الجمعة، 23 يناير 2015

الفصل الثالث: تعاليم ووصايا يسوع: وصايا يسوع بعدم دعوة غير اليهود ومنع الطلاق وخصي أتباعه لأنفسهم ومنع الحلف

الفصل الثالث: تعاليم يسوع ووصاياه
لا تتحدث الكنائس عن تعاليم يسوع كثيراً باستثناء دعوته للمحبة والسلام، وهذا أمر مستغرب لأن الأناجيل مليئة بالتعاليم في شتى المجالات، وفي هذا الفصل قمت بجمع أكبر عدد منها ودراستها، لنرى حقيقة هذه التعاليم من عدة جوانب، الأول مدى توافق هذه التعاليم مع أقوال يسوع نفسه، والثاني مدى توافق تعاليمه مع الحياة الإنسانية، والثالث مدى توافقها مع ما تقوله الكنائس من أن يسوع هو مُخلص البشرية، والرابع مدى توافق هذه التعاليم مع الصفة التي تقدمه بها الكنائس باعتباره الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، والخامس مدى توافقها مع شرائع العهد القديم وهو القائل ما جئت لأنقض الناموس بل لأُكمل وأخيراً مدى التزام الكنائس بهذه التعاليم.
يقول يسوع أن من يؤمن به ولو مثل حبة خردل فإنه يستطيع عمل المعجزات، ومنها الطلب من الشجر الإنغراس في البحر، كما في النص التالي:
- فقال الرسل للرب زد إيماننا،
فقال الرب لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذه الجميزة انقلعي وانغرسي في البحر فتطيعكم. (لوقا 17: 5-6)
وهذا الأمر لا يحدث مع أتباع الكنائس، ولم يحدث، فما هو السبب في عدم طاعة الشجر لهم بالإنغراس في البحر؟
 هل هو عدم صحة هذا النص، أم لأن إيمان تلاميذه وأتباع الكنائس أقل من حبة خردل؟!
الكنائس تقول ان هذا النص صحيح، إذاً فلا يبقى سوى القول أن إيمان التلاميذ وأتباع الكنائس أقل من حبة خردل! وهذا القول يطرح سؤالاً كبيراً وهو لماذا يكون إيمان الكنائس المختلفة وأتباعها أقل من حبة الخردل، هل لأنهم راضون بقلة الإيمان، أم لأن الإيمان الذي جاء به يسوع صعب ولا يمكن تحقيقه؟
وللإجابة على هذا السؤال لا بدّ من دراسة معنى الإيمان كما بينه يسوع في الأناجيل حتى نعلم إن كانت الكنائس المختلفة تلتزم بهذا الإيمان أم لا.
- ولماذا تدعونني يا رب يا رب وأنتم لا تفعلون ما أقوله،
كل من يأتي اليّ ويسمع كلامي ويعمل به أُريكم ما يشبه، يشبه انساناً بنى بيتاً وحفر وعمّق ووضع الأساس على الصخر، فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت فلم يقدر أن يزعزعه لأنه كان مؤسساً على الصخر، وأما الذي يسمع كلامي ولا يعمل به فيشبه انساناً بنى بيته على الأرض من دون أساس، فصدمه النهر فسقط حالاً وكان خراب ذلك البيت عظيماً. (لوقا 6: 46-49)
في هذا النص نقرأ استنكار يسوع لمن يدعوه رباً وهو لا يفعل ما يقوله، ويضرب مثلاً لمن يسمع كلامه ولا يعمل به ومن يسمع كلامه ويعمل به، فحقيقة الإيمان هي العمل بكلامه، وليس الإدعاء فقط، ويبين هذا الأمر بصورة جلية في النص التالي:
- ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل مملكة السماء،
بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماء،
كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا الشياطين وباسمك صنعنا قوّات كثيرة،
فحينئذ أصرّح لهم أني لم أعرفكم قط،
اذهبوا عني يا فاعلي الإثم. (متّى 7: 21-23)
فليس كل من يقول ليسوع يا رب يدخل مملكته، وإن عمل المعجزات وأخرج الشياطين باسمه، وصنع المعجزات باسمه، وتنبأ باسمه، مع أن نبوءات يسوع نفسه لم تتحقق، بل من يفعل ما يريده أبوه الذي في السماء!
فماذا يريد أب يسوع من الكنائس المختلفة وأتباعها حتى يُدخلهم في مملكة يسوع، وماذا يريد يسوع من الكنائس وأتباعها كي يقبلهم في مملكته؟
تخبرنا الأناجيل أن أبا يسوع تكلم بجملتين فقط، إحداهما في النص التالي:
- وفيما هو يتكلم إذا سحابة نيرة ظللتهم وصوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا،
ولما سمع التلاميذ سقطوا على وجوههم وخافوا جداً،
فجاء يسوع ولمسهم وقال قوموا ولا تخافوا،
فرفعوا أعينهم ولم يروا أحداً الا يسوع وحده. (متّى 17: 5-8)
في هذا النص يطلب أبو يسوع من التلاميذ والكنائس المختلفة أن يسمعوا ليسوع، ولا يوجد كلام لأب يسوع في الأناجيل الأربعة سوى هذه الجملة، والتي قالها أيضاً بعد تعميد يوحنا المعمدان ليسوع في نهر الأردن أول كرازته، ولكن دون قول اسمعوا له، وجملة ثانية مجّدت وأُمجد (يوحنا 12: 28)
وهذا الطلب بالسماع ليسوع يتطلب دراسة كلام يسوع وصفاته.
فما هي صفات كلام يسوع، وبماذا وصف يسوع من يسمع كلامه وينفذ إرادته وإرادة أبيه، وماذا طلب يسوع من تلاميذه ومن الكنائس؟
لقد وصف يسوع كلامه في عدة مواضع في الأناجيل ومنها النصوص التالية:
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. (متى 24: 35)
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. (مرقس 13: 31) 
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. (لوقا 21: 23)
وقال في وصف كلامه أيضاً:
- إن لي أُموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم،
ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن،
واما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأُمور آتية،
ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويُخبركم. (يوحنا 16: 12-14)
- واما المعزي الروح المقدس الذي سيرسله الاب باسمي فهو يُعلّمكم كل شيء ويُذكركم بكل ما قلته لكم. (يوحنا 14: 25)
وهنا لن أتحدث عن المعزي إن كان قد جاء أم لا، ولا في أي كنيسة هو ماكث، ولكننا نلاحظ أن يسوع وصف كلامه بأنه حق.
ووصف يسوع كلام أبيه بأنه حق، كما في النص التالي:
- قدسهم في حقك، كلامك هو حق. (يوحنا 17: 17)
كما أن بطرس وصف كلام يسوع بأنه كلام الحياة الأبدية كما في النص التالي:
- فقال يسوع للاثني عشر ألعلكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا،
فأجابه سمعان بطرس يا رب إلى من نذهب،
كلام الحياة الأبدية عندك. (يوحنا 6: 67-58)
من هذه النصوص نخلص إلى أن كلام يسوع وأبيه هو كلام حق وكلام الحياة الأبدية.
وأما بماذا وصف يسوع من يسمع كلامه فهذا يجيب عليه يسوع في النصوص التالية:
- وفيما هو يُكلم الجموع إذا أمه وإخوته قد وقفوا خارجاً طالبين أن يُكلموه،
فقال له واحد هو ذا أُمك وإخوتك واقفون خارجاً طالبين أن يُكلموك،
فأجاب وقال للقائل له من هي أُمي ومن هم إخوتي،
ثم مد يده نحو تلاميذه وقال ها أُمي وإخوتي، لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماء هو أخي وأختي وأمي. (متّى 12: 46-50)
- فجاءت حينئذ إخوته وأُمه ووقفوا خارجاً وأرسلوا إليه يدعونه،
وكان الجمع جالساً حوله فقالوا له هو ذا أُمك وإخوتك خارجاً يطلبونك،
فأجابهم قائلاً من أُمي وإخوتي،
ثم نظر حوله إلى الجالسين وقال ها أُمي وإخوتي،
لان من يصنع مشيئة الإله هو أخي وأُختي وأُمي. (مرقس 3: 31-35)
- وجاء اليه أُمه واخوته ولم يقدروا أن يصلوا اليه لسبب الجمع،
فاخبروه قائلين أُمك واخوتك واقفون خارجاً يريدون ان يروك،
فأجاب وقال لهم أُمي واخوتي هم الذين يسمعون كلمة الإله ويعملون بها. (لوقا 8: 19-21)
في هذه النصوص يصف يسوع من يسمع كلام الإله ويصنع مشيئة أب يسوع أنهم أُمه وإخوته وأخواته.
كما وصف يسوع التلاميذ والكنائس بأنهم ملح الأرض ونور العالم فقال:
- أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح فبماذا يُملح لا يصلح بعد لشيء إلا أن يطرح ويُداس من الناس. (متّى 5: 13)
- أنتم نور العالم،
لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل، ولا يُوقدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت،
فليُضئ نوركم قدّام العالم، لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجّدوا أباكم الذي في السماء. (متّى 5: 14-16)
ووصفهم بأنهم خِرافه التي تسمع صوته، وسماع صوته تعبير عن العمل بما أمرهم به، كما في النص التالي:
- خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني،
وأنا أُعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد،
ولا يخطفها أحد من يدي. (يوحنا 10: 27-28)
واعتبرهم في قول آخر أنهم رُسُله الذين اختارهم ليُبلغوا أقوله إلى العالم:
- ولمّا كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سماهم أيضاً رُسلاً. (لوقا 6: 13)
- كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم،
ولأجلهم أُقدس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضاً مقدسين في الحق. (يوحنا 17: 18)
ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم،
لكي يُعطيكم الأب كل ما طلبتم باسمي،
بهذا أُوصيكم حتى تُحبوا بعضكم بعضاً. (يوحنا 15: 16-17)
وقال عنهم أنهم خاصته وانه يضع نفسه على الصليب من أجلهم وأنه جاء ليخدمهم، مع أنه الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس المختلفة، كما في النصين التاليين:
- أما أنا فاني الراعي الصالح وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني،
كما أن الأب يعرفني وأنا أعرف الأب،
وأنا أضع نفسي عن الخراف. (يوحنا 10: 14-15)
- لأن ابن الانسان أيضاً لم يأت ليُخدم بل ليَخدم وليَبذل نفسه فِدية عن كثيرين. (مرقس 10: 45)
وهذا ما تقوله كل الكنائس المختلفة أن يسوع صُلب من أجلها.
وأعطاهم مملكة أبيه، فقال:
- ورفع عينيه إلى تلاميذه وقال طوباكم ايها المساكين لأن لكم مملكة الإله. (لوقا 6: 20)
وأعطاهم القدرة على فعل كل المعجزات التي عملها هو وأعظم منها، فقال:
- الحق الحق اقول لكم من يؤمن بي فالاعمال التي انا اعملها يعملها هو ايضاً، ويعمل أعظم منها لأني ماض إلى أبي،
ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجد الأب بالابن،
ان سألتم شيئاً باسمي فإني أفعله. (يوحنا 14: 12-14)
وهذه الآيات تتبع المؤمنين،
يُخرجون الشياطين باسمي،
ويتكلمون بالسنة جديدة،
ويحملون حيّات وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم،
ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون. (مرقس 16: 17-18)
- وفيما انتم ذاهبون اكرزوا قائلين انه قد اقتربت مملكة السماء،
اشفوا مرضى،
طهروا برصاً، أقيموا موتى، أخرجوا شياطين. (متّى 10: 7-8)
هذه الصفات التي وصف يسوع بها من آمن به والقدرات التي وَعَد بإعطائها لهم  كانت مشروطة بعدة شروط منها العمل بوصاياه وأقواله، كما في النص الأول، وسماع أقواله كما قال أبوه في النص الثاني اسمعوا له، وكما قال هو في نص آخر ان خرافه تسمع صوته وتتبعه، وصوته يعني كلامه الذي سمعه من أبيه كما في النص التالي:
- لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي. (يوحنا 15: 15)
وسماع صوته وكلامه ليس فقط بالأُذن، بل بالعمل به والمحافظة عليه، كما في النصوص التالية:
- أنا الكرمة وأنتم الأغصان، الذي يثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً،
إن كان أحد لا يثبت فيّ يُطرح خارجاً كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق،
إن ثبتم فيّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم،
بهذا يتمجد أبي أن تأتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي،
كما أحبني الأب أحببتكم أنا، اثبتوا في محبتي،
إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته،
كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم. (يوحنا 15: 5-11)
- هذه هي وصيتي لكم أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم،
ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه،
أنتم أحبائي ان فعلتم ما أُوصيكم به،
لا أعود أُسميكم عبيداً لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده،
لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي. (يوحنا 15: 12-15)
الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يُحبني. (يوحنا 14: 21)
- أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم،
كانوا لك وأعطيتهم لي،
وقد حفظوا كلامك،
والآن علموا أن كل ما أعطيتني هو من عندك،
لأن الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم. (يوحنا 17: 6-8)
في هذه النصوص نقرأ أن يسوع يطلب ممن يؤمن به أن يَثبُت كلامه فيه، وهذا الثبات يكون بحفظ وصاياه وفعلها والعمل بها، فان هم قاموا بذلك فإنهم يأتون بثمر كثير ويكون لهم ما يريدون، ويكونون أحباء وتلاميذ له.
فعدم ظهور الصفات التي وعد يسوع بها التلاميذ والكنائس المختلفة وخاصة القدرة على أمْر الشجر بالإنقلاع من الأرض والإنغراس في البحر، وإحياء الموتى وغيرهما، يدل على أحد أمرين، إما أنهم لم يحفظوا كلامه ويعملوا بوصاياه، أو أن هذه الوصايا غير قابلة للتنفيذ وليست صحيحة، فما هي كلمات يسوع ووصاياه التي إن فعلها أحد يكون تلميذاً له، ويتحقق له ما وعده يسوع؟
وصية يسوع بعدم دعوة غير اليهود
- هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً،
إلى طريق أمم لا تمضوا والى مدينة للسامريين لا تدخلوا،
بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. (متّى 10: 5-6)
- ثم خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيداء،
وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة،
ارحمني يا سيد  يا ابن داوُد، ابنتي مجنونة جداً،
فلم يجبها بكلمة،
فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين اصرفها لأنها تصيح وراءنا،
فأجاب وقال لم أُرسل الا الى خراف بيت اسرائيل الضالة،
فأتت وسجدت له قائلة يا سيد أعني،
فأجاب وقال ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب،
فقالت نعم يا سيد، والكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها،
حينئذ أجاب يسوع وقال لها يا امرأة عظيم إيمانك،
ليكن لك كما تريدين. فشفيت ابنتها من تلك الساعة. (متّى 15: 21-28)
- ثم قام من هناك ومضى إلى تخوم صور وصيداء،
ودخل بيت وهو يريد أن لا يعلم احد،
فلم يقدر أن يختفي،
لان امرأة كان بابنتها روح نجس سمعت به فأتت وخرّت عند قدميه،
وكانت المرأة أممية وفي جنسها فينيقية سورية، فسألته أن يخرج الشيطان من ابنتها،
وأما يسوع فقال لها دعي البنين أولا يشبعون،
لأنه ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب،
فأجابت وقالت له نعم يا سيد،
والكلاب أيضاً تحت المائدة تأكل من فتات البنين،
فقال لها لأجل هذه الكلمة اذهبي، قد خرج الشيطان من ابنتك. (مرقس 7: 24-29)
في هذه النصوص يأمر ويوصي يسوع تلاميذه أن لا يمضوا ولا يسيروا في طرق الأُمم وقال لهم بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة.
وتطبيقاً منه لهذه الوصية رفض في بادئ الأمر أن يشفي ابنة المرأة الكنعانية وابنة المرأة الفينيقية وقال انه لم يُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة.
كما انه كان مطبقاً وملتزماً بهذه الوصية طوال كرازته وتبشيره فهو لم يتوجه إلى الأُمم ولو لمرة واحدة ليكرز بينهم حتى انه خلال المحاكمة رفض أن يُجيب على أسئلة بيلاطس وهيرودس!
وصية يسوع بمنع الطلاق
- وجاء إليه الفريسيون ليُجربوه قائلين له هل يحلّ للرجل أن يُطلق امرأته لكل سبب،
فأجاب وقال لهم أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأُنثى وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأُمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً،
إذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد، فالذي جمعه الإله لا يُفرقه إنسان،
قالوا له فلماذا أوصى موسى أن يُعطى كتاب طلاق فتطلق،
قال لهم إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذِن لكم أن تطلقوا نساءكم،
ولكن من البدء لم يكن هكذا،
وأقول لكم إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأُخرى يزني،
والذي يتزوج بمطلقة يزني،
قال له تلاميذه إن كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يُوافق أن يتزوج،
فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أُعطي لهم،
لأنه يُوجد خصيان وُلدوا هكذا من بطون أُمهاتهم ويُوجد خصيان خصاهم الناس ويُوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل مملكة السماء،
من استطاع أن يقبل فليقبل. (متّى 19: 3-12)
- فتقدم الفريسيون وسألوه هل يحل للرجل أن يُطلق امرأته ليُجرّبوه،
فأجاب وقال لهم بماذا أوصاكم موسى،
فقالوا موسى أذِنَ أن يُكتب كتاب طلاق فتطلق،
فأجاب يسوع وقال لهم من أجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية،
ولكن من بدء الخليقة ذكراً وأُنثى خلقهما الإله،
من أجل هذا يترك الرجل أباه وأُمه ويلتصق بامرأته،
ويكون الاثنان جسداً واحداً، إذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد،
فالذي جمعه الإله لا يُفرقه إنسان. (مرقس 10: 2-9)
- وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق،
وأما أنا فأقول لكم ان من طلق امرأته الا لعلة الزنى يجعلها تزني،
ومن يتزوج مطلقة فانه يزني. (متّى 5: 31-32)
- وكان الفريسيون أيضاً يسمعون هذا كله وهم محبون للمال فاستهزأوا به، فقال لهم انتم الذين تبررون أنفسكم قدّام، ولكن الإله يعرف قلوبكم،
ان المستعلي هو رجس قدّام الإله،
كان الناموس والانبياء الى يوحنا، ومن ذلك الوقت يُبشر بمملكة الاله وكل واحد يغتصب نفسه اليها،
ولكن زوال السماء والارض أيسر من ان تسقط نقطة واحدة من الناموس،
كل من يطلق امرأته ويتزوج بأُخرى يزني،
وكل من يتزوج بمطلقة من رجل يزني. (لوقا 16: 14-18)
في هذه النصوص يمنع يسوع الطلاق إلا لعلة الزنا، ويقول ان من طلق امرأته يجعلها تزني ومن يتزوج بمطلقة فانه يزني، وكان من نتائج هذه الوصية منع الكنائس لتعدد الزوجات، كما أنه قام بتفسير وتعليل للسبب الذي من أجله منع الطلاق، وهنا سنناقش هذا التفسير والتعليل لنعلم إن كانت هذه الوصية تتوافق وتتطابق مع باقي وصاياه وأقواله أم تتناقض مع الكثير منها.
في النص الأخير يقول يسوع ان زوال السماء والأرض أيسر من سقوط نقطة واحدة من الناموس ثم يكمل كلامه فيقول ان كل من يطلق امرأته ويتزوج بأُخرى يزني وكل من يتزوج بمطلقة يزني.
وهذه الفقرة لو قيل لإنسان أن يكتب جملتين في فقرة واحدة في غاية التناقض ما استطاع أن يكتب أفضل مما كتب لوقا على لسان يسوع، إذ يقول ان زوال السماء والأرض أيسر من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس ثم يتبعها بالقول ان كل من يطلق امرأته ويتزوج بأُخرى يزني وكل من يتزوج بمطلقة من رجل يزني!
وهذا أمر غريب من لوقا ان يكتب هذه الفقرة على لسان يسوع ويجمع هذه التناقضات، فالطلاق من شرائع موسى الثابتة وبالتالي فهو ينطبق عليه قول يسوع إن زوال السماء والأرض أيسر من سقوط نقطة واحدة من الناموس، فكيف نوفق بين هذه الشريعة الثابتة أكثر من السماء والأرض وبين منعه الطلاق؟
فإما أن يقولوا أن شريعة الطلاق قد زالت وبالتالي ليس نقطة واحدة فقط زالت من الناموس بل شريعة كاملة، أو يقولوا إن منعه الطلاق كان خطأ حتى لا تزول نقاط وحروف وشرائع من الناموس والسماء والأرض باقيتان!
فكيف السبيل للخروج من هذه التناقضات ونحن أمام أقوال يستحيل القول بأحدها دون نقض الآخر؟
وكيف تستطيع الكنائس الجمع بين منع الطلاق والأقوال التي تتحدث عن التزام يسوع بكل ما في الناموس، كما في النص التالي:
- حينئذ خاطب يسوع الجموع وتلاميذه قائلاً على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه، ولكن بحسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون. (متّى 23: 1-3)
وأما قول يسوع إن موسى من أجل قسوة قلوب بني إسرائيل كتب لهم هذه الوصية، وفي النص الثاني من أجل قسوة قلوبهم أَذِن لهم أن يُطلقوا نساءهم، فهذان القولان أكثر غرابة من قوله السابق، إذ ان يسوع يقول أن موسى أَذِن لهم بالطلاق لقسوة قلوبهم وهذا يعني أن موسى أخفى جزء من شريعته ولم يُعلنها لبني إسرائيل، بل أمرهم بشريعة لم توح إليه حتى أوقعهم بالزنا من أجل قسوة قلوبهم!
وهذا يتناقض مع وظيفة الرسل أصلاً، إذ أن الرسل يُرسَلون عادة لأقوام بعيدين عن منهج الرب وهذا البعد يورثهم قسوة القلوب ويكون من وظائف الرسل أن يُعيدوا أقوامهم إلى منهج الرب حتى تزول قسوة قلوبهم، وهو ما قاله يسوع نفسه من أنه لم يأت ليدعو أبراراً بل خطاة، أما كما فسر السبب في وجود شريعة الطلاق فهو نقض لوظيفة موسى، إذ ان موسى أُرسل كي يُبين منهج الرب وليس لأن يُوقع قومه في الزنا بالسماح لهم بالطلاق وهو غير مسموح لهم فعله.
فهل يستطيع موسى أو غيره من الرسل أن يكتب شيئاً في الناموس برأيه ودون أمر من الرب؟
وإذا كان هذا ممكناً فمن سيحدد الشرائع التي في الناموس أيها التي من الرب وأيها التي كتبها موسى من أجل قسوة قلوب بني إسرائيل، وخاصة أن يسوع قال إن زوال السماء والأرض أيسر من سقوط نقطة واحدة منه، وقوله لتلاميذه إن كل ما قاله الكتبة والفريسيين عليهم أن يحفظوه ويعملوا به؟!
ثم يقول إن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأُنثى وقال لهم من أجل هذا يترك الرجل أباه وأُمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً لذا فهما ليسا بعد اثنين بل جسد واحد، فالذي جمعه الإله لا يفرقه إنسان، ويقول في النص الثاني ولكن من بدء الخليقة ذكراً وأُنثى خلقهما الإله من أجل هذا يترك الرجل أباه وأُمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً إذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد فالذي يجمعه الإله لا يفرقه إنسان.
وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال وهو إذا كان الإله قد خلق الرجل والمرأة جسداً واحداً فمن يستطيع أن يفرقهما، وإذا حاول أحد التفريق بينهما ألا يُعتبر هذا خارجاً على أمر الرب وشرائعه؟
وهذا الحكم يكون بحق موسى بحسب قول يسوع لأنه كتب شريعة الطلاق والرب لم يأمره بها!
وإذا كان الرب خلقهما من البدء جسداً واحداً فلماذا سمح لإبراهيم وإسحاق ويعقوب وداوُد وسليمان بتعدد الزوجات؟
هل كان هؤلاء قساة القلوب لهذا سمح لهم بتعدد الزوجات كي يقعوا في الزنا وهذا بحسب كلام يسوع والأناجيل؟!
ثم إن هذا الكلام عن الجسد الواحد يناقض العقل والواقع، إذ أن الرجل والمرأة جسدان مختلفان، سواء في الكيان، إذ هما منفصلان، أو في الناحية الطبيعية فجسد الرجل غير جسد المرأة في كثير من الوظائف كالحمل والرضاعة وغيرهما من الوظائف، وإذا كان كلامه صحيحاً فما هو الفرق بين جسد المرأة كزوجة وجسدها كأُم أو ابنة أو أُخت؟
فلو قال إنهما روح واحدة لكان أقرب للعقل وللتصديق، أما أن يقول إنهما جسد واحد فهذا مشكل من عدة أوجه.
أولاً لأنه يمكن للرجل أن يتزوج من امرأة فتموت، فيتزوج من ثانية وهنا نحصل على جسد له ثلاثة مكونات رجل وامرأتان، فكيف سيصبح هؤلاء الثلاثة جسداً واحداً؟!
وهكذا يتزوج الرجل المرّة تلو الأُخرى حتى نحصل على جسد مكون من عشرة أجزاء فكيف يقول إن الرجل المرأة من البدء خُلقا جسد واحد؟!
وكذلك هناك من يُخلق ويموت دون أن يتزوج فهل هذا يُعتبر نصف جسد؟!
ثم الرجل الذي تزني امرأته وهو لا يعلم هل يكونان جسداً واحداً أم نصف جسد طالما أنهما من البدء خلقا جسد واحد؟
وكذلك الرجل الذي زنت زوجته وطلقها ولم يتزوج هل يبقى جسده كاملاً أم يفقد نصف جسده؟
وأما قوله الذي يجمعه الإله لا يفرقه إنسان، فهذا غير صحيح لأنه يتناقض مع شريعة إباحة الطلاق التي اعطاها الرب لموسى، فلو كان صحيحاً لمنع الطلاق وتعدد الزوجات في كل الشرائع السابقة ولما سمح لموسى ولا لغيره من الأنبياء السابقين بالسماح بالطلاق وتعدد الزوجات، وأما ما فهمه كتبة الأناجيل، أو يسوع، من نص العهد القديم الذي اقتبسوه فهو ليس صحيحاً، كما حدث معهم في كثير من النصوص التي استشهدوا بها من العهد القديم وقالوا أنها تتحدث عن يسوع، وتبين لنا أنها لا تتحدث عن يسوع لا من قريب ولا بعيد عند مناقشتها سابقاً، كقصة عمانوئيل وابن داوُد وغيرهما، وهنا أود التذكير بقول قاله يسوع وهو تضلون اذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الإله. (متّى 22: 29)
ونتيجة لهذه الوصية قامت الكنائس المختلفة بمنع تعدد الزوجات مخالفة بهذا الفعل وصية الناموس التي تسمح به، ومتناسية عشرات النصوص التي تتحدث عن أنبياء تزوجوا بأكثر من امرأة ومنهم الذين اعتبرتهم الكنائس وكتبة الأناجيل أنهم آباء يسوع، وهنا سأذكر بعض النصوص التي تتحدث عن هذا الأمر:
وان اتخذ لنفسه أخرى لا ينقص طعامها وكسوتها ومعاشرتها. (خروج 21: 10)
في هذا النص دليل على أن تعدد الزوجات مسموح به في الشريعة التي نزلت على موسى.
- اذا كان لرجل امرأتان احداهما محبوبة والاخرى مكروهة. (التثنية 21: 15-17)
وهذا النص يتحدث عن السماح بتعدد الزوجات أيضاً.
يعقوب تزوج ليئة وراحيل وجاريتاهما زلفة وبلهة. (تكوين الاصحاح 29)
ثم اخذ داوُد اخينوعم من يزرعيل فكانتا له كلتاهما امرأتين. (صموئيل الاول 25: 43)
- وأحب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون موآبيات وعمونيات وأدوميات وصيدونيات وحثيات من الامم الذين قال عنهم الرب لبني اسرائيل لا تدخلون اليهم وهم لا يدخلون اليكم لانهم يميلون قلوبكم وراء آلهمهم،
فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة،
وكانت له سبع مئة من النساء السيدات وثلاث مئة من السراري،
فأمالت نساؤه قلبه وكان في زمان شيخوخة سليمان ان نساؤه أملن قلبه وراء آلهة اخرى ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب الهه كقلب داوُد ابيه. (الملوك الاول 11: 1-4)
- واحب رحبعام معكة بنت ابشالوم اكثر من جميع نسائه وسراريه،
لانه اتخذ ثماني عشرة امرأة وستين سرية. (أخبار الايام الثاني 11: 21)
فهذه نصوص تدل على أن تعدد الزوجات كان مسموحاً به للناس وان الطلاق كان من شرائع الناموس التي نزلت على موسى.
كما أن يسوع وعد تلاميذه بعشرات الزوجات في الدنيا، مما يثير مشكلة مع هذه الوصية كما في النصوص التالية:
- فأجاب بطرس حينئذ وقال له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا،
فقال لهم يسوع الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر،
وكل من ترك بيوتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو إماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً من أجل اسمي،
يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية. (متّى 19: 27-29)
وابتدأ بطرس يقول له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك،
فأجاب يسوع وقال الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أُماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً لأجلي ولأجل الإنجيل، إلا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتاً وإخوة وأخوات وأُمهات وأولاداً وحقولاً مع اضطهادات،
وفي الدهر الأتي الحياة الأبدية. (مرقس 10: 28-30)
- فقال بطرس ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك،
فقال لهم الحق أقول لكم إن ليس أحد ترك بيتاً أو والِدَين أو إخوة أو امرأة أو أولاداً من أجل مملكة الإله، إلا ويأخذ في هذا الزمان أضعافاً كثيرة،
وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية. (لوقا 18: 28-30)
فها هو يسوع يعد التلاميذ وأتباعهم بحصولهم على مائة زوجة مقابل الزوجة التي يتركونها من أجله ومن أجل الإنجيل في هذه الحياة، فكيف منعت الكنائس تعدد الزوجات في حين أن يسوع يعدهم بعشرات الزوجات؟!
كما أن يسوع شبّه مملكته بالرجل الذي تزوج بعشرة نساء، كما في النص التالي:
- حينئذ تشبه مملكة السماء عشر عذارى أخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس، وكان خمس منهن حكيمات وخمس جاهلات،
أما الجاهلات فأخذن مصابيحهن ولم يأخذن معهن زيتاً، وأما الحكيمات فأخذن زيتاً في آنيتهن مع مصابيحهن، وفيما أبطأ العريس نعِسن جميعهن ونِمن،
ففي منتصف الليل صار صراخ هو ذا العريس مُقبل فاخرجن للقائه،
فقامت جميع أُولئك العذارى وأصلحن مصابيحهن، فقالت الجاهلات للحكيمات أعطيننا من زيتكن فإن مصابيحنا تنطفئ،
فأجابت الحكيمات قائلات لعله لا يكفي لنا، ولكن بل اذهبن الى الباعة وابتعن لكنّ، وفيما هن ذاهبات ليبتعن جاء العريس والمستعدات دخلن معه الى العرس وأُغلق الباب،
أخيراً جاءت بقية العذارى أيضاً قائلات يا سيد يا سيد افتح لنا،
فأجاب وقال الحق أقول لكنّ إني ما أعرفكن،
فاسهروا إذاً لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الانسان. (متّى 25: 1-13)
في هذا المثل يُشبّه يسوع مملكته برجل قوي جداً له عشرة نساء خمس منهن حكيمات وخمس جاهلات، فدخل بالحكيمات الخمسة في ليلة واحدة!
والكنائس المختلفة هنا أمام ثلاث خيارات، الأول القول إن هذا المثل صحيح المعنى والمضمون وبالتالي عليهم الاعتراف بانه يمكن للرجل أن يتزوج بعشرة نساء، لأن هذا يشبه مملكة يسوع وأن ما قامت به من منع تعدد الزوجات مخالف ليسوع ومملكته، والثاني القول إن هذا المثل غير صحيح وان الزواج بأكثر من امرأة واحدة ممنوع وفي هذا نقض للمثل الذي قاله يسوع عن مملكته، مما يعني إزالة هذا المثل من كلامه وهو الذي يقول السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول، والثالث أن تقول الكنائس المختلفة إن المثل يتحدث عن عشر جاريات وليس زوجات، ونسألهم إن كانوا يوافقون على أن يتخذ الرجل عشر جوار بالإضافة إلى زوجته، وهل الجواري لا يدخلن في قوله من البدء خلق رجل وامرأة؟!
نأتي الآن للحديث عن موقف التلاميذ من قول يسوع بمنع الطلاق، فنقرأ النص التالي:
قال له تلاميذه ان كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق ان يتزوج. (متّى 19: 10)
كما نقرأ فإن تلاميذ يسوع لم يتقبلوا كلامه واعتبروه مخالفاً لطبيعة الأشياء، والنص لا يتحدث عن أُناس عاديين أو غير مؤمنين بل يتحدث عن التلاميذ الذين اختارهم ليكونوا رسله وخاصته، فإذا كان تلاميذ يسوع لا يوافقون على هذا الكلام فمن يوافق؟!
إن كل محاولات الكنائس على مدار التاريخ وعلى الرغم من كل حملات الوعظ والإرشاد والزجر والتهديد إلا إن هذا القول لم توافق عليه الطبيعة البشرية فنجدها الآن وعلى الرغم من تحريم الكنيسة الكاثوليكية للطلاق، بمجرد أن أُقرّ الطلاق في القانون المدني الايطالي سارع آلاف الأزاوج الإيطاليين الى تقديم طلبات للطلاق ولسان حالهم يقول إن ما جمعه الرب لا يفرقه احد غير صحيح لأنه لو كان كذلك لما تفرقت هذه الآلاف.
وأخيرا هل يدل النص الذي استشهد به يسوع من العهد القديم على منع الطلاق وعلى إتهام موسى بكتابة شريعة الطلاق دون إذن من الرب؟
النص مكتوب في سِفر التكوين، وهو كما يلي:
- فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي،
وهذه تدعى امرأة لانها من امرء أُخذت،
لذلك يترك الرجل أباه وأُمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً. (تكوين 2: 23-24)
هذا هو النص الذي استشهد به كتبة الأناجيل على لسان يسوع على منع الطلاق ومن ثم استشهدت به الكنائس المختلفة على منع تعدد الزوجات، فأين يوجد فيه كلام عن منع الطلاق؟
فهل يريد كتبة الأناجيل والكنائس أن يقولوا لنا انه لم يفهم هذا النص أحد من الأنبياء السابقين، مع أن الروح المقدس كان معهم، على منع الطلاق ولا على منع تعدد الزوجات، بدءاً من آدم وانتهاءاً بآخر أنبياء بني إسرائيل حتى جاء متّى  ومرقس وفهما النص ونسباه ليسوع!
إن قراءة هذا النص من قبل جميع أنبياء بني إسرائيل عشرات القرون لم يمنعهم من الطلاق ولا من تعدد الزوجات، كما أن عدم تنبيه الروح المقدس لهم على حقيقة معنى النص، يثير الكثير من الشكوك حول فهم متّى ومرقس للنص!
إن الصفة التي تقدمها الأناجيل والكنائس ليسوع، باعتباره الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، كان على متّى ومرقس أن يتذكراها في هذه القصة بالذات، هذا إذا كانا قد سمعا بها أصلاً، فإذا رغب متّى ومرقس أو حتى يسوع نفسه أن يمنعوا الطلاق بين أتباعهم، فقد كان يمكن كتابة فقرة تقول إن يسوع يمنع الطلاق بين أتباعهم وتنتهي المشكلة دون إحداث أي تناقض واضطراب في نصوص العهد القديم!
وهو، أي يسوع، فعل هذا كثيراً كقوله قيل عين بعين وأنا أقول من لطمك على خدك فأدر له الآخر، وقوله قيل أوف بأقسامك للرب وأنا أقول لا تحلف البتة، وهكذا الكثير من التعاليم فبمجرد ورود قول ليسوع بنهي أو أمر يُصبح تعليماً وتشريعاً عند أتباع الكنائس دون الدخول في تفسيرات لنصوص العهد القديم تظهر كل مرة أنها تفسيرات خاطئة، وخاصة أن يسوع قال انه لم يأت لنقض الناموس بل ليُكمل!
وصية يسوع لتلاميذه وأتباعه بخصي أنفسهم
- قال له تلاميذه ان كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج،
فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أُعطي لهم،
لأنه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون أُمهاتهم،
ويوجد خصيان خصاهم الناس،
ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل مملكة السماء،
من استطاع ان يقبل فليقبل. (متّى 19: 10-12)
هذه الوصية يمكن اعتبارها النتيجة النهائية لمنع الطلاق، وقد كان بعض رجال الكنائس يلتزمون بها ومن أشهرهم أُوريجانوس Origenes Adamantius من أباء الكنيسة في القرن الثاني وقد عقد مجمع في ذلك الوقت وتم حرمه، وفي مجمع نيقية المنعقد في سنة 325 بعد الميلاد تم إقرار أمر بعزل كل من يقوم بخصي نفسه، وبهذا قامت الكنائس بنقض هذه الوصية التي تخالف طبيعة الإنسان العضوية والنفسية! وهذا الأمر يدل على أمرين الأول انه يوجد وصايا وتعاليم ليسوع تخالف الطبيعة الانسانية، والثاني ان الكنائس لم تلتزم بوصية يسوع التي قال معقباً عليها من استطاع ان يقبل فليقبل، وكذلك أزالت بعض كلامه الذي قال عنه السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول، فالكنائس نفسها أزالت هذه الوصية قبل زوال السماء والأرض.
وصية يسوع بمنع زنا القلب
- قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن،
وأما أنا فأقول لكم ان كل من ينظر الى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه. (متّى 5: 27-28)
وهذه الوصية مع جمال معانيها إلا أنني أعتبرها مع مثيلاتها تمهيداً للوصية التي تدعو أتباعه وتلاميذه لخصي أنفسهم.
وصية يسوع بمنع الحلف
- أيضاً سمعتم أنه قيل للقدماء لا تحنث بل أوف للرب أقسامك،
وأما أنا فأقول لكم لا تحلفوا البتة،
لا بالسماء لأنها كرسي الإله،
ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه،
ولا بأُورشليم لأنها مدينة الملك العظيم،
ولا تحلف برأسك لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة واحدة بيضاء أو سوداء،
بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا،
وما زاد على ذلك فهو من الشرير. (متّى 5: 33-37)
في هذه الوصية ينقض يسوع الناموس ويُزيل شريعة الوفاء بالأقسام، فهو يقول لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأُكمل، فإني الحق أقول لكم الى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل. (متّى 5: 17-18) وهنا نجده يسقط عشرات النقط والحروف.
كما ان هذه من الوصايا التي لم يطبقها أحد في تاريخ الكنائس، بدءاً من بطرس الذي كان يحلف ويقسم أنه لا يعرف يسوع عندما أنكره ليلة القبض عليه وانتهاءاً بما هو معمول به في المحاكم  في وقتنا الحاضر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق