الأربعاء، 28 يناير 2015

الفصل الأول: حياة يسوع: قصة تعميد يسوع في الاناجيل عرض ونقد

الفصل الأولحياة يسوع
في هذا الفصل سأستعرض حياة يسوع في مختلف مراحلها، من ولادته إلى صلبه وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السماء، مع مقارنة النصوص بعضها ببعض كما وردت في الأناجيل، ومقارنة تلك النصوص مع نصوص العهد القديم عند اقتباس كتبة الأناجيل من العهد القديم، لنرى إن كان مؤلفو الأناجيل قد كتبوا قصة واحدة عن حياة يسوع أم أن كل واحد منهم كتب قصة مختلفة عن الآخرين بحسب معلومات كل واحد منهم والمصادر التي كان يعتمد عليها، وكذلك لنرى صحة ما اقتبسوه في الأناجيل من نصوص العهد القديم، وسأبدأ باستعراض النسبين اللذين وضعهما متّى ولوقا ليسوع في إنجيليهما ثم نباشر في قراءة حياة يسوع.
قصة تعميد يسوع
تذكر الأناجيل الأربعة قصة تعميد يوحنا المعمدان ليسوع، وسأذكرها كلها ثم نناقش ما فيها من معلومات.
قصة تعميد يسوع في إنجيل متّى
- وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برّية اليهودية، قائلاً توبوا لأنه قد اقتربت مملكة السماء، فإن هذا هو الذي قيل عنه بإشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب، اصنعوا سبله مستقيمة،
ويوحنا هذا كان لباسه من وبر الإبل وعلى حقويه مِنطقة من جلد، وكان طعامه جراداً وعسلاً برياً،
حينئذ خرج إليه أُورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن، واعتمدوا منه في الأردن معترفين بخطاياهم،
فلما رأى كثيرين من الفريسيين والصدوقيين يأتون الى معموديته، قال لهم يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي، فاصنعوا أثماراً تليق بالتوبة،
ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أباً،
لأني أقول لكم إن الإله قادر أن يُقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم،
والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار،
أنا أُعمدكم بماء للتوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني الذي لست أهلاً أن أحمل حذائه،
هو سيُعمّدكم بالروح المقدس ونار،
الذي رفشه في يده وسيُنقي بيدره ويجمع قمحه إلى المخزن وأما التبن فيُحرقه بنار لا تطفأ،
حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه،
ولكن يوحنا منعه قائلا أنا محتاج أن اعتمد منك وأنت تأتي إليّ،
 فأجاب يسوع وقال له أسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل برّ،
حينئذ سمح له، فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء،
وإذا السماء قد انفتحت له فرأى روح الإله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه، وصوت من السماء قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. (متّى 3: 1-17)
قصة تعميد يسوع في إنجيل مرقس
- كان يوحنا يُعمّد في البرية ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا، وخرج إليه جميع كورة اليهودية وأهل أُورشليم واعتمدوا جميعهم منه في نهر الأردن معترفين بخطاياهم،
وكان يوحنا يلبس وبر الإبل ومنطقة من جلد على حقويه ويأكل جراداً وعسلاً برياً،
وكان يكرز قائلاً يأتي بعدي من هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أنحني وأحل سيور حذائه،
أنا عمّدتكم بالماء وأما هو فسيُعمّدكم بالروح المقدس،
وفي تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل،
 واعتمد من يوحنا في الأردن،
وللوقت وهو صاعد من الماء رأى السماء قد انشقت والروح مثل حمامة نازلاً عليه،
وكان صوت من السماء أنت ابني الحبيب الذي به سررت. (مرقس 1: 9-11)
قصة تعميد يسوع في إنجيل لوقا
- في أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا كانت كلمة الإله على يوحنا بن زكريا في البرية، فجاء إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا،
كما هو مكتوب في سِفر أقوال إشعياء النبي صوت صارخ في البرية أعدّوا طريق الرب، اصنعوا سبله مستقيمة، كل وادٍ يمتلئ وكل جبل وأكمة ينخفض، وتصير المعوجات مستقيمة والشعاب طرقاً سهلة، ويبصر كل البشر خلاص الإله. (لوقا 3: 2-6)
- وإذ كان الشعب ينتظر والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح أجاب يوحنا الجميع قائلاً أنا أُعمّدكم بماء ولكن يأتي من هو أقوى مني الذي لست أهلاً أن أحل سيور حذائه،
هو سيُعمّدكم بالروح المقدس ونار. (لوقا 3: 15-16)
- ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضاً،
وإذ كان يصلي انفتحت السماء ونزل عليه الروح المقدس بهيئة جسمية مثل حمامة وكان صوت من السماء قائلا أنت ابني الحبيب بك سررت. (لوقا 3: 21-22)
قصة تعميد يسوع في إنجيل يوحنا
- وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أُورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت،
فاعترف ولم ينكر وأقرّ أني لست المسيح،
فسألوه إذاً ماذا، إيليا أنت،
فقال لست أنا،
النبي أنت،
فأجاب لا،
فقالوا له من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا، ماذا تقول عن نفسك،
قال أنا صوت صارخ في البرية، قوِّموا طريق الرب، كما قال إشعياء النبي،
وكان المرسلون من الفريسيين، فسألوه وقالوا له فما بالك تعمّد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي،
أجابهم يوحنا قائلاً أنا أُعمّد بماء ولكن في وسطكم قائم،
الذي لستم تعرفونه، هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي،
الذي لست بمستحق أن أحلّ سيور حذائه،
هذا كان في بيت عبرة في عبر الأردن حيث كان يوحنا يُعمّد،
وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال هو ذا حمل الإله الذي يرفع خطية العالم،
هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجل صار قدامي لأنه كان قبلي،
وأنا لم أكن أعرفه،
لكن ليُظهر لإسرائيل لذلك جئت أُعمّد بالماء،
وشهد يوحنا قائلاً إني قد رأيت الروح نازلاً عليه مثل حمامة من السماء فاستقر عليه،
وأنا لم أكن أعرفه،
ولكن الذي أرسلني لأُعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يُعمّد بالروح المقدس، وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الإله. (يوحنا 1: 19-34)
من هذه النصوص نرى انه توجد عدة مسائل محيرة بحاجة إلى توضيح بخصوص حقيقة نبوءة يوحنا المعمدان، وما قام به يسوع خلال حياته والتلاميذ والكنائس من بعده إلى هذا اليوم من تعميد، هل هو متوافق مع النبوءة أم أنهم عمّدوا كما كان يُعمّد يوحنا المعمدان!
المسألة الأولى وهي على نبوءة يوحنا المعمدان التي تقول إن المُبَشرَ به سيُعمّد بطريقة مختلفة عن طريقة يوحنا المعمدان، إذ أن يوحنا كان يُعمّد بالماء وأما هو فسيُعمّد بالروح المقدس ونار.
فهل عمّد يسوع بالروح المقدس ونار أم لا؟
يقول يوحنا في إنجيله:
- وبعد هذا جاء يسوع وتلاميذه إلى أرض اليهودية ومكث معهم هناك وكان يُعمّد،
وكان يوحنا أيضاً يُعمّد في عين نون بقرب ساليم لأنه كان هناك مياه كثيرة،
وكانوا يأتون إليه ويعتمدون لأنه لم يكن يوحنا قد أُلقي بعد في السجن،
وحدثت مباحثة من تلاميذ يوحنا مع يهود من جهة التطهير،
فجاءوا إلى يوحنا وقالوا له يا معلم هو ذا الذي كان معك في عبر الأردن الذي أنت شهدت له هو يُعمّد والجميع يأتون إليه. (يوحنا 3: 22-26)
- فلما علم الرب إن الفريسيين سمعوا أن يسوع يُصيّر ويُعمّد تلاميذ أكثر من يوحنا،
مع إن يسوع نفسه لم يكن يُعمّد بل تلاميذه ترك اليهودية ومضى أيضاً إلى الجليل. (يوحنا 4: 1-3)
في هذين النصين يقول يوحنا ان يسوع كان يُعمّد في عين نون، لأنه كان يوجد هناك مياه كثيرة، أي إن يسوع كان يُعمّد بالماء مثل تعميد يوحنا المعمدان وليس بشيء آخر!
كما ان هناك ملاحظة بخصوص كلام يوحنا ان يسوع كان يُعمّد في الفقرة الأولى وفي الفقرة الثانية يقول إن يسوع لم يكن يُعمّد بل تلاميذه، فماذا يقصد بكلامه هو يُعمّد وهو لا يُعمّد بل تلاميذه؟
فإذا كان يسوع لم يُعمّد بل تلاميذه، فلماذا كتب انه كان يُعمّد وما فائدة هذه الجملة؟
وهل التعميد ليس بهذه الأهمية حتى يُعمّد يسوع بنفسه؟
وإذا كان شأنه أعظم من أن يُعمّد بنفسه لأن التعميد ليس من الأُمور المهمة، فلماذا تعمّد هو من يوحنا؟
ولماذا كان من صفاته في نبوءة يوحنا المعمدان انه يُعمّد بالروح المقدس ونار، إذا لم يكن هو نفسه يُعمّد بل تلاميذه؟
فلماذا لم يتنبأ يوحنا المعمدان عن تلاميذ يسوع أنهم هم الذين يُعمّدون بالروح المقدس ونار، لأن يسوع لم يكن يُعمّد بل تلاميذه كما كتب يوحنا في إنجيله؟
وإذا كان أمر التعميد قليل الأهمية بحيث ان يسوع لم يمارسه بنفسه، فهل غسل يسوع لأرجل التلاميذ في عشاء الفصح الأخير، كما يذكر يوحنا نفسه، أعظم أهمية من التعميد ليقوم يسوع به ويغسل أرجلهم وينشفها؟ (يوحنا 13: 4-11)
ثم ما هي قصة النار المذكورة في إنجيلي متّى ولوقا؟
هل نعتبر أن هذه الكلمة، أي التعميد بنار، كتبت سهواً وأنها زيدت من قبل متّى ولوقا؟
أم ان شريعة التعميد بنار لم يعمل بها يسوع ولا أي من التلاميذ ولا الكنائس المختلفة منذ ما يقرب من ألفي سنة، وهذا دليل على عدم الالتزام بوصايا وشرائع يسوع.
كما ان عدم التعميد بالنار يُعتبر نقضاً وإزالة لقول يسوع في الأناجيل وهو القائل السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول.
أم نستطيع القول إن ما تنبأ به يوحنا المعمدان كان المقصود به شخصاً آخر غير يسوع، وهو الذي سيأتي في المستقبل ويُعمّد بنار، ولكن كتبة الأناجيل ظنوا أن يسوع هو المقصود بالنبوءة، وإن كان الواقع قد أظهر خطأ ظنهم، لأن يسوع لم يُعمّد بنار ولا التلاميذ ولا الكنائس من بعدهم؟!
المسألة الثانية وهي ما هو الفرق بين تعميد يوحنا المعمدان وتعميد يسوع، فالأناجيل لم تبين لنا تعميد يوحنا المعمدان سوى بالقول انه تعميد للتوبة ومغفرة الخطايا بالماء، وهو ذات التعميد الذي فعله يسوع وتلاميذه والكنائس الى يومنا هذا، فأي فرق بين تعميد يوحنا المعمدان وتعميد يسوع والكنائس؟
فلو أن أنسانا تعمّد بمعمودية يوحنا هل تُغفر له ذنوبه أم لا؟
وإذا غُفرت ذنوبه فأي حاجة لمعمودية يسوع؟
وإذا لم تُغفر ذنوبه فنحن نسأل السؤال الذي سأله يسوع نفسه للكهنة والفريسيين هل معمودية يوحنا من الرب أم من الناس؟
- ولما جاء إلى الهيكل تقدم إليه رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وهو يُعلم قائلين بأي سلطان تفعل هذا ومن أعطاك هذا السلطان،
فأجاب يسوع وقال لهم وأنا أيضاً أسألكم كلمة واحدة فان قلتم لي عنها أقول لكم أنا أيضاً بأي سلطان أفعل هذا، معمودية يوحنا من أين كانت، من السماء أم من الناس،
ففكروا في أنفسهم قائلين إن قلنا من السماء يقول لنا فلماذا لم تؤمنوا،
وان قلنا من الناس نخاف من الشعب،
لان يوحنا عند الجميع مثل نبي،
فأجابوا يسوع وقالوا لا نعلم،
فقال لهم هو أيضاً ولا أنا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا. (متّى 21: 23-27) و(مرقس 11: 27-33) و(لوقا 20: 1-8)
وأخيراً لماذا لم يتعمّد يوحنا من يسوع؟
المسألة الثالثة وهي ما هي حقيقة وفعالية هذا التعميد الذي تقوم به الكنائس وتقول انه بالروح المقدس، هل له تأثير على المتعمّد به أم انه مجرد طقس تقوم به الكنائس؟
هل يحس الإنسان المتعمّد بالروح المقدس في نفسه؟
وإذا كان الجواب بالإيجاب وان المتعمّد يحلّ فيه الروح المقدس، فلماذا نرى ملايين المتعمّدين بهذا الروح المقدس يرتكبون كل أنواع الشرور والنجاسات، أم ان التعميد بالروح المقدس ليس له أي أثر في روح المتعمّد؟!
وهذا يؤدي إلى نفي الصفة المذكورة في نبوءة يوحنا المعمدان عن يسوع، الذي قلل من أهمية تعميده مقارنة بالذي يأتي بعده والذي سيُعمّد بالروح المقدس ونار كما أسلفت سابقاً.
المسألة الرابعة وهي على قول يوحنا المعمدان انه لم يكن يعرف يسوع، وكرر هذه الجملة مرتين، وهذا أمر غريب من يوحنا المعمدان الذي هو قريب يسوع من جهة أُمه، وهو الذي فرح في بطن أُمه عندما سمع صوت مريم عندما زارتهم في البيت لتتأكد من قول ملاك الرب لها أنها حبلى كما قال لوقا في إنجيله، فكيف لا يعرفه؟
كما أن يوحنا المعمدان هو نفسه الذي ذكر النبوءة التي تتحدث عن يسوع بانه سيُعمّد بالروح المقدس كما مرّ معنا سابقاً، فكيف لا يعرفه؟
وكذلك فإن يوحنا المعمدان كانت ولادته مقدمة ليسوع حتى لا تخاف أو تضطرب مريم عندما أخبرها ملاك الرب أنها حبلى كما ذكر لوقا في إنجيله، وأخيراً فيوحنا المعمدان كما تذكر الأناجيل هو الصوت الصارخ الذي يُعدّ للرب طرقه، فكيف لا يعرفه؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق