الأحد، 25 يناير 2015

الفصل الأول: حياة يسوع: قصة دفن يسوع في قبر وقيامته وظهوره للتلاميذ وصعوده الى السماء في الأناجيل عرض ونقد

الفصل الأولحياة يسوع
في هذا الفصل سأستعرض حياة يسوع في مختلف مراحلها، من ولادته إلى صلبه وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السماء، مع مقارنة النصوص بعضها ببعض كما وردت في الأناجيل، ومقارنة تلك النصوص مع نصوص العهد القديم عند اقتباس كتبة الأناجيل من العهد القديم، لنرى إن كان مؤلفو الأناجيل قد كتبوا قصة واحدة عن حياة يسوع أم أن كل واحد منهم كتب قصة مختلفة عن الآخرين بحسب معلومات كل واحد منهم والمصادر التي كان يعتمد عليها، وكذلك لنرى صحة ما اقتبسوه في الأناجيل من نصوص العهد القديم، وسأبدأ باستعراض النسبين اللذين وضعهما متّى ولوقا ليسوع في إنجيليهما ثم نباشر في قراءة حياة يسوع.
دفن يسوع في قبر
بعد إنزال يسوع من على الصليب تبدأ الأناجيل بالحديث عن تكفينه ودفنه، فنقرأ النصوص التالية:
- ولما كان المساء جاء رجل غني من الرّامة اسمه يوسف وكان هو أيضاً تلميذاً ليسوع،
فهذا تقدم الى بيلاطس وطلب جسد يسوع،
فأمر بيلاطس حينئذ أن يُعطى الجسد، فأخذ يوسف الجسد ولفه بكتان نقي،
ووضعه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة ثم دحرج حجراً كبيراً على باب القبر ومضى، وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الاخرى جالستين تجاه القبر. (متّى 27: 57-61)  
- ولما كان المساء إذ كان الاستعداد أي ما قبل السبت جاء يوسف الذي من الرّامة مشير شريف وكان هو أيضاً منتظراً مملكة الاله فتجاسر ودخل الى بيلاطس وطلب جسد يسوع،
فتعجب بيلاطس أنه مات كذا سريعاً،
فدعا قائد المئة وسأله هل له زمان قد مات،
ولما عرف من قائد المئة، وهب الجسد ليوسف،
فاشترى كتاناً فانزله وكفنه ووضعه في قبر كان منحوتاً في صخرة ودحرج حجراً على باب القبر،
وكانت مريم المجدلية ومريم أُم يوسي تنظران اين وضع. (مرقس 15: 42-47)
- وإذا رجل اسمه يوسف وكان مشيراً ورجلاً صالحاً بارّاً، هذا لم يكن موافقاً لرأيهم وعملهم وهو من الرّامة مدينة لليهود، وكان هو أيضاً ينتظر مملكة الاله،
هذا تقدم الى بيلاطس وطلب جسد يسوع، وأنزله ولفه بكتان ووضعه في قبر منحوت حيث لم يكن أحد وُضع قط،
وكان يوم الاستعداد والسبت يلوح، وتبعته نساء كن قد أتين معه من الجليل ونظرن القبر وكيف وضع جسده، فرجعن وأعددن حنوطاً وأطياباً، وفي السبت استرحن حسب الوصية. (لوقا 23: 50-56)
- ثم ان يوسف الذي من الرامة وهو تلميذ يسوع ولكن خفية لسبب الخوف من اليهود سأل بيلاطس ان يأخذ جسد يسوع فأذن بيلاطس فجاء وأخذ جسد يسوع،
وجاء أيضاً نيقوديموس الذي أتى أولاً الى يسوع ليلاً وهو حامل مزيج مرّ وعود نحو مئة منّاً، فأخذا جسد يسوع ولفّاه بأكفان مع الاطياب كما لليهود عادة ان يكفنوا،
وكان في الموضع الذي صُلب فيه بستان وفي البستان قبر جديد لم يوضع فيه أحد قط،
فهناك وضعا يسوع لسبب استعداد اليهود، لان القبر كان قريباً. (يوحنا 19: 38-41)
تتفق الأناجيل الأربعة كما قرأنا على ان يوسف الذي من الرامة هو من قام بتكفين يسوع بكتان نقيّ ودفنه، وان اختلفت صيغ الإشارة لذلك، فمرقس ولوقا قالا إن يوسف لفه بكتان، وهذا للإيحاء بان يسوع لم يتم تكفينه بطريقة مناسبة مما يستدعي تكفينه مرة أخرى، وهو ما كتباه عن قيام مريم المجدلية بمحاولة تكفين يسوع كي يكون هناك مبرر للكشف عن قيامة يسوع من الأموات!
مع أنهما أوضحا أن يوسف قام بتكفين يسوع، وزاد يوحنا الأمر إيضاحا بقوله إن نيقوديموس الذي أتى أولاً إلى يسوع ليلاً وهو حامل مزيج مرّ وعود نحو مئة منّاً، فأخذا جسد يسوع ولفّاه بأكفان مع الأطياب كما لليهود عادة أن يكفنوا، فيوحنا يقول إن يسوع قد كُفّن كما هي عادة اليهود في التكفين، مما تنتفي به حجة مرقس ولوقا القائلة إن سبب ذهاب مريم المجدلية للقبر هو تكفين يسوع!
كما نلاحظ أن متّى ومرقس حددا وقت أخذ يوسف لجسد يسوع ودفنه مساء، في حين أن لوقا حاول أن يظهر عكس ذلك بقوله  وكان يوم الاستعداد والسبت يلوح، كي يُبقي يسوع وتلاميذه ملتزمين بشريعة اليهود في السبت حتى بعد مماته، وهو ما لم تلتزم به الكنائس فيما بعد.
وأنا أتساءل عن السبب الذي دفع كتبة الأناجيل لكتابة قصص تتعارض فيما بينها لإظهار أن يسوع قام من الأموات، ألم يكن باستطاعتهم أن يقولوا ان النسوة ذهبن لزيارة القبر فتبين لهن انه فارغ ثم يكملوا كتابة الأناجيل بعيداً عن هذه التناقضات، مع العلم أن التلاميذ كما ذكرت الأناجيل لم يصدقوا قولهن أنه قام من القبر!
فهل عدم تصديق التلاميذ للنسوة اللواتي قلن أنهن لم يجدن يسوع في القبر جاء من الحجة التي ذهبن بها إلى القبر، أي إن التلاميذ لم يصدقوا قولهن أنهن ذهبن إلى القبر ليُكفّن يسوع لأن يوسف الذي من الرامة كان قد كفّن يسوع وبالتالي اعتبروهن كاذبات فيما قلنه عن قيامة يسوع من القبر لأنه لا يوجد سبب لذهابهن؟!
أم إن التلاميذ لم يُصدقوهن لأنهم كانوا عديمي الإيمان كما كتب مرقس على لسان يسوع:
- واخيراً ظهر للأحد عشر وهم متكئون،
ووبخ عدم ايمانهم، وقساوة قلوبهم،
لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام. (مرقس 16: 14) 
وكل هذه الأقوال لن تستطيع إخفاء أن مدة بقاء يسوع في القبر تتناقض مع قوله انه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال فان ابن الإنسان، سيبقى في بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال، لأنه كيفما حسبت هذه المدة التي تذكرها الأناجيل عن بقاء يسوع في القبر فإنها لن تحقق كلامه!
كما نلاحظ أيضاً أن الأناجيل اتفقت على أن القبر لم يكن قد دفن فيه أحد مما يتناقض مع النصوص المكتوبة في سِفر إشعياء التي قال كتبة الأناجيل أنها تتحدث عن يسوع والتي سبق وشرحتها عند مناقشة قول وأُحصي مع أثمة، وجعل مع الاشرار قبره، ومع غني عند موته، فهو لم يُجعل قبره مع الأشرار ولم يُدفن مع غني عند موته!
حراسة قبر يسوع
وبعد دفنه يكتب متّى وحده عن عمل قام به رؤساء الكهنة فقال:
- وفي الغد بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون الى بيلاطس،
قائلين يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المُضِلّ قال وهو حيّ إني بعد ثلاثة أيام أقوم،
فَمُرْ بضبط القبر الى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلاً ويسرقوه ويقولوا للشعب انه قام من الأموات، فتكون الضلالة الأخيرة أشرّ من الأُولى،
فقال لهم بيلاطس عندكم حرّاس، اذهبوا واضبطوه كما تعلمون،
فمضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر. (متّى 27: 62-66)
في هذا النص يقول متّى ان رؤساء الكهنة اجتمعوا ببيلاطس وطلبوا منه أن يُرسل جنداً ليحرسوا القبر كي لا يأتي تلاميذ يسوع ويأخذوا الجسد ويقولوا للناس إن يسوع قام من القبر فتكون فتنة أشرّ من الأولى!
وأول ما يخطر على قلب الإنسان وهو يقرأ هذه الفقرات هو التعجب، لان التلاميذ الذين أشار إليهم رؤساء الكهنة هم أنفسهم لم يصدقوا أن يسوع قام من الأموات، لا بل إن بعضهم لم يصدق حتى وضع أصابعه ويده في جراح يسوع كما تذكر الأناجيل، فكيف سيفكرون في أخذ الجسد للقول انه قام من الأموات؟!
قيامة يسوع من الأموات
وقبل شروق شمس يوم الأحد تذهب بعض النسوة لزيارة القبر فتحدث مفاجأة إذ يجدن القبر فارغاً والحجر مدحرجاً، ومن ثم يبدأ يسوع بالظهور للتلاميذ، فماذا كتبت الأناجيل عن هذا الأمر؟
قيامة يسوع كما كتبها متّى
- وبعد السبت عند فجر أول الاسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الاخرى لتنظرا القبر،
واذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه،
وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج،
فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات،
فأجاب الملاك وقال للمرأتين لا تخافا أنتما،
فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب،
ليس هو ههنا لأنه قام كما قال،
هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعاً فيه،
واذهبا سريعاً قولا لتلاميذه انه قد قام من الأموات،
ها هو يسبقكم الى الجليل، هناك ترونه،
ها أنا قد قلت لكما،
فخرجتا سريعاً من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه،
وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما،
فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له،
فقال لهما يسوع لا تخافا، اذهبا قولا لاخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني. (متّى 28: 1-10)
هذا النص بحسب ترتيب الأناجيل في الطباعة يُعتبر الأول الذي تحدث عن قيامة يسوع من الأموات، وسأبدأ بمناقشته لنرى في نهاية الأمر ونهاية النصوص مدى توافق الأناجيل الأربعة مع بعضها البعض في ذكر قصة قيامة يسوع من الأموات وموقف التلاميذ منها.
كما نقرأ في النص فإنه وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى، أي أُم يعقوب ويوسي، لتنظرا القبر، فمتّى حدد الوقت بقوله عند الفجر وحدد السبب بقوله لتنظرا القبر ولكنه لم يذكر أي شيء عن الحنوط ولا الطيب، ثم يقول واذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه، وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج، وهذا الوصف الدقيق لما حدث عند وصول مريم المجدلية ومريم الأُخرى، من حدوث زلزلة عظيمة لدحرجة ملاك الرب لحجر ووصفه له بدقة متناهية فملاك الرب بعد دحرجة الحجر جلس عليه وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج، يدل على علم متّى الكبير.
وهنا لا بد من طرح سؤال وهو هل دحرجة حجر من باب قبر يمكن أن يحدث زلزلة عظيمة، مع ان متّى نفسه يقول إن يوسف عندما دفن يسوع دحرج ذات الحجر ليغلق القبر ولم تُحدث هذه الدحرجة زلزالاً؟!
- ووضعه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة ثم دحرج حجراً كبيراً على باب القبر ومضى. (متّى 27: 60)
ونحن نقرأ أيضاً في إنجيل يوحنا عندما أحيا يسوع لعازر أمر بعض الرجال بدحرجة الحجر الذي على قبر لعازر ولم يحدث زلزال! ثم جلوس ملاك الرب على الحجر وهو كما يصفه متّى كالبرق فكيف سيسعه الحجر إلا إذا كان برقاً صغيراً.
ثم يقول فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات، وهذا الحديث عن الحراس هو استكمال لقصة طلب اليهود من بيلاطس وضع حراس على القبر خوفاً من قيام التلاميذ بسرقة الجسد والقول إن يسوع قام من الأموات، مع أن التلاميذ في ذلك الوقت لم يكونوا يفكرون سوى بتخليص أنفسهم من اليهود لأنهم كانوا خائفين منهم.
وهل فقدان جسد من قبر يعني قيامة صاحب الجسد من الأموات، هذا ما سنعرفه من خلال ردة فعل التلاميذ على من قال لهم إن يسوع غير موجود في قبره.
ثم يكتب متّى عن الكلام الذي قاله الملاك لمريم المجدلية ومريم الأُخرى فقال فأجاب الملاك وقال للمرأتين لا تخافا أنتما، فاني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب، ليس هو ههنا لأنه قام كما قال، هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعاً فيه، انه قد قام من الأموات، في هذا الكلام تأكيد من ملاك الرب على أن يسوع كان قد قال لتلاميذه بكلام واضح أنه سيقوم من الأموات، مما يعني أن الأقوال المنسوبة للتلاميذ أنهم لم يكونوا يعلمون أن يسوع سيقوم من الأموات غير صحيحة، وبحاجة إلى تفسير من الكنائس التي تقول ان الروح المقدس كان يسوق الكتبة، وهذه النصوص مذكورة في أناجيل مرقس ولوقا ويوحنا، وفيما يلي بعض منها:
- لأنه كان يُعلم تلاميذه ويقول لهم إن ابن الانسان يُسلم الى أيدي الناس فيقتلونه،
وبعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث،
وأمّا هم فلم يفهموا القول وخافوا أن يسألوه. (مرقس 9: 31-32)
ويقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم،
واما هم فلم يفهموا من ذلك شيئاً، وكان هذا الأمر مُخفىً عنهم،
ولم يعلموا ما قيل. (لوقا 18: 31-34)
لانهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب انه ينبغي أن يقوم من الأموات، فمضى التلميذان أيضاً الى موضعهما. (يوحنا 20: 9-10)
ثم يُكمل متّى مساقاً بالروح المقدس كلامه فيقول على لسان الملاك ها هو يسبقكم الى الجليل، هناك ترونه، ها أنا قد قلت لكما، أظن أن الكلام واضح ودقيق، ها هو يسبقكم إلى الجليل هناك ترونه، ويُنهي ملاك الرب كلامه فيقول ها أنا قد قلت لكما، لتأكيد أنه يتكلم مع مريم المجدلية ومريم الأُخرى.
ثم يتابع متّى سرد تفاصيل القصة فيقول فخرجتا سريعاً من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه، وهنا يقول متّى إنهما خرجتا من القبر لتخبرا التلاميذ بما سمعتاه من ملاك الرب وأن يسوع قام من القبر وأنه سيسبقهم إلى الجليل وهناك يرونه، ولكن في الطريق تحدث مفاجأة، فيكتب متّى وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما، فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له، فمتّى كتب أن يسوع نفسه ظهر لهما في الطريق قبل أن يظهر للتلاميذ في الجليل كما قال ملاك الرب، وهذا الظهور أظنه لتأكيد كلام الملاك لأن يسوع يعلم قلة إيمان التلاميذ فهم قد لا يصدقوا مريم المجدلية ومريم الأخرى إذا قالتا إنهما شاهدتا ملاكاً وقال لهما أن يسوع سيلتقي بهم في الجليل، فظهر يسوع نفسه للمرأتين وقال لهما تقريباً ذات الكلام الذي كتبه متّى على لسان ملاك الرب، فقال لهما لا تخافا، اذهبا وقولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني، وباختصار شديد فإن يسوع يقول انه سيلتقي بالتلاميذ في الجليل ولهذا عليهم الذهاب هناك لملاقاته، وهذا يعتبر أمراً ووصية من يسوع، فماذا ستكون ردة فعل هؤلاء على قول ملاك الرب وقول يسوع نفسه على الطلب منهم الذهاب إلى الجليل، هذا ما سنعرفه بعد قليل.
وبعد هذا الكلام ينتقل متّى بالحديث عن الحراس ورشوة اليهود لهم بالفضة كي يقولوا إن تلاميذ يسوع جاءوا وسرقوه ليلاً، فشاع هذا القول عند اليهود إلى هذا اليوم.
أي إن القصة المبنية على أحداث غير حقيقية تعتبر إشاعة، لنتذكر هذا القول جيداً لنرى إن كانت قصة الصلب والقيامة مبنية على حقائق أم لا.
ثم كتب متّى قصة لقاء التلاميذ بيسوع فقال:
- وأما الأحد عشر تلميذاً فانطلقوا إلى الجليل إلى الجبل حيث أمرهم يسوع ولما رأوه سجدوا له ولكن بعضهم شكّوا،
فتقدم يسوع وكلمهم قائلاً دفع اليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الأب والابن والروح المقدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام الى انقضاء الدهر. (متّى 28: 16-20)
في هذا النص يقول متّى أن التلاميذ التقوا بيسوع في الجليل، فهل وافقه الكتبة الآخرون على كلامه هذا؟
ثم أوصاهم بالتوجه الى الأُمم وتعميدهم ودعوتهم لحفظ جميع وصاياه، فهل حفظ التلاميذ والأُمم جميع وصايا يسوع؟
وبهذا يُنهي متّى إنجيله دون الحديث عن صعود يسوع الى السماء!
قيامة يسوع كما كتبها مرقس
وبعدما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه،
وباكراً جداً في أول الاسبوع أتين الى القبر اذ طلعت الشمس.
في هذه الفقرات يزيد مرقس امرأة جديدة اسمها سالومة حضرت إلى القبر، كما انه يحدد السبب الذي من أجله جاءت النساء فيقول إنهن جئن ليدهنّ جسد يسوع الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة بالحنوط!
كما يحدد الوقت الذي وصلن فيه إلى القبر بدقة أكثر من متّى فيقول انه كان وقت طلوع الشمس أو بتعبيره إذ طلعت الشمس، ثم يقول:
- وكن يقلن فيما بينهن من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر،
فتطلعن ورأين أن الحجر قد دُحرج، لأنه كان عظيماً جداً.
وهنا مرقس لا يذكر من الذي دحرج الحجر، ولا يتحدث عن الزلزلة التي حدثت، ولا عن جلوس ملاك الرب الذي كان كالبرق على الحجر، بل يكتفي بوصف الحجر فيقول انه كان عظيماً جداً، وينسى مرقس أنه كتب أن يوسف الذي من الرامة هو من دحرج ذلك الحجر عندما دفن يسوع وبالتالي فان الحجر لم يكن أكبر من قدرة رجل واحد على دحرجته ووضعه على باب القبر!
- فأنزله وكفنه بالكتان ووضعه في قبر كان منحوتاً في صخرة ودحرج حجراً على باب القبر. (مرقس 15: 46)
ولكن مرقس يزيدنا شكاً وحيرة إذ لم يقل لنا من الذي دحرج هذا الحجر العظيم جداً وينتقل بنا إلى موقف النسوة وهنّ داخل القبر فيقول:
- ولما دخلن القبر رأين شاباً جالساً عن اليمين لابساً حلة بيضاء،
فاندهشن، فقال لهن لا تندهشن.
ونحن مندهشون معهن فمتّى، وهو التلميذ المباشر، لم يخبرنا أن مريم المجدلية ومريم الأخرى وجدتا شاباً لابساً حلة بيضاء في القبر!
ثم يبدأ إعلان هذا الشاب، ولم يقل لنا مرقس إن كان هذا الشاب انساناً أو ملاكاً أو من المخلوقات الأُخرى، عن قيامة يسوع من الأموات، فيكتب:
- أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب، قد قام، ليس هو ههنا،
هو ذا الموضع الذي وضعوه فيه.
أي إن الشاب يُعلن للنسوة أن يسوع قام وأنه ليس ههنا، ولتأكيد كلامه يقول لهن هوذا الموضع الذي وضعوه فيه، وأنا لا أحب تتبع الأخطاء اللغوية في الأناجيل لأنها لم تكتب أصلاً باللغة العربية بل ترجمت عن لغات أجنبية ولكن أود أن أُشير إلى أنه كان يجدر بالمترجمين أن يكتبوا هوذا الموضع الذي وضعه فيه، لأن من قام بدفن يسوع كما كتب مرقس نفسه هو يوسف الذي من الرّامة وحده ولم يكن معه مجموعة من الناس.
ثم يكتب مرقس كلاماً على لسان الشاب الذي يلبس حلة بيضاء مشابهاً لما قاله ملاك الرب لمريم المجدلية ومريم الأُخرى في إنجيل متّى، فيقول:
- لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس انه يسبقكم إلى الجليل،
هناك ترونه كما قال لكم.
في هذا النص تأكيد لما كتبه متّى على أن يسوع سيلتقي بالتلاميذ في الجليل وهناك يرونه، وهذا الكلام من الممكن تقبّله من متّى عندما قال ليس هو ههنا لأنه قام كما قال، لأن متّى لم يكتب أن التلاميذ لم يفهموا ما قاله يسوع عن قيامته بل ذكر أن بطرس انتهره عندما قال ذلك تأكيداً منه على فهم التلاميذ لقيامة يسوع، ولكن هذا القول مستغرب من مرقس لأنه كتب وبعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث، وأمّا هم فلم يفهموا القول وخافوا أن يسألوه. (مرقس 9: 31-32)
فكيف يكتب أن الشاب لابس الحلة البيضاء كالثلج يستشهد بكلام يسوع إذا كان التلاميذ غير فاهمين؟
- فخرجن سريعاً وهربن من القبر،
لأن الرعدة والحيرة أخذتاهن،
ولم يقلن لأحد شيئاً لأنهن كن خائفات. (مرقس 16: 1-8)
وهنا يقول مرقس أن مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب وسالومة لم يُخبرن التلاميذ بما رأينه في القبر بخلاف متّى الذي قال إن مريم المجدلية ومريم الأُخرى خرجتا سريعاً لتخبرا التلاميذ، كما أنه لم يتحدث عن ظهور يسوع للنسوة كما قال متّى إن يسوع ظهر لمريم المجدلية ومريم الأُخرى في الطريق فأمسكتا بقدميه وسجدتا له.
والى هنا ينتهي إنجيل مرقس، ولكن بعض الكتبة أضافوا عليه الفقرات التالية الى نهاية الإنجيل، ووافقت الكنائس على اعتبار أن الفقرات التالية هي قانونية ويجب قبولها!
وأنا في هذا الكتاب سأُوافق على ما تقوله الكنائس وأُكمل الحديث بإعتبارها جزءاً من إنجيل مرقس!
وبعدما قام باكراً في أول الأُسبوع ظهر أولاً لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين.
وهنا يقول من أضاف هذه الفقرة الى إنجيل مرقس ان يسوع قام باكراً في أول الأسبوع وظهر لمريم المجدلية، ولا ندري ان كان يشير إلى ظهور يسوع لمريم قبل قدومها إلى القبر مع مريم أُم يعقوب وسالومة أم انه يقصد أنه ظهر لمريم عندما حضرن إلى القبر، فمرقس يقول في أول النص أنهن حضرن إذ طلعت الشمس وهنا يقول من أضاف الفقرة ان يسوع قام باكراً، فمتى ظهر يسوع لمريم؟
وإذا ظهر لمريم المجدلية وهي مع مريم أُم يعقوب وسالومة فلماذا لم يظهر لهما معاً؟
وبعد هذا الظهور يقول من أضاف الفقرات:
- فذهبت هذه وأخبرت الذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون،
فلمّا سمع أُولئك أنه حيّ وقد نظرته،
فلم يُصدقوا. (مرقس 16: 9-11)
وهنا نعود إلى ذات العلاقة بين يسوع وتلاميذه، فيسوع يقول قولاً والتلاميذ ينكرون أو لا يفهمون أو لا يصدقون، فهذه مريم التي أخبرتهم أنها نظرته وأنه حيّ فلم يُصدقوا!
بعد هذا الظهور يكتب من أضاف الفقرات عن ظهور آخر ليسوع ولكنه لا يحدد مكان الظهور لأن مرقس كتب سابقاً ان يسوع سيلتقي بالتلاميذ في الجليل، فيكتب:
وبعد ذلك ظهر بهيئة أُخرى لاثنين منهم وهما يمشيان منطلقين إلى البرية،
وذهب هذان وأخبرا الباقين، فلم يصدقوا ولا هذين. (مرقس 16: 12-13)
وهنا لم يبين من أضاف الفقرات طبيعة هذا الظهور، هل كان بالجسد المعروف أم بالروح أم بصفة لا يعرفها أحد!
ولماذا ظهر يسوع بهيئة أُخرى وهو لم يعد خائفاً من اليهود الذين قاموا بقتله، وهو قام من الأموات، أم ان يسوع يعتقد أن لليهود سلطاناً على تهديده وإخافته على الرغم من قيامته من الأموات؟!
ثم يكتب من أضاف الفقرات عن ظهور ثالث ليسوع، كما في النص التالي:
وأخيراً ظهر للأحد عشر وهم متكئون،
ووبخ عدم ايمانهم وقساوة قلوبهم،
لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام. (مرقس 16: 14)
وكما نقرأ فان من أضاف الفقرات لم يحدد مكان الظهور، واكتفى بالقول إن يسوع ظهر للتلاميذ وهم متكئون، وهذا مرجعه إلى ارتباطه بما كتبه مرقس سابقاً على لسان الشاب لابس الحلة البيضاء كالثلج بأن يسوع سيلتقي بهم في الجليل، ووَبّخ عدم إيمانهم وقسوة قلوبهم!
ثم يكتب من أضاف الفقرات بعد توبيخ يسوع للتلاميذ لعدم إيمانهم بأنه طلب منهم أن يذهبوا الى العالم ويبشروا بالإنجيل، ويقول ان من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يُدان، ثم يقول ان من آمن تتبعه بعض الآيات، كما في النص التالي:
- وقال لهم اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها،
من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يُدن،
وهذه الآيات تتبع المؤمنين،
1- يخرجون الشياطين باسمي،
2- ويتكلمون بألسنة جديدة،
3- ويحملون حيات وان شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم،
4- ويضعون أيديهم على المرضى فيبرؤون. (مرقس 16: 15-18)
وهنا بعيداً عن أن هذه الفقرات مضافة الى إنجيل مرقس، هل هذه الآيات حقاً تتبع المؤمنين بالكنائس، وتبعت التلاميذ، وكتب التاريخ تقول أن يوحنا مات بالسم؟
ثم كيف تحول يسوع من توبيخ التلاميذ لعدم إيمانهم وقسوة قلوبهم إلى إرسالهم للكرازة بالإنجيل؟
فإذا كانوا وهو حيّ بينهم يخالفون أوامره ووصاياه، وينامون وهو يدعوهم للسهر معه ولو لساعة واحدة، ومن ثم يهربون عنه ويتركونه وحيداً، وينتهره بطرس عندما يُعلن أنه سيُقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم، وعند إلقاء القبض عليه يُنكرونه ويشكون فيه ولا يكتفي بطرس بإنكاره بالحلف بل يزيد عليه بلعنه، كل هذه الأمور حدثت ويسوع بينهم، ثم بعد لحظة واحدة يطلب منهم الكرازة بالإنجيل!
ولا يكتفي بالطلب منهم بالكرازة بل يُعطيهم آيات تتبع المؤمنين به، فيعطيهم القدرة على شفاء المرضى، ولو كانت هذه العُطية صحيحة لما كان هناك مرضى ولا أمراض في العالم، ولاستطاع رجال الكنائس أن يعالجوا أنفسهم بدل أن يبقى الواحد منهم مريضاً بعدة أمراض ولعدة سنوات.
وقبل هذه الآية يُعطيهم القدرة على شرب السموم ولا أظن أن أحداً من أتباع الكنائس الطيبين سيفرح بمحاولة التحقق من صحتها فيتناول كأساً من السم، أو انه سيوافق على طلب أحدهم منه أن يشرب سُمّاً كي يُثبت إيمانه بما يؤمن به.
 وقبل تناول السم يعطيهم القدرة على التكلم باللغات المختلفة ولو كانت هذه الآية صحيحة لما احتاجت الكنائس الى ترجمة الأناجيل، ولما كان مبشروها يدخلون معاهد تعليم اللغات للدول التي سيذهبون إليها، ولما أصلاُ كتبت الأناجيل بغير اللغة التي كان يتكلم بها يسوع شخصياً!
قيامة يسوع كما كتبها لوقا
وأما لوقا فقد كتب عن قيامة يسوع وظهوره للتلاميذ ما يلي:
وتبعته نساء كن قد أتين معه من الجليل ونظرن القبر وكيف وضع جسده،
فرجعن وأعددن حنوطاً وأطياباً،
وفي السبت استرحن حسب الوصية. (لوقا 23: 55-56)
يبدأ لوقا بالتمهيد لقصة قيامة يسوع من الأموات فيتحدث عن النسوة اللواتي تبعنه وأتين معه من الجليل وكن عند القبر ونظرن كيف وُضع جسده فيه، ثم يقول إنهن رجعن وأعددن حنوطاً وأطياباً، وفي السبت استرحن!
وهذا الكلام وان كان يدل على تناسق ما يكتبه لوقا، إلا أنه للأسف يتناقض مع ما كتبه مرقس، لأن مرقس قال إنهن اشترين الحنوط بعد السبت وليس قبله!
وفي أول الاسبوع أول الفجر أتين الى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن اناس.
متّى يقول أن من ذهب إلى القبر مريم المجدلية ومريم الأُخرى وهو من التلاميذ المباشرين ليسوع، ومرقس أضاف امرأة مع الذاهبات لرؤية القبر وهذا الخطأ لا نستطيع أن نقول عنه أنه خطأ كبير، وأما لوقا فيقول إن الذاهبين إلى القبر مجموعة من النساء، فماذا نعمل لتتوافق القصص مع بعضها البعض؟
- فوجدن الحجر مدحرجاً عن القبر.
وهنا يوافق لوقا مرقس في عدم الحديث عن ملاك الرب الذي كان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج وأحدث زلزلة عظيمة عند دحرجته للحجر ثم جلس عليه كما كتب متّى.
- فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع،
وفيما هن محتارات في ذلك اذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة،
واذ كن خائفات ومنكسات وجوههن الى الارض، قالا لهن لماذا تطلبن الحي بين الاموات.
من يقرأ هذه الفقرات يشعر كأن لوقا كان حاضراً في القبر من دقة أوصافه لما يجري هناك فهو يقول إن النساء بعد أن دخلن القبر ولم يجدن جسد يسوع تحيّرن، وهذا يدل على عدم إبلاغ يسوع رسالته وإخفاء بعضها حتى عن التلاميذ، أو يدل على قلة إيمان التلاميذ!
وخلال حيرة النساء يكتب لوقا إذا رجلان وقفا بهن ولزيادة إثبات صحة وصدق ما يكتبه يصف ثياب الرجلين فيقول إن ثيابهما كانت براقة، وهذا الوصف يكون دليلاً على صحة قائله لولا أنه يُخالف ما قاله مرقس الذي تحدث عن رجل واحد وزيادة في إثبات صحة قوله قال إن ذلك الشاب كان لابساً حلة بيضاء ولم يكتف مرقس بهذا بل حدد موضعه فقال انه كان جالساً عن اليمين!
فمن هو المسؤول عن هذا الاختلاف وكم شخصاً كانوا في القبر وكم امرأة ذهبت إلى القبر؟
- ليس هو ههنا لكنه قام،
اذكرن كيف كلمكنّ وهو بعد في الجليل، قائلاً انه ينبغي ان يُسلم ابن الانسان في أيدي أُناس خطاة ويُصلب وفي اليوم الثالث يقوم،
فتذكرنَّ كلامه.
في هذه الفقرات، وكي يلتزم لوقا بما كتبه سابقاً من أن التلاميذ لم يفهموا ما كان يقوله يسوع لهم عن قيامته من الأموات كما في النصين التاليين:
- لأنه يُسلم الى الأُمم ويُستهزأ به ويُشتم ويُتفل عليه،
ويجلدونه ويقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم،
وأما هم فلم يفهموا من ذلك شيئاً، وكان هذا الأمر مُخفىً عنهم،
ولم يعلموا ما قيل. (لوقا 18: 32-34)
إن ابن الانسان سوف يسلم الى أيدي الناس،
وأما هم فلم يفهموا هذا القول، وكان مُخفىً عنهم لكي لا يفهموه،
وخافوا أن يسألوه عن هذا القول. (لوقا 9: 45)
كتب ان الرجلين وجها كلامهما للنساء مباشرة وذكراهن بما قاله يسوع لهن مباشرة عن صلبه وقيامته وحددا المكان في الجليل، فتذكرن كلام يسوع!
مع أن لوقا وباقي كتبة الأناجيل لم يكتبوا أيّة قصة عن توجيه يسوع كلامه مباشرة للنساء يخبرهن فيه عن قيامته لا في الجليل ولا في غير الجليل!
- ورجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله،
وكانت مريم المجدلية ويونا ومريم أُم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل،
فتراءى كلامهن لهم كالهذيان، ولم يصدقوهن.
في هذه الفقرات يعيدنا لوقا إلى ذات المشهد الذي كنا نشاهده عند ذكر التلاميذ، فهم بعد أن تناولوا العشاء الأخير، والذي تعتبره الكنائس سرّ التناول أو الأفخارستيا، والذي يعني تحول الخبز والخمر إلى جسد يسوع ودمه وحلول يسوع في من تناوله، ومن ثم نومهم عندما ذهب يسوع للصلاة، ثم هربهم جميعاً عنه وتركه وحيداً وشكهم فيه وإنكاره، وشك بطرس فيه ولعنه، ومن ثم صلبه وخلال صلبه تحدثنا الأناجيل عن حدوث معجزات منها انشقاق حجاب الهيكل وتزلزل الأرض وتفتح القبور وخروج كثير من أجساد القديسين من الموت كما كتب متّى، بعد كل هذا نجد أن التلاميذ ما زالوا على ما تصفهم الأناجيل وما يصفهم به يسوع من قلة الإيمان وعدم التصديق بأي عمل يعمله يسوع، فهنا يقول لوقا عنهم إنهم لم يصدقوا النسوة واعتبروهن يهذين (من الهذيان) ولم يصدقوا قول الرجلين اللذين كانا يلبسان الثياب البراقة! فمتى سيؤمن هؤلاء التلاميذ؟
ولو قارنا إيمان هؤلاء التلاميذ بإيمان أتباع الكنائس الطيبين الآن من كل الشعوب، الذين لم يرسل يسوع إليهم أصلاً وإنما أُرسل لليهود فقط كما قال هو شخصياً إنني لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، ولم يروا يسوع ولا رأوا معجزاته، هل يشك أحد في أن أتباع الكنائس الطيبين أكثر إيمانا، فيما تقوله الأناجيل والكنائس عن يسوع من التلاميذ الذين اختارهم وجعلهم رسله وأعطاهم معرفة أسرار مملكة السماء، وأعطاهم القدرة على إحياء الموتى وأعطاهم القدرة على رؤيته ورؤية أبيه وحلول الروح المقدس فيهم، ولم يكتف بهذا بل حلّ فيهم هو شخصياً عندما أعطاهم القدرة على أكل جسده وشرب دمه، وذلك بتحويل الخبز إلى جسده والخمر إلى دمه؟!
- فقام بطرس وركض الى القبر فانحنى ونظر الأكفان موضوعة وحدها،
فمضى متعجباً في نفسه مما كان. (لوقا 24: 1-12)
نلاحظ هنا أن لوقا لم يذكر ظهور يسوع عند القبر، وإنما تحدث عن ذهاب بطرس راكضاً نحو القبر ورؤيته للأكفان وتعجبه، ولم يكتب إيمانه!
وهذا يشير إلى أن التلاميذ لم يكونوا يؤمنون بقيامة يسوع فضلاً عن أن يفكروا في سرقة جسده والقول انه قام كما كتب متّى على لسان اليهود عندما طلبوا من بيلاطس أن يرسل جنده ليحرسوا القبر؟!
ثم ينتقل لوقا بعد هذا بالحديث مباشرة عن أول ظهور ليسوع.
واذا اثنان منهم كانا منطلقين في ذلك اليوم الى قرية بعيدة عن اورشليم ستين غلوة اسمها عمواس،
وكانا يتكلمان بعضهما مع بعض عن جميع هذه الحوادث، وفيما هما يتكلمان اقترب اليهما يسوع نفسه وكان يمشي معهما،
ولكن أُمسكت أعينهما عن معرفته.
في هذه الفقرات يذكر لوقا أن التلاميذ بدؤوا بالعودة إلى مدنهم وقراهم بعد صلب يسوع، ويتحدث عن التلميذين اللذين ذهبا إلى عمواس، ويقول إن يسوع ظهر لهما وهما في الطريق وكان يمشي معهما ولكن أُمسكت أعينهما عن معرفته.
لماذا أُمسكت أعينهما وكيف أُمسكت؟!
- فقال لهما ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسين،
فأجاب أحدهما الذي اسمه كليوباس وقال له هل أنت متغرّب وحدك في أُورشليم ولم تعلم الامور التي حدثت فيها في هذه الايام،
فقال لهما وما هي،
فقالا المختصة بيسوع الناصري الذي كان انسانا،
نبياً،
مقتدراً في الفعل والقول امام الإله وجميع الشعب، كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه.
هذا الكلام واضح ولا يحتاج إلى شرح، ولكن نلاحظ أن التلميذين قالا عن يسوع انه كان إنساناً ونبياً مقتدراً في الفعل والقول أمام الإله وجميع الشعب، ولا أُريد الخوض في معنى الإنسان ولا معنى النبي ولا معنى الاقتدار في الفعل والقول أمام الإله وجميع الشعب، ولكن لنقرأ ما كتب لوقا بعد هذا.
- ونحن كنا نرجوا أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل ولكن مع هذا كله له ثلاثة أيام منذ حدث ذلك.
هذه الفقرة تبين حقيقة إيمان التلاميذ فهم كانوا يرجون أن يكون يسوع هو المزمع أن يفدي إسرائيل!
ويسوع عندما لم يفد إسرائيل ومات على الصليب، عاد التلاميذ إلى مدنهم وقراهم، وإن انتظروا عدة أيام للتأكد من موته ومن عدم قيامه بفداء إسرائيل.
- بل بعض النساء منّا حيرننا اذ كن باكراً عند القبر،
ولما لم يجدن جسده أتين قائلات أنهن رأين منظر ملائكة وقالوا انه حي،
ومضى قوم من الذين معنا الى القبر فوجدوا هكذا كما قالت أيضاً النساء وأما هم فلم يروه.
في هذه الفقرات يكتب لوقا على لسان التلميذين ان بعض النسوة حيّرن التلاميذ عندما لم يجدن جسده في القبر وأنهن رأين منظر ملائكة في القبر وقالوا انه حيّ، وهذا يدل على أن التلاميذ لم يكونوا يؤمنون بقيامة يسوع وان صفة الحيرة تحيط بهم، وهي ليست من صفات الإيمان، وهو ما يشكك مرة أُخرى في صدق ما كتب متّى من طلب اليهود لجند يحرسون القبر خوفاً من قيام التلاميذ بسرقة الجسد والقول إن يسوع قام، فالتلاميذ لم يكونوا يفكرون في سرقة الجسد للقول إن يسوع قام فقط، بل لم يكونوا يؤمنون انه سيقوم أصلاً؟!
- فقال لهما ايها الغبيان،
والبطيئا القلوب في الايمان بجميع ما تكلم به الانبياء.
في هذه الفقرة يكتب لوقا ان يسوع وصف التلميذين بأوصاف لا تدل على معرفتهما بأسرار مملكة السماء ولا بحلول الروح المقدس فيهما بالتعميد، ولا بحفظهما لكلامه ووصاياه، فيصفهما بأنهما غبيان وبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء.
وهنا كما نقرأ يرجع لوقا للحديث عن العهد القديم، وكما قلت فإن العهد القديم يتحدث عن رجل وليس عن ثلاثة أقانيم تحلّ في جسد، وإلا لو كان العهد القديم يتحدث عن الأقانيم الثلاثة التي تحلّ في جسد إنسان لعرف الكتبة والفريسيون ذلك، ولما واجهوا صعوبة في الإيمان بيسوع، لأنهم يدرسون العهد القديم قبل ولادة يسوع بمئات السنين، فهم لم يفهموا ولم يخبرهم أحد من الأنبياء عن وجود الأقانيم أصلاً فضلاً عن حلولها في جسد أو في أي شيء آخر!
- أما كان ينبغي أنّ المسيح يتألم بهذا ويدخل الى مجده.
أين قرأ لوقا والروح المقدس ومعهما يسوع أن المسيح الذي تكلم عنه العهد القديم ينبغي أن يتألم ويجلد ويبصق عليه ويطعن في جنبه ويعلق على الصليب ولا يحكم ساعة من الزمن فما فوقها ويكون خاضعاً للرومان دافعاً الجزية لهم؟!
أين تكلم الأنبياء بهذا، والعهد القديم مليء بالنصوص التي تتحدث عن ذلك المسيح الذي يحكم ولا يكون لحكمه نهاية والى الأبد، وهذه بعض النصوص التي تتحدث عن المسيح في العهد القديم مع العلم أن الكنائس وكتبة الأناجيل ينسبونها ليسوع، ولكن ليس في مثل هذه المواقف؟!
1- كنتُ أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان،
أتى وجاء إلى قديم الأيام فقرّبوه قدّامه،
فأُعطي سلطاناً ومجداً ومملكة لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطانٌ أبديّ ما لن يزول،
ومملكته ما لا تنقرض. (دانيال 7: 13-14)
2- الآن تتجيشين يا بنت الجيوش قد أقام علينا مترسة،
يضربون قاضي إسرائيل بقضيب على خدّه،
أما أنت يا بيت لحم افراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل،
لذلك يُسلمهم إلى حينما تكون قد ولدت والدة،
ثم ترجع بقية إخوته إلى بني إسرائيل،
ويقف ويرعى بقدرة الرب بعظمة اسم الرب إلهه ويثبتون،
لأنه الآن يتعظّم الى أقاصي الارض. (ميخا 5: 1-4)
3- ها أيام تأتي يقول الرب وأُقيم الكلمة الصالحة التي تكلمت بها الى بيت اسرائيل والى بيت يهوذا،
في تلك الأيام وفي ذلك الزمان أُنبتُ لداوُد غصن البِرّ،
فيُجري عدلاً وبرّاً في الأرض،
في تلك الايام يخلص يهوذا وتسكن أُورشليم آمنة، وهذا ما تتسمّى به الربّ بِرَّنا،
لأنه هكذا قال الربّ،
لا ينقطع لداوُد انسان يجلس على كرسي بيت اسرائيل،
ولا ينقطع للكهنة اللاويين انسان من أمامي يُصعِدُ محرقة ويُحرق تقدمة ويُهيء ذبيحة كل الايام. (إرميا 33: 14-18)
4- ويخرج قضيب من جذع يسّى، وينبت غصن من أُصوله،
ويحلّ عليه روح الربّ،
روح الحكمة والفهم،
روح المشورة والقوة،
روح المعرفة ومخافة الرب،
ولذته تكون في مخافة الرب،
فلا يقضي بحسب نظر عينيه،
ولا يحكم بحسب سمع أُذنيه،
بل يقضي بالعدل للمساكين،
ويحكم بالانصاف لبائسي الارض،
ويضرب الارض بقضيب فمه،
 ويُميت المنافق بنفخة شفتيه،
ويكون البرُّ منطقة مِتنيه،
والامانة على حقويه،
فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشِبل والمُسمّن معاً وصبيّ صغير يسوقها، والبقر والدّبّة ترعيان تربض أولادهما معاً والأسد كالبقر يأكل تبناً، ويلعب الرضيع على سَرَبِ الصِّلّ ويمدُّ الفطيم يده على جحر الأفعوان، لا يسوؤون ولا يُفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الربّ كما تُغطي المياه البحر،
ويكون في ذلك اليوم ان اصل يسّى القائم راية للشعوب،
إياه تطلب الأُمم ويكون محلّه مجداً،
ويكون في ذلك اليوم ان السيد يُعيد يده ثانية ليقتني بقية شعبه التي بقيت من أشور، ومن مصر، ومن فتروس ومن كوش ومن عيلام ومن شنعار ومن حماة ومن جزائر البحر،
ويرفع راية للأُمم ويجمع منفيي اسرائيل ويضم مشتتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض،
فيزول حسد أفرايم وينقرض المضايقون من يهوذا،
أفرايم لا يحسد يهوذا ويهوذا لا يضايق أفرايم،
وينقضّان على أكتاف الفلسطينيين غَرباً وينهبون بني المشرق معاً،
يكون على أدوم وموآب امتداد يدهما وبنو عمّون في طاعتهما،
ويُبيد الرب لسان بحر مصر،
ويهزّ يده على النهر بقوةِ ريحه ويضربه الى سبع سواق ويُجيز فيها بالاحذية،
وتكون سكّة لبقية شعبه التي بقيت من أشور،
كما كان لاسرائيل يوم صعوده من أرض مصر. (إشعياء 11: 1-16)
فأين هذه الصفات التي تدل على العظمة والمُلك والقضاء مما تخبرنا الأناجيل به عما جرى مع يسوع؟!
هذا هو المسيح في العهد القديم، فهل يشبه يسوع من قريب أو من بعيد؟
- ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب. (لوقا 24: 13-27)
يقول لوقا للتأكيد على أن يسوع تحدثت عنه أسفار العهد القديم كلها، ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأُمور المختصة به في جميع الكتب، في جميع الكتب!
ومع أن لوقا لم يكتب ما هي الأُمور التي فسّرها يسوع لهما والمختصة به لأنه كما ظهر لنا من النصوص السابقة أنه لا يوجد تشابه بين يسوع والمسيح الذي تكلم عنه الأنبياء في العهد القديم، إلا أنني سأذكر نصين قال كتبة الأناجيل إنهما في العهد القديم وتتحدثان عن يسوع وأرجوا من الكنائس المختلفة أن تخبرنا أين يوجدان في العهد القديم.
- فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة. (يوحنا 1: 45)
أين وجد فيلبس كما كتب يوحنا مساقاً بالروح المقدس أن موسى كتب في الناموس والأنبياء أن يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة؟
وهل تؤمن الكنائس أن يسوع هو ابن يوسف الذي من الناصرة؟!
- وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة،
لكي يتم ما قيل بالأنبياء انه سيدعى ناصرياً. (متّى 2: 23)
أين وجد متّى مساقاً بالروح المقدس هذا النص مكتوباً في الأنبياء لكي يتمّ؟!
ثم يكمل لوقا ذكر القصة فيكتب قائلاً:
فقاما في تلك الساعة ورجعا الى أُورشليم، ووجدا الأحد عشر مجتمعين هم والذين معهم،
وهم يقولون ان الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان.
هنا يقول لوقا إن التلميذين رجعا إلى أُورشليم ليخبرا باقي التلاميذ وعندما وصلا هناك وجدا التلاميذ يقولون إن الرب قام بالحقيقة وظهر لبطرس!
والحقيقة التي تعلمها الكنائس ان الأناجيل لم تذكر أي قصة عن ظهور يسوع  لبطرس وحده!
فكيف ظهر ومتى وأين؟!
لا أحد يملك الجواب سوى قول لوقا ان الرب ظهر بالحقيقة لبطرس ولست أدري ما الذي منع لوقا من كتابة قصة عن ظهور يسوع بالحقيقة لبطرس، وهو الذي كتب إنجيله مساقاً بالروح المقدس، كما انني لست أدري بالحقيقة ما الذي منع الروح المقدس من كتابة قصة ظهور يسوع لبطرس وهو الذي كما قال يسوع عنه أنه سيُخبر التلاميذ بكل ما نسوا من أقواله؟
- وأما هما فكانا يخبران بما حدث في الطريق وكيف عرفاه عند كسر الخبز. (لوقا 24: 33-35)
وأما قول لوقا هنا بأن التلميذين عرفاه عند كسر الخبز فهذا مما يحوم حوله الكثير من الشك، لأن كسر الخبز لو كان ينفع في فتح الأعين ومعرفة يسوع، لنفع بطرس ويعقوب ويوحنا في فتح أعينهم وعدم نومهم عندما ذهبوا مع يسوع للصلاة ليلة القبض عليه، مع أن يسوع طلب منهم البقاء ساهرين معه ولو لساعة من الزمن والصلاة معه لعل أب يسوع يعبر عنه تلك الكأس ولا يصلبه، وهم كانوا قبل أقل من ساعة يأكلون الخبز المُكسّر ويشربون الخمر من يد يسوع شخصياً!
ثم يكمل لوقا كتابة القصة فيقول:
وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال سلام لكم،
فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحاً.
في هذه الفقرات يقول لوقا أن يسوع ظهر للتلاميذ في أُورشليم وليس في الجليل كما كتب متّى ومرقس وهذا الأمر يُشكك في مصداقية المعلومات التي نقرأها في الأناجيل إذ كيف لا يستطيع كتبة الأناجيل تحديد المكان الذي ظهر يسوع فيه للتلاميذ؟!
كما أن هذا النص يُشكك في حقيقة الوعود والصفات التي قال كتبة الأناجيل أن يسوع وهبها للتلاميذ، وفيما يلي بعض منها:
- فتقدم التلاميذ وقالوا له لماذا تكلمهم بأمثال،
فأجاب وقال لهم لأنه قد أُعطي لكم أن تعرفوا أسرار مملكة السماء وأما لأولئك فلم يعط. (متّى 13: 10-11)
- الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً، ويعمل أعظم منها لأني ماض إلى أبي،
ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجد الأب بالابن،
ان سألتم شيئاً باسمي فاني أفعله. (يوحنا 14: 12-14)
- فقال الرسل للرب زد ايماننا،
فقال الرب لو كان لكم ايمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذه الجميزة انقلعي وانغرسي في البحر فتطيعكم. (لوقا 17: 5-6)
- وفيما انتم ذاهبون اكرزوا قائلين انه قد اقتربت مملكة السماء،
اشفوا مرضى،
طهروا برصاً،
أقيموا موتى،
أخرجوا شياطين،
مجاناً أخذتم مجاناً أعطوا،
لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم،
ولا مزود للطريق،
ولا ثوبين، ولا أحذية ولا عصا. (متّى 10: 7-10)
ومع هذه الوعود والهبات وغيرها الكثير لم ينفعهم تكسير الخبز الذي تتفتح العيون به كما قال لوقا عن التلميذين سابقاً، فها هم يجزعون ويخافون ويظنون أنهم نظروا روحا!
ولكن كيف نعرف أن التلاميذ الخائفين والجزعين لم ينظروا روحاً بل نظروا يسوع؟
يجيب على سؤالنا هذا لوقا بقوله على لسان يسوع:
- فقال لهم ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم،
انظروا يديّ ورجليّ اني أنا هو،
جسّوني وانظروا.
يقول لوقا إن يسوع قال لهم انظروا يديّ، وانظروا رجليّ، إني أنا هو!
انظروا يديّ ورجلي، إني أنا هو، وهذا يعني أنه قام بجسده الذي دُفن فيه وأن جسده لم يتحلل ولم ينتقض كما حاول يوحنا أن يبرر قول يسوع عندما طلب من اليهود أن ينقضوا الهيكل وفي ثلاثة أيام يقيمه فقال انه كان يقصد هيكل جسده!
كلا! هو لم يقصد هيكل جسده لأنه هنا يقول لهم انظروا إلى يديّ ورجلي إني أنا هو، أي إن الجسد الذي دُفن هو ذات الجسد الذي قام!
- فان الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي.
وأما هذه الفقرة فلو لم يوجد في الأناجيل غيرها لكانت كافية في نقض قوانين إيمان الكنائس المختلفة كلها، والقائلة انه يوجد أقانيم ثلاثة وأنهم حلوا في جسد يسوع! لأن لوقا يكتب هنا بأبسط عبارة وأوضحها ان الروح ليس جسد وان الروح ليس له لحم وعظام، وهم يقولون إن يسوع لحم وعظام وهم أيضاً يقولون إن الإله روح. (يوحنا 4: 24). فكيف تكتب قوانين إيمان الكنائس أن يسوع إله؟!
- وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه،
وبينما هم غير مصدقين من الفرح ومتعجبون،
قال لهم أعندكم ههنا طعام،
فناولوه جزءاً من سمك مشويّ وشيئاً من شهد عسل،
فأخذ وأكل قدّامهم. (لوقا 24: 36-43)
وهنا ولزيادة التأكيد على أن يسوع إنسان عادي وان كان قد ولد من امرأة دون رجل، وأنه ليس روح، لأن الروح ليس له لحم وعظام، أراهم يديه ورجليه ليؤكد أن الروح لا يُجرح ولا يستطيع أحد من البشر إيذائه كما فعل اليهود بيسوع وفقاً لما كتبت الأناجيل!
ثم ولزيادة التأكيد على أنه إنسان عادي مثلهم، وان ولد من امرأة دون رجل، فقبله خلق آدم دون امرأة ولا رجل، طلب منهم طعاماً، فناولوه جزءاً من سمك مشوي وشيئاً من شهد عسل!
وهنا لا بد من وقفة مع قوانين إيمان الكنائس المختلفة التي تقول إن الناس لا يأكلون في مملكة يسوع الطعام ولا يشربون الشراب، فلماذا أكل يسوع السمك المشوي وشرب العسل بعد أن قام من الأموات كما تقول الأناجيل، أي أن القائمين من الأموات يأكلون ويشربون؟!
فتجيبك الكنائس بالقول إن يسوع فعل هذا ليثبت للتلاميذ أنه هو وليس روح.
فنقول لهم إذاً يسوع إنسان، وليس روح!
بهذا أُنهي حديثي عن قيامة يسوع في إنجيل لوقا وظهوره للتلاميذ وهي كما قرأنا مرتان، مرة للتلميذين وأخرى للجميع، مع قول لوقا انه يوجد هناك ظهور ثالث لبطرس إلا انه لم يذكر عنه شيئاً.
قيامة يسوع كما كتبها يوحنا
أنتقل الآن للحديث عن قيامة يسوع وظهوره للتلاميذ كما كتبها يوحنا في إنجيله.
وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية الى القبر باكراً والظلام باق، فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر،
فركضت وجاءت الى سمعان بطرس والى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه،
فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا الى القبر،
وكان الاثنان يركضان معاً، فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولاً الى القبر، وانحنى فنظر الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل،
ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة،
والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع وحده،
فحينئذ دخل أيضاً التلميذ الآخر الذي جاء أولاً الى القبر ورأى فآمن، لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات،
فمضى التلميذان أيضاً الى موضعهما. (يوحنا 20: 1-10)
في هذا النص وباقي قصة قيامة يسوع وظهوره للتلاميذ يُعيد يوحنا كاتب الإنجيل صياغة القصة بطريقة مختلفة كليا وبعيدة كل البعد عن باقي الأناجيل، سواء من ناحية الأحداث أو من ناحية الأسباب، بحيث يشعر كل من يقرأ القصة أن ما كتبه يوحنا إنما هو قصة جديدة وانه لو استبدلت بعض الأسماء فانه لن يتعرف عليها أحد في الأناجيل الثلاثة الأخرى، فهو يبدأ النص كما قرأنا بقوله وفي أول الاسبوع جاءت مريم المجدلية الى القبر باكراً والظلام باق، فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر، فيوحنا كما هو ظاهر من بداية النص يريد إعادة صياغة كل المعلومات عن قصة قيامة يسوع بعيداً عن الأناجيل الثلاثة الأُخرى، فهو يبدأ بالحديث عن ذهاب مريم المجدلية وحدها دون ذكر لمريم أُم يعقوب وسالومة ولا يونا ولا نساء غيرهنّ كما ذكر هؤلاء الثلاثة كل في قصته، فهو يقول إن مريم جاءت إلى القبر والظلام باق وكان الحجر مرفوعاً!
وهنا يخالف متّى وهو الوحيد الذي تحدث عن ملاك الرب الذي كان كالبرق ولباسه أبيض كالثلج عندما نزل ودحرج الحجر وأحدث بدحرجته زلزلة عظيمة ثم جلس عليه.
كما انه يخالف مرقس ولوقا في السبب، أو على الأقل لا يذكره، الذي من أجله جاءت مريم المجدلية لتنظر القبر، فمرقس ولوقا ذكرا أن مجيء النسوة إلى القبر كان من أجل تحنيط يسوع حسب الشريعة، فإذا لم يكن هناك سبباً وجيهاً لذهاب مريم المجدلية إلى قبر يسوع، فلماذا تذهب باكراً والظلام باق؟!
وهنا قد يرد أحدهم فيقول إنها كانت تحب يسوع وأنها اشتاقت لذكراه وخاصة أن يوحنا كتب ان التلاميذ لم يكونوا يعلمون عن قيامة يسوع من القبر لأنهم لم يكونوا يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات.
وهذا التبرير يُرد عليه بالقول إذا كانت لم تعرف أن يسوع سيقوم لماذا لم تذهب يوم السبت، إذا كانت مشتاقة كثيراً لذكرى يسوع، ولن يستطيع أحد الاحتجاج بالالتزام بالسبت، لأن التلاميذ لم يكونوا يتشددون في الالتزام بالسبت، كما ان السبت ينتهي مع مغيب شمس يوم السبت، فلماذا لم تذهب بعد غروب الشمس يوم السبت وليس قبل شروق الشمس يوم الأحد!
ثم يقول ان مريم عندما رأت الحجر مرفوعاً ركضت وجاءت الى سمعان بطرس والى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه، وهنا يذكر عودة مريم المجدلية لإخبار بطرس ويوحنا أنهم أخذوا يسوع من القبر، وأنها لا تعلم أين وضعوه، ويستخدم مترجمو الأناجيل صيغة الجمع مرة أُخرى وكان الأحرى بهم استخدام صيغة الإفراد، وان كان هذا يرد على الكنائس عندما تحاول الاستشهاد ببعض صيغ الجمع التي تتحدث عن الرب في العهد القديم كدليل على التثليث، فها هم يستخدمون صيغة الجمع مع ان المتكلم امرأة واحدة!
وفي هذه الفقرات ردّ على متّى أيضاً الذي قال إن اليهود كانوا يخافون من قيام تلاميذ يسوع بسرقة الجسد والقول للناس أنه قام، فهنا نقرأ أن مريم خافت أن يكون اليهود هم من قاموا بسرقة الجسد، وهذه الفقرات وغيرها لا تشير إلى أن مريم المجدلية كانت تؤمن بيسوع كأُقنوم من الأقانيم الثلاثة الذين حلوا في جسد يسوع، وإلا فكيف تفكر مريم المجدلية أنه بإمكان اليهود سرقة الأقانيم الثلاثة أو على الأقل الجسد الذي سكنوا فيه!
ثم يقول يوحنا فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا الى القبر، وكان الاثنان يركضان معاً، فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولاً الى القبر، وانحنى فنظر الأكفان ولكنه لم يدخل، في هذه الفقرات يتفق يوحنا مع لوقا في ذهاب بطرس للتأكد من اختفاء يسوع من القبر، وان كان متّى ومرقس لم يذكرا هذه الحادثة، إلا أن يوحنا يزيد على ما كتبه لوقا بإدخال نفسه في هذا المشهد بقوله إن بطرس خرج والتلميذ الآخر، وهنا يقصد نفسه، ويُظهر تواضعه فلا يذكر اسمه مباشرة بل يقول التلميذ الآخر ولكنه يكتب انه سبق بطرس ونظر إلى الأكفان ولكنه لم يدخل!
ويستمر يوحنا في كتابة قصته فيقول ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة، والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع وحده، في هذه الفقرة يتفق يوحنا مع لوقا في القول إن الأكفان كانت موضوعة في القبر وان زاد عليه تحديد مكان المنديل الذي كان على رأس يسوع، فهو ليس مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع وحده لتأكيد صدقه، وهنا لا بد من وقفة مع هذه الفقرة ومع ما كتبه لوقا، فماذا يعنيان بقولهما إن الأكفان كانت في القبر، هل يعني هذا أن يسوع قام من القبر عارياً؟
وإذا كان قد قام حقاً من القبر فهذه وحدها أعظم معجزة يمكن أن يراها الإنسان فما فائدة تركه للأكفان في القبر والخروج من القبر عارياً؟!
ويختم يوحنا هذا القسم من القصة بالقول فحينئذ دخل أيضاً التلميذ الآخر الذي جاء أولاً الى القبر ورأى فآمن، لأنهم لم يكونوا يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات، فمضى التلميذان أيضاً الى موضعهما، وهذا يعني أن التلاميذ لم يكن عندهم علم بقيامة يسوع من الأموات، وهذا الكلام يتناقض مع ما كتبته الأناجيل على لسان يسوع في عشر مواضع، كما في النصوص التالية:
1 - من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يُظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب الى أُورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم،
فأخذه بطرس اليه وابتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يا رب، لا يكون لك هذا،
فالتفت وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان،
أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما للإله لكن بما للناس. (متّى 16: 21-23)
2 - وفيما هم يترددون في الجليل قال لهم يسوع ابن الإنسان سوف يسلم إلى أيدي الناس، فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم،
فحزنوا جداً. (متّى 17: 22-23)
3 - وفيما كان يسوع صاعداً إلى أورشليم أخذ الاثني عشر تلميذاً على انفراد في الطريق وقال لهم ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يُسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزؤوا به ويجلدونه ويصلبونه وفي اليوم الثالث يقوم. (متّى 20: 17-19)
4 - ولما أكمل يسوع هذه الأقوال كلها قال لتلاميذه،
تعلمون انه بعد يومين يكون الفصح وابن الإنسان يسلّم ليصلب. (متّى 26: 1-2)
5 - وخرجوا من هناك واجتازوا الجليل ولم يُرد أن يعلم أحد،
لأنه كان يُعلم تلاميذه ويقول لهم ان ابن الانسان يُسلم الى أيدي الناس فيقتلونه، وبعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث،
وأمّا هم فلم يفهموا القول وخافوا أن يسألوه. (مرقس 9: 30-32)
6 - وابتدأ يُعلمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيرا ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويُقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم، وقال القول علانية،
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره،
فالتفت وأبصر تلاميذه، فانتهر بطرس قائلاً،
اذهب عني يا شيطان،
لأنك لا تهتم بما للإله لكن بما للناس. (مرقس 8: 31-33)
7 - وكانوا في الطريق صاعدين إلى أُورشليم ويتقدمهم يسوع،
وكانوا يتحيرون، وفيما هم يتبعون كانوا يخافون،
فاخذ ألاثني عشر أيضاً وابتدأ يقول لهم عما سيحدث له،
ها نحن صاعدون إلى أُورشليم وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم، فيهزؤون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم. (مرقس 10: 32-34)
8 - فانتهرهم وأوصى أن لا يقولوا لأحد،
قائلاً انه ينبغي أن ابن الانسان يتألم كثيراً ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم. (لوقا 9: 20-22)
9 - وأخذ الاثني عشر وقال لهم ها نحن صاعدون الى اورشليم،
وسيتم كل ما هو مكتوب بالانبياء عن ابن الانسان،
لانه يُسلم الى الامم ويُستهزأ به، ويُشتم ويُتفل عليه ويجلدونه
ويقتلونه،
وفي اليوم الثالث يقوم،
وأما هم فلم يفهموا من ذلك شيئاً،
وكان هذا الأمر مُخفىً عنهم، ولم يعلموا ما قيل. (لوقا 18: 31-34)
10 - واذ كان الجميع يتعجبون من كل ما فعل يسوع،
قال لتلاميذه ضعوا أنتم هذا الكلام في آذانكم،
ان ابن الانسان سوف يسلم الى ايدي الناس،
واما هم فلم يفهموا هذا القول،
وكان مُخفىً عنهم لكي لا يفهموه،
وخافوا أن يسألوه عن هذا القول. (لوقا 9: 43-45)
كما ان قول يوحنا عن التلاميذ لأنهم لم يكونوا يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات، يخالف قول ملاك الرب الذي نزل ودحرج الحجر وأحدثت دحرجته زلزلة وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج ثم جلس على الحجر الذي كتبه متّى:
- فأجاب الملاك وقال للمرأتين لا تخافا أنتما،
فاني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب،
ليس هو ههنا لأنه قام كما قال. (متّى 28: 5-6)
وهو يخالف أيضاً قول مرقس الذي كتبه على لسان الشاب الذي كان جالساً عن اليمين لابساً حلة بيضاء:
لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس انه يسبقكم الى الجليل،
هناك ترونه كما قال لكم. (مرقس 16: 7)
وأخيراً فهو يخالف قول لوقا الذي كتبه على لسان الرجلين اللذين رأتهما النسوة داخل القبر وهما يلبسان ثياباً براقة:
- ليس هو ههنا لكنه قام،
اذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل، قائلاً انه ينبغي ان يُسلم ابن الانسان في أيدي أُناس خطاة ويصلب وفي اليوم الثالث يقوم، فتذكرن كلامه. (لوقا 24: 6-8)
فهذه ثلاثة عشر نصاً في الاناجيل الثلاثة يخالفها يوحنا بقوله لأنهم لم يكونوا يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات، أو بمعنى آخر ان الأناجيل الثلاثة كتبت ثلاثة عشر نصاً تخالف ما كتبه يوحنا!
فكيف ستقنع الكنائس أتباعها الطيبين بان الأناجيل مكتوبة بسوق من الروح المقدس وهم يقرؤون ما كتب هؤلاء!
وبعد ذهاب بطرس والتلميذ الذي كان يحبه يسوع تبقى مريم المجدلية وحدها واقفة عند القبر كما كتب يوحنا:
أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجاً تبكي،
وفيما هي تبكي انحنت إلى القبر فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحداً عند الرأس والآخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعاً،
فقالا لها يا امرأة لماذا تبكين،
قالت لهما انهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه.
في هذه الفقرات يؤكد يوحنا وجود اثنين من الملائكة داخل القبر وهو يوافق لوقا في وجود اثنين في القبر ولكنه يخالفه في صفاتهما فهو يقول ملاكين يلبسان ثياباً بيضاء بينما لوقا يقول رجلين يلبسان ثياباً برّاقة، والفرق واضح بين ملاكين ورجلين حتى يخفى على أحدهما أو على الروح المقدس!
كما يخالفه في الداخلين إلى القبر فيوحنا يقول مريم المجدلية وهي لم تدخل حقيقة بل انحنت فقط فرأت الملاكين، وأما لوقا فكتب أن مريم المجدلية ومن معها من النساء كن داخل القبر وذكر منهن مريم أُم يعقوب ويونا، ومع هذه الاختلافات التي بينهما إلا أنهما كذلك يختلفان مع ما كتب متّى ومرقس!
فمتّى ذكر أن مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب نظرتا القبر ولم يكن أحد بالداخل لأن من أمرهما بالنظر فيه هو ملاك الرب الذي نزل من السماء وكان كالبرق وهو من دحرج الحجر فأحدث زلزلة وجلس على الحجر كما قرأنا سابقاً.
وأما مرقس فقد تحدث عن ثلاث نساء وهن مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب وسالومة، ولم تكن مريم المجدلية وحدها! ويقول أن من كان في القبر شاباً جالساً عن اليمين لابساً حلة بيضاء وليس ملاكين أو رجلين كما كتب يوحنا ولوقا!
وأما ما كتب عن مكان جلوس الملاكين واحد عند الرأس والآخر عند الرجلين، وإن كان ليؤكد صحة قصته وصدق ما يقوله فهو يخالف الأناجيل الثلاثة.
وأما دور الملاكان في القصة فهو سؤال مريم المجدلية لماذا تبكي يا امرأة، وهذا الدور والسؤال يتناقض مع ما كتبه متّى عن دور ملاك الرب الذي نزل من السماء ودحرج الحجر إذ كان دور ملاك الرب هو طمأنة مريم المجدلية ومريم الأُخرى فقال لهما لا تخافا أنتما، فاني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب، ومن ثم دعوته لهما بالذهاب وإخبار التلاميذ عن قيامة يسوع المصلوب من الأموات!
كما يتناقض مع دور الشاب الذي كان في القبر وجالساً عن اليمين لابساً حلة بيضاء كما كتب مرقس، إذ أن ذلك الشاب قال لمريم المجدلية ومريم أُم يعقوب وسالومة لا تندهشن، وهذا من باب تهدئتهن وطمأنتهن وبعد هذا أخبرهن ان يسوع قد قام فهو ليس ههنا ومن ثم طلب منهن أن يذهبن ويقلن لتلاميذه ولبطرس انه يسبقكم إلى الجليل وهناك ترونه.
وأخيراً فإنه يتناقض مع ما كتبه لوقا عندما ذكر أن النساء لمّا دخلن القبر ولم يجدن جسد يسوع وقف في القبر رجلان بثياب براقة وسألاهن لماذا تطلبن الحيّ بين الأموات، ليس هو ههنا لكنه قام، وذكّر الرجلان النساء كيف أن يسوع قال لهن وهو في الجليل انه ينبغي أن يُسلم ابن الإنسان في أيدي خطاة ويصلب وفي اليوم الثالث يقوم!
كل هذه النصوص يخالفها يوحنا، وهي تخالف بعضها البعض، ليقول إن الملاكين قالا لمريم المجدلية لماذا تبكي يا امرأة! وينتهي دور الملاكين بعد هذا السؤال، فإذا كان دورهما فقط إثبات بكاء مريم فلماذا كانا في القبر؟
ألم يكن من الممكن أن يكتب يوحنا ان مريم المجدلية كانت تبكي طوال الوقت دون الحديث عن الملاكين اللذين كانا في القبر، ويخالف بهذه القصة الأناجيل الثلاثة، وخاصة انه لم يكن لهما دور في إثبات قيامة يسوع ولا في الطلب من مريم القول للتلاميذ أنه سيلتقي بهم ويروه في الجليل أو في أُورشليم؟
- ولما قالت هذا التفتت الى الوراء فنظرت يسوع واقفاً،
ولم تعلم أنه يسوع،
قال لها يسوع يا امرأة لماذا تبكين، من تطلبين،
فظنت تلك أنه البستاني فقالت له يا سيد ان كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه.
في هذه الفقرات يتحدث يوحنا عن أول ظهور ليسوع بعد صلبه، وهو وان كان يثير في النفس بعض الأسئلة وخاصة في طريقة صياغة أحداثه، كما انه يتناقض مع ما كتبه متّى الذي قال إن يسوع أول مرة ظهر فيها كانت لمريم المجدلية ومريم الأُخرى في الطريق وهما ذاهبتان لإبلاغ التلاميذ انه قام، إلا أنني لن أدخل في نقاش حولها، ونتابع ما كتب يوحنا.
- قال لها يسوع يا مريم، فالتفتت تلك وقالت له ربوني الذي تفسيره يا معلم،
قال لها يسوع لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد الى أبي،
ولكن اذهبي الى اخوتي وقولي لهم اني أصعد الى أبي وأبيكم والهي والهكم، فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأنه قال لها هذا. (يوحنا 20: 11-18)
في هذه الفقرات يقول يوحنا إن مريم المجدلية بعد أن ظنت أن يسوع هو البستاني قال لها يا مريم فعلمت أنه يسوع فقالت له ربوني الذي تفسيره يا معلم!
وهنا يكتب يوحنا، مستبقاً ردة فعل مريم المجدلية، أن يسوع قال لها لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي!
وقول يوحنا ان يسوع طلب من مريم المجدلية أن لا تلمسه يخالف ما كتبه متّى من أن مريم المجدلية ومريم الأُخرى عندما رأتا يسوع في الطريق أمسكتا بقدميه وسجدتا له!
كما ان قوله هذا يخالف ما كتبه هو شخصياً عندما كتب ما سنقرئه بعد قليل من أن يسوع طلب من توما التلميذ الشكاك أن يضع أصابعه في جراحه ويده في جنبه مع أنه لم يكن قد صعد إلى أبيه بعد!
ثم يتابع كلامه فيقول ولكن اذهبي وقولي لإخوتي أني أصعد الى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم!
وهذا القول يؤكد أن يسوع لم يُبلغ أهم الصفات التي يتمتع بها وهي قيامته من الأموات وصعوده الى السماء، وان التلاميذ لم يكونوا يعرفون انه سيقوم من الأموات ويصعد الى السماء حتى قال الرجل الذي لم تعرفه مريم المجدلية، التي أخرج يسوع منها سبعة شياطين، وظنت انه البستاني، يا مريم فعرفت انه يسوع! وكتب هذا كي يتناسق مع ما كتبه سابقاً من أن التلاميذ لم يكونوا يعرفون الكتاب انه سيقوم من الأموات.
وأما قوله أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم فهو مما يشير إلى ان يسوع، أو بالأحرى الرجل الذي قال لمريم يا مريم فالتفتت وقالت له ربوني، لا علاقة له بالأقانيم الثلاثة لأنه يتحدث عن أبيه وأبيهم وإلهه وإلههم! وتفصيل الحديث عن معنى الأب والابن والإله سيكون في كتاب شخصيات الأناجيل.
كما ان يوحنا أغفل ردة فعل التلاميذ على قول مريم، في حين أن الأناجيل الأخرى ذكرت أنهم لم يصدقوا الذين قالوا أنهم نظروه!
ثم ينتقل يوحنا بالحديث عن أول لقاء ليسوع وظهوره للتلاميذ وهم مجتمعون في منزل دون تحديد مكان هذا المنزل ودون الإشارة لظهوره للتلميذين اللذين كانا متوجهين إلى عمواس فيكتب قائلاً:
- ولما كانت عشية ذلك اليوم، وكانت الابواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود.
هنا يؤكد يوحنا أن التلاميذ كانوا خائفين من اليهود، وهذا ينفي ما كتبه متّى مرة أُخرى من أن رؤساء الكهنة وضعوا جنداً لحراسة القبر كي لا يأتي التلاميذ فيسرقوه، فهم كانوا خائفين، وكذلك لم يكونوا يعرفون الكتاب انه ينبغي أن يقوم من الأموات، فإذا كانوا لا يعرفون انه ينبغي أن يقوم من الأموات فكيف سيفكرون بسرقة الجسد ليقولوا انه قام من الأموات؟!
ثم يتابع يوحنا كتابة القصة فيقول:
- ولما كانت عشية ذلك اليوم، وهو أول الاسبوع، وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود،
جاء يسوع ووقف في الوسط، وقال لهم سلام لكم،
ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه،
ففرح التلاميذ اذ رأوا الرب.
وهنا لإضفاء الإثارة على ظهور يسوع للتلاميذ، وهم الذين كانوا خائفين من اليهود، لا يُحدد الكيفية التي دخل فيها يسوع إلى المنزل، بل ينتقل فجأة إلى مشهد وقوفه في الوسط وقوله سلام لكم، ويريهم يديه وجنبه، فيفرح التلاميذ لأنهم رأوا الرب!
ولم يكتب يوحنا كما كتب لوقا وفيما هم يتكلمون بهذا وقف في وسطهم وقال سلام لكم، فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحاً! فالتلاميذ كما كتب يوحنا فرحوا عندما رأوا يسوع في وسطهم ولم يجزعوا ولم يخافوا ولم يظنوه روحاً، وكيف يكتب يوحنا ان هؤلاء التلاميذ خافوا وجزعوا وهو واحد منهم وأما لوقا فلم يكن من التلاميذ، بل من أتباع التلاميذ؟!
ثم يتابع يوحنا ذكر الأحداث فيقول:
- فقال لهم يسوع أيضاً سلام لكم،
كما أرسلني الأب أُرسلكم أنا،
ولما قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح المقدس،
من غفرتم خطاياه تغفر له،
ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت. (يوحنا 20: 19-24)
كما هو ظاهر فإن يسوع أرسل التلاميذ كما أرسله أبوه، وأبوه لم يُرسله إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، ولهذا نجد أن يوحنا كان متوافقاً مع ما كتب هنا فهو لم يكن له دور في تغيير مسار دعوة يسوع لليهود فقط وتحويلها لدعوة للأمم كلها باستثناء اليهود!
كما أن يوحنا هنا يُحدد الوقت الذي قبل فيه التلاميذ الروح المقدس وليس كما يُفهم من باقي الأناجيل أنهم قبلوا الروح المقدس بالتعميد، فهو لم يتحدث عن تعميد يوحنا المعمدان ليسوع ولا تعميد يسوع للتلاميذ، إذ كيف يكتب أن الكلمة تعمّدت من يوحنا المعمدان، أم كيف يكتب أن يسوع عمّد التلاميذ وحلّ فيهم الروح المقدس سابقاً وهو سيكتب عنهم أنهم لم يكونوا يعرفون الكتاب انه ينبغي أن يقوم من الأموات، مع أن التلاميذ كما كتب هو عنهم كانوا يُعمّدون في ساليم في عين نون لأنه يوجد هناك مياه كثيرة والذي يُعمّد بالروح المقدس كيف لا يكون الروح المقدس حالاً فيه؟!
ثم يذكر يوحنا أن يسوع أعطى لتلاميذه سلطة غفران الخطايا وهنا لا أُريد الدخول في نقاش حول هذه القدرة، فهي من الأمور الغيبية التي لم تظهر حقيقتها إلى الآن، ولكن سأتحدث عن أثر هذا القول على الكنائس وأتباعها عبر التاريخ، فهذا مما يعلمه الجميع، فنجد أن الكنائس أخذت هذا القول بحرفيته وأقامت الطقوس للقيام بغفران خطايا أتباعها، مع أن المفترض أنهم لا يخطئون لان الروح المقدس يحلّ فيهم بالتعميد، فأي خطأ وخطيئة يمكن أن يرتكبها من حلّ فيه الروح المقدس بالتعميد، أو من حلّ فيه يسوع شخصياً عند تناول الخبز مع قليل الخمر، أو جسد يسوع ودمه كما تقول الكنائس في قوانين إيمانها!
كما قامت الكنيسة الكاثوليكية بإعطاء رئيسها أعظم سلطان لغفران الخطايا حتى وصل به الأمر إلى بيع المغفرة لمن يستطيع الدفع، وقام بكتابة صكوك غفران جاهزة للبيع بحسب مكانة الدافع وقدرته المالية!
ثم يكتب عن ظهور يسوع للتلاميذ مرة ثانية من أجل توما، فيقول:
أما توما أحد الاثني الذي يقال له التوأم، فلم يكن معهم حين جاء يسوع،
فقال له التلاميذ الآخرون قد رأينا الرب،
فقال لهم ان لم أُبصر في يديه أثر المسامير،
وأضع اصبعي في اثر المسامير وأضع يدي في جنبه،
لا أُؤمن،
وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضاً داخلاً وتوما معهم،
فجاء يسوع والأبواب مغلقة،
ووقف في الوسط وقال سلام لكم،
ثم قال لتوما هات إصبعك الى هنا وأبصر يديّ وهات يدك وضعها في جنبي،
ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً،
أجاب توما وقال له ربي والهي،
قال له يسوع لأنك رأيتني يا توما آمنت،
طوبى للذين آمنوا ولم يروا. (يوحنا 20: 24-29)
هذا النص كما هو ظاهر من غريب ما يمكن أن يقرأه الإنسان، فالكنائس تقول إن آدم وقع في الخطيئة الأبدية لمجرد مخالفته لأمر واحد وأكله من الشجرة، وهنا نجد أن توما الذي كان قد شاهد كل معجزات يسوع، وحاضراً إحياء يسوع لعازر، وسامعاً لكل أقوال يسوع، وبعد أقل من يومين يصاب بهذه الحالة الغريبة من الشكّ وعدم الإيمان، وبدلاً من وقوعه في خطيئة أعظم من خطيئة آدم نجد يوحنا يقول ان يسوع، الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد، يؤخر صعوده لأبيه والجلوس عن يمين أبيه ثمانية أيام ليجعل هذا التلميذ الشكاك يضع إصبعه في الثقوب التي أحدثتها المسامير ويضع يده في الحفرة التي أحدثتها الحربة التي طعن بها وهو معلق على الخشبة!
وفات يوحنا ومن قبله الروح المقدس أن الجراح ومكان الطعنة تلتئم في أقل من هذه المدة وهي عشر أيام، هذا بالنسبة للإنسان العادي، فكيف إذا كانت جراح الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، إلا إذا قال لنا يوحنا أو الروح المقدس أو الكنائس ان يسوع أبقى جراحه نازفة وجنبه مثقوباً لأجل توما! حتى إذا جاء يسوع إليه يضع إصبعه في اثر المسامير ويضع يده في جنبه فيؤمن ويقول له ربي وإلهي!
ثم يكتب عن ظهور ثالث عند بحيرة طبريا، كما في النص التالي:
بعد هذا أظهر أيضاً يسوع نفسه للتلاميذ على بحيرة طبرية،
كان سمعان بطرس وتوما ونثنائيل وابنا زبدي واثنان آخران مع بعضهم، قال لهم سمعان بطرس أنا أذهب لأتصيد، قالوا له نذهب نحن أيضاً معك، فخرجوا ودخلوا السفينة للوقت وفي تلك الليلة لم يمسكوا شيئاً.
في هذه الفقرات نقرأ أن التلاميذ قد تركوا أُورشليم وعادوا إلى الجليل، وهو ما يخالف قول يسوع لهم بان يبقوا في أورشليم كما كتب لوقا في إنجيله:
- فأقيموا في مدينة أُورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي. (لوقا 24: 49)
 وأظن أن مخالفة التلاميذ لأقوال يسوع قد تعودنا عليها بعد كل ما قرأنا عنهم، ولكن ما يلفت الانتباه هو عدم ذكر يوحنا لاسمي التلميذين اللذين كانا معهم عند بحيرة طبريا مع انه ذكر خمسة أسماء، فهل هذا الإغفال هو من يوحنا أم من الروح المقدس الذي لم ينبه يوحنا إلى انه لم يكتب اسمي التلميذين اللذين كانا معهم عند بحيرة طبرية عندما ظهر لهم يسوع للمرة الثالثة!
- ولما كان الصبح وقف يسوع على الشاطئ،
ولكن التلاميذ لم يكونوا يعلمون أنه يسوع،
فقال لهم يسوع يا غلمان ألعل عندكم اداماً، أجابوه لا، فقال لهم ألقوا الشبكة الى جانب السفينة الأيمن فتجدوا، فألقوا ولم يعودوا يقدرون أن يجذبوها من كثرة السمك.
في هذه الفقرات يعيدنا يوحنا إلى ما كتبه لوقا في الإصحاح الخامس عند بداية كرازة يسوع عندما دخل السفينة التي يمتلكها بطرس وكان معهما اندراوس وفي سفينة أُخرى يوحنا كاتب الإنجيل وأخوه يعقوب ولم يصطادوا شيئاً طوال الليل ومن ثم أمرهم يسوع أن يلقوا الشباك فامتلأت بالسمك وقال لهم اتبعوني لأجعلكم صيادي الناس، فتركوا السفينتين ولكنهم لم يحصلوا على مائة سفينة كما وعد يسوع بإعطاء كل من يترك شيئاً من اجله أن يأخذ مائة ضعف!
- فأجاب بطرس حينئذ وقال له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا،
فقال لهم يسوع الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل ألاثني عشر،
وكل من ترك بيوتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو إماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً من اجل اسمي،
يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية. (متّى 19: 27-29)
ولكن التلاميذ لم يعلموا انه يسوع! كما لم تعلم مريم المجدلية أن الرجل الذي ظهر لها عند القبر وظنت انه البستاني انه يسوع إلا عندما قال لها يا امرأة!
ولكن يوحنا بعد أن اصطادوا سمكاً كثيراً قال:
- فقال ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه لبطرس هو الرب،
فلما سمع بطرس اتزر بثوبه لأنه كان عرياناً وألقى نفسه في البحر،
وأما التلاميذ الآخرون فجاءوا بالسفينة لأنهم لم يكونوا بعيدين عن الارض الا نحو مئتي ذراع وهم يجرون شبكة السمك.
وهذا الوصف لبطرس لست أدري إن كان مدحاً أم ذمّاً، فلماذا كان بطرس عرياناً، وأما قفز بطرس وسباحته إلى الشاطئ فهو يدل على محبة بطرس ليسوع على الرغم من كتابة يوحنا انه والباقين جاءوا بالسفينة لأنهم لم يكونوا بعيدين على الرغم من وجود السمك الذي اصطادوه في الشبكة!
- فلما خرجوا الى الأرض نظروا جمراً موضوعاً وسمكاً موضوعاً عليه وخبزاً،
قال لهم يسوع قدّموا من السمك الذي أمسكتم الآن،
فصعد سمعان بطرس وجذب الشبكة الى الأرض ممتلئة سمكاً كبيراً مئة وثلاثاً وخمسين، ومع هذه الكثرة لم تتخرق الشبكة.
في هذه الفقرات نقرأ الدقة الشديدة من يوحنا في ذكر أعداد السمك، فهي مائة وثلاث وخمسون سمكة كبيرة، ولم يكن يوجد هناك سمكاً صغيراً ومع هذه الكثرة لم تتخرق الشبكة، ولكن يوحنا لم يكتب إن كان يسوع أكل معهم أم لا، كما كتب لوقا عندما ظهر لهم وطلب أن يأكل فأعطوه جزء من سمك مشوي وشيئاً من شهد عسل!
وفي النهاية وبعد أن جهّز الطعام قال لهم:
- قال لهم يسوع هلموا تغدوا.
ولكن كيف عرف يوحنا ان هذا الظاهر لهم هو يسوع؟
- ولم يجسر أحد من التلاميذ أن يسأله من أنت.
فإذا لم يجسروا وخافوا أن يسألوه، فكيف عرفوا انه يسوع؟
يقول يوحنا:
- إذ كانوا يعلمون أنه الرب.
إذاً يوحنا لم يقل أن يسوع أخبرهم أنه هو هذا الظاهر لهم بل هم علموا، كيف علموا؟
لا جواب، هم علموا وكفى!
ثم يتحدث عن قيام يسوع بإعطائهم خبزاً وسمكاً، ولكنه لم يكتب أن أعينهم تفتحت، كما كتب لوقا أن التلميذين المتوجهين إلى عمواس تفتحت أعينهما عندما ناولهما يسوع الخبز لكي يؤكد لنا أنهما علما انه يسوع.
- ثم جاء يسوع وأخذ الخبز وأعطاهم وكذلك السمك.
ثم يختم يوحنا حديثه عن ظهور يسوع للتلاميذ بقوله:
- هذه مرة ثالثة ظهر يسوع لتلاميذه بعدما قام من الأموات. (يوحنا 21: 1-14)
صعود يسوع الى السماء
ان من أغرب الأُمور في قصة صعود يسوع الى السماء هو أن متى ويوحنا وهما من التلاميذ الإثني عشر لم يتحدثا عنها في إنجيليهما، وكذلك مرقس، وما هو مكتوب في إنجيله عن صعود يسوع الى السماء إنما هو من إضافة بعض الكتبة فيما بعد، وليس من كتابة مرقس، والوحيد الذي كتب عن صعود يسوع الى السماء هو لوقا مع أنه ليس من التلاميذ، ولكنه تناقض في قصته بحيث يثير الشك في صحتها، كما في النصين التاليين:
وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال سلام لكم،
فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحاً،
فقال لهم ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم،
انظروا يديّ ورجليّ اني أنا هو، جسّوني وانظروا، فان الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي،
وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه،
وبينما هم غير مصدقين من الفرح ومتعجبون، قال لهم أعندكم ههنا طعام،
فناولوه جزءاً من سمك مشويّ وشيئاً من شهد عسل، فأخذ وأكل قدّامهم،
وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم، أنه لا بد أن يتمّ جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير، حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب،
وقال لهم هكذا هو مكتوب، وهكذا ينبغي أن المسيح يتألم، ويقوم من الأموات في اليوم الثالث،
وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأُمم مبتدأً من أُورشليم، وأنتم شهود لذلك،
وها أنا أُرسل إليكم موعد أبي، فأقيموا في مدينة أُورشليم الى أن تلبسوا قوة من الأعالي،
وأخرجهم خارجاً الى بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم، وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأُصعد الى السماء، فسجدوا له ورجعوا الى أُورشليم بفرح عظيم، وكانوا كل حين في الهيكل يُسبحون ويُباركون الإله. (لوقا 24: 36-53)
في هذا النص يقول لوقا ان يسوع صعد الى السماء بعد لقائه الأول مع التلاميذ، في حين أنه كتب في أعمال الرسل أن يسوع صعد الى السماء بعد أربعين يوماً من ظهوره الأول للتلاميذ كما في النص التالي:
- الكلام الأول أنشأته يا ثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويُعلم به، الى اليوم الذي الذي ارتفع فيه بعدما أوصى بالروح المقدس الرسل الذين اختارهم،
الذين أراهم أيضاً نفسه حيّاً ببراهين كثيرة بعدما تألم،
وهو يظهر لهم أربعين يوماً ويتكلم عن الأُمور المختصة بمملكة الإله،
وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أُورشليم،
بل ينتظروا موعد الأب الذي سمعتموه مني،
لأن يوحنا عمّد بالماء، وأما أنتم فستتعمدون بالروح المقدس، ليس بعد هذه الأيام بكثير،
أما هم المجتمعون فسألوه قائلين يا رب متى ترد الملك الى إسرائيل،
فقال لهم ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الأب في سلطانه،
لكنكم ستنالون قوة مني متى حلّ الروح المقدس عليكم،
وتكونون لي شهوداً في أُورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى أقصى الأرض،
ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون، وأخذته سحابة عن أعينهم،
وفيما كانوا يشخصون الى السماء وهو منطلق إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض وقالا أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون الى السماء، إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم الى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً الى السماء، حينئذ رجعوا الى أُورشليم، من الجبل الذي يُدعى جبل الزيتون، الذي هو بالقرب من أُورشليم على سفر سبت. (أعمال الرسل 1: 12)
ولا أُريد التعليق على ما يحويه النصان من مسائل، فقد سبق وناقشت معظمها، وأما ما أُضيف على إنجيل مرقس من قصة صعود يسوع الى السماء، فهو كما يلي:
 - وأخيراً ظهر للأحد عشر وهم متكئون، ووبخ عدم ايمانهم وقساوة قلوبهم،
لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام، وقال لهم اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يُدن،
وهذه الآيات تتبع المؤمنين،
يخرجون الشياطين باسمي،
ويتكلمون بألسنة جديدة،
ويحملون حيات وان شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم،
ويضعون أيديهم على المرضى فيبرؤون،
ثم ان الرب بعدما كلمهم ارتفع الى السماء وجلس عن يمين الإله، وأما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان، والرب يعمل معهم، ويُثبت الكلام بالآيات التابعة. (مرقس 16: 14-20)
في هذا النص المضاف على إنجيل مرقس نقرأ أن يسوع صعد الى السماء بعد اللقاء الأول وليس بعد أربعين يوما كما كتب لوقا في أعمال الرسل!
بهذا نكون قد اطلعنا على معظم ما كتبت الاناجيل عن حياة يسوع وتبين لنا كم هي الاختلافات والتناقضات فيما بينها،  بدءاً من نسب يسوع وانتهاءاً بصعوده الى السماء، والتي تثير الحيرة والشك في حقيقة هذه الشخصية سواء باعتبارها المسيح الذي بشرت به كتب العهد القديم او باعتبارها إلهاً وابن إله كما تقول قوانين إيمان الكنائس المختلفة، ويبقى جانب مهم لم نبحثه حتى الآن وهو المتعلق بهذه الشخصية من ناحية ذاتية وأعني به أقواله وأفعاله، من نبوءات وتعاليم ومعجزات وأمثال، فهل هذا الجانب سيظهر أن يسوع هو المسيح وأنه إله وابن إله أم أنه سيزيد الحيرة والشك في حقيقة شخصيته؟ هذا ما سيتبين لنا من خلال الفصول التالية وأبدأ بنبوءات يسوع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق