الثلاثاء، 27 يناير 2015

الفصل الأول: حياة يسوع: قصة محاكمة يسوع أمام بيلاطس في الاناجيل الاربعة عرض ونقد

الفصل الأولحياة يسوع
في هذا الفصل سأستعرض حياة يسوع في مختلف مراحلها، من ولادته إلى صلبه وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السماء، مع مقارنة النصوص بعضها ببعض كما وردت في الأناجيل، ومقارنة تلك النصوص مع نصوص العهد القديم عند اقتباس كتبة الأناجيل من العهد القديم، لنرى إن كان مؤلفو الأناجيل قد كتبوا قصة واحدة عن حياة يسوع أم أن كل واحد منهم كتب قصة مختلفة عن الآخرين بحسب معلومات كل واحد منهم والمصادر التي كان يعتمد عليها، وكذلك لنرى صحة ما اقتبسوه في الأناجيل من نصوص العهد القديم، وسأبدأ باستعراض النسبين اللذين وضعهما متّى ولوقا ليسوع في إنجيليهما ثم نباشر في قراءة حياة يسوع.
محاكمة يسوع
- ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه فأوثقوه ومضوا به ودفعوه الى بيلاطس البنطي الوالي. (متّى 27: 1-2)
في هذه الواقعة تتفق الأناجيل الأخرى مع متى سواء في وقت أخذ يسوع أو فيمن أخذه أو فيمن استقبلهم لأخذه كما في النصوص التالية:
- وللوقت في الصباح تشاور رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة والمجمع كله فأوثقوا يسوع ومضوا به وأسلموه إلى بيلاطس. (مرقس 15: 1)
- فقام كلّ جمهورهم وجاءوا به إلى بيلاطس. (لوقا 23: 1)
- ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية، وكان صبح، ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية لكي لا يتنجسوا فيأكلون الفصح. (يوحنا 18: 28)
سبب المحاكمة
تختلف الأناجيل في السبب الذي من أجله قام اليهود بتسليم يسوع لبيلاطس، فكما نقرأ في النصين التاليين فإن متّى ومرقس لم يذكرا أي شيء عن السبب:
- وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه لم يجب بشيء،
فقال له بيلاطس أما تسمع كم يشهدون عليك،
فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة حتى تعجب الوالي جداً. (متّى 27: 12-14)
- وكان رؤساء الكهنة يشتكون عليه كثيراً،
فسأله بيلاطس أيضاً أما تجيب بشيء انظر كم يشهدون عليك،
فلم يجب يسوع أيضاً بشيء حتى تعجب بيلاطس.(مرقس 15: 3-5)
فمتّى ومرقس لم يذكرا سوى أن رؤساء الكهنة والشيوخ كانوا يشتكون عليه، ولكنهما لم يذكرا ما هي هذه الشكاوى!
 وأما لوقا فذكر سبب الشكوى عليه فقال:
- وابتدأوا يشتكون عليه قائلين اننا وجدنا هذا يفسد الأُمة ويمنع ان تعطى جزية لقيصر قائلاً انه مسيح ملك،
فسأله بيلاطس قائلاً أنت ملك اليهود،
فأجابه وقال له أنت تقول. (لوقا 23: 2-3)
وهذا السبب للشكوى ليس مقنعاً لبيلاطس فقط، الذي تجاهله كما سيظهر بعد قليل، بل هو كذلك ليس مقنعاً ليوحنا إذ كتب في إنجيله وهو آخر الأناجيل تدويناً كما هو معروف:
- فخرج بيلاطس اليهم وقال أية شكاية تقدمون على هذا الانسان،
أجابوا وقالوا له لو لم يكن فاعل شرّ لما كنا قد سلمناه إليك. (يوحنا 18: 29-30)
فقول لوقا ان اليهود قالوا إن يسوع يُفسد الأُمة ويمنع أن تُعطى الجزية لقيصر وأنه مسيح ملك خطأ لعدة أسباب:
الأول ان يسوع كان يدفع الجزية للرومان.
الثاني انه كان يأمر تلاميذه بطاعة قيصر ودفع الجزية كما في قوله أعطوا ما لقيصر لقيصر.
الثالث انه لم يكن يُعلن عن صفته كمسيح، لا بل انه كان يوصي الشياطين الذين أخرجهم من بعض الناس أن لا يظهروا صفته تلك كما انه كان يوصي تلاميذه أن لا يقولوا لأحد أنه المسيح.
- واخرج شياطين كثيرة ولم يدع الشياطين يتكلمون لأنهم عرفوه. (مرقس 1: 34)
حينئذ أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد انه يسوع المسيح. (متّى 16: 20)
- ثم خرج يسوع وتلاميذه الى قرى قيصرية فيلبس،
وفي الطريق سأل تلاميذه قائلاً لهم من يقول الناس أني أنا،
فاجابوا يوحنا المعمدان،
واخرون إيليا،
وآخرون واحد من الأنبياء،
فقال لهم وأنتم من تقولون أني أنا،
فأجاب بطرس وقال له أنت المسيح،
فانتهرهم كي لا يقولوا لأحد عنه. (مرقس 8: 27-30)
الرابع ان يسوع هرب من الناس عندما حاولوا أن يختطفوه ويجعلوه ملكاً وذهب إلى جبل وحده.
- وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا 6: 15)
الخامس ان الأناجيل الثلاثة الأُخرى لم تذكر هذه الشكوى مما يدل على أنهم لم يكونوا مقتنعين بها لتكون سبباً للشكوى على يسوع.
السادس ان بيلاطس نفسه لم يأخذها على محمل الجد، وإلا لو كانت صحيحة لما تصرف مع يسوع في المحاكمة بهذا الشكل المتساهل، وهو، كما ذكر لوقا نفسه، من العنف والتهور بحيث انه كان يخلط دماء أعدائه بدم ذبائحهم، كما فعل مع الجليليين.
- وكان حاضراً في ذلك الوقت قوم يخبرونه عن الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم. (لوقا 13: 1)
وهنا قد يقول بعض الطيبين من أتباع الكنائس ان شكوى اليهود على يسوع لا يعني أن تكون صحيحة أو حقيقية بل قد تكون كذباً، ولوقا لم يفعل سوى نقل أقوالهم، وهذا لا يدل على خطأ لوقا.
أقول لهؤلاء إن نقل الواقع شيء وصناعته شيء آخر، فالأناجيل كتبت أن اليهود ظلوا فترات طويلة من الزمن يحاولوا أن يوقعوا بيسوع ليمسكوا عليه قولاً أو فعلاً يستطيعون الشكوى بها عليه عند الرومان ولم يُفلحوا لأن يسوع لم يكن يصدر عنه أي قول أو فعل مخالف لسلطة الرومان، كما حدث معه عندما قدموا له امرأة زانية حتى يقول حكماً مخالفاً لأحكام الرومان، أو كما حاولوا معه كي يقول شيئاً ضد قيصر عندما سألوه إن كان يجوز إعطاء قيصر الجزية، كما أنهم لم يكونوا متأكدين من صفته كمسيح، وفي عدة مواضع كتبت الأناجيل أنهم حاولوا معه كي يُصرح لهم بصفته ولكنه كان في كل مرة لا يُظهر صفته كمسيح حتى قبل هذه المحاكمة بقليل كما مرّ معنا عند استجواب رؤساء الكهنة له!
وأخيراً فقد بقي رؤساء الكهنة طوال الليل وهم يبحثون عن شهود كي يشهدوا ضده ولم يجدوا، حتى تقدم شاهدان قالا إنهما سمعاه يقول انه يستطيع هدم الهيكل وإعادة بنائه في ثلاثة أيام كما كتب متّى ومرقس، مما يدل على أن رؤساء الكهنة لم يكونوا بتلك السذاجة كي يقولوا لبيلاطس ان يسوع يدعو لمنع دفع الجزية لقيصر، خاصة أنهم يعلمون ان باستطاعة بيلاطس التأكد من هذه المعلومة فإذا ظهر له ان يسوع يدفع الجزية فسيعتبر قول اليهود هذا نوعاً من الاستهزاء به وبسلطاته، وهم يعلمون كذلك أن بيلاطس بلا رحمة وانه يخلط دماء أعدائه بذبائحهم فقول لوقا هذا لا يدل على انه يمكن أن يصدر عنهم، وخاصة ان الأناجيل الثلاثة لم تذكره وبيلاطس نفسه تجاهله!
ولكن متّى بدلاً من كتابة سبب شكوى اليهود على يسوع، نجده قد انتقل للحديث عن يهوذا ونهايته بطريقة لا تخلو من الخطأ كما أظهرت ذلك سابقاً.
ومرقس ينتقل بالحديث عما جرى بين بيلاطس ويسوع مباشرة.
وأما يوحنا فكتب وقالوا له لو لم يكن فاعل شرّ لما كنا قد سلمناه إليك، هكذا لو لم يكن فاعل شرّ لما كنا قد سلمناه!
هكذا تقام المحاكم في الأناجيل لو لم يكن فاعل شرّ لما سلمناه!
يُقتل الإنسان لأنه لو لم يكن فاعل شرّ لما سلمناه!
ومن الغريب ان لوقا كتب في أعمال الرسل قصة عن محاكمة لبولس كان اليهود يسعون من خلالها إلى قتله كما هو الحال هنا إلا أن الوالي في ذلك الوقت أوقف تلك المحاكمة لمجرد طلب بولس محاكمته أمام القيصر وقوله انه روماني (أعمال الرسل الاصحاحات 22 و23 و24).
مجريات المحاكمة
ننتقل الآن لنقرأ مجريات المحاكمة، فنجد أن متّى ذكر مجريات المحاكمة كما يلي:
- فوقف يسوع امام الوالي فسأله الوالي قائلاً أأنت ملك اليهود،
فقال له يسوع انت تقول. (متّى 27: 11)
هكذا بدأت محاكمة يسوع وهكذا انتهت، انت ملك اليهود قال يسوع أنت تقول!
حلم امرأة بيلاطس
ولكن متّى الذي لم يكتب تفاصيل الشكوى لم ينسى أن يكتب عن حلم امرأة بيلاطس فقال:
- وإذ كان جالساً على كرسي الولاية أرسلت إليه امرأته قائلة إياك وذلك البار، لأني تألمت اليوم كثيراً في حلم من اجله. (متّى 27: 19)
في هذا النص يتحدث متّى عن حلم امرأة بيلاطس، ومع انه لم يذكر تفاصيل الحلم، إلا أن من يقرأ الأناجيل، وخاصة أول مرة، يكون متلهفاً لمعرفة أثر هذا الحلم على مجريات المحاكمة، ولكن المفاجأة أن لا أثر لهذا الحلم، وهو ما يطرح ظلال الشك على أصله، إذ أننا نقرأ في العهد القديم عن بعض الأحلام التي ظهر الرب فيها لأصحابها قد أعطت النتائج المرجوة منها ولكن حلم امرأة بيلاطس لم يُعط أي نتيجة!
فهل كان متّى يحاول أن يقتبس من تلك الأحلام وينزلها على قصة محاكمة يسوع، إذ كيف يظهر الرب في أحلام لينقذ إبراهيم ويعقوب من الشرور التي كانت تحيق بهما، ولا يوجد حلم في قصة محاكمة يسوع، وان كان متّى لم يخبرنا عن تفاصيل هذا الحلم ولم تظهر له أي نتيجة، إلا انه لا بأس من وجود قصة تتحدث عن حلم كما في قصص إبراهيم ويعقوب.
- وقال إبراهيم عن سارة امرأته هي أُختي،
فأرسل أبيمالك ملك جَرَارَ وأخذ سارة،
فجاء الإله الى أبيمالك في حلم الليل، وقال له ها أنت ميت من أجل المرأة التي أخذتها فانها متزوجة ببعل،
ولكن لم يكن أبيمالك قد اقترب إليها، فقال يا سيد أأمةً بارّة تقتل،
ألم يقل هو لي إنها أختي، بسلامة قلبي ونقاوة يديّ فعلت هذا،
فقال له الإله في الحلم أنا أيضاً علمت أنك بسلامة قلبك فعلت هذا وأنا أيضاً أمسكتك عن أن تخطئ إليّ، لذلك لم أدعك تَمَسُّها،
فالآن ردَّ امرأة الرجل فإنه نبيّ فيُصلي لأجلك فتحيا، وإن كنتَ لستَ تردّها فاعلم أنك موتاَ تموت أنت وكل من لك،
فبكر أبيمالك في الغد ودعا جميع عبيده وتكلم بكل هذا الكلام في مسامعهم فخاف الرجال جداً. (تكوين 20: 2-8)
- فأخذ أبيمالك غنماً وبقراً وعبيداً وإماء وأعطاها لإبراهيم، وردّ إليه سارة امرأته. (تكوين 20: 14)
- فأُخبر لابان في اليوم الثالث بأن يعقوب قد هرب،
فأخذ إخوته معه وسعى وراءه مسيرة سبعة أيام فأدركه في جبل جلعاد،
وأتى الإله الى لابان الارامي في حلم الليل فقال له احترز من ان تكلم يعقوب بخير أو شرّ،
فلحق لابان يعقوب ويعقوب قد ضرب خيمته في الجبل، فضرب لابان مع إخوته في جبل جلعاد. (تكوين 31: 22-25)
- في قدرة يدي أن أصنع بكم شرّاً ولكن إله أبيكم كلمني البارحة قائلاً احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شرّ. (تكوين 31: 29)
وأما مرقس فكتب عن مجريات المحاكمة كما يلي:
- فسأله بيلاطس أنت ملك اليهود فأجاب وقال له أنت تقول،
وكان رؤساء الكهنة يشتكون عليه كثيراً،
فسأله بيلاطس أيضاً قائلاً أما تجيب بشيء انظر كم يشهدون عليك،
فلم يجب يسوع أيضاً بشيء حتى تعجب بيلاطس. (مرقس 15: 2-5)
وهنا أيضاً مرقس يبدأ المحاكمة بسؤال بيلاطس أنت ملك اليهود وتنتهي بإجابة يسوع له أنت تقول!
وأما لوقا فقد أعطى للمحاكمة مساراً مختلفاً، كما في النص التالي:
- فسأله بيلاطس قائلاً أنت ملك اليهود،
فأجابه وقال له أنت تقول،
فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة والجموع إني لا أجد علّة في هذا الإنسان،
فكانوا يُشددون قائلين إنه يُهيج الشعب وهو يُعلّم في كل اليهودية مبتدئاً من الجليل إلى هنا،
فلما سمع بيلاطس ذكر الجليل سأل هل الرجل جليلي،
وحين علم أنه من سلطنة هيرودس أرسله الى هيرودس اذ كان هو أيضاً تلك الايام في أُورشليم. (لوقا 23: 3-7)
هنا نجد أن لوقا قد قام بتقسيم المحاكمة إلى ثلاثة أجزاء الأول كما ذكر متّى ومرقس، فكان سؤال وجواب يحمل نفس المضمون أنت ملك اليهود فيكون الرد أنت تقول، والجزء الثاني محاكمة يسوع أمام هيرودس والجزء الثالث إعادة محاكمة بيلاطس ليسوع.
في هذا النص يكتب لوقا عن السبب الذي من أجله أدخل هيرودس في محاكمة يسوع فقال إن بيلاطس لما علم أن يسوع جليلي وأنه من سلطنة هيرودس أرسله إلى هيرودس!
ولكن لوقا لم يذكر ان بيلاطس استشار هيرودس عندما خلط دماء الجليليين بذبائحهم لأنهم من سلطنة هيرودس، وكذلك لم يكتب لوقا ان قول هيرودس بانه لا توجد في يسوع علة توجب القتل كان له أثر في نتيجة المحاكمة، مع أن هيرودس باعتبار أن يسوع من رعيته كان يجب أن يكون له كلمة في نتيجة المحاكمة، بدلاً من خضوع بيلاطس لشرذمة من اليهود كانوا خاضعين له دافعين للجزية وهو ممثل أعظم دولة في ذلك الوقت!
العلاقة بين يسوع وهيرودس
ثم يكتب لوقا عن مجريات محاكمة هيرودس ليسوع كما في النص التالي:
- وأما هيرودس فلما رأى يسوع فرح جداً لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة، وترجّى أن يرى آية تصنع منه،
وسأله بكلام كثير فلم يجبه بشيء،
ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليه باشتداد،
فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزأ به وألبسه لباساً لامعاً ورده الى بيلاطس، فصار بيلاطس وهيرودس صديقين مع بعضهما في ذلك اليوم لانهما كانا من قبل في عداوة بينهما. (لوقا 23: 8-12)
كما نقرأ في النص فإن هيرودس فرح جداً عندما رأى يسوع، وهذا يتناقض مع ما كتبه لوقا في إنجيله على لسان الفريسيين من انه كان يريد قتل يسوع، كما في النص التالي:
- في ذلك اليوم تقدم بعض الفريسيين قائلين له اخرج واذهب من ههنا لأن هيرودس يريد أن يقتلك،
فقال لهم امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها أنا أُخرج شياطين وأشفي اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أكمل،
بل ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً عن أورشليم. (لوقا 13: 31-33)
هذا النص من غرائب النصوص التي كتبت في الأناجيل، إذ انه بالإضافة لاحتوائه على معلومات تتناقض مع ما هو مكتوب عن هيرودس، يحتوي أيضاً على حقائق تهدم أركان قوانين الإيمان الكنسية، فالنص يبدأ بقول الفريسيين ليسوع إن هيرودس يريد أن يقتلك، وهو ما يتناقض مع قول لوقا السابق ان هيرودس لما رأى يسوع فرح جداً لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة، وترجّى أن يرى آية تصنع منه، وهنا قد يقول البعض إن هذا القول كان من الفريسيين وليس من يسوع أو لوقا، فلوقا نقل ما قاله الفريسيون ولا يعني ان قولهم هذا صدقاً، بل ربما كان محاولة من الفريسيين لإخافة يسوع! وهذا الكلام يكون مقبولاً لولا كتابة لوقا جواب يسوع لهم بقوله قولوا لهذا الثعلب ها أنا أُخرج شياطين وأشفي مرضى اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أكمل، فكتابة هذا الجواب دليل على أن الفريسيين لم يكونوا يكذبون، لأنهم لو كانوا يكذبون لعلم يسوع هذا الكذب، إلا إذا قالت الكنائس ان يسوع، الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، لا يعلم الغيب ولا يعلم الصادق من الكاذب!
بالإضافة الى ان قول يسوع يتضمن معلومات خاطئة، لأنه بعد قوله ها أنا أخرج شياطين وأشفي اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أكمل، لبث أكثر من سبعة أيام وليس ثلاثة فقط، لأن هذا الكلام قاله قبل دخوله الى أُورشليم ومكث فيها قرابة اسبوع، وهو ما يُطلق عليه اسبوع الآلام، قبل ان يُصلب. وهذا يعني أن قوله انه يخرج الشياطين ويشفي المرضى اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أكمل، ليس صحيحاً!
كما ان قوله انه لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً عن أورشليم، يهدم أهم ركن من أركان قوانين إيمان الكنائس، لأن يسوع يصف نفسه انه نبي، لهذا فانه سيذهب إلى أورشليم ليهلك هناك، لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً عن أُورشليم، فهل تؤمن الكنائس بان يسوع نبي كالأنبياء الذين هلكوا في أُورشليم؟!
وعلاوة على ذلك فإن هذا القول يحمل خطأ كبيراً، إن لم نقل جهلاً بالعهد القديم، لأن من له أدنى علم بالعهد القديم يعلم انه يُوجد عشرات الأنبياء هلكوا خارجاً عن أورشليم وأشهرهم موسى وهارون ويعقوب ويوسف وإبراهيم فكيف خفي هذا على يسوع، الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر؟!
أم كيف خفي هذا الأمر عن لوقا وهو الذي عاش حياته يدعو للإيمان بيسوع؟
أم كيف سمح الروح المقدس بكتابة هذا الخطأ الواضح ولم ينبه لوقا عليه، لو كان يسوقه عند كتابته لإنجيله؟!
وأما أصل القول السابق، أي قول الفريسيون ليسوع إن هيرودس يريد أن يقتله، فهو خطأ، لان هيرودس لم يكن هو من حاكم يسوع بل بيلاطس، وأما دور هيرودس في المحاكمة فلم يظهر في الأناجيل إلا في النص الذي ذكره لوقا فقط، وأظن انه ما كتب هذا الدور إلا ليتوافق مع ما كتب في هذا النص لان هيرودس لم يكن له أي أثر في المحاكمة إلا كيل المزيد من الشتائم ليسوع في الأناجيل!
أعود الآن لاستكمال الحديث عن مجريات محاكمة هيرودس ليسوع فنجد أنه بدأ يسأل يسوع عن أشياء كثيرة، ولم يكتب لنا لوقا ما هي تلك الأسئلة، ولكن يسوع لم يُجب عنها بشيء، وهذا يدل على أن يسوع كان يخفي دعوته ولا يسعى لنشرها خاصة بين غير اليهود، وهو عكس ما قامت به الكنائس من التوجه لغير اليهود، وباقي النص يتحدث عن تحقير هيرودس ليسوع وهو ما دأب كتبة الأناجيل على تسجيله عن يسوع وخاصة في المحاكمة.
ثم أقام بيلاطس ليسوع محاكمة مرة ثانية وهي الجزء الثالث من محاكمة يسوع كما كتبها لوقا:
- فدعا بيلاطس رؤساء الكهنة والعظماء والشعب وقال لهم قد قدمتم إلي هذا الإنسان كمن يفسد الشعب،
وها أنا فحصت قدامكم ولم أجد في هذا الإنسان علّة مما تشتكون به عليه، ولا هيرودس أيضاً، لأني أرسلتكم إليه،
وها لا شيء يستحق الموت صُنع منه،
فأنا أُؤدبه وأُطلقه. (لوقا 23: 13-16)
ولا شيء فيها يستحق لفت النظر إليه سوى قوله انه سيؤدب يسوع، الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر!
مجريات محاكمة يسوع في إنجيل يوحنا
وأما يوحنا فأخذ مجريات المحاكمة في اتجاه آخر لم يكتبه متّى ولا مرقس، وحتى لوقا لم يذكر شيئاً عنه، فكتب قائلاً:
- فخرج بيلاطس اليهم وقال أية شكاية تقدمون على هذا الانسان،
أجابوا وقالوا له لو لم يكن فاعل شرّ لما كنا قد سلمناه اليك،
فقال لهم بيلاطس خذوه أنتم واحكموا عليه حسب ناموسكم،
فقال له اليهود لا يجوز لنا أن نقتل أحداً،
ليتم قول يسوع الذي قاله مشيراً الى أية ميتة كان مزمعاً ان يموت. (يوحنا 18: 29-32)
كما نقرأ فإن يوحنا كتب أن بيلاطس قال لليهود خذوه أنتم واحكموا عليه حسب ناموسكم، ومن يقرأ هذه الكلمات يظن ان بيلاطس يتحدث مع أناس مساوون له في السلطان والحكم، وليسوا عبيداً عنده وتحت سلطانه، ويدفعون له الجزية، وان من يخالف قوانينه منهم فانه يخلط دمه بدم ذبيحته!
كيف يقول بيلاطس لليهود خذوه واحكموا عليه حسب ناموسكم، ولوقا قال إن سبب شكوى اليهود على يسوع هو محاولته أن يُفسد الشعب على سلطة قيصر؟!
ولكن يوحنا عندما كتب هذه الفقرات أراد أن يوصل فكرة عن حادثة الصلب وهي قوله ليتم قول يسوع الذي قاله مشيراً إلى أيّة ميتة كان مزمعاً أن يموت!
فجواب اليهود لبيلاطس انه لا يجوز لهم أن يقتلوا أحداً هو لإعطاء مبرر لصلب يسوع على الخشبة وهو حيّ، لأن ناموس اليهود وهو يتحدث عن الصلب يقول انه يتم بعد القتل وليس قبله كما في النص التالي:
واذا كان على انسان خطية حقها الموت فقتل وعلّقته على خشبة،
فلا تبت جثته على الخشبة بل تدفنه في ذلك اليوم لأن المعلق ملعون من الإله،
فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيباً. (التثنية 21: 22-23)
بخلاف قانون الرومان الذي يصلب الإنسان وهو حي، ويعتبر الصلب ذاته عقوبة.
لهذا كتب يوحنا هذا القول الخاطئ على لسان اليهود، لأن من له أدنى علم بشريعة اليهود يعلم انه يوجد فيها أحكام كثيرة تحكم بالقتل على فاعلها، حتى ان من يشتم أباه وأُمه فإن حكم ناموس اليهود عليه هو القتل، فكيف يقول اليهود انه لا يجوز في ناموسهم قتل أحد؟!
وهذا ما سنلاحظه بعد قليل عندما يقول هؤلاء اليهود أنفسهم وفي نفس الحادثة ان لهم ناموس وحسب ناموسهم يجب أن يموت.
- ثم دخل بيلاطس أيضاً إلى دار الولاية ودعا يسوع وقال له أنت ملك اليهود،
أجابه يسوع أمِنْ ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني،
أجابه بيلاطس ألعلي أنا يهودي،
أُمّتك ورؤساء الكهنة أسلموك إليّ، ماذا فعلت،
أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم،
لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدّامي يجاهدون لكي لا أُسلم إلى اليهود،
ولكن الآن ليست مملكتي من هنا،
قال له بيلاطس أفأنت إذاً ملك،
أجاب يسوع أنت تقول أني ملك،
لهذا قد ولدت أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق، كل من هو من الحق يسمع صوتي،
قال له بيلاطس ما هو الحق،
ولما قال هذا خرج أيضاً الى اليهود وقال لهم أنا لست أجد فيه علة واحدة. (يوحنا 18: 33-38)
- فدخل أيضاً الى دار الولاية وقال ليسوع من أين أنت،
وأما يسوع فلم يُعطه جواباً،
فقال له بيلاطس أما تكلمني،
ألستَ تعلم أن لي سُلطاناً أن أصلبك وسلطاناً أن أطلقك،
أجاب يسوع لم يكن لك عليّ سلطان البتة لو لم تكن قد أُعطيت من فوق لذلك الذي أسلمني إليك له خطية أعظم. (يوحنا 19: 9-11)
في هذا الجزء من مجريات محاكمة يسوع، الذي أخذنا إليه يوحنا وحده من بين كتبة الأناجيل، نجد أن بيلاطس كان هادئاً وهو يستجوب يسوع فعندما سأله أنت ملك اليهود نسمع ردّ يسوع عليه بقوله أمِن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني، وكأن يسوع كان يرجو أن يؤمن بيلاطس ويُطلقه، ولكن بيلاطس يحافظ على هدوئه مع الاحتفاظ بمكانته أمام الواقف أمامه لمحاكمته، فيقول ألعلي آنا يهودي، أُمتك ورؤساء الكهنة أسلموك إليّ، ماذا فعلت، وهذا القول يؤكد أن بيلاطس لم يُعِر أي اهتمام لسبب الشكوى الذي كتبه لوقا.
ولكن يسوع بدلاً من إظهار صفته التي تقولها عنه قوانين إيمان الكنائس نجده يجيب بيلاطس فيقول مملكتي ليست من هذا العالم!
وهذا الجواب يلقي بظلال الشك على صحة قوانين إيمان الكنائس التي تربط بين الأقانيم والرب خالق السموات والأرض، إذ أننا نقرأ ان الأرض والسموات خارج مملكة الأقانيم الثلاثة، في حين أن العهد القديم يؤكد أن كل ما في هذا الوجود خاضع للرب الخالق، كما في النصوص التالية:
- قوموا باركوا الرب إلهكم من الأزل الى الأبد وليتبارك اسم جلالك المتعالي على بَرَكة وتسبيح،
أنت هو الرب وحدك، أنت صنعت السموات وسماء السموات وكل جندها والأرض وكل ما عليها والبحار وكل ما فيها وأنت تحييها كلها، وجند السماء لك يسجد. (نحميا 9: 5-6)
لأنه هو الإله الحي القيوم الى الأبد، ومملكته لن تزول، وسلطانه الى المنتهى. (دانيال 6: 26)
لكي تعرف ان للرب الأرض. (خروج 9: 29)
الرب ملك الى الدهر والأبد بادت الأُمم من أرضه. (مزمور 10: 16)
لأن الإله مَلِك الارض كلها، رنموا قصيدة،
مَلكَ الإله على الأمم. (مزمور 47: 7)
لأن للرب المُلك وهو المتسلط على الأمم،
أكل وسجد كل سميني الأرض قدّامه يجثوا كل من ينحدر الى التراب ومن لم يُحي نفسه،
الذرية تتعبد له، يخبّر عن الرب الجيل الآتي، يأتون ويخبرون ببرّه شعباً سيولد بأنه قد فعل. (مزمور 22: 28-31)
ويكون الرب مَلِكاً على كل الارض، في ذلك اليوم يكون الرب وحده واسمه وحده. (زكريا 14: 9)
ثم يكمل يسوع كلامه فيقول لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يُجاهدون لكي لا أُسلم إلى اليهود، ولكن الآن ليست مملكتي من هنا، وهذا الكلام يثير مشكلات كثيرة أمام الكنائس في تثبيت قوانين إيمانها، إذ ان العهد القديم مليء بالقصص التي تتحدث عن إرسال الرب للملائكة لنصرة أنبيائه، فما الذي منع يسوع من احضار بعض الملائكة لنصرته؟!
كما ان هذا القول ينقض قانون الفداء والخلاص الذي تؤمن به الكنائس، إذ ان يسوع وفي آخر ساعاته على الأرض يقول انه لو كانت مملكته هنا لطلب المساعدة من أجل منع اليهود من صلبه!
فلو كان يسوع قد جاء ليُخلص البشرية من تلك الخطيئة لقال لبيلاطس انه جاء ليرفع خطيئة آدم ويتصالح مع ذريته، فاحكم عليّ بأسرع ما يمكن لأنني لهذا جئت، كما كتب يوحنا أيضاً في إنجيله قبل هذا بقليل عن طلب يسوع من يهوذا الاسخريوطي أن يقوم بعملية الإرشاد عليه بأسرع ما هو فاعله وقال يوحنا معقباً على ذلك بقوله ان التلاميذ لم يعرفوا قصد يسوع!
ولكن بيلاطس بعد هذا الحديث يبقى هادئاً فيقول ليسوع أفأنت إذاً ملك؟
فهل أعلن يسوع أنه ملك؟
الجواب هنا هو المحير وليس السؤال. كلا، لم يُجب يسوع عن السؤال بإعلان انه ملك! على الرغم من عشرات النبوءات التي تقول الكنائس أنها تتحدث عن يسوع باعتباره ملكاً يجلس على كرسي أبيه داوُد ولا يكون لملكه نهاية وأنه ابن الإنسان المذكور في دانيال!
بل قال لبيلاطس أنت تقول!
ماذا يعني أنت تقول؟
ممن يخاف يسوع حتى لا يظهر صفته؟
ولماذا يخاف وهو ما جاء إلا ليُصلب كي يحمل خطيئة آدم وذريته ويتصالح معهم؟!
ثم يُكمل حديثه الفريد فيقول انه جاء ليشهد للحق، وان من كان من الحق فانه يسمع صوته.
وهنا لم يقل انه جاء لرفع خطيئة البشرية ولا ليفدي البشرية بل قال ليشهد للحق، وهذا القول يثير في نفس أي إنسان يسمعه رغبة في الاستفسار عن الحق الذي جاء يسوع ليشهد له، حتى بيلاطس، فقال له ما هو الحق.
ولكن يوحنا لم يذكر لنا جوابه بدعوى أن بيلاطس خرج إلى اليهود!
ولماذا لم ينتظر بيلاطس ليسمع جواب يسوع عن ما هو الحق وهو الذي سأل السؤال، وخاصة انه خرج كما كتب يوحنا إلى اليهود وقال لهم انه لا يجد فيه علة؟
وهذا يدل على انه عرف ان يسوع ليس به علة والنصوص السابقة لا تدل على هذا الشيء إلا إذا سمع جواب يسوع عن سؤال ما هو الحق.
وإذا كان بيلاطس لم يسمع جواب يسوع عن ما هو الحق، فلماذا لم يكتب يوحنا جواب يسوع ويُظهر ما هو الحق؟
أم ان يوحنا أخفى جواب يسوع عن سؤال ما هو الحق كما قال في آخر إنجيله انه لم يكتب كل ما يعرفه عن يسوع، وبالتالي حرم أتباع الكنائس الطيبين من معرفة الحق الذي جاء يسوع ليشهد له!
وآيات أُخر كثيرة صنع يسوع قدّام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب،
وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا ان يسوع هو المسيح ابن الإله،
ولكي تكون لكم اذا آمنتم حياة باسمه. (يوحنا 20: 30-31)
- وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع ان كتبت واحدة واحدة فلست أظن ان العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة. (يوحنا 21: 25)
وأما قول يوحنا على لسان يسوع كل من هو من الحق يسمع صوتي، فأنا أتساءل إن كان هروب التلاميذ عند إلقاء القبض عليه وتركه وحيداً كانوا من الحق الذي سمع صوته أم لا؟
إلى هنا انتهت محاكمة يسوع في الأناجيل الأربعة وبدأت محاولة بيلاطس للإفراج عن يسوع وكان قد خيّرهم بينه وبين باراباس فمن هو باراباس؟
باراباس
- وكان لهم حينئذ أسير مشهور يسمى باراباس. (متّى 27: 16)
- وكان المسمى باراباس موثقاً مع رفقائه في الفتنة الذين في الفتنة فعلوا قتلاً. (مرقس 15: 7)
- فصرخوا بجملتهم قائلين خذ هذا وأطلق لنا باراباس،
وذاك كان قد طرح في السجن لأجل فتنة حدثت في المدينة وقتل. (لوقا 23: 18-19)
- فصرخوا أيضاً جميعهم قائلين ليس هذا بل باراباس وكان باراباس لصاً. (يوحنا 18: 40)
باراباس الرجل الذي استبدله اليهود بيسوع، يقول عنه متّى انه كان أسيراً ومرقس ولوقا يقولان انه كان مطروحاً في السجن لأجل فتنة ولم يذكرا لنا شيئاً عن تلك الفتنة إلا انه حدث خلالها قتل، وأما يوحنا فيصفه باللص.
ولا يهم هنا الاختلاف في صفة باراباس فهو ظاهر للعيان، وإنما المهم هو قول مرقس ولوقا انه كان في السجن لأجل فتنة حدث فيها قتل، أي إن باراباس قام بعمل فتنة مع الرومان، لأنه لو كان لصاً كما كتب يوحنا فان سرقته لبعض البيوت أو المحال التجارية لا تؤدي إلى فتنة بين الشعب أو بين الشعب والدولة، وهي هنا ليست دولة عادية بل هي إمبراطورية.
فبمقارنة هذا الرجل الذي قام بفتنة أدت إلى القتل وقول لوقا عن اليهود أنهم سلموا يسوع بحجة انه يسعى لإفساد الشعب على قيصر، أي انه يسعى لإحداث فتنة وقول يوحنا في إنجيله إن قيافا قال انه يجب أن يسلموا يسوع حتى لا تحدث فتنة وانه خير لهم أن يموت واحد عن الأمة من أن تموت الأمة كلها.
- ان تركناه هكذا يؤمن الجميع به، فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأمتنا،
فقال لهم واحد منهم وهو قيافا، كان رئيساً للكهنة في تلك السنة انتم لستم تعرفون شيئاً،
ولا تفكرون انه خير لنا ان يموت واحد عن الشعب ولا تهلك الامة كلها. (يوحنا 11: 48-50)
فطلبْ اليهود باراباس بدلاً من يسوع هو إشارة إلى أنهم كانوا موافقين على فتنة باراباس، كما أن هذا الطلب سيُعطي بيلاطس دليلاً على سعي اليهود لإحداث فتن جديدة في المستقبل، وهذا الأمر لو كان صحيحاً كان سيُعتبر حُجّة على عدم صلب يسوع، وخاصة انه لم يجد فيه أيّة علة توجب قتله، وكان يعلم أنهم أسلموا يسوع حسداً بالإضافة إلى الحلم الذي حلمته امرأته الذي كتبه متّى!
التخيير بين يسوع وباراباس
- ففيما هم مجتمعون قال لهم بيلاطس من تريدون أن أُطلق لكم، باراباس أم يسوع الذي يُدعى المسيح، لأنه علم انهم أسلموه حسداً. (متّى 27: 17-18)
في هذا النص يقول متّى إن بيلاطس خيّرهم بين يسوع وباراباس لأنه علم أنهم أسلموه حسداً، وهذا القول من غرائب الأقوال، إذ لو كان هذا القول صحيحاً لما خيّرهم بل كان يجب أن يُطلق لهم يسوع لأنه علم أنهم أسلموه حسداً، وخاصة أن بيلاطس علم بحلم امرأته، وتحذيرها له من التعرض له، كما انه بحسب الأناجيل كلها فحص يسوع ولم يجد فيه علة توجب الموت!
- ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرّضوا الجموع على ان يطلبوا باراباس ويُهلكوا يسوع،
فأجاب الوالي وقال لهم مَن مِن الاثنين تريدون أن أُطلق لكم، فقالوا باراباس،
قال لهم بيلاطس فماذا أفعل بيسوع الذي يُدعى المسيح،
قال له الجميع ليُصلب،
فقال الوالي وأيّ شرّ عمل،
فكانوا يزدادون صراخاً قائلين ليُصلب،
فلما رأى بيلاطس انه لا ينفع شيئاً بل بالحريّ يُحدث شغب،
أخذ ماء وغسل يديه قدّام الجمع قائلاً إني بريء من دم هذا البارّ،
أبصروا أنتم ، فأجاب جميع الشعب وقالوا دمه علينا وعلى أولادنا،
حينئذ أطلق لهم باراباس، واما يسوع فجلده وأسلمه ليُصلب. (متّى 27: 20-26)
في هذه الفقرات يستكمل متّى قصة التخيير، فبعد أن حرّض رؤساء اليهود الشعب على المطالبة بباراباس وإهلاك يسوع، نقرأ أن بيلاطس سأل اليهود عن السبب الذي من أجله يطلبون صلب يسوع فازداد صراخهم ليُصلب، وعندها رأى أن عدم صلب يسوع يمكن أن يحدث شغباً، وهنا لا بد من وقفة مع هذا الكلام إذ ان من يقرأ هذه الكلام يظن أن اليهود هم سادة الرومان وليس العكس، كما انه يُنسينا قول لوقا أن بيلاطس من شدة عنفه كان يخلط دماء أعدائه بذبائحهم، فكيف يخاف بيلاطس ممثل قيصر والإمبراطورية الرومانية العظمى من اليهود، وكيف سيوافق على إطلاق باراباس الذي كان مشاركاً في فتنة أحدثت قتلاً، وان لم يذكر هذا الأمر متّى إلا إن لوقا ذكره، ويصلب يسوع الذي ظهر له ولهيرودس انه لا يوجد به علة توجب الموت؟!
ثم يكتب متّى أن بيلاطس استسلم لرغبة اليهود فغسل يديه لإعلان براءته من دم يسوع!
وهنا نجد موقفاً مخالفاً لطبيعة بيلاطس الذي يخلط دماء أعداءه بذبائحهم، كما ان هذا الكلام يتناقض مع طبيعة القوانين الرومانية التي كانت تسمح للإنسان بحق الحصول على محاكمة عادلة، وهذا الكلام ليس من الخيال، بل هو ما صرحت به مصادر الكنائس، وأعني بها رسالة أعمال الرسل وهي مكتوبة أيضاً بسوق من الروح المقدس كما تقول الكنائس، ففي أعمال الرسل قصة تقول أن بولس عندما أُلقي القبض عليه وحاول اليهود قتله، طالب بمحاكمة في روما وعندها لم يستطع الوالي في ذلك الوقت سوى الرضوخ لطلب بولس، فبمجرد ان طلب بولس المحاكمة في روما وعدم الاكتفاء بالمحاكمة الأولى لم يستطع الوالي سوى تنفيذ رغبة بولس، (أعمال الرسل الإصحاحات 22 و23 و24)، فكيف هنا في محاكمة يسوع لم يستطع بيلاطس الوالي أن ينفذ العدالة على يسوع، وهو يعلم انه بريء، ويخضع لمشيئة اليهود الذين هم خاضعين أصلاً لمشيئته ودافعين له الجزية؟!
وأما القول بان بيلاطس غسل يديه وان اليهود قالوا إن دمه عليهم وعلى أبنائهم فهو من باب عدم رغبة  كتبة الأناجيل بإظهار قدر كبير من الكراهية تجاه بيلاطس ومن يُمثل، وتركيز الكراهية تجاه اليهود وأبنائهم، وإلا فبيلاطس هو المسبب الرئيس في عملية الصلب على الرغم من كل مشاغبات اليهود وصراخهم فهو من أصدر الأمر بالصلب، وغسل يديه لا ينفعه لو كان الأمر قد حدث فعلاً، وسنرى لاحقاً ان ما أقوله صحيحاً، لأن يسوع في قصة محاكمته التي كتبها يوحنا بعد أن أنهى حواره مع بيلاطس بدلاً من أن يقول الويل والهلاك لك يا بيلاطس لأنك أصدرت هذا الحكم، نجده يقول ويل للذي أسلمني إليك!
ومرقس كتب عن التخيير فقال:
- فأجابهم بيلاطس قائلاً أتريدون ان أطلق لكم ملك اليهود،
لانه عرف ان رؤساء الكهنة كانوا قد أسلموه حسداً،
فهيج رؤساء الكهنة الجمع لكي يطلق لهم بالحري باراباس،
فأجاب بيلاطس أيضاً وقال لهم فماذا تريدون أن أفعل بالذي تدعونه ملك اليهود،
فصرخوا أيضاً اصلبه،
فقال لهم بيلاطس وأي شرّ عمل،
فازدادوا جداً صراخاً اصلبه،
فبيلاطس إذ كان يُريد ان يعمل للجمع ما يرضيهم أطلق لهم باراباس وأسلم يسوع بعد ما جلده ليُصلب. (مرقس 15: 9-15) 
هذه الفقرات تحمل ذات المعنى في قصة متّى من أن اليهود أسلموا يسوع حسداً له، وان بيلاطس كان يريد أن يعمل لليهود ما يرضيهم فأطلق لهم باراباس وأسلم يسوع بعدما جلده، وهنا ترجع شخصية بيلاطس النزقة والعنيفة، إذ انه كما تقول الأناجيل كان مقتنعاً بعدم وجود علة في يسوع توجب الموت، وان امرأته حذرته من التعرض ليسوع وان اليهود أسلموه حسداً وانه غسل يديه من دم يسوع فلماذا جلده؟!
لماذا كتب كتبة الأناجيل ان بيلاطس جلد يسوع بعد كل هذه المعلومات التي تشير إلى عدم رضاه عن عملية الصلب؟!
وأما لوقا فكتب عن عملية التخيير كما في النص التالي:
- فدعا بيلاطس رؤساء الكهنة والعظماء والشعب، وقال لهم قد قدّمتم اليّ هذا الانسان كمن يُفسد الشعب،
وها أنا فحصت قدّامكم ولم أجد في هذا الانسان علّة مما تشتكون به عليه، ولا هيرودس أيضاً، لاني أرسلتكم اليه، وها لا شيء يستحق الموت صُنع منه، فأنا أُؤدبه وأُطلقه،
وكان مضطراً ان يطلق لهم كل عيد واحداً،
فصرخوا بجملتهم قائلين خذ هذا وأطلق لنا باراباس،
فناداهم أيضاً بيلاطس وهو يريد ان يطلق يسوع،
فصرخوا قائلين اصلبه اصلبه،
فقال لهم ثالثة فأي شرّ عمل هذا، اني لم أجد فيه علّة للموت،
فانا أؤدبه وأطلقه،
فكانوا يلجون بأصوات عظيمة طالبين أن يصلب، فقويت أصواتهم وأصوات رؤساء الكهنة،
فحكم بيلاطس ان تكون طلبتهم،
فأطلق لهم الذي طرح في السجن لأجل فتنة وقتل الذي طلبوه، وأسلم يسوع لمشيئتهم. (لوقا 23: 13-25)
في هذا النص يقول لوقا ان بيلاطس كان مضطراً أن يُطلق لهم في كل عيد سجيناً، وأنا لست أدري ما معنى هذا الاضطرار لوالي يمثل أعظم دولة في العالم في ذلك الوقت؟!
ولكن السؤال الأهم وهو، حتى لو كان مضطراً، لو أنه أطلق لهم يسوع وهو يعلم انه لا يستحق الموت فماذا ستكون ردة فعل اليهود؟
قد يقول قائل إن اليهود سيشتكون عليه باعتبار أن يسوع يُفسد الشعب ويدعو إلى عدم إعطاء الجزية لقيصر وانه يريد إحداث فتنة كما كتب يوحنا في إنجيله، ولكن بيلاطس يستطيع أن يدافع عن قراره هذا بأن يسوع يدفع الجزية وأنه يأمر أتباعه بطاعة أوامر قيصر والخضوع له ودفع الجزية، كما ان اليهود هم من يسعون في الفتنة وإفساد الشعب لأنهم يطلبون إطلاق رجل كان مشاركاً في فتنة!
وأخيراً كتب يوحنا عن عملية التخيير فقال:
- قال له بيلاطس ما هو الحق، ولما قال هذا خرج ايضاً الى اليهود وقال لهم انا لست أجد فيه علة واحدة، ولكم عادة ان أُطلق لكم واحداً في الفصح،
أفتريدون ان أُطلق لكم ملك اليهود،
فصرخوا أيضاً جميعهم قائلين ليس هذا بل باراباس، وكان باراباس لصاً. (يوحنا 18: 38-40)
في هذه الفقرات يقول يوحنا ان من عادة بيلاطس أن يطلق لليهود سجيناً واحداً في الفصح، أي انه ليس مضطراً كما كتب الباقون بل هي عادة، والذي عنده عادة يفعلها كما يشاء ولا دخل للآخرين بها لأنها ليست قانوناً أو اضطراراً، فلو أطلق لهم يسوع لما كان لليهود حجة في رفض إطلاقه لان بيلاطس يكون قد قام بعادته!
وأما قول يوحنا ان باراباس كان لصاً، فهذا كي يتوافق مع آخر قصته التي أشار فيها إلى أن اليهود هددوا بيلاطس بالشكوى عليه عند قيصر بأنه لا يحبه إذا أطلق يسوع الذي يقول عن نفسه انه ملك وانه يقاوم سلطة قيصر، فلو كتب يوحنا ان باراباس كان مسجوناً في فتنة لانتفت حجة اليهود، لهذا قال إن باراباس كان لصاً، مخالفاً بهذا القول مرقس ولوقا اللذان كتبا إنجيليهما أيضاً بسوق من الروح المقدس كما تقول الكنائس!
إلى هنا تنتهي عملية التخيير وتبدأ عملية تسليمه لهم، فكيف تمت هذه العملية بحسب الأناجيل.
تسليم يسوع لليهود
- فلما رأى بيلاطس انه لا ينفع شيئاً بل بالحري يُحدث شغب،
أخذ وغسل يديه قدّام الجمع قائلاً اني بريء من دم هذا البار،
أبصروا أنتم ، فأجاب جميع الشعب وقالوا دمه علينا وعلى أولادنا،
حينئذ أطلق لهم باراباس واما يسوع فجلده وأسلمه ليُصلب. (متّى 27: 24-26)
هذه الفقرات كنت قد تعرضت لها بالنقاش سابقاً فأغنى عن الإعادة، ولكن كما نقرأ فإن بيلاطس غسل يديه من دم يسوع، واليهود قالوا إن دمه علينا وعلى أولادنا، ثم قام بيلاطس بجلد يسوع وأسلمه ليصلب.
- فبيلاطس إذ كان يريد ان يعمل للجمع ما يُرضيهم أطلق لهم باراباس وأسلم يسوع بعد ما جلده ليُصلب. (مرقس 15: 15)
وهنا مرقس يذكر جلد يسوع قبل تسليمه لليهود، مع انه لم يذكر أن بيلاطس غسل يديه من دم يسوع ولا أن اليهود قالوا إن دمه عليهم وعلى أولادهم.
- فحكم بيلاطس ان تكون طلبتهم،
فاطلق لهم الذي طرح في السجن لأجل فتنة وقتل الذي طلبوه، وأسلم يسوع لمشيئتهم. (لوقا 23: 24-25)
في هذا النص يذكر لوقا أن بيلاطس أطلق لهم باراباس الذي طرح في السجن لأجل فتنة وقتل، وأسلم يسوع لمشيئتهم.
كما نقرأ فإن متّى ومرقس ولوقا اتفقوا تقريباً في تفاصيل عملية تسليم يسوع لليهود فماذا عن يوحنا؟
فحينئذ أخذ بيلاطس يسوع وجلده وضفر العسكر اكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه وألبسوه ثوب أرجوان، وكانوا يقولون السلام يا ملك اليهود وكانوا يلطمونه.
كما هو ظاهر فان بيلاطس بعد المناقشة الأولى مع اليهود قام بجلد يسوع، ووضع الجند إكليلاً من الشوك على رأسه وألبسوه ثوب أرجوان قبل تسليمه، بخلاف قول متّى الذين قال إن إلباس يسوع رداء قرمزياً ووضع إكليل الشوك على رأسه كان بعد تسليمه لليهود، كما انه يخالف قول مرقس الذي ذكر قصة تشبه قصة متّى، وأما لوقا فلم يذكر شيئاً عن إكليل الشوك وان ذكر أن هيرودس، وليس بيلاطس، قام بإلباس يسوع لباساً لامعاً للاستهزاء به!
- فخرج بيلاطس أيضاً خارجاً وقال لهم ها أنا أُخرجه اليكم لتعلموا اني لست أجد فيه علة واحدة،
فخرج يسوع خارجاً وهو حامل اكليل الشوك وثوب الارجوان فقال لهم بيلاطس هو ذا الانسان.
وهذه الفقرات لم يتعرض لها أحد من كتبة الأناجيل الآخرين، وان كنت استغرب تصرف بيلاطس وهو يُخرج يسوع بعد أن جلده حاملاً إكليل الشوك وثوب الأرجوان ثم يقول انه لا يجد فيه علة!
فبيلاطس يجلد يسوع ويحمله إكليل الشوك وثوب الأرجوان وهو لا يجد فيه علة، فكيف لو وجد فيه علة؟!
- فلما رآه رؤساء الكهنة والخدام صرخوا قائلين اصلبه اصلبه،
قال لهم بيلاطس خذوه أنتم واصلبوه لأني لست أجد فيه علة،
أجابه اليهود لنا ناموس وحسب ناموسنا يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الإله.
الفقرة الأخيرة هي التي أشرت إليها عندما قال اليهود لبيلاطس ان ناموسهم لا يجيز قتل أحد، وعقّب يوحنا بالقول إلى أن هذا يشير إلى أية موتة كان مزمعاً يسوع أن يموت، وكما قلت فإن الجميع يعلم أن شريعة اليهود تقضي بحكم الموت والقتل في عدد كبير من القضايا فكيف قالوا هناك ان شريعتهم لا تجيز لهم قتل أحد وهنا قالوا إن شريعتهم تجيز قتل يسوع لأنه جعل نفسه ابن إله!
إن أول ما يتبادر إلى عقول الطيبين من أتباع الكنائس المختلفة أن التناقض في أقوال اليهود مرجعه إلى ان رؤساء الكهنة كانوا لا يتحاشون الكذب في سبيل قتل يسوع!
وأما أنا فأقول إن ذكر يوحنا لهذين القولين جاء بقصد معين، وهو الإيحاء بأن ما قاله اليهود في كل مرة يحمل قصداً وسبباً في إثبات القصة، فقوله الأول كان لإثبات طريقة موت يسوع على الصليب وهو حيّ، لأن شريعة اليهود تقول إن الرجل الذي يستحق عقوبة الموت يُقتل أولاً ثم يُعلق، ويوحنا كان يريد أن يُعلق يسوع على الصليب حيّاً ومن ثم يموت، فبحسب شريعة اليهود لا يستطيع كتابة قصة تتحدث عن هذه الطريقة في تنفيذ الحكم، لهذا كتب ان اليهود قالوا لبيلاطس ان شريعتهم لا تجيز قتل أحد، حتى يتم تنفيذ القتل بحسب شريعة الرومان التي تعتبر الصلب نفسه هو عقوبة القتل، إذ كانوا يُعلقون المستحق للقتل على الخشبة حتى يموت، وأما قوله هنا ان يسوع مستحق للموت بحسب ناموسهم فلأنه كان يريد سبباً لقتل يسوع! لأنه لم يثبت سبباً لقتله عند بيلاطس ولا هيرودس كما ذكرت الأناجيل، لأنه بحسب شريعة اليهود فان كل من يجدف على الرب، أي يقول أو يعمل كفراً، فانه يستحق الموت، ومن يقول عن نفسه أنه إله وابن إله فانه يقوم بأعظم أنواع الكفر والتجديف الذي يستحق بموجبه الموت أو القتل، وأما في شريعة الرومان الوثنية القائمة أصلاً على تعدد الآلهة والخرافات فان هذا القول لا يشكل جريمة تستحق القتل، لهذا اضطر يوحنا لكتابة هذا القول كي يجد سبباً للحكم على يسوع بالموت بحسب شريعة اليهود، وتنفيذ الحكم على الصليب وهو حيّ بحسب شريعة الرومان، ولكن فات يوحنا أن اليهود في ذلك الوقت لم يكونوا هم الحكام بل كانوا عبيداً عند الرومان، وان من أصدر الحكم هو بيلاطس وليس الكهنة، ولكن يوحنا الذي لم يجد سبباً لقتل يسوع بحسب قوانين روما، وهو ما صرح به بيلاطس عندما قال انه لا يجد علة في يسوع توجب الموت أو القتل، اضطر في نهاية الأمر إلى القول إن سبب موت يسوع كان لأنه قال عن نفسه أنه إله وابن إله وهذا يوجب الموت أو القتل بحسب شريعة اليهود!
- فلما سمع بيلاطس هذا القول ازداد خوفاً،
فدخل أيضاً الى دار الولاية وقال ليسوع من أين أنت،
وأمّا يسوع فلم يُعطه جواباً،
فقال له بيلاطس أما تكلمني، ألست تعلم ان لي سلطاناً ان أصلبك وسلطاناً ان أطلقك،
أجاب يسوع لم يكن لك عليّ سلطان ألبتة لو لم تكن قد أُعطيت من فوق،
لذلك الذي أسلمني اليك له خطية أعظم.
في هذه الفقرات ينقلنا يوحنا إلى جانب آخر من العلاقة بين يسوع وبيلاطس أثناء المحاكمة فبعد أن سمع بيلاطس قول اليهود عن يسوع انه قال عن نفسه ابن إله ازداد بيلاطس خوفاً مما يشير إلى أن بيلاطس كان خائفاً قبل هذا القول وازداد بعده خوفاً، وهذه الصفة لم تظهر عليه وهو يأمر بجلد يسوع! إلا أننا سنتجاوز هذه الصفة ونقرّ ليوحنا بها لنرى أثر هذه الصفة على بيلاطس فهو عندما أدخل يسوع لدار الولاية مرة ثانية سأله من أين أنت؟
فقال يوحنا ان يسوع لم يعط جواباً، وهنا نجد أن يسوع ما زال مصرّاً على عدم إعلان صفته التي تقولها عنه قوانين إيمان الكنائس.
لماذا لم يُعلن يسوع صفته لبيلاطس وهو يعلم انه سيُصلب بعد قليل؟
لا أحد يعلم ويوحنا لم يقل لنا لماذا لم يُعط يسوع جواباً!
ولكن بيلاطس كما يقول يوحنا لم ييأس من إقناع يسوع بالإجابة على أسئلته كي لا يصلبه، فقال له ألست تعلم أن بقدرتي عدم الحكم عليك بالصلب وأنني أيضاً استطيع الحكم عليك بالصلب.
وهنا يأتي جواب يسوع الذي يهدم قوانين إيمان الكنائس القائلة أن يسوع أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد، فيقول لبيلاطس انه ليس له عليه سلطان لو لم يكن أُعطي لك من فوق، وهذا يدل على إن يسوع  لا يعتبر نفسه أحد الأقانيم الثلاثة، أو أنه لم يسمع بها، أو أنها ليست موجودة أصلاً، وإلا لقال لبيلاطس إن هذا السلطان أُعطي لك مني!
ولكن كيف سيكتب يوحنا ان يسوع قال لبيلاطس ان سلطانه وقوته منه، وهو سيكتب أن بيلاطس بعد قليل سيحكم على يسوع بالموت والصلب، وقبلها كتب أنه جلده؟!
لهذا كتب يوحنا ان سلطان بيلاطس من فوق، مع علمه وعلم الكنائس ان هذا القول ينقض قانون الأقانيم الثلاثة، هذا إذا كان قد سمع عنه!
ثم كتب أن يسوع قال لذلك الذي أسلمني اليك له خطية أعظم!
وهذا القول يمثل مفاجأة للناس، إذ كانوا يتوقعون من يسوع أن يوجه هذا القول الى بيلاطس، ولكن يسوع يوجه كلامه الشديد الى الخائن يهوذا، وهذا ما أشرت إليه سابقاً من ان كتبة الأناجيل كانوا حريصين على عدم إثارة العداوة والكراهية تجاه الرومان والقيصر وولاته.
- من هذا الوقت كان بيلاطس يطلب ان يطلقه ولكن اليهود كانوا يصرخون قائلين ان أطلقت هذا فلست محباً لقيصر، كل من يجعل نفسه ملكاً يقاوم قيصر،
فلما سمع بيلاطس هذا القول اخرج يسوع وجلس على كرسي الولاية في موضع يقال له البلاط وبالعبرانية جباثا،
وكان استعداد الفصح ونحو الساعة السادسة،
فقال لليهود هو ذا ملككم، فصرخوا خذه خذه اصلبه،
قال لهم بيلاطس أأصلب ملككم،
أجاب رؤساء الكهنة ليس لنا ملك الا قيصر،
فحينئذ أسلمه اليهم ليُصلب. (يوحنا 19: 1-16)
هذه الفقرات تتحدث عن قول اليهود ان يسوع يقول عن نفسه انه ملك وأنهم سيشتكون على بيلاطس إن هو أطلق يسوع، وكنت قد ناقشت ما فيها من تناقضات سابقاُ فأغنى عن إعادته.
وما أود الإشارة إليه هنا هو قول يوحنا ان صلب يسوع بدأ في الساعة السادسة وهو ما يتناقض مع الأناجيل الأخرى التي قالت ان يسوع صُلب في الساعة الثالثة. (مرقس 15: 25)!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق