك من وسطك وأُبيد مركباتك،
وأقطع مدن أرضك وأهدم كل حصونك،
وأقطع السحر من يدك ولا يكون لك عائفون،
وأقطع تماثيلك المنحوتة وأنصابك من وسطك فلا تسجد لعمل يديك في ما بعد،
وأقلع سواريك من وسطك وأُبيد مدنك،
وبغضب وغيظ أنتقم من الأُمم الذين لم يسمعوا. (ميخا 5: 1-15)
من هذه القراءة لنص ميخا هل نجده ينطبق على يسوع؟
ان من يقرأ الأناجيل يعلم ان يسوع لم يكن في يوم من الأيام مدبراً لشعب الرب إسرائيل أو متسلّطاً عليه، لا بل إننا نقرأ في الأناجيل انه كان خاضعاً لقيصر، ودافعاً الجزية لولاته، وآمراً اليهود بإعطاء قيصر كل ما يطلبه منهم بقوله أعطوا ما لقيصر لقيصر، وان والي قيصر قام في نهاية الأمر بمحاكمته وصلبه، كما تقول الأناجيل الأربعة!
وأما تدبيره لليهود ورعايتهم فحدّث ولا حرج، فيسوع كان طوال حياته خائفاً من اليهود وكان يشعر انهم يسعون إلى قتله، فكيف يدبّرهم وهذه هي حالته؟ أم كيف يرعاهم؟
لا بل إن يسوع هرب منهم عندما حاول بعضهم أن يجعلوه ملكاً تنفيذاً لهذا النص أو لغيره!
وكان حريصاً على أن يُظهر نفسه خاضعاً لسلطان الكهنة وعدم إظهار نفسه كرسول جديد إليهم وظيفته أن يدبرهم ويرعاهم.
وكان يُخفي صفته كمسيح مهمته ان يرعى اليهود، لا بل انه وزيادة في إخفاء نفسه سواء خوفاً من الرومان أو من اليهود رفض أن ينطق بحكم الرب في المرأة الزانية بأن ترجم والمكتوب في الشريعة التي أعطاها لموسى، وتعلل في ذلك بقوله من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر!
والكنائس تقول إن يسوع كان بلا خطيئة، فلماذا لم يقم بتنفيذ حكم الشريعة إذا كانت وظيفته هي رعاية وتدبير شعب الرب إسرائيل؟!
من هذا الشرح نعلم ان يسوع لم يكن في يوم من حياته مدبّراً لشعب الرب إسرائيل ولا متسلطاً عليهم.
والآن وبعد أكثر من عشرين قرناً على ميلاد يسوع قد يقول بعض الطيبين من أتباع الكنائس ان يسوع عندما يأتي على سحاب السماء في مجده ومملكته سيكون مدبراً وراعياً لشعب الرب إسرائيل، فأقول لهؤلاء الطيبين حتى لو جاء يسوع كما تقولون فأين هم شعب الرب إسرائيل الذين سيدبرهم ويرعاهم وهم لم يؤمنوا به في حياته ولا بعد قيامته وصعوده الى السماء؟!
لذلك يسلمهم إلى حينما تكون قد ولدت والدة،
هذه الفقرة بهذه الصياغة تحمل الكثير من الغموض لهذا سنقرأها من نسخة ثانية لنفهم معناها الصحيح، وهي نسخة كتاب الحياة الصادرة عن
International Bible Society
ISBN 1-56320-074-0
Third print 2002
- لذلك يُسلم الرب شعبه الى أعدائهم الى أن تلد من تقاسي من المخاض. (ميخا 5: 3)
- Therefore Israel will be abandoned until the time when she who is in labor gives birth. (Micah 5: 3)
هذه الفقرة تتحدث عن تسليم الرب لليهود الى السبي الى زمن تلد امرأة تقاسي من المخاض، وقصة السبي حدثت قبل يسوع بمئات السنين، وكذلك العودة منه، فهذه الفقرة تؤكد أن النص لا يشير الى ولادة يسوع في بيت لحم، فالنص يتحدث عن أحداث وقعت قبل ولادة يسوع بمئات السنين، وما يزيد هذا اللأمر وضوحاً هو الفقرة التالية:
ثم ترجع بقية إخوته إلى بني إسرائيل.
في هذه الفقرة يقول ميخا ان إخوة المتسلط على شعب إسرائيل سترجع وتجتمع مع باقي الأسباط، وهذا الأمر حدث بعد العودة من سبي بابل، فهذه الفقرة تؤكد أن هذا المتسلط أو المدبر ليس يسوع كما قال متّى، لأن الأناجيل لم تذكر أي قصة عن رجوع اليهود إلى الأرض المقدسة في زمنه.
ويقف ويرعى بقدرة الرب بعظمة اسم الرب إلهه ويثبتون،
لأنه الآن يتعظم إلى أقاصي الأرض، ويكون هذا سلاماً.
وهذه الفقرة تؤكد مرة جديدة أن المقصود بالمدبر لشعب إسرائيل ليس يسوع، لأن لهذا المدبر ربٌ بقدرته يرعى الشعب وبعظمة اسم الرب إلهه يثبتون، وقوانين إيمان الكنائس تقول أن يسوع هو ربها وإلهها!
كما أن هذا النص لا ينطبق على يسوع من الناحية التاريخية إذ أنه لم يرع شعب إسرائيل طوال حياته بقدرة الرب وعظمة اسمه ولا بغيرها من القدرات!
وإذا دخل أشور في أرضنا وإذا داس في قصورنا نقيم عليه سبعة رعاة وثمانية من أمراء الناس، فيرعون أرض أشور بالسيف وأرض نمرود في أبوابها فينفذ من أشور إذا دخل أرضنا وإذا داس تخومنا.
وهذه الفقرة تتحدث عن أشور وعن دخولهم إلى الأرض المقدسة، وان الرب سيعاقبهم بالسيف ويُدمرهم ويجعل نمرود وشعبه يقتحمون أرض أشور.
وهذه الحوادث وقعت قبل مئات السنين من ولادة يسوع، فكيف لم ينتبه متّى أو لم ينبهه الروح المقدس الذي كان يسوقه إلى هذه الحقائق وهو يجتزئ من النص تلك الفقرة التي تتحدث عن المتسلط او المدبر ليقول إن تلك الفقرة تتحدث عن ولادة يسوع في بيت لحم، إلا اذا كتب متّى إنجيله بحسب منهج خاص بعيداً عن الروح المقدس والحقائق التاريخية والتوراتية كما بينته في كتاب مصادر الأناجيل؟!
وليت يسوع كان مدبراً أو متسلطاً على شعب إسرائيل ولو لبضع ليال كي يكون لاستدلال متّى شيئاً من الواقع!
- وتكون بقية يعقوب في وسط شعوب كثيرين كالندى من عند الرب، كالوابل على العشب الذي لا ينتظر إنساناً ولا يصبر لبني البشر، وتكون بقية يعقوب بين الأُمم في وسط شعوب كثيرين كالأسد بين وحوش الوعر،
كشبل الأسد بين قطعان الغنم،
الذي إذا عبر يدوس وليس من ينقذ،
لترتفع يدك على مبغضيك وينقرض كل أعدائك.
وهذه الصفات التي تتحدث عن إسرائيل لم تكن من صفات اليهود في زمن يسوع، فهم كانوا تحت سيطرة الرومان وخاضعين لسلطانهم، حتى يسوع نفسه كان يدفع الجزية لقيصر!
ويكون في ذلك اليوم يقول الرب اني أقطع خيلك من وسطك وأُبيد مركباتك، وأقطع مدن أرضك وأهدم كل حصونك.
وهذه الفقرة كسابقتها تتحدث عن حوادث سابقة لميلاد يسوع بمئات السنين.
وأقطع السحر من يدك ولا يكون لك عائفون،
وأقطع تماثيلك المنحوتة،
وأنصابك من وسطك،
فلا تسجد لعمل يديك في ما بعد.
وهذه الفقرات اترك التعليق عليها ليتأملها الطيبون من أتباع الكنائس ويتفكروا في واقع حال الكنائس التي ملأت الدنيا بالتماثيل والأنصاب والصور، وأسأل متى ستنتهي الكنائس عن السجود لعمل أيديهم؟
قصة ذهاب يسوع الى مصر
- وبعدما انصرفوا اذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلاً قم وخذ الصبي وأُمه واهرب الى مصر وكن هناك حتى أقول لك لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، فقام وأخذ الصبي وأُمه ليلاً وانصرف الى مصر، وكان هناك الى وفاة هيرودس،
لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني. (متّى 2: 13-15)
إن قارئ الأناجيل يصاب بالدهشة من كثرة الاستشهاد بنصوص العهد القديم لإثبات صفة يسوع، مع انه يفترض بمن هذا صفته أن لا يكون بحاجة لأي شهادة من أحد، فهو أكبر من أن يستشهد بآخرين على صفاته تلك!
ولكن القارئ يزداد دهشة واستغراباً وتعجباً وحيرة عندما يقرأ تلك النصوص كاملة من أسفار العهد القديم، فيَرى ان ما اقتطع منها لإثبات تلك الصفة ليسوع تتضارب مع كل حقائق الواقع والتاريخ المعلوم عن بني إسرائيل!
فكما ظهر ذلك في النصين السابقين كذلك الأمر في هذا النص، فما ان قرأ متًى قول هوشع من مصر دعوت ابني حتى نسي كل ما يتحدث عنه هوشع واقتطع تلك الجملة ووضعها في إنجيله للتدليل على ان يسوع جاء ذكره في العهد القديم، وسأذكر النص كاملاً حتى يتبين لنا إن كان المقصود به يسوع أم انه يتحدث عن أُمور سابقة لميلاد يسوع بمئات السنين وانه لا دخل ليسوع بها من قريب ولا بعيد.
والنص مذكور في سفر هوشع وهو كما يلي:
لمّا كان إسرائيل غلاماً أحببته ومن مصر دعوت ابني،
كل ما دعوهم ذهبوا من أمامهم يذبحون للبعليم،
ويُبخرون للتماثيل المنحوتة،
وأنا درّجت أفرايم ممسكاً إياهم بأذرعهم فلم يعرفوا أني شفيتهم،
كنت أجذبهم بحبال البشر برُبَط المحبة،
وكنت لهم كمن يرفع النير عن أعناقهم ومددت إليه مُطعماً إياه،
لا يرجع إلى أرض مصر بل أشور هو ملكه،
لأنهم أبَوْا أن يرجعوا، يثور السيف في مدنهم ويُتلف عصيها ويأكلهم من أجل آرائهم،
وشعبي جانحون إلى الارتداد عني فيدعونهم إلى العليّ ولا أحد يرفعه،
كيف أجعلك يا أفرايم، أصيرك يا إسرائيل، كيف أجعلك كأدمة،
أصنعك كصبوييم،
قد انقلب عليّ قلبي، اضطرمت مراحمي جميعاً،
لا أُجري حُمُوّ غضبي لا أعود أخرب أفرايم،
لأني الإله لا إنسان،
القدوس في وسطك فلا آتي بسخط،
وراء الرب يمشون كأسد يُزمجر،
فإنه يُزمجر فيُسرع البنون من البحر،
يُسرعون كعصفور من مصر،
وكحمامة من أرض أشور،
فأُسكنهم في بيوتهم يقول الرب،
قد أحاط بي أفرايم بالكذب،
وبيت إسرائيل بالمكر،
ولم يزل يهوذا شارداً عن الإله وعن القدوس الأمين. (هوشع 11: 1-12)
هذا النص مقتبس من التوراة العبرية، وليس من التوراة السبعينية لأن نص السبعينية لا يُساعد متّى في كتابة قصته كما هو مبين في كتاب مصادر الأناجيل بشكل مفصل، لأنه يقول فيها أنه من مصر دعا أبناء إسرائيل وليس ابني، كما في النص التالي:
11:1 Early in the morning were they cast off, the king of Israel has been cast off: for Israel is a child, and I loved him, and out of Egypt have I called his children.
والنص يقول ان إسرائيل لما كان غلاماً أحبه الرب، ومن مصر دعا ابنه، وهذه الصيغة (ابني) يستعملها كتبة العهد القديم للدلالة على بني إسرائيل وحب الرب لهم واحياناً يستعملونها للدلالة على شخص بعينه، وفيما يلي بعض نصوص العهد القديم التي مكتوب فيها ان الرب قال عن بعض الناس أنهم أبناءه، مع أن اليهود والكنائس المختلفة لا يقولون عنهم أنهم أبناء الرب على الحقيقة، كما تقول الكنائس عن يسوع في قوانين إيمانها!
- فتقول لفرعون هكذا يقول الرب إسرائيل ابني البكر،
فقلت لك أطلق ابني ليعبدني،
فأبيتَ ان تطلقه، ها أنا أقتل ابنك البكر. (خروج 4: 22-23)
لأني صرت لإسرائيل أباً وأفرايم هو بكري. (إرميا 31:9)
ربّيت بنين ونشّأتهم وأمّا هم فعصوا عليّ. (إشعياء 1:2)
أبو اليتامى وقاضي الأرامل الإله في مسكن قُدسه. (مزمور 68:5)
أنتم أولاد للرب إلهكم لا تخمشوا أجسامكم. (تثنية 14:1)
- إنهم جيل متقلب أولاد لا أمانة فيهم. (تثنية 32:20)
- ويكون عوضاً عن أن يقال لهم لستم شعبي،
يقال لهم أبناء الإله الحي. (هوشع 1: 10)
- ألست من الآن تدعينني يا أبي أليف صباي أنت. (إرميا 3:4)
- ارجعوا أيها البنون العصاة يقول الرب. (إرميا 3:14)
- وقلتُ تدعينني يا أبي ومن ورائي لا ترجعين. (إرميا 3:19)
- ارجعوا أيها البنون العصاة فأشفي عصيانكم. (إرميا 3: 22)
- إياي لم يعرفوا هم بنون جاهلون وهم غير فاهمين، هم حكماء في عمل الشر، ولعمل الصالح ما يفهمون. (إرميا 4:22)
هذه النصوص تقول إن الرب أب لبني إسرائيل وان أفرايم بكره وانه أبو اليتامى، ولا يُقصد بها المعنى الذي تقوله الكنائس عن يسوع.
كما نقرأ في نص هوشع حديثاً عن قيام اليهود بعبادة غير الرب وذلك بقوله أنهم يذبحون للبعليم وهو أحد الأصنام التي كانت شعوب الأرض المقدسة تعبدها، ولم تخبرنا الأناجيل أن اليهود كانوا في زمن يسوع يذبحون للبعليم ولا أن البعليم كان موجوداً في ذلك الوقت!
وأما استنكار الرب على بني إسرائيل أن يُبخّروا للتماثيل المنحوتة، فهذا أتركه للقارئ كي يتأمل فيه ويقارنه بما تقوم به الكنائس المختلفة من تبخير للتماثيل التي نحتوها بأيديهم والصور التي رسموها وقالوا أنها ليسوع أو لأُمه أو لغيرهما، وهل هذا العمل موافقاً للنص الذي استشهد به متّى؟
ثم يُكمل هوشع نصه بالحديث عن عصيان أفرايم لأوامر الرب مع كل ما قام به الرب من أجلهم ويقول انه يجب أن لا يرجعوا إلى أرض مصر بل أشور ملكه ولأنهم أبوْا أن يرجعوا إلى أشور وذهبوا إلى مصر يثور السيف في مدنهم ويدمرهم ويسبيهم إلى أشور رغماً عنهم وهو ما حدث فعلاً كما تقول أسفار العهد القديم.
وهذه الفقرات لا تتحدث عن يسوع بالتأكيد، لأن أشور كانت قد زالت من الوجود قبل ولادة يسوع بمئات السنين، والأرض المقدسة زمن يسوع كانت تحت سيطرة الرومان.
ثم يقول النص أن بني إسرائيل جانحون للارتداد عن شريعة الرب، إلا انه في نهاية الأمر سيرفع  غضبه عنهم، ولا يعود يُخرّب إسرائيل ولا يسخط عليهم، وان اليهود بعد ذلك يمشون وراء الرب كأسد يزمجر فيسرع البنون بالعودة من البحر ويعودون من مصر كالعصافير ومن أرض أشور كالحمام فيسكنهم الرب في بيوتهم، ولم تخبرنا الأناجيل أن اليهود مشوا وراء يسوع كالأسود ولا إنهم جاءوا من البحر لإتباعه، ولا أنهم أسرعوا بالمجيء من مصر كالعصافير كي يؤمنوا بيسوع، ولا أنهم جاءوا كالحمام من أشور لإتباع يسوع، لأن أشور كانت قد انتهت قبل ولادة يسوع بعدة قرون!!
كما ان الأناجيل لم تذكر أن يسوع أسكن بني إسرائيل في بيوتهم، لو كان نص من مصر دعوت ابني المقصود به يسوع!
وباقي النص يتحدث عن اليهود بكل أسباطهم، قد أحاط بي أفرايم بالكذب، وبيت إسرائيل بالمكر، ولم يزل يهوذا شارداً عن الإله وعن القدوس الأمين.
فأين وجد متّى حديثاً عن يسوع في قول هوشع من مصر دعوت ابني، وأنه هو المقصود بالنص الذي قرأناه كاملاً وقرأ متّى منه فقرة واحدة؟!
قصة قتل أطفال بيت لحم ونص أو نبوءة راحيل تبكي أولادها
- حينئذ لما رأى هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جداً،
فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها،
من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس،
حينئذ تم ما قيل بإرميا النبي القائل صوت سمع في الرامة نوح وبكاء وعويل كثير،
راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين. (متّى 2: 16-18)
هذا النص يتحدث عن قصة قتل هيرودس لأطفال بيت لحم ويستشهد متّى بقول في كتاب إرميا راحيل تبكي على أولادها، وهنا لا أُريد أن أتحدث عن حقيقة القصة وخاصة أنه لم يتحدث عنها أحد من مؤرخي القرن الأول مثل يوسيفوس فلافيوس وفيلو السكندري الذي كتب كتاباً عن حياة هيرودس، ولكن سأتحدث عن حقيقة نص إرميا وإن كان ينطبق على هيرودس وقتله لأطفال بيت لحم وزمن يسوع.
هذا النص مكتوب في الاصحاح الحادي والثلاثين بحسب العهد القديم في نسخة الملك جيمس والنسخة العبرية وفي الاصحاح الثامن والثلاثين بحسب السبعينية، وهذا الاصحاح هو استكمال للاصحاح الثلاثين والذي يبدأ بالنص التالي:
- الكلام الذي صار الى إرميا من قبل الربّ قائلاً، هكذا تكلم الرب إله اسرائيل قائلاً،
اكتب كل الكلام الذي تكلمت به إليك في سفر،
لأنه ها أيام تأتي يقول الرب وأردّ سبي شعبي اسرائيل ويهوذا يقول الرب وأُرجعهم الى الارض التي أعطيت آباءهم إياها فيمتلكونها. (إرميا 30: 1-3)
في هذا النص يطلب الرب من إرميا أن يكتب كل الكلام الذي سنقرأه في الاصحاحين ويبدأ بالقول أن الرب سيرُدُّ اليهود من السبي الى الارض المقدسة، وهذا يدل على أن الكلام يتحدث عن زمان معين وهو ما بعد العودة من السبي، ثم نقرأ النص التالي:
ويكون في ذلك اليوم يقول رب الجنود أني أكسر نيره عن عنقك وأقطع رُبطك ولا يستعبده بعد الغرباء،
بل يخدمون الرب إلههم وداوُد ملكهم الذي أُقيمه لهم. (إرميا 30: 8-9)
وهذه الفقرات تتحدث عما سيكون عليه حال اليهود بعد العودة من السبي، وهو بالتأكيد لا يقصد اليهود زمن يسوع وهيرودس لانهم في ذلك الوقت كانوا خاضعين للرومان، ثم نقرأ النص التالي:
- وأما أنت يا عبدي يعقوب فلا تخف يقول الرب ولا ترتعب يا اسرائيل لأني ها أنذا أُخلصك من بعيد ونسلك من أرض سبيه فيرجع يعقوب ويطمئن ويستريح ولا مزعج. (إرميا 30: 10)
وهذه الفقرة تؤكد أن الإصحاح يتحدث عن العودة من السبي، ثم نقرأ النص التالي:
- هكذا قال الرب ها أنذا أرد سبي خيام يعقوب وأرحم مساكنه وتبنى المدينة على تلها والقصر يسكن على عادته. (إرميا 30: 18)
وهذا النص يتحدث أيضاً عن عودة اليهود من السبي وأن أورشليم سيتم إعادة بنائها، ثم نقرأ النص التالي:
ويكون حاكمهم منهم ويخرج واليهم من وسطهم، وأُقرّبه فيدنو إليّ لأنه من هو هذا الذي أرْهَنَ قلبه ليدنو إليّ يقول الرب. (إرميا 30: 21)
هذا النص يقول انه في ذلك الزمان يكون حاكم اليهود منهم، وهذا لم يكن حال اليهود زمن ولادة يسوع، من هذه النصوص نجد أن هذا الاصحاح يتحدث عن اليهود بعد عودتهم من السبي، ثم يبدأ الاصحاح الواحد والثلاثون وهو استكمال للكلام السابق، وفيما يلي الاصحاح كاملاً ومن ثم سأُناقش فقراته لنرى إن كان يتحدث عن زمن يسوع وقتل هيرودس لأطفال بيت لحم أم أنه يتحدث عن أُمور حدثت قبل هذا الزمن بمئات السنين.
في ذلك الزمان يقول الرب أكون إلهاً لكل عشائر إسرائيل وهم يكونون لي شعباً،
هكذا قال الرب قد وجد نعمة في البرية الشعب الباقي عن السيف إسرائيل حين سرتُ لأُريحه،
تراءى لي الربّ من بعيد، ومحبةً أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة،
سأبنيكِ بعد فتبنين يا عذراء اسرائيل، تتزينيين بعد بدفوفك وتخرجين في رقص اللاعبين،
تغرسين بعد كروماً في جبال السامرة يغرس الغارسون ويبتكرون،
لأنه يكون يومٌ ينادي فيه النواطير في جبال أفرايم قوموا فنصعد إلى صهيون إلى الرب إلهنا،
لأنه هكذا قال الرب، رنموا ليعقوب فرحاً واهتفوا برأس الشعوب، سمّعوا، سبِّحوا، وقولوا خلّص يا رب شعبك بقية إسرائيل،
هاأنذا آتي بهم من أرض الشمال وأجمعهم من أطراف الأرض، بينهم الأعمى والأعرج، الحبلى والماخض معاً، جمعٌ عظيم يرجع إلى هنا،
بالبكاء يأتون وبالتضرعات أقودهم، أُسيّرهم إلى أنهار ماء في طريق مستقيمة لا يعثرون فيها، لأني صرت لإسرائيل أباً وأفرايم هو بكري،
اسمعوا كلمة الرب أيها الأُمم وأخبروا في الجزائر البعيدة وقولوا مُبدّد إسرائيل يجمعه ويحرسه كراع قطيعه،
لأن الرب فدى يعقوب، وفكه من يد الذي هو أقوى منه،
فيأتون ويُرنمون في مرتفع صهيون ويجرون الى جود الربّ على الحنطة وعلى الخمر وعلى الزيت وعلى أبناء الغنم والبقر وتكون نفسهم كجنّة ريّا ولا يعودون يذوبون بعد،
حينئذ تفرح العذراء بالرقص والشبان والشيوخ معاً وأُحوّل نوحهم الى طرب وأُعزّيهم وأُفرّحهم من حزنهم،
وأروي نفس الكهنة من الدسم ويشبع شعبي من جودي يقول الرب،
هكذا قال الرب صوتٌ سُمع في الرّامة نوحٌ بكاءٌ مرٌّ،
راحيل تبكي على أولادها وتأبى أن تتعزّى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين،
هكذا قال الرب امنعي صوتك عن البكاء وعينيك عن الدموع لأنه يُوجد جزاء لعملك، يقول الرب فيرجعون من أرض العدو،
ويوجد رجاء لآخرتك يقول الرب، فيرجع الأبناء إلى تخمهم،
سمعاً سمعت أفرايم ينتحب، أدبتني فتأدبت كعجل غير مروض، توّبني فأتوب لأنك أنت الرب إلهي،
لأني بعد رجوعي ندمت وبعد تعلمي صفقت على فخذي خزيتُ وخجلتُ لأني قد حملت عار صباي.
هل أفرايم ابن عزيز لديّ أو ولد مُسِرٌّ لأني كلما تكلمت به أذكره بعد ذكراً من أجل ذلك حنت أحشائي إليه رحمة أرحمه يقول الربّ،
انصبي لنفسك صوىً اجعلي لنفسك أنصاباً اجعلي قلبك نحو السكة الطريق الذي ذهبت فيها إرجعي يا عذراء اسرائيل ارجعي الى مدنك هذه،
حتى متى تطوفين أيتها البنت المرتدّة لأن الرب قد خلق شيئاً حديثاً في الارض أُنثى تحيط برجل،
هكذا قال ربّ الجنود إله اسرائيل سيقولون بعد هذه الكلمة في أرض يهوذا وفي مدنها عندما أردّ سبيهم يباركك الرب يا مسكن البر يا أيها الجبل المقدس،
فيسكن فيه يهوذا وكل مدنه معاً الفلاحون والذين يُسرِّحون القطعان،
لأني أرويت النفس المعيبة وملأت كل نفس ذائبة،
على ذلك استيقظتُ ونظرتُ ولذ لي نومي،
ها أيام تأتي يقول الربّ وأزرع بيت اسرائيل وبيت يهوذا بزرع انسان وزرع حيوان،
ويكون كما سهرتُ عليهم للاقتلاع والهدم والقرض والإهلاك والأذى كذلك أسهر عليهم للبناء والغرس يقول الرب،
في تلك الأيام لا يقولون بعدُ الآباء أكلوا حصرماً وأسنان الأبناء ضرست،
بل كل واحد يموت بذنبه كل إنسان يأكل الحصرم تضرس اسنانه،
ها أيام تأتي يقول الربّ وأقطع مع بيت اسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً،
ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأُخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب،
بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت اسرائيل بعد تلك الأيام يقول الربّ أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً،
ولا يُعلمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين اعرفوا الربّ لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم الى كبيرهم يقول الربّ لأني أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد،
هكذا قال الرب الجاعل الشمس للإضاءة نهاراً وفرائض القمر والنجوم للإضاءة ليلاً الزاجر البحر حين تعجّ أمواجه ربّ الجنود اسمه،
إن كانت هذه الفرائض تزول من أمامي يقول الربّ فإن نسل اسرائيل أيضاً يكفُّ من أن يكون أُمّة أمامي كل الأيام،
هكذا قال الرب إن كانت السموات تقاس من فوق وتفحص أساسات الارض من أسفل فإني أنا أيضاً أرفض كل نسل اسرائيل من أجل كل ما عملوه يقول الربّ،
ها أيام تأتي يقول الربّ وتُبنى المدينة للرب من برج حننئيل الى باب الزاوية،
ويخرج بعدُ خيط القياس مُقابله على أكمة جارب ويستدير الى جوعة،
ويكون كل وادي الجثث والرماد وكل الحقول الى وادي قدرون الى زاوية باب الخيل شرقاً قدساً للرب لا تقلع ولا تهدم الى الأبد. (إرميا 31: 1-40)
كما قلت سابقاً فإن هذا الاصحاح يتحدث عن فترة ما بعد السبي والعودة الى الأرض المقدسة إذ أنه يبدأ بجملة في ذلك الزمان يقول الرب، وهنا قد يظن بعض الطيبين من أتباع الكنائس أنه يتحدث عن زمن يسوع لأن يسوع وُلد بعد السبي وهذه وجهة نظر جيدة ولهذا سنتابع قراءة الاصحاح لنرى إن كان يتحدث عن زمن يسوع أم يتحدث عن فترات أُخرى قبل يسوع، فنقرأ النصوص التالية:
في ذلك الزمان يقول الرب أكون إلهاً لكل عشائر إسرائيل وهم يكونون لي شعباً، وهذا لم يكن حال بني إسرائيل عند إرسال يسوع، لأنهم لم يكونوا مؤمنين حقاً وإلا لما كانت هناك حاجة لإرسال من يعرفهم طريق الرب، لا بل إن بني إسرائيل حتى بعد صعود يسوع الى السماء لم يكونوا شعباً للرب بل كانوا كافرين به وبمن أرسله إليهم، وكانوا طوال الزمن الذي عاش فيه يسوع بينهم كارهون له ومقاومون لدعوته وساعون الى قتله حتى تمّ لهم ذلك الأمر بصلبه وموته على الصليب كما تقول الأناجيل.
لأنه هكذا قال الرب، رنموا ليعقوب فرحاً واهتفوا برأس الشعوب، سمّعوا، سبِّحوا، وقولوا خلّص يا رب شعبك بقية إسرائيل، وهذا الأمر لم يتحقق زمن يسوع لأن يسوع لم يُخلص اليهود سواء من الرومان فهو طلب منهم أن يعطوا لقيصر كل ما يطلبه منهم، وكذلك رفض أن يكون ملكاً عليهم، وهو لم يُخلصهم من خطاياهم لا بل حملهم خطايا فوق خطاياهم عندما صلبوه كما هو مكتوب في الاناجيل، وقالت الكنائس المختلفة أن تدمير مدينة أُورشليم والهيكل هو عقاب لهم على صلبهم يسوع، ولم تكتف الكنائس بهذا بل حمّلت أبناء اليهود هذه الخطايا لعدة قرون، فيسوع لم يخلص اليهود حتى نقول ان النص يتحدث عن زمانه.
هاأنذا آتي بهم من أرض الشمال وأجمعهم من أطراف الأرض، بينهم الأعمى والأعرج، الحبلى والماخض معاً، جمعٌ عظيم يرجع إلى هنا، وهذه الفقرة لا تنطبق على زمان يسوع لأن الاناجيل لم تخبرنا أن اليهود جاءوا من أرض الشمال وبينهم الاعمى والاعرج والحبلى والماخض مما يدل على أن الاصحاح لا يتحدث عن زمان يسوع.
لأني صرت لإسرائيل أباً وأفرايم هو بكري، وهذه الفقرة أظن أنها ستسبب مشكلة في قوانين إيمان الكنائس لأنها تقول أن اسرائيل ابن الرب وأفرايم بكر الرب فهذا يتناقض مع تلك القوانين، وخاصة أن المذكور كبكر للرب هو أفرايم، وهي لن تستطيع القول انه يُشير الى يسوع، كما قالت عن نسل المرأة الذي يسحق رأس الحية أنه يشير الى يسوع باعتبار ان النسل يُقصد به انسان واحد سيأتي في المستقبل!، لأن يسوع كما تقول الاناجيل هو من نسل داوُد وداوُد من نسل يهوذا، فهنا البكر من سبط مختلف عن سبط يسوع، وهذا بالتأكيد يدل على أن الاصحاح لا يتحدث عن زمن يسوع.
- اسمعوا كلمة الرب أيها الأُمم وأخبروا في الجزائر البعيدة وقولوا مبدد إسرائيل يجمعه ويحرسه كراع قطيعه،
لأن الرب قد فدى يعقوب، وفكه من يد الذي هو أقوى منه،
فيأتون ويرنمون في مرتفع صهيون ويجرون الى جود الربّ على الحنطة وعلى الخمر وعلى الزيت وعلى أبناء الغنم والبقر وتكون نفسهم كجنّة ريّا ولا يعودون يذوبون بعد،
حينئذ تفرح العذراء بالرقص والشبان والشيوخ معاً وأُحول نوحهم الى طرب وأُعزيهم وأُفرّحهم من حزنهم،
وأروي نفس الكهنة من الدسم ويشبع شعبي من جودي يقول الرب.
هذه الفقرات تبدأ بقول اسمعوا كلمة الرب وتنتهي بكلمة يقول الرب، وهنا أقول هل في هذه الفقرات أي دلالة على أنها تتحدث عن زمن يسوع سواء عند ولادته أو في حياته؟
ثم نقرأ الفقرة التي اقتبسها متّى للدلالة على صدق قصته وهي كما يلي:
هكذا قال الرب صوت سمع في الرامة نوح وبكاء مر،
راحيل تبكي على أولادها وتأبى أن تتعزى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين،
هكذا قال الرب امنعي صوتك عن البكاء وعينيك عن الدموع لأنه يوجد جزاء لعملك،
يقول الرب فيرجعون من أرض العدو،
ويوجد رجاء لآخرتك يقول الرب فيرجع الأبناء إلى تخمهم.
في الحقيقة عندما نتأمل في هذا النص فإننا نجد انه يتضمن أمرين، الاول وهو بكاء راحيل على أولادها، والثاني هو عودة الأولاد، وهذا الامر صحيح إذا قلنا ان النص يتحدث عن سبي أولاد راحيل ومن ثم عودتهم من السبي وهو ما بينته الفقرة الثانية بكل وضوح بقول الرب أنهم سيرجعون من أرض العدو الى تخمهم، وهو ما حدث أيضاً من سبي لأولاد راحيل الى أشور وبابل وعودتهم الى الارض المقدسة، ولكن لو قلنا ان النص يتحدث عن يسوع وقتل هيرودس لأطفال بيت لحم فإننا سنقع في مشكلتين، الاولى وهي ان هؤلاء الاطفال لم يرجعوا من أرض العدو الى تخمهم، لأن الاناجيل لم تخبرنا بقيامتهم من الاموات زمن يسوع ولا بعده، والمشكلة الثانية وهي ان النص يتحدث عن اولاد راحيل وتحديداً عن سبط افرايم، وهذا السبط لم يكن يسكن في بيت لحم، لانها كانت من نصيب سبط يهوذا عندما قسمت الارض، وكما اشار الى ذلك لوقا عن سبب ذهاب يوسف النجار الى بيت لحم قبل ولادة يسوع، فليس لراحيل أولاد في بيت لحم في ذلك الوقت حتى تبكيهم، وما يؤكد ان الحديث عن سبط أفرايم وليس يهوذا هو الفقرات التي تلي الفقرات السابقة وهي كما يلي:
سمعاً سمعت أفرايم ينتحب، أدبتني فتأدبت كعجل غير مروض، توّبني فأتوب لأنك أنت الرب إلهي،
لأني بعد رجوعي ندمت وبعد تعلمي صفقت على فخذي خزيتُ وخجلتُ لأني قد حملت عار صباي.
هل أفرايم ابن عزيز لديّ أو ولد مُسِرٌّ لأني كلما تكلمت به أذكره بعد ذكراً من أجل ذلك حنت أحشائي إليه رحمة أرحمه يقول الربّ.
في هذه الفقرات كلام عن أفرايم وأنه ابن عزيز وأنه تعلّم بعد رجوعه وأن الرب رحمه، وهذا دليل على ان النص يتحدث عن سبط افرايم، وليس كما حاول متّى القول انه يتحدث عن قصة قتل هيرودس لأطفال بيت لحم والتي لم يذكرها أي مصدر تاريخي في القرن الأول.
ثم نقرأ الفقرات التالية:
انصبي لنفسك صوىً اجعلي لنفسك أنصاباً اجعلي قلبك نحو السكة الطريق الذي ذهبت فيها إرجعي يا عذراء اسرائيل إرجعي الى مدنك هذه،
حتى متى تطوفين أيتها البنت المرتدة لأن الرب قد خلق شيئاً حديثاً في الارض أُنثى تحيط برجل،
هكذا قال ربّ الجنود إله اسرائيل سيقولون بعد هذه الكلمة في أرض يهوذا وفي مدنها عندما أردّ سبيهم يباركك الرب يا مسكن البر يا أيها الجبل المقدس،
فيسكن فيه يهوذا وكل مدنه معاً الفلاحون والذين يسرحون القطعان،
لأني أرويت النفس المعيبة وملأت كل نفس ذائبة،
على ذلك استيقظت ونظرت ولذّ لي نومي،
ها أيام تأتي يقول الربّ وأزرع بيت اسرائيل وبيت يهوذا بزرع انسان وزرع حيوان،
ويكون كما سهرت عليهم للاقتلاع والهدم والقرض والإهلاك والأذى كذلك أسهر عليهم للبناء والغرس يقول الرب.
في هذه الفقرات يقول الرب أنه سيُرجع اسرائيل الى مدنه بعد السبي وأنهم سيقولون عن الجبل المقدس الرب يباركك يا مسكن البرّ، وهذه الحال لم تكن حال اليهود زمن يسوع سواء زمن ولادته أو في حياته بل كانوا واقعين تحت احتلال الرومان، فهذه الفقرات بالتأكيد تتكلم عن زمن غير زمان يسوع.
ثم نقرأ الفقرة التالية:
في تلك الأيام لا يقولون بَعدُ الآباء أكلوا حصرماً وأسنان الأبناء ضرست،
بل كل واحد يموت بذنبه كل انسان يأكل الحصرم تضرس اسنانه.
هذه الفقرة تؤكد بكل وضوح ان النص لا يتحدث عن زمن يسوع، لانها تبين ان الانسان لا يحمل خطيئة أبيه، ومنذ زمن يسوع بدأ القول ان الانسان يولد بخطيئة أبيه آدم، وأنا هنا لا أُريد الحديث عن الخطيئة الأصلية كعقيدة عند الكنائس المختلفة، ولكن بالتأكيد أن هذه العقيدة تخالف هذه الفقرة مما يبين أن النص الذي اقتبسه متّى لم يتم زمن هيرودس وأنه يتحدث عن أزمان أُخرى.
ثم نقرأ الفقرات التالية:
ها أيام تأتي يقول الربّ وأقطع مع بيت اسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً،
ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأُخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب،
بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت اسرائيل بعد تلك الأيام يقول الربّ أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً،
ولا يُعلمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين اعرفوا الربّ لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم الى كبيرهم يقول الربّ لأني أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد،
هكذا قال الرب الجاعل الشمس للإضاءة نهاراً وفرائض القمر والنجوم للإضاءة ليلاً الزاجر البحر حين تعجّ أمواجه ربّ الجنود اسمه،
إن كانت هذه الفرائض تزول من أمامي يقول الربّ فإن نسل اسرائيل أيضاً يكف من أن يكون أُمّة أمامي كل الأيام،
هكذا قال الرب إن كانت السموات تقاس من فوق وتفحص أساسات الارض من أسفل فإني أنا أيضاً أرفض كل نسل اسرائيل من أجل كل ما عملوه يقول الربّ.
في هذه الفقرات نقرأ عن العهد الجديد الذي سيقطعه الرب مع بيت اسرائيل وبيت يهوذا وهذا العهد يتضمن جعل الشريعة في داخلهم وهم يكونون شعباً له وأنه لن يرفضهم الى الابد، وأن الرب سيصفح عن إثمهم ولا يذكر خطاياهم، وهذه الامور خالفتها الكنائس كلها سواء فيما يختص بالعهد او بكون اليهود هم شعب الربّ او بغفران خطاياهم أو بالالتزام بالشريعة، وهذه المسائل سأُبينها بالتفصيل في كتاب مصادر الاناجيل، وما يهمنا هنا هو ان هذه المخالفة لهذه الفقرات تؤكد ان النص لا يتحدث عن زمن يسوع ولا عن قصة قتل أطفال بيت لحم التي لم يذكرها احد من المؤرخين في ذلك الزمان.
وفي نهاية الاصحاح نقرأ الفقرات التالية:
ها أيام تأتي يقول الربّ وتُبنى المدينة للرب من برج حننئيل الى باب الزاوية،
ويخرج بعد خيط القياس مقابله على أكمة جارب ويستدير الى جوعة،
ويكون كل وادي الجثث والرماد وكل الحقول الى وادي قدرون الى زاوية باب الخيل شرقاً قدساً للرب لا تقلع ولا تهدم الى الأبد.
في هذه الفقرات حديث عن إعادة بناء المدينة المقدسة وهذا القول قيل بعد دمارها نتيجة لغزو البابليين، وهذا تم بعد العودة من السبي في حين انها كانت زمن يسوع واقعة تحت الاحتلال الروماني وبعد فترة تم تدمير الهيكل والمدينة بشكل عام وهو ما يخالف الفقرة الاخيرة التي تقول ان المدينة لا تقلع ولا تهدم الى الابد مما يؤكد ان النص لا يتحدث عن زمن يسوع و لا عن قصة قتل أطفال بيت لحم، من هذه القراءة المتأنية للاصحاحين يتبين لنا أن متّى كان مهتماً بربط قصة حياة يسوع بالعهد القديم حتى لو اضطره الامر لاقتطاع فقرة من سياقها للقول انها تمت في ذلك الوقت.
قصة ولادة يسوع في انجيل لوقا
ذكر لوقا قصة ولادة يسوع في إنجيله وهي كما يلي:
- كان في أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة أبيّا وامرأته من بنات هارون واسمها أليصابات،
وكانا كلاهما بارين أمام الإله سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم،
ولم يكن لهما ولد إذ كانت أليصابات عاقراً وكان كلاهما متقدمين في أيامهما،
فبينما هو يكهن في نوبة فرقته أمام الإله حسب عادة الكهنوت أصابته القرعة أن يدخل الى هيكل الرب ويُبخر،
وكان كل جمهور الشعب يُصلون خارجاً وقت البخور،
فظهر له ملاك الرب واقفاً عن يمين مذبح البخور،
فلما رآه زكريا اضطرب ووقع عليه خوف،
فقال له الملاك لا تخف يا زكريا لأن طلبتك قد سُمعت وامرأتك أليصابات ستلد لك ابناً وتسميه يوحنا،
ويكون لك فرح وابتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته،
لأنه يكون عظيماً أمام الرب وخمراً ومسكراً لا يشرب ومن بطن أُمه يمتلئ من الروح المقدس،
ويردّ كثيرين من بني اسرائيل الى الرب إلههم،
ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليردّ قلوب الآباء الى الأبناء والعصاة الى فكر الابرار لكي يُهيء للرب شعباً مستعداً،
فقال زكريا للملاك كيف أعلم هذا لأني شيخ وامرأتي متقدمة في أيامها،
فأجاب الملاك وقال له أنا جبرائيل الواقف قدام الإله وأُرسلت لأُكلمك وأُبشرك بهذا،
وها أنت تكون صامتاً لا تقدر أن تتكلم الى اليوم الذي يكون فيه هذا لأنك لم تصدق كلامي الذي سيتم في وقته،
وكان الشعب منتظرين زكريا ومتعجبين من إبطائه في الهيكل،
فلما خرج لم يستطع أن يُكلمهم ففهموا أنه قد رأى رؤيا في الهيكل فكان يومئ إليهم وبقي صامتاً،
ولما كملت أيام خدمته مضى الى بيته،
وبعد تلك الأيام حبلت اليصابات امرأته وأخفت نفسها خمسة أشهر قائلة،
هكذا قد فعل بي الرب في الأيام التي فيها نظر إليّ لينزع عاري بين الناس،
وفي الشهر السادس أُرسل جبرائيل الملاك من الإله الى مدينة من الجليل اسمها ناصرة،
إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داوُد اسمه يوسف واسم العذراء مريم،
فدخل إليها الملاك وقال سلام لك أيتها المنعم عليها الرب معك مباركة أنت في النساء،
فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية،
فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الإله،
وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع،
هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داوُد أبيه،
ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية،
فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً،
فأجاب الملاك وقال لها الروح المقدس يحلّ عليك وقوة العليّ تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الإله،
وهو ذا إليصابات نسيبتك هي أيضاً حبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقراً،
لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الإله،
فقالت مريم هو ذا أنا أمة الرب  ليكن لي كقولك، فمضى من عندها الملاك،
فقامت مريم في تلك الايام وذهبت بسرعة الى الجبال الى مدينة يهوذا،
ودخلت بيت زكريا وسلمت على أليصابات،
فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت اليصابات من الروح المقدس، وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة انت في النساء ومباركة ثمرة بطنك،
فمن أين لي هذا أن تأتي أُم ربي إلي،
فهوذا حين صار صوت سلامك في أُذنيّ ارتكض الجنين بابتهاج في بطني،
فطوبى للتي آمنت ان يتم ما قيل لها من قِبل الرب،
فقالت مريم تُعظم نفسي الرب،
وتبتهج روحي بالإله مخلصي،
لأنه نظر إلى اتضاع أمته، فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني،
لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس،
ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه،
صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم،
أنزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين،
أشبع الجياع خيراتٍ وصرف الاغنياء فارغين،
عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة،
كما كلم أبائنا، لإبراهيم ونسله إلى الأبد،
فمكثت مريم عندها نحو ثلاثة أشهر ثم رجعت الى بيتها،
وأما اليصابات فتم زمانها فولدت ابناً،
وسمع جيرانها وأقرباؤها أن الرب عظم رحمته لها ففرحوا معها،
وفي اليوم الثامن جاءوا ليختنوا الصبي وسموه باسم أبيه زكريا،
فأجابت أُمه وقالت لا بل يسمى يوحنا،
فقالوا لها ليس أحد في عشيرتك تسمّى بهذا الاسم،
ثم أومئوا إلى أبيه ماذا يريد أن يُسمّى،
فطلب لوحاً وكتب قائلاً اسمه يوحنا فتعجب الجميع،
وفي الحال انفتح فمه ولسانه وتكلم وبارك الإله،
فوقع خوف على كل جيرانهم وتحدث بهذه الامور جميعها في كل جبال اليهودية،
فأودعها جميع السامعين في قلوبهم قائلين أترى ماذا يكون هذا الصبي وكانت يد الرب معه،
وامتلأ زكريا من الروح المقدس وتنبأ قائلاً مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه،
وأقام لنا قرن خلاص في بيت داوُد فتاه،
كما تكلم بفم أنبيائه القديسين منذ الدهر،
خلاص من أعدائنا ومن أيدي جميع مبغضينا،
ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس،
القسم الذي حلف لإبراهيم أبينا،
أن يعطينا إننا بلا خوف مُنقَذين من أيدي أعدائنا نعبده،
بقداسة وبر قدّامه جميع أيام حياتنا،
وأنت أيها الصبي نبي العلي تدعى لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتُعد طرقه،
لتُعطي شعبه معرفه الخلاص بمغفرة خطاياهم،
بأحشاء رحمة إلهنا التي بها افتقدنا المُشرق من العلاء،
ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام،
أما الصبي فكان ينمو ويتقوى بالروح وكان في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل. (لوقا 1:5-80)
- وفي تلك الأيام صدر أمر من أُوغسطس قيصر بأن يُكتتب كل المسكونة،              
وهذا الاكتتاب الاول جرى إذ كان كيرينيوس والي سورية،
فذهب الجميع ليكتتبوا كل واحد الى مدينته،
فصعد يوسف أيضاً من الجليل من مدينة الناصرة الى اليهودية الى مدينة داوُد التي تدعى بيت لحم لكونه من بيت داوُد وعشيرته،
ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى،
وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد،
فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل. (لوقا 2: 1-7)
في هذين النصين كتب لوقا قصة ولادة يسوع، وأضاف إليها قصة ولادة يوحنا المعمدان، وهذه القصة تضعنا أمام عدة أسئلة حائرة بحاجة الى إجابة حتى نعرف مصداقية ما نقرأه في الاناجيل من قصص وعقائد.
السؤال الاول وهو متعلق بتسمية يوحنا المعمدان باسمه فالنص يقول وفي اليوم الثامن جاءوا ليختنوا الصبي وسموه باسم أبيه زكريا،
فأجابت أُمه وقالت لا بل يسمى يوحنا،
فقالوا لها ليس أحد في عشيرتك تسمّى بهذا الاسم،
ثم أومأوا إلى أبيه ماذا يريد أن يُسمّى،
فطلب لوحاً وكتب قائلاً اسمه يوحنا فتعجب الجميع،
فهل هذه المعلومة صحيحة؟
ان النص يقول أن اليصابات من بنات هاورن وأنها كانت طاعنة في العمر، أي أنها من نسل الكهنة، وتاريخ اليهود القديم يقول ان من المكابيين، وهم من الكهنة، ثلاثة أشخاص على الاقل كانت اسمائهم يوحنا كما هو مذكور في كتاب المكابيين الاول كما في النصوص التالية:
- في تلك الايام خرج من أورشليم متتيا بن يوحنا بن سمعان كاهن من بني يرياريب وسكن في مودين. (المكابيين الاول 2: 1)
- فاختار يهوذا أوبولمس بن يوحنا بن أكوس وياسون بن ألعازر وأرسلهما الى رومية ليعقدا معهم عهد المولاة والمناصرة. (المكابيين الاول 8: 17)
- فصعد يوحنا من جازر وأخبر أباه بما صنع كندباوس. (المكابيين الاول 16: 1)
فهذه النصوص تقول ان اسم يوحنا اطلق على عدة اشخاص من ابناء الكهنة وأليصابات كانت متقدمة في العمر وحكم المكابيين انتهى في القرن الاول قبل ميلاد يسوع أي ان اسم يوحنا كان مشهوراً، وهذا يثير الحيرة في قصة سبب تسمية يوحنا.
السؤال المحيّر الثاني وهو المتعلق بوظيفة يوحنا كما كتبها لوقا في الفقرات التالية:
- لأنه يكون عظيماً أمام الرب وخمراً ومسكراً لا يشرب ومن بطن أُمه يمتلئ من الروح المقدس،
ويردّ كثيرين من بني اسرائيل الى الرب إلههم،
ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليردّ قلوب الآباء الى الأبناء والعصاة الى فكر الابرار لكي يُهيء للرب شعباً مستعداً،
وأنت أيها الصبي نبي العلي تدعى لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتُعد طرقه،
لتُعطي شعبه معرفه الخلاص بمغفرة خطاياهم،
في هذه الفقرات يُشير لوقا الى أن يوحنا جاء مقدمة ليسوع ولتهيئة الطريق قدّامه ولكن قراءة ما كُتبت الاناجيل عن علاقة يوحنا بيسوع لا تدل على هذا الامر كما في النصوص التالية:
- فأخبر يوحنا تلاميذه بهذا كله،
فدعا يوحنا اثنين من تلاميذه وأرسل إلى يسوع قائلاً أنت هو الآتي أم ننتظر آخر،
فلما جاء إليه الرجلان إليه قالا يوحنا المعمدان قد أرسلنا إليك قائلاً أنت هو الآتي أم ننتظر آخر،
وفي تلك الساعة شفى كثيرين من أمراض وأدواء وأرواح شريرة ووهب البصر لعميان كثيرين،
فأجاب يسوع وقال لهما اذهبا وأخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما، ان العُمي يُبصرون والعُرج يمشون والبرص يُطهّرون والصُمّ يسمعون والموتى يقومون والمساكين يُبشَّرون،
وطوبى لمن لا يعثر فيّ. (لوقا 7: 18-23)
في هذا النص والذي كتبه لوقا نفسه نقرأ أن يوحنا لا يعلم صفة يسوع إن كان هو المسيح أم ينتظروا آخر، فإذا كان يوحنا لا يعرف صفة يسوع وهو في السجن أي قبل قتله ببضعة أيام فكيف سيُعدّ الطريق ليسوع؟!
- حينئذ أتى إليه تلاميذ يوحنا قائلين لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيراً وأما تلاميذك فلا يصومون. (متّى 9: 14)
- وكان تلاميذ يوحنا والفريسيين يصومون،
فجاءوا وقالوا له لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفريسيين وأما تلاميذك فلا يصومون. (مرقس 2: 18)
- وقالوا له لماذا يصوم تلاميذ يوحنا كثيراً ويقدمون طلبات وكذلك تلاميذ الفريسيين أيضاً، وأما تلاميذك فيأكلون ويشربون. (لوقا 5: 33)
في هذه النصوص نقرأ أن تلاميذ يوحنا يصومون وأما تلاميذ يسوع فلا يصومون، فكيف سيُعدّ طرق يسوع إذا كان يسوع لا يلتزم بطريقة يوحنا المعمدان؟!
- وإذ كان يصلي في موضع لما فرغ قال واحد من تلاميذه يا رب علمنا أن نصلي كما علم يوحنا أيضاً تلاميذه. (لوقا 11: 1)
في هذا النص نقرأ أن تلاميذ يسوع يطلبون منه أن يُعلمهم طرق يوحنا وليس العكس!
- فحدث فيما كان أبلوس في كورنثوس أن بولس بعدما اجتاز في النواحي العالية جاء إلى أفسس، فإذ وجد تلاميذ قال لهم هل قبلتم الروح المقدس لمّا آمنتم،
قالوا له ولا سمعنا أنه يوجد الروح المقدس،
فقال لهم فبماذا اعتمدتم،
فقالوا بمعمودية يوحنا،
فقال بولس إن يوحنا عمّد بمعمودية التوبة قائلاً للشعب أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده،
أي بالمسيح يسوع،
فلما سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع،
ولما وضع بولس يديه عليهم حلّ الروح المقدس عليهم،
فطفقوا يتكلمون بلغات ويتنبئون. (أعمال الرسل 19: 1-6)
هذا النص يؤكد أن يوحنا المعمدان كان له تلاميذ خاصين به لم يتبعوا يسوع ولم يتعمدوا منه ولا من تلاميذه، وأنهم ظلوا بعد مقتل يوحنا مستقلين في دعوتهم وطريقتهم في الإيمان بالرب وهذا دليل واضح على ان يوحنا المعمدان لم يكن مقدمة ليسوع ولا أنه أعدّ الطرق له.
السؤال المحير الثالث على النص السابق وهو المتعلق بكلام لوقا عن يسوع كما في الفقرات التالية:
وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع،
هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داوُد أبيه،
ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية،
في هذه الفقرات يؤكد لوقا أن يسوع ابن داوُد من ناحية الجسد أو الطبيعة وهذا الامر اذا ثبتت صحته فهو يدل على ان يسوع ليس هو المسيح، لأن يسوع قال ان المسيح ربّ داوُد وليس ابنه كما هو مكتوب في الاناجيل، إضافة ان هذه النبوءة لم تتحقق لأن يسوع لم يأخذ كرسي داوُد ولم يملك على بيت يعقوب ليوم واحد، لا بل ان يسوع رفض ان يجلس على كرسي داوُد كما في النص التالي:
- وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعزن أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً الى الجبل وحده. (يوحنا 6: 15)
بالاضافة الى أن يسوع صرّح بأن مملكته ليست من هذا العالم كما في النص التالي:
- أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أُسلم الى اليهود ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. (يوحنا 18: 36)
فكيف يكتب لوقا هذه الاقوال على لسان الملاك وهي تحمل هذا الكم من المشاكل؟
وأخيراً هناك سؤال محير وهو المتعلق بالحديث عن السيدة مريم كما في الفقرات التالية:
وفي الشهر السادس أُرسل جبرائيل الملاك من الإله الى مدينة من الجليل اسمها ناصرة،
إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داوُد اسمه يوسف واسم العذراء مريم،
وهو ذا إليصابات نسيبتك هي أيضاً حبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقراً،
في هذه الفقرات نجد ان لوقا تجاهل نسب السيدة مريم واكتفى بالقول انها عذراء ومخطوبة لرجل من بيت داوُد وفي الفقرة الاخيرة يصفها بانها نسيبة أليصابات وهذا الامر مثير للحيرة حقاً، إذ اننا نعلم ان اليهود كانوا مهتمين جداً بانسابهم فلماذا تجاهل لوقا نسب السيدة مريم مع انه في انجيله في الاصحاح الثاني يذكر نسباً لسيدة كنت أتمنى لو انه كتب مثله للسيدة مريم وهو كما يلي:
- وكانت نبيّة حنّة بنت فنوئيل من سبط أشير وهي متقدمة في أيام كثيرة قد عاشت مع زوج سبع سنين بعد بكوريتها. (لوقا 2: 32)
ثم يذكر لوقا قصة الرعاة للدلالة  على المعجزة التي حدثت عند ولادة يسوع وهي كما يلي:
قصة الرعاة
- وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم،
وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم فخافوا خوفاً عظيماً،
فقال لهم الملاك لا تخافوا، فها أنا أُبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب،
انه ولد لكم اليوم في مدينة داوُد مخلص هو المسيح الرب،
وهذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمطاً مضجعاً في مذود،
وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الإله وقائلين،
المجد للإله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة،
ولما مضت عنهم الملائكة الى السماء، قال الرجال الرعاة بعضهم لبعض لنذهب الآن إلى بيت لحم وننظر هذا  الأمر الواقع الذي أعلمنا به الرب،
فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعاً في المذود،
فلما رأوه أخبروا بالكلام الذي قيل لهم عن هذا الصبي،
وكل الذين سمعوه تعجبوا مما قيل لهم من الرعاة،
وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها،
ثم رجع الرعاة وهم يمجدون الإله ويسبحونه على كل ما سمعوه ورأوه كما قيل لهم. (لوقا 2: 8-21)
كما ذكر متّى قصة المجوس واعتبرها دليلاً على الإعجاز في ولادة يسوع لغير أب بشري، يذكر لوقا قصة الرعاة للدلالة على معجزة الميلاد، وهى من البساطة بحيث إنها لم تترك لنا مجالا للتعليق عليها أو مناقشتها إلا قول الرعاة عن ملاك الرب انه هو الرب نفسه وهذا يدل على علم هؤلاء الرعاة!
وأما العلامة التي جعلها ملاك الرب، أو بمعنى أدق لوقا، دليلاً على صدق قوله فهذه أتركها للقارئ ليتأمل فيها ويرى عظمة الإعجاز في أن يكون صبي مولوداً حديثاً مُقمّطاً، أو أن يكون موضوعاً في مذود في ذلك الزمان الذي كان أكثر أهله فقراء وتحت عبودية الرومان!
قصة ختان يسوع
- ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبي سُمي يسوع كما تسمى من الملاك قبل أن حُبل به في البطن. (لوقا 2: 21)
هذا النص يطرح سؤالاً محيراً كبيراً عن حقيقة الصفة التي تقدمها الكنائس ليسوع باعتباره الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، إذ أن الختان فُرض على إبراهيم باعتباره علامة للعهد بين الرب وإبراهيم ونسله كما في النص التالي:
- وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهداً أبدياً،
لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك،
وأُعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكاً أبدياً،
وأكون إلههم،
وقال الإله لإبراهيم وأما أنت فتحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم،
هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك،
يُختن منكم كل ذكر،
فتختنون في لحم غرلتكم،
فيكون علامة عهد بيني وبينكم،
ابن ثمانية أيام يُختن منكم كل ذكر في أجيالكم، وليد البيت والمبتاع بفضة من كل ابن غريب ليس من نسلك،
يُختن ختاناً ولي بيتك والمبتاع بفضتك،
فيكون عهدي في لحمكم عهداً أبدياً،
وأما الذكر الأغلف الذي لا يُختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها، انه قد نكث عهدي. (تكوين 17: 7-14)
هذا النص يُبين أن الختان هو عبارة عن علامة للعهد بين الرب وإبراهيم ونسله ومن هنا نجد ان ختان يسوع يكون طبيعياً إذا كان من بني إسرائيل وبالتالي من نسل إبراهيم كما عبر عن ذلك كتبة الأناجيل باعتبار أن يسوع ابن داوُد أو ابن يوسف النجار، مع التحفظ على نسبته لداوُد أو يوسف النجار لعدم صحة النسب كما أوضحت سابقاً.
وأما إن كان يسوع إله وابن إله وأحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس المختلفة، فهنا يقع الإشكال، إذ انه من خلال النص المذكور نجد أن الختان هو علامة بين الرب وإبراهيم ونسله وليس بين الرب وذاته، فكيف حدث هذا وما سببه؟
قد يقول قائل انه ختن وهو طفل صغير ولا يُدرك ما يجري حوله!
وهذا القول يؤكد ان يسوع ليس كما تصفه قوانين الكنائس إذ لو كان هذا صحيحاً لكان يدرك ما يجري حوله، لأن حالة التجسد المادي لا توجب تقيده بحدود المادة، إلا إذا قالوا إن المادة تحكم وتسيطر عليه بقوانينها لا بقوانين الأقانيم الثلاثة لو كانت موجودة، وهذا القول وان هم لا يقولونه علانية إلا أنهم يثبتونه في كثير من القصص والنصوص المبثوثة في الأناجيل وأشهرها قصة المحاكمة والصلب، وما جرى خلالها من ضربه وجلده والبصق عليه ولطمه على وجهه ثم في نهاية الأمر قام أحد الجند بطعنه بحربة في خاصرته ومع هذا لم يستطع أن يُظهر صفته التي يزعمونها له، فمسألة الصغر والكبر وفترة الطفولة وفترة الشباب لا أثر لها فيما يقع معه من أُمور يرفضها ولا يستطيع أن يقاومها ولا أن يُظهر تلك الصفات، لو كانت عنده!
وقبل أن أُنهي الحديث عن ختان يسوع أود أن أستعرض نصاً جاء في إنجيل يوحنا على لسان يسوع لنعرف ما يُخبأ لنا في نصوص الأناجيل من مسائل.
- لهذا أعطاكم موسى الختان،
ليس انه من موسى بل من الآباء. (يوحنا 7: 22)
في هذا النص يقول يسوع إن الختان من الآباء وليس من موسى، مع أن النص الذي في سِفر التكوين يقول إن الختان من الرب وانه علامة على العهد مع إبراهيم ونسله لعبادة الرب وحده، فكيف يقول يسوع إن الختان من الآباء وليس من موسى؟!
قصة تقديم ذبيحة عن يسوع في الهيكل
ثم يذكر لوقا قصة تقديم قربان عن يسوع كما في النص التالي:
ولما تمت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى صعدوا به إلى أُورشليم ليقدّموه للرب، كما هو مكتوب في ناموس الرب ان كل فاتح رحم يُدعى قدُّوساً للرب،
ولكي يقدموا ذبيحة كما قيل في ناموس الرب زوج يمام أو فرخي حمام. (لوقا 2: 22-24)
هذا النص من غرائب النصوص التي كتبها لوقا في إنجيله، وغرائب لوقا كثيرة، فهو في هذا النص يتحدث عن تقديم ذبيحة عن يسوع تنفيذا لناموس الرب ولكنه لم يكتب ما هي الذبيحة التي قدمت، هل هي زوج يمام أو فرخي حمام!
كما أن استشهاده بناموس الرب غير صحيح لأن ناموس الرب لا يقول بتقديم ذبيحة عن بكر الانسان بل يتم فداءه بخمس شواقل كما في النص التالي:
- كل فاتح رحم من كل جسد يُقدمونه للرب، من الناس والبهائم يكون لك غير أنك تقبل فداء بكر الإنسان، وبكر البهيمة النجسة تقبل فداءه،
وفداؤه من ابن شهر تقبله حسب تقويمك خمسة شواقل على شاقل القدس، هو عشرون جيرة،
لكن بكر البقر أو بكر الضأن أو بكر المعز لا تقبل فداءه، إنه قدس،
بل ترش دمه على المذبح وتوقد شحمه وقوداً رائحة سرور للرب،
ولحمه يكون لك كصدر الترديد والساق اليمنى يكون لك،
جميع رفائع الأقداس التي يرفعها بنو اسرائيل للرب أعطيتها لك ولبنيك وبناتك معك حقاً دهرياً،
ميثاق ملح دهرياً أمام الرب لك ولزرعك معك،
وقال الرب لهارون لا تنال نصيباً في أرضهم ولا يكون لك قِسم في وسطهم،
أنا قِسمك ونصيبك في وسط بني اسرائيل. (عدد 18: 15-20)
وهذا أمر غريب ان لا يعرف لوقا ما هو مكتوب في شريعة الرب عن بكر الانسان ولا يُحدد نوع الذبيحة التي قدمت ثم يقول في أول إنجيله أنه تتبع كل شيء بتدقيق، كما في النص التالي:
- رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي عُلمت به. (لوقا 1: 3-4)
فهل جهل لوقا بشريعة بكر الانسان وعدم تحديد الذبيحة يدل على أنه تتبع كل شيء بتدقيق، أو يدل على أن الروح المقدس كان يسوقه وهو يكتب الإنجيل؟!
وقد يقول بعضهم أن هذه الذبيحة قدمت عن مريم تطبيقاً لشريعة تطهير المرأة من دم طمثها كما في النص التالي:
- وكلم الرب موسى قائلاً كلّم بني إسرائيل قائلاً إذا حبلت امرأة وولدت ذكرأً تكون نجسة سبعة أيام، كما في أيام طمث علتها تكون نجسة،
وفي اليوم الثامن يُختن لحم غرلته،
ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يوماً في دم تطهيرها،
كل شيء مقدس لا تمس، والى المقدس لا تجيء حتى تكمل أيام تطهيرها،
وان ولدت أُنثى تكون نجسة أسبوعين كما في طمثها،
ثم تقيم ستة وستين يوماً في دم تطهيرها،
ومتى كملت أيام تطهيرها لأجل ابن أو ابنة تأتي بخروف حوليّ مُحرقة وفرخ حمامة أو يمامة ذبيحة خطية إلى باب خيمة الاجتماع إلى الكاهن، فيقدمها أمام الرب ويكفر عنها فتطهر من ينبوع دمها، هذه شريعة التي تلد ذكراً أو أُنثى،
وان لم تنل يدها كفاية لشاة تأخذ يمامتين أو فرخي حمام، الواحد مُحرقة والآخر ذبيحة خطيئة،
فيكفر عنها الكاهن فتطهر. (لاويين 12: 1-8)
هذه شريعة المرأة التي تلد ذكراً أو أُنثى كما هو مكتوب في الناموس، وبمقارنته مع نص لوقا نجد أنه اقتطع الشريعة ولم يكتبها كاملة، لأن الشريعة تقول بتقديم خروف حولي وفرخ حمامة أو يمامة أولاً وإن لم تنل يد المرأة شاة تأخذ ما كتبه لوقا يمامتين أو فرخي حمام، فهو اقتطع الشريعة ولم يكتبها كاملة، وقد يقول بعض اتباع الكنائس الطيبين أن لوقا كتب الشريعة التي تقدر عليها مريم باعتبار انها كانت فقيرة، وهذا أمر جدير بالملاحظة لولا ما كتبه متّى عن قصة المجوس الذين قدموا ليسوع ذهباً ومُرّا ولباناً، مما يجعل مريم قادرة على ان تقدم الخروف الحولي هذا اذا كان ما كتبه متّى عن المجوس صحيحاً.
- فلما رأوا النجم فرحوا فرحاً عظيماً جداً، وأتوا الى البيت ورأوا الصبي فخرّوا وسجدوا له،
ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهباً ولباناً ومرّاً. (متّى 2: 10-11)
كما أننا نجد مسألة مهمة في هذه القصة عند مقارنتها بقصة متّى، وهي قول لوقا ان يوسف ومريم ويسوع بقوا في بيت لحم حتى تمت أيام تطهير مريم حسب الشريعة وهذه المدة تبلغ أربعين يوماً ومن ثم ذهبوا إلى أُورشليم ليُقدموا يسوع للرب ويقدموا هناك ذبيحة ثم عادوا الى الجليل، وكانوا يأتون كل عام الى أُورشليم للإحتفال بالأعياد حتى بلغ يسوع الثانية عشرة من عمره، في حين أن متّى يقول انه بعد ولادة يسوع ومجيء المجوس أمر الرب يوسف أن يهرب هو ومريم والصبي إلى مصر، فذهبوا إلى مصر وبقوا حتى مات هيرودس ثم عاد يوسف ومريم والصبي وقيل له اذهب إلى أرض إسرائيل فذهب، ولكن لما علم يوسف أن ارخيلاوس يملك على اليهودية خاف، ثم جاءه الملاك في حلم وأخبره بان يذهب إلى الناصرة في الجليل، أي إن يوسف ومريم لم يذهبا إلى أُورشليم بل ذهبوا إلى مصر، لا بل هربوا وهذا يدل على الاستعجال، فهم في عجلة من أمرهم لأن هيرودس غضب جداً وقتل الأطفال في بيت لحم كما يقول متّى، ثم عندما عاد يوسف ومريم والصبي ذهبوا إلى الناصرة.
إذاً نحن الآن بين أيدينا قصتين تتحدثان عن فترة زمنية واحدة، الأولى تقول إن يوسف ومريم والصبي ذهبوا هرباً إلى مصر وعندما عادوا ذهب يوسف ومريم والصبي إلى الناصرة.
والثانية تقول أنهم بقوا في بيت لحم وبعد ثمانية أيام سموه يسوع ولما تمت أيام تطهير مريم، أي بعد أربعين يوماً، ذهبوا بالصبي إلى أُورشليم وقدموه للرب وقدموا ذبيحة لأنه البكر ثم ذهبوا الى الجليل، فمن نصدق متّى أم لوقا؟!
كما أن قصة لوقا تنقض كل قوانين إيمان الكنائس المختلفة منذ مجمع نيقية الذي انعقد سنة 325 بعد الميلاد إلى يومنا هذا، إذ أجمعت هذه القوانين على اعتبار أن يسوع هو إله وابن إله وأحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، فكيف يُقدَّمْ يسوع لنفسه، لو كان ما تقوله تلك القوانين صحيحاً، إلا إذا اعتبرنا أن هذه الأقانيم الثلاثة الحالة في جسد يسوع ليس لها علاقة بالرب خالق السموات والأرض إلا علاقة الخضوع والاستسلام لأوامره، لهذا فهي بحاجة لتُقدّم للرب ويُذبح عنها ذبيحة خطيئة كما أمر الرب في شريعة موسى؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق