الثلاثاء، 27 يناير 2015

الفصل الأول: حياة يسوع: قصة خيانة يهوذا الاسخريوطي في الاناجيل الاربعة ونهاية يهوذا الاسخريوطي في انجيل متّى وأعمال الرسل والاختلافات التي بينهما

الفصل الأولحياة يسوع
في هذا الفصل سأستعرض حياة يسوع في مختلف مراحلها، من ولادته إلى صلبه وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السماء، مع مقارنة النصوص بعضها ببعض كما وردت في الأناجيل، ومقارنة تلك النصوص مع نصوص العهد القديم عند اقتباس كتبة الأناجيل من العهد القديم، لنرى إن كان مؤلفو الأناجيل قد كتبوا قصة واحدة عن حياة يسوع أم أن كل واحد منهم كتب قصة مختلفة عن الآخرين بحسب معلومات كل واحد منهم والمصادر التي كان يعتمد عليها، وكذلك لنرى صحة ما اقتبسوه في الأناجيل من نصوص العهد القديم، وسأبدأ باستعراض النسبين اللذين وضعهما متّى ولوقا ليسوع في إنجيليهما ثم نباشر في قراءة حياة يسوع.
خيانة يهوذا الاسخريوطي ودخول الشيطان فيه
- حينئذ ذهب واحد من ألاثني عشر الذي يدعى يهوذا الاسخريوطي إلى رؤساء الكهنة، وقال ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم،
فجعلوا له ثلاثين من الفضة،
ومن ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلمه. (متّى 26: 14-16)
- ثم إن يهوذا الاسخريوطي واحد من ألاثني عشر مضى إلى رؤساء الكهنة ليسلمه إليهم، ولما سمعوا فرحوا ووعدوه ان يعطوه فضة وكان يطلب كيف يُسلمه في فرصة موافقة. (مرقس 14: 10-11)
- وقرب عيد الفطير الذي يُقال له الفصح، وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يقتلونه لأنهم خافوا الشعب،
فدخل الشيطان في يهوذا الذي يُدعى الاسخريوطي وهو من جملة الاثني عشر، فمضى وتكلم مع رؤساء الكهنة وقوّاد الجند كيف يسلمه إليهم، ففرحوا وعاهدوه ان يعطوه فضة. (لوقا 22: 1-5)
- فحين كان العشاء وقد القى الشيطان في قلب يهوذا الاسخريوطي ان يسلمه. (يوحنا 13: 2)
هذه النصوص تتحدث سبب قيام يهوذا بتسليم يسوع وعن الزمن الذي فكر فيه بتسليمه ودخول الشيطان فيه، وكما نلاحظ فإن كل إنجيل يُعطي قصة مختلفة عن الأُخرى، فمتّى جعل السبب في قيام يهوذا بهذا العمل هو سعيه وراء ثلاثين من الفضة اعتماداً منه على ما جاء في كتاب زكريا الذي ذكر قصة تتحدث عن الثلاثين من الفضة، كما في النص التالي:
فقلت لهم إن حسن في أعينكم فأعطوني أجرتي والا فامتنعوا،
 فوزنوا لي أجرتي ثلاثين من الفضة. (زكريا 11: 12)
مع ان متّى أخطأ في تحديد الكتاب الذي تحدث عن قصة الثلاثين من الفضة كما في النص التالي:
- حينئذ تمّ ما قيل بإرميا النبي القائل وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه من بني إسرائيل، وأعطوها عن حقل الفخاري كما أمرني الرب. (متّى 27: 9-10)
فكما نقرأ فهو قال انها مكتوبة في إرميا مع أنها مكتوبة في زكريا!
وأما مرقس ولوقا فقد اعتمدا على نص آخر مكتوب في كتاب عاموس تحدث عن بيع البارّ بفضة دون تحديد العدد كما في النص التالي:
- هكذا قال الرب من أجل ذنوب إسرائيل الثلاثة والأربعة لا أرجع عنه لأنهم باعوا البارّ بالفضة والبائس لأجل نعلين. (عاموس 2: 6)
وأما يوحنا فكتب القصة دون أي اشارة للفضة أصلاً! وكيف يكتب يوحنا أن يهوذا قام بتسليم يسوع مقابل ثلاثين من الفضة، أو مقابل فضة دون عدد، وهو الذي كتب عن يهوذا انه كان سارقاً في القصة التي ذكرت أن مريم المجدلية دهنت رجلي يسوع بطيب ثمنه أكثر من ثلاث مائة دينار، كما في النص التالي:
- ثم قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات،
فصنعوا له هناك عشاء، وكانت مرثا تخدم وأما لعازر فكان أحد المُيكئين معه،
فأخذت مريم منّا من طيب ناردين خالص كثير الثمن ودهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها،
فقال واحد من تلاميذه وهو يهوذا سمعان الاسخريوطي المُزمع أن يُسلمه لماذا لم يبع هذا الطيب بثلاث مئة دينار ويعط للفقراء، قال هذا ليس لأنه كان يبالي بالفقراء بل لأنه كان سارقاً وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يُلقى فيه، فقال يسوع اتركوها، إنها ليوم تكفيني قد حفظته،
لأن الفقراء معكم في كل حين وأما أنا فلست معكم في كل حين. (يوحنا 12: 1-8)
فإذا كتب أن بعض الناس دهنوا قدمي يسوع بطيب يساوي ثلاث مائة دينار فكيف سيكتب ان يهوذا سلم يسوع من أجل فضة أو من أجل ثلاثين منها؟!
ويهوذا كما يصفه يوحنا كان حافظ صندوق المال وكان يسرق منه، فهو كان يستطيع أن يسرق أكثر من هذا المبلغ بكثير دون الحاجة لتسليم يسوع، ولهذا لم يذكر يوحنا قصة الفضة مطلقاً!
كما أن الأناجيل تختلف في الوقت الذي فكر فيه يهوذا بتسليم يسوع ودخول الشيطان فيه، فمتّى ومرقس لم يذكرا أن الشيطان دخل في يهوذا، وأما لوقا فذكر إن الشيطان دخل في يهوذا قبل الفصح وأما يوحنا فيقول إن الشيطان دخل وقت عشاء الفصح، وهذا يطرح سؤالاً كبيراً عن أصل القصة.
لإن الأناجيل تخبرنا أن يسوع أعطى التلاميذ القدرة على إخراج الشياطين، ومنهم يهوذا، فكيف لم يستطع أن يخرج الشيطان من نفسه إذا كانت وعود يسوع لتلاميذه صحيحة؟!
وإذا كان يهوذا لم يستطع أن يخرج الشيطان من نفسه كما حدث مع التلاميذ عندما عجزوا عن إخراج أحد الشياطين من إنسان، وقال لهم يسوع بعد أن أخرجه أنهم لم يستطيعوا أن يخرجوه لعدم إيمانهم، كما في النص التالي:
- ولما جاء إلى الجمع تقدم إليه رجل جاثياً له، وقائلاً يا سيد ارحم ابني فانه يُصرع ويتألم شديداً، ويقع كثيراً في النار وكثيراً في الماء،
وأحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه،
فأجاب يسوع وقال أيها الجيل غير المؤمن الملتوي،
إلى متى أكون معكم،
إلى متى احتملكم،
قدموه إليّ ههنا، فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان،
فشفي الغلام من تلك الساعة،
ثم تقدم التلاميذ إلى يسوع على انفراد وقالوا لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه،
فقال لهم يسوع  لعدم إيمانكم،
فالحق أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة الخردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم،
وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم. (متّى 17: 14-21) و(مرقس 9: 14-29) و(لوقا 9: 37-42)
فلو قلنا إن يهوذا لم يستطع إخراج الشيطان لعدم إيمانه فلماذا لم يُخرجه يسوع؟
وهنا تسارع الكنائس بالإجابة، وتقول وكيف يخرجه من يهوذا ويسوع ما جاء إلا ليُصلب كي ترتفع الخطيئة الأبدية التي يتوارثها بنو آدم، إذ أن من أهم بنود قوانين إيمان الكنائس هي أن يسوع جاء إلى هذه الدنيا كي يُصلب ليرفع خطيئة أكل آدم من تلك الشجرة.
وهذا الجواب يكون صحيحاً وحقيقياً لو لم يُمض يسوع ليلته الأخيرة وهو يدعو أباه كي لا يُصلب، ولو لم تملأ صرخات يسوع آذاننا وهو يصرخ إلى إلهه وهو معلق على الصليب إلهي إلهي لماذا تركتني!
نهاية يهوذا الاسخريوطي
- حينئذ لمّا رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دِينَ ندم وردّ الثلاثين من الفضة الى رؤساء الكهنة والشيوخ، قائلا قد أخطأت إذ سلّمتُ دماً بريئاً،
فقالوا ماذا علينا، أنت أبصر،
فطرح الفضة في الهيكل وانصرف، ثم مضى وخنق نفسه،
فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لا يحلّ أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم، فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاريّ مقبرة للغرباء،
لهذا سُمّي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم،
حينئذ تمّ ما قيل بإرميا النبي القائل وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه من بني إسرائيل وأعطوها عن حقل الفخاري كما أمرني الرب. (متّى 27: 3-10)
في هذا النص يقول متّى ان يهوذا بعد إدانة يسوع ندم وطرح الثلاثين من الفضة في الهيكل ثم شنق نفسه، ويقول ان رؤساء الكهنة أخذوا الفضة واشتروا بها حقل الفخاري، ليتم ما قيل بإرميا.
إن أول ما يواجهنا في هذا النص، والذي يشكك في صحته، هو خطأ متّى في نسبة النص الى إرميا، لأن النص مذكور في سِفر زكريا وليس في إرميا، كما في النص التالي:
- فقلت لهم إن حسنَ في أعينكم فأعطوني أُجرتي وإلا فامتنعوا،
فوزنوا أُجرتي ثلاثين من الفضة،
فقال لي الرب ألقها إلى الفخاري، الثمن الكريم الذي ثمنوني به، فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب. (زكريا 11: 12- 13)
فلو كان ما كتبه متّى صحيحاً لعلم مكان النص الذي يتحدث عن الثلاثين من الفضة!
المسألة الثانية التي تواجهنا وهي تلاعب متّى بكلمات نص زكريا ليخدم قصته، فمتّى يقول: حينئذ تمّ ما قيل بإرميا وأخذوا الثلاثين من الفضة، ثمن المثمن الذي ثمنوه بني إسرائيل وأعطوها عن حقل الفخاري كما أمرني الرب.
والنص في سِفر زكريا يقول: فقال لي الرب القها إلى الفخاري، الثمن الكريم الذي ثمنوني به، فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب.
فمتّى يقول ان بني إسرائيل أخذوا الفضة وأعطوها عن حقل الفخاري، في حين أن زكريا يقول أن المتحدث في النص هو الذي ألقى الفضة الى الفخاري في بيت الرب ولم يتحدث عن شراء حقل، فالفرق واضح بين النصين، مع أنه أخطأ ونسبه إلى أرميا!
المسألة الثالثة وهي حقيقة ما كان يتكلم عنه النص الأصلي في سِفر زكريا، لهذا سأستعرض النص لنعلم إن كان يتحدث عن زمن يسوع وتسليم يهوذا له مقابل ثلاثين من الفضة أم لا.
وهو كما يلي:
هكذا قال الرب الهي ارع غنم الذبح،
الذين يذبحهم مالكوهم ولا يأثمون وبائعوهم يقولون مبارك الرب قد استغنيت،
ورعاتهم لا يشفقون عليهم.
كما هو واضح فإن المتكلم يقول إن الرب هو إلهه وانه أمره برعاية غنم الذبح، وهذا لا يشير الى يهوذا بأي شكل من الأشكال، لأنه لم يكن راعياً لا لبني إسرائيل ولا لغيرهم، كما أنه لا يشير الى يسوع لأنه كما بينت ذلك سابقاً لم يكن راعياً، بل كان يدفع الجزية للرومان ويدعو الى طاعة قيصر والخضوع لسلطانه.
- لأني لا أُشفق بعد على سكان الارض يقول الرب، بل هاأنذا مسلّم الانسان كل رجل ليد قريبه وليد ملكه فيضربون الارض ولا انقذ من يدهم.
وهذه الفقرات تتحدث عن واقع الناس في زمن ذلك الراعي وهو غير متحقق في واقع الناس زمن يسوع، لان جميع تلك الشعوب كانت تحت سلطان الرومان وقيصر، كما ان الأناجيل لم تخبرنا بقصص تشبه ما تتحدث عنه الفقرات.
- فرعيت غنم الذبح، لكنهم أذل الغنم،
وأخذت لنفسي عصوين فسميت الواحدة نعمة وسميت الاخرى حَبالاً ورعيت الغنم.
وهذه الفقرات تتحدث عن ذلك الراعي واتخاذه عصوين، وانه سمّى واحدة نعمة والأخرى حبالا، ولم تخبرنا الأناجيل الأربعة انه كان ليهوذا عصوين، وانه سمّاهما واحدة نعمة والأخرى حبالا، وكذلك الحال بالنسبة ليسوع.
- وأبَدْتُ الرعاة الثلاثة في شهر واحد،
وضاقت نفسي بهم وكرهتني أيضاً نفسهم،
فقلت لا أرعاكم، من يمت فليمت ومن يُبد فليبد،
والبقية فليأكل بعضها لحم بعض.
وهذه الفقرات تبعدنا أكثر عن فكرة أن النص يتحدث عن يهوذا، إذ ان الأناجيل لم تذكر أنه أباد ثلاثة من الرعاة سواء كانوا رعاة حقيقيين أو بالمعنى المجازي للدلالة على الملوك.
وأما قوله لا أرعاكم ومن يمت فليمت فهو بالتأكيد لا يتحدث عن يهوذا لأنه لم يكن راعياً في يوم من الأيام!
- فأخذت عصاي نعمة وقصفتها لأنقض عهدي الذي قطعته مع كل الأسباط،،
فنقض في ذلك اليوم.
وهذه الفقرات لا تتحدث عن يهوذا من قريب ولا من بعيد، فالأناجيل لم تخبرنا أن يهوذا قصف بعصاه نعمة ونقض العهد مع أسباط إسرائيل!
- وهكذا علم أذل الغنم المنتظرون لي إنها كلمة الرب.
وهذه الفقرة تدل على ان المتكلم يتكلم بكلمة الرب، وان الغنم المنتظرون له يعلمون أنها كلمة الرب أيضاً، والأناجيل والكنائس لا تقول أن يهوذا سلم يسوع بكلمة من الرب، بل تقول ان الشيطان دخل فيه وهو من أغراه على القيام بفعلته.
- فقلت لهم إن حسن في أعينكم فأعطوني أجرتي والا فامتنعوا،
فوزنوا أُجرتي ثلاثين من الفضة،
فقال لي الرب ألقها إلى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنوني به،
فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب.
في هذه الفقرات نقرأ أن المتكلم بكلمة الرب وبعد أن نقض العهد مع أسباط إسرائيل طلب اجرته، فوزنوا له ثلاثين من الفضة، فقال له الرب أن يلقيها الى الفخاري في بيت الرب، وهي ثمن كريم، وليس ثمن لخيانة، فألقاها، فأين ما كتبه متّى عن عملية تسليم يهوذا ليسوع بثلاثين من الفضة؟!
- ثم قصفت عصاي الأُخرى حبالا لأنقض الإخاء بين يهوذا وإسرائيل.
وهذه الفقرة تزيد الأمر وضوحاً في أن النص لا يتحدث عن يهوذا، إذ أنها تقول إن ذلك الشخص قام بقصف العصا الأخرى والتي سماها حبالا لينقض الإخاء بين يهوذا وإسرائيل، ويهوذا في هذه الفقرة يقصد به سبط يهوذا أو دولة يهوذا وليس يهوذا الاسخريوطي، ومتّى يقول إن يهوذا الاسخريوطي بعد أن ألقى الفضة ذهب وشنق نفسه فأين عصاه حبالا التي قصف بها لينقض الإخاء بين دولة يهوذا ودولة إسرائيل؟
مع أن تلك الدولتين كانتا قد زالتا من الوجود قبل ولادة يسوع بمئات السنين!
وباقي النص يتحدث عن أمور لا شك أنها لا تتحدث عن يهوذا ولم تقع في زمن يسوع، لان كتبة الأناجيل لم يكتبوا أيّة قصة عن حدوث مثل هذه الأمور في ذلك الزمان، ولو كان النص يتحدث عن يهوذا حقاً لعلم متّى انه في سِفر زكريا وليس في سِفر إرميا!
- فقال لي الرب خذ لنفسك بعد أدوات راع أحمق،
لأني هاأنذا مُقيم راعياً في الارض لا يفتقد المنقطعين ولا يطلب المنساق ولا يجبر المنكسر ولا يُربي القائم،
ولكن يأكل لحم السّمان وينزع اظلافها،
ويل للراعي الباطل التارك الغنم،
السيف على ذراعه وعلى عينه اليمنى،
ذراعه تيبس يبساً وعينه اليمنى تكلّ كلولاً. (زكريا 11: 4-17)
المسألة الرابعة التي تواجهنا في نص متّى وهي مدى اتفاقه مع كتبة العهد الجديد في قصة نهاية يهوذا.
إن الأناجيل الأخرى لم تذكر شيئاً عن نهاية يهوذا، ولكن لوقا كاتب الإنجيل كتب في رسالة أعمال الرسل نهاية مختلفة ليهوذا الاسخريوطي، فقال:
- وفي تلك الأيام قام بطرس في وسط التلاميذ وكان عدة أسماء معاً نحو مئة وعشرين فقال، أيها الرجال الإخوة كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح المقدس فقال بفم داوُد عن يهوذا الذي صار دليلاً للذين قبضوا على يسوع،
اذ كان معدوداً بيننا وصار له نصيب في هذه الخدمة،
فان هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها،
وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أُورشليم حتى دُعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما، أي حقل دم،
لانه مكتوب في سِفر المزامير لتصر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر. (أعمال الرسل 1: 15-20)
كما نقرأ فإن لوقا يقول ان يهوذا أخذ أجرة الظلم واقتنى بها حقلاً، وانه سقط على وجهه فانشق من الوسط وانسكبت أحشاؤه كلها، وللتدليل على صدقه يقول إن جميع سكان أورشليم يعلمون هذه القصة حتى أنهم دعوا ذلك الحقل في لغتهم بحقل دما أي حقل دم!
فمن نصدق الآن متّى الذي قال إن يهوذا مضى وخنق نفسه، أم لوقا الذي يقول إن يهوذا سقط على وجهه وانشق من الوسط وانسكبت أحشاؤه كلها؟
وان كنت الآن لا أُريد الخوض في دقائق المعلومات التي أوردها لوقا، إلا أنني أتساءل عن هذه السقطة التي تجعل الإنسان يسقط على وجهه فينشق وسطه وتنسكب أحشاؤه كلها!
ويأتيك جواب الكنائس الذي يقول إن هذه السقطة ليست طبيعية بل هي معجزة فما هي المشكلة في سقطة معجزة تؤدي إلى شق الإنسان من الوسط وانسكاب أحشائه؟
وهذا الرد يكون مقبولاً لولا أن متّى قال إن يهوذا مضى وخنق نفسه! ولم يذكر تلك السقطة المعجزة كما انه لم يذكر ان يهوذا اشترى حقلاً بتلك الفضة، بل قال انه طرح الفضة في الهيكل وان من اشترى الحقل هم رؤساء اليهود وليس يهوذا.
وأخيراً فإن هذا الرد والقصة كلها التي ذكرها لوقا في كتاب أعمال الرسل قد تكون صحيحة لولا أنه لم يقم بالتلاعب بنصوص المزامير وتحريفها لتتلائم مع قصته التي خالف فيها متّى! فلوقا استشهد في نهاية قصته على صدق ما كتب بقوله لأنه مكتوب في سِفر المزامير لتصِر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر، وهذه الفقرة يفترض بها أن تكون في مزمور واحد وتتحدث عن شخص واحد ليصح قوله لأنه مكتوب في سِفر المزامير، أما أن يقوم بتجميع فقرة من مزمور وأُخرى من مزمور ثان، ثم يقوم بتغيير صيغة الكلام في المزامير من الحديث عن جماعة الى الحديث عن شخص واحد، فهذا لن يساعده في إثبات قصته، وخاصة أنه خالف متّى.
فهو اقتبس لتصِر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن من المزمور التاسع والستين كما في النص التالي:
لتصر مائدتهم قدّامهم فخّاً وللآمنين شَرَكَاً،
لتُظلِم عيونهم عن البصر،
وقلقل متونهم دائماً،
صُبَّ عليهم سخطك وليُدركهم حموّ غضبك،
لتصر دارهم خراباً وفي خيامهم لا يكن ساكن،
لأن الذي ضربته أنت هم طردوه وبوجع الذين جرَحْتهم يتحدّثون،
اجعل إثماً على إثمهم ولا يدخلون في بِرّك،
ليمحوا من سِفر الأحياء ومع الصديقين لا يكتبوا،
أما أنا فمسكين وكئيب، خلاصك يا إله فليرفعني. (مزمور 69: 22-29)
هذا هو النص الذي استشهد به لوقا لإثبات صحة قصته التي ذكرها عن نهاية يهوذا وعن السبب الذي من أجله اختاروا التلميذ الثاني عشر بدلاً عن يهوذا، وهو كما نقرأ يتحدث عن مجموعة من الناس وليس عن شخص واحد، واقتبس  وليأخذ وظيفته آخر من المزمور التاسع بعد المائة كما في النص التالي:
ووظيفته ليأخذها آخر. (مزمور 109: 8)
فهذا التجميع للفقرات والقول انه مذكور في المزامير للتدليل على صحة ما يقوله الإنسان من الأُمور الغريبة، لأنه قد تصح نبوءة، أو نص، تتحدث عن شخص ما أو زمن ما إذا كانت تنطبق عليه بدقة، أما أن يتم تجميع فقرة من هنا وأُخرى من هناك ويتم التلاعب بصيغتها وتتناقض مع ما هو مكتوب في الأناجيل فهذا يدعو للحيرة وليس للإيمان أو تصديق ما هو مكتوب! ومع هذا سأقوم باستعراص المزمورين لنرى حقيقة ما يتحدثان عنه، وإن كانا يقصدان يهوذا الاسخروطي أم لا.
المزمور الأول وهو كما يلي:
خلّصني يا إله لأن المياه قد دخلت إلى نفسي،
غرقت في حمأة عميقة وليس مقرّ دخلتُ إلى أعماق المياه والسيل غمرني.
يبدأ المزمور بهذه الفقرة ونقرأ فيها أن أحداً يدعو الرب ليخلصه، لأن المياه دخلت إلى نفسه وانه غرق في حمأة عميقة وليس مقر، وهذه الجملة لو قالها إنسان عادي، أو داوُد، وهو الذي قالها لأن المزمور له كما هو مكتوب، لكان أمراً طبيعياً لأنه إنسان وهو بحاجة إلى خلاص الرب ومساعدته على النجاة مما يحدث معه من مشاكل ومعوقات تقف في مواجهته لمنعه من إكمال المهمة التي أوكلها الرب إليه، وسواء كانت هذه المشاكل والمعوقات تأتي من أعدائه الشخصيين كما تخبرنا أسفار العهد القديم أن داوُد أمضى عشرات السنين وهو يقاوم ويحارب مخالفيه وأعداءه، أو تأتي هذه المشاكل والمعوقات من الحالة النفسية التي يمكن أن يعيشها الإنسان حتى لو كان ملكاً أو نبياً.
وأما إن جارينا كتبة الأناجيل والكنائس في قولهم إن هذا المزمور يتحدث عن يسوع، فهم اقتبسوا منه عدة فقرات قالوا انها تتحدث عن يسوع، فهذا يطرح أسئلة حائرة كثيرة على قوانين إيمان الكنائس التي يسعون لإقناع الناس بها.
إذ لو كان يسوع هو أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، هذا إذا كانت هذه الأقانيم موجودة أصلاً، وهي ليست بموجودة، فكيف يطلب من نفسه أن يخلصه، ومما يخلصه؟!
من المياه التي دخلت نفسه، لأنه غرق في حمأة عميقة، الحمأة تعني المياه الضحلة والساخنة!
وأي حمأة يمكن أن يغرق فيها الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر؟!
كما ان كتبة الأناجيل لم يكتبوا أن يسوع غرق في حمأة وان المياه دخلت إلى نفسه كما كتبوا عن الجند الذين سقوه خلاً استناداً لهذا المزمور كما سيظهر بعد قليل!
وهذه الفقرات تثير كذلك أسئلة على قول الكنائس ان يسوع هو المُخلص، لأنه في هذا النص يطلب الخلاص من الرب، كما طلب الخلاص في الأناجيل كي لا يُصلب، فإذا كان يسوع لا يستطيع أن يُخلص نفسه فكيف سيُخلص غيره؟!
- تعبت من صراخي، يبس حلقي،
كلّت عيناي من انتظار الهي.
في هذه الفقرة نجد أن المتحدث يقول انه تعب من الصراخ وان حلقه يبس وعيناه كلت من انتظار إلهه، ولنفترض أن المزمور يتحدث عن يسوع كما تقول الكنائس، فأقول إن كتبة الأناجيل كتبوا أن يسوع صرخ وهو معلق على الصليب لإلهه فقال إلهي إلهي لماذا تركتني، ولكنهم لم يكتبوا قصة تقول إن حلق يسوع يبس وان عينيه كلّتا من انتظار إلهه.
- أكثر من شعر رأسي الذين يبغضونني بلا سبب.
هذه الفقرة اقتبسها يوحنا في إنجيله وقال إنها تقصد يسوع، كما في النص التالي:
- لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالاً لم يعملها أحد غيري لم تكن لهم خطيئة، وأما الآن فقد رأوا وأبغضوني أنا وأبي، لكن لكي تتم الكلمة المكتوبة في ناموسهم إنهم ابغضوني بلا سبب. (يوحنا 15: 25)
ومع هذا القول إلا أن يوحنا كتب سبباً لبغض اليهود ليسوع فقال:
- أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف،
فانك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً. (يوحنا 10: 33)
فاليهود لم يبغضوا يسوع بلا سبب كما قال في النص الأول!
- اعتز مُستهلكيّ أعدائي ظلماً،
حينئذ رددت الذي لم أخطفه.
وأما هذه الفقرة فان الأناجيل لم تكتب قصة مشابهة لها.
- يا إله أنت عرفت حماقتي وذنوبي عنك لم تخف.
وأما هذه الفقرة فلست ادري كيف ستجيب عنها الكنائس؟
هل الرب يعرف حماقة يسوع؟
وهل يسوع أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر أحمق؟!
وهل حقاً ان ذنوب يسوع لا تخفى على الرب، وهل كان يسوع يرتكب الذنوب؟
وما هي الذنوب التي ارتكبها يسوع احد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد؟
هذه الأسئلة يجيب عليها يسوع وينفيها فيقول:
- من منكم يبكتني على خطية (يوحنا 8: 46)
فهو بهذا الجواب يقول انه لا يرتكب الذنوب مما يعني أن هذا المزمور لا يتحدث عنه!
- لا يخز بي منتظروك يا سيد رب الجنود،
لا يخجل بي ملتمسوك يا إله اسرائيل.
وهذه الفقرة تتحدث عن إله إسرائيل وانه لا يخز ولا يخجل بالمتحدث ملتمسو رب الجنود وإله إسرائيل، في حين تقول الأناجيل أن تلاميذ يسوع هربوا من حوله عند إلقاء القبض عليه وأنكروا معرفتهم به وشكوا فيه وخاصة بطرس الذي لم يكتف بإنكار يسوع بل لعنه أيضاً، فهل يوجد أكثر من هذا خزي وخجل! فواقع حال التلاميذ يخالف ما تتحدث عنه الفقرتان.
- لأني من أجلك احتملت العار،
غطّى الخجل وجهي.
في هذه الفقرة يقول المتحدث أنه احتمل العار من أجل إله إسرائيل، ولم يقل أنه احتمل العار من أجل رفع خطيئة آدم التي أورثها لذريته كما تقول الكنائس عن احتمال يسوع للعار وقت الصلب!
- صرت أجنبياً عند اخوتي وغريباً عند بني امي.
هذه الفقرة أظن أن منها اخذ كتبة الأناجيل فكرة وجود إخوة ليسوع!
والأغرب من وجود إخوة ليسوع الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، أن هؤلاء الإخوة لم يكونوا مؤمنين بأخيهم كما هو مكتوب في الأناجيل!
- لأن غيرة بيتك أكلتني.
هذه الفقرة اقتبسها يوحنا في قصة دخول يسوع للهيكل وطرده للباعة، وهذا يؤكد ان كتبة الأناجيل يعتبرون ان هذا المزمور يتحدث عن يسوع.
- وتعييرات معيريك وقعت عليّ،
وابكيت بصومٍ نفسي فصار ذلك عاراً عليّ،
جعلت لباسي مِسحاً وصرتُ لهم مَثلاً يتكلم فيّ الجالسون في الباب واغانيُّ شرّابي المسكر.
هذه الفقرات تتحدث عن الاستهزاء والعار الذي وقع على المتكلم في المزمور، وهذا يؤكد أنه لا علاقة له بالرب خالق السموات والأرض من ناحية الصفات والذات.
- أما أنا فلك صلاتي يا رب في وقت رضىً،
يا إله بكثرة رحمتك استجب لي بحق خلاصك.
في هذه الفقرة يقول قائل المزمور، أو يسوع باعتبار أن المزمور يتحدث عنه كما تقول الأناجيل والكنائس، ان صلاته للرب، ويطلب منه بكثرة رحمته وبحق خلاصه أن يستجيب له.
فهل استجاب له، الأناجيل كتبت ان يسوع قال وهو معلق على الصليب ألوي ألوي لما شبقتني والذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني كما كتب مرقس، وايلي ايلي لما شبقتني أي إلهي إلهي لماذا تركتني كما كتب متّى؟!
- نجّني من الطين فلا أغرق، نجّني من مبغضيّ ومن أعماق المياه،
لا يغمرني سيل المياه ولا يبتلعني العُمق ولا تُطبق الهاوية عليّ فاها.
هذه الفقرات تشير بشكل واضح الى أن المزمور لا يتحدث عن يسوع من ناحيتين، الأُولى هو عدم كتابة الأناجيل لقصص تتحدث عن نجاة يسوع من الغرق في الطين ومن أعماق المياه ومن عدم غمره في السَيل، والثانية أن الأناجيل كتبت أنه لم ينجو من مُبغضيه بل كتبت أن مُبغضيه جلدوه وضربوه وبصقوا عليه وصلبوه وكذلك كتبت الأناجيل أن الهاوية أطبقت عليه فاها ودُفن في قبر!
- استجب لي يا رب لأن رحمتك صالحة،
ككثرة مراحمك التفت اليّ،
ولا تحجب وجهك عن عبدك،
لأن لي ضيقاً، استجب لي سريعاً.
في هذه الفقرات يقول المتكلم أنه عبد للرب، وهذا يدل على أحد أمرين، أما أن النص لا يتحدث عن يسوع، وأن كتبة الأناجيل أخطأوا فيما اقتبسوه من فقرات، أو أن المزمور يتحدث عن يسوع وأنه عبد للرب، وهذا ينقض كل الأقوال والقوانين التي تتحدث عنه باعتباره أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، كما أنها تنقض قانون الأقانيم من جذوره، لأن العهد القديم كله قائم على وحدانية الرب الإله الحق خالق السموات والأرض.
- اقترب الى نفسي فكّها،
بسبب اعدائي افدني،
انت عرفت عاري وخزيي وخجلي،
قدّامك جميع مضايقيّ العار قد كسر قلبي فمرضت،
انتظرت رقّة فلم تكن ومُعزين فلم أجد.
وفي هذه الفقرات يستمر المتكلم بالكلام، وهو كما تقول الكنائس يسوع، مخاطباً ربه إله إسرائيل بعد أن طلب منه أن لا يحجب وجهه عن عبده فيقول اقترب إلى نفسي وفُكّها، إن لم يكن بأي سبب فبسبب أعدائي فُكّها وافدني، لأنك عرفت عاري! وخزيي! وخجلي!
وأعدائي ليسوا بعيداً عنك فهم قدامك!
العار قد كسر قلبي فمرضت، وانتظرت رقة فلم تكن ومعزين فلم أجد.
ولم تخبرنا الأناجيل أية قصة عن مرض يسوع!
وأما قوله انه انتظر المعزين ولم يجدهم، فهذه من الفقرات الدالة على أن المزمور لا يتحدث عن يسوع، لأنه لو كان يتحدث عنه لنقض كلام الكنائس عن الفداء والخلاص، وأن يسوع جاء ليُصلب كي تتصالح الأقانيم مع البشرية، لأن المتكلم كان ينتظر المعزين ولكنه لم يجدهم.
- ويجعلون في طعامي علقماً،
وفي عطشي يسقونني خلاً.
الفقرة الثانية اقبسها يوحنا في إنجيله بقوله:
- بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان، وكان إناء موضوعاً مملوءً خلا فملأوا اسفنجة من الخل ووضعوها على زوفا وقدموها إلى فمه، فلما أخذ يسوع الخل قال قد أُكمل، ونكس رأسه وأسلم الروح. (يوحنا 19: 28-30)
ولكن يوحنا لم يكتب قصة تتحدث عن العلقم الذي جعلوه في طعام يسوع كي تكمل الكتب، أم إن الطعام الذي فيه علقم لا تكمل به الكتب؟
وقد انتبه متّى ومرقس لوجود ذكر العلقم في هذه الفقرات، ولكنهما لم يستطيعا كتابة قصة تتحدث عن إطعام يسوع طعاماً فيه علقماً وهو معلق على الصليب فكتبا أنهم سقوه خلاً ممزوجاً بمرارة قبل الصلب كما قال متّى:
- ولما أتوا إلى موضع يُقال له جلجثة وهو المسّمى موضع الجمجمة، أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب ولما ذاق لم يُرد أن يشرب، ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها لكي يتم ما قيل بالنبيّ اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوّا قرعة. (متّى 27: 33-35)
ولكن من يقول إن الخلّ المرّ وحده هو طعام؟!
وأما مرقس فذكر أنهم أعطوا يسوع خمراً ممزوجاً بمرارة بدلاً من الخلّ قبل الصلب، كما في النص التالي:
- وجاءوا به الى موضع جلجثة الذي تفسيره موضع جمجمة، وأعطوه خمراً ممزوجة بمرّ ليشرب فلم يقبل، ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها ماذا يأخذ كل واحد. (مرقس 15: 22-24)
- لتصر مائدتهم قدّامهم فخّاً وللآمنين شَرَكَاً،
لتُظلِم عيونهم عن البصر،
وقلقل متونهم دائماً،
صُبّ عليهم سخطك وليُدركهم حُمُوّ غضبك.
هذه الفقرات وما فيها من دعوات شديدة على أعداء المتكلم كان يجب أن تكون من أهم الأدلة لكتبة الأناجيل على أن هذا المزمور لا يتحدث عن يسوع، لان يسوع كما ذكر لوقا في إنجيله وهو معلق على الصليب قال يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. (لوقا 23: 34)
- لتصر دارهم خراباً وفي خيامهم لا يكن ساكن.
هذه هي الفقرة التي استشهد بها لوقا على لسان بطرس في النص الذي يتحدث عن نهاية يهوذا، وكما نلاحظ فإنها لا تتحدث عن إنسان واحد، بل هذه الفقرة وفقرات المزمور كله تتحدث عن جماعة من الناس، فأين يهوذا في هذه الفقرات؟!
- لأن الذي ضربته أنت هم طردوه وبوجع الذين جَرَحْتهم يتحدثون،
اجعل اثماً على اثمهم ولا يدخلون في بِرّك،
ليمحوا من سِفر الاحياء ومع الصديقين لا يكتبوا.
وفي هذه الفقرات يستمر المتكلم بالدعاء على أعدائه، وهي دعوات واضحة وشديدة، ولم يكتب أحد في الأناجيل ان يسوع دعا بها على أعدائه، أو حتى أنه دعا بها على يهوذا الذي تقول الكنائس انه قام بتسليم يسوع.
- أما أنا فمسكين وكئيب، خلاصك يا إله فليرفعني.
وهذه الفقرة تتحدث عن المتكلم في المزمور فتقول انه مسكين وكئيب، وأظن أن ما كتب متّى ومرقس عن اكتئاب يسوع في الصلاة الأخيرة جاء من هذه الفقرة، ولا أريد مناقشة كيف يكون أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد كئيباً أو حزيناً!
ولكنني أرغب بالإشارة إلى أن هذا المتكلم يطلب الخلاص لنفسه من الرب، فإذا كان المُخلص هو الرب فكيف تطلب الكنائس الخلاص من يسوع الذي يطلب من الرب الخلاص ولا يستطيع أن يُخلص نفسه؟!
- أُسبح اسم الإله بتسبيح وأُعظمه بحمد،
فيستطاب عند الرب أكثر من ثور بقر ذي قرون واظلاف.
وفي هذه الفقرة يسبح المتكلم الربَ ويعظمه ويحمده.
- يرى ذاك الودعاء فيفرحون وتحيا قلوبكم يا طالبي الإله،
لان الرب سامع للمساكين ولا يحتقر أسراه.
وفي هذه الفقرات يقول المتكلم إن تسبيح الرب وحده وتعظيمه وحمده هي حياة لقلوب الساعين لعبادة الرب فيفرحون وتفرح قلوبهم لان الرب يسمع للمساكين ولا يحتقر عبيده.
ولكن الأناجيل تخبرنا أن الرب لم يستمع ليسوع وهو معلق على الصليب حتى أنه صرخ إلهي إلهي لماذا تركتني، فلماذا ترك الرب يسوع ولم يستجب له مع أن الرب يسمع للمساكين؟
- تسبحه السموات والارض البحار وكل ما يدبّ فيها.
في هذه الفقرة دليل على أن السموات والأرض وكل ما يدب فيها تسبح الرب، ولا يسعنا هنا إلا أن نقول سبحان خالق السموات والأرض الذي يسمع للمساكين ولا يترك عبيده يُحتقرون ويُجلدون ويُعلقون على الصليب.
والفقرات الأخيرة في المزمور تتحدث عن بني إسرائيل وكيف أن الرب يُخلص صهيون ويبني مدن يهوذا فيسكنون هناك، ولم تخبرنا  الأناجيل أن يسوع باعتباره أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد قام بتخليص صهيون أو انه بنى مدن يهوذا وأسكن بني اسرائيل فيها!
- لأن الإله يُخلص صهيون ويبني مدن يهوذا فيسكنون هناك ويرثونها،
ونسل عبيده يملكونها ومحبوا اسمه يسكنون فيها. (مزمور 69: 1-36)
المزمور الثاني وهو الذي اقتبس منه لوقا فقرة وليأخذ وظيفته آخر.
يا إله تسبيحي لا تسكت،
لأنه قد انفتح عليّ فم الشرير وفم الغشّ،
تكلموا معي بلسان كذب، بكلام بُغض.
هذا المزمور لداوُد، ويبدأ بدعوة إلهه إلى عدم السكوت، لأنه قد انفتح عليه فم الشرير وتكلموا معه بلسان كذب، وهذا الأمر يتوافق مع حياة داوُد كما هي مكتوبة في العهد القديك.
- بكلام بغض أحاطوا بي وقاتلوني بلا سبب،
بدل محبتي يُخاصمونني،
أمّا أنا فصلاةٌ، وضعوا عليّ شرّاً بدل خير وبُغضاً بدل حبي.
في هذه الفقرات يقول المتحدث إن الناس قد أحاطوا به بكلام بغض وقاتلوه بلا سبب، وهذه هي أحد المصادر التي اعتمد عليها يوحنا في كتابة فقرة أبغضوني بلا سبب على لسان يسوع كما هو مبين في كتاب مصادر الأناجيل، على الرغم أن يوحنا كتب السبب الذي من أجله أبغض اليهود يسوع! كما في النص التالي:
- فتناول اليهود حجارة ليرجموه،
أجابهم يسوع أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي،
بسبب أي عمل منها ترجمونني،
أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن،
بل لأجل تجديف فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً. (يوحنا 10: 31-33)
- فأقم أنت عليه شريراً وليقف شيطان عن يمينه،
إذا حُوكم فليخرج مذنباً، وصلاته فلتكن خطية،
لتكن أيامه قليلة، ووظيفته ليأخذها آخر.
الفقرة الأخيرة هي التي دمجها لوقا مع الفقرة الموجودة في المزمور السابق ليجد مبرراً لاختيار التلميذ البديل ليهوذا، وكما نلاحظ فإن هذه الفقرات لا تنطبق على يهوذا بأي شكل من الأشكال، ولا أُريد القول أنها تنطبق على يسوع نفسه أكثر من يهوذا!
لأن يسوع حوكم وخرج مذنباً، وصلاته لم تقبل لا في الليلة التي سبقت الصلب عندما كان تلاميذه يغطون في نوم عميق، ولا وهو ينادي ويصرخ إلى إلهه فيقول إلهي إلهي لماذا تركتني، وكانت أيام يسوع قليلة، ولم يكمل رسالته، وأمّا وظيفته فقد أوكلها للمعزي!
ومع كل هذا التشابه بين هذه الفقرات ويسوع إلا أنني لا أقول أنها تنطبق عليه، ولكنها بالتأكيد لا تنطبق على يهوذا وخاصة أننا نقرأ الاختلاف بين ما كتب لوقا وما كتب متّى عن نهاية يهوذا.
وأظن أن لوقا لو كتب قصة عن محاكمة تمت ليهوذا وخرج منها مذنباً وقتل نتيجة للمحاكمة لكان أقرب للتصديق بدلاً من أن يكتب عن سقطة يهوذا التي سقطها على وجهه فانشق وسطه وانسكبت أحشاؤه كلها، وقام بدمج فقرتين من مزمورين مختلفين، مع أن ما كتبه يتناقض مع ما كتب متّى.
- ليكن بنوه أيتاماً وامرأته أرملة،
لِيَتُه بنوه تيهاناً ويستعطوا ويلتمسوا خبزاً من خِرَبهم،
ليصطد المرابي كل ماله ولينهب الغرباء تعبه،
لا يكن له باسط رحمة ولا يكن مُترأف على يتاماه،
لتنقرض ذريته، في الجيل القادم ليُمح اسمهم،
ليُذكر اثم آبائه لدى الرب ولا تمح خطية أُمه،
لتكن أمام الرب دائماً وليقرض من الأرض ذكرهم.
وأما هذه الفقرات فهي على غرابتها إلا أن الأناجيل وباقي رسائل العهد الجديد لم تذكر لنا أيّة قصة عنها وخاصة أخذ المُرابي لأموال يهوذا، أو نهب الغرباء تعبه!
وأما الفقرات الكثيرة والمليئة بالدعاء على ذلك الشخص فهي مما يتناقض مع ما كتبه لوقا عن يسوع وأنه غفر لليهود قائلاً:
- يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. (لوقا 23: 34)
- من أجل أنه لم يذكر أن يصنع رحمة بل طرد انساناً مسكيناً وفقيراً والمنسحق القلب ليُميته.
في هذه الفقرة يُبين المتكلم في المزمور السبب الذي من أجله دعا على ذلك الرجل الشرير، وهو أنه لم يذكر أن يصنع رحمة بل طرد إنساناً مسكيناً وفقيراً ومنسحق القلب!
لماذا دعا الرجل المتكلم على ذلك الإنسان، هل ليسلمه لليهود مقابل ثلاثين من الفضة؟
الجواب كلا، لم يلعن الرجل المتكلم ذلك الشرير من أجل ثلاثين من الفضة بل لأنه طرد إنساناً مسكيناً وفقيراً ومنسحق القلب، فأين هذا مما تقوله الكنائس عن يهوذا أنه قام بالإبلاغ عن مكان يسوع وتسهيل عملية إلقاء القبض عليه؟
إن الكنائس من كثرة ما تقول أن المزامير تتحدث عن يسوع تنسى، وفي أحيان كثيرة تنسينا نحن أيضاً، أن هذه المزامير هي في أكثرها لداوُد ومنها هذا المزمور، ونحن نعلم والكنائس تعلم أن شاول الملك، قام بطرد داوُد وحاول قتله، فهذه الفقرات تنطبق على داوُد وشاول أكثر من يسوع ويهوذا، وكذلك فهي تنطبق على داوُد أكثر من يسوع لما في هذا المزمور من صفات تتناقض مع قوانين الإيمان التي كتبتها الكنائس كلها، فلا أظن أن الكنائس تقول إن من صفات الأقانيم الثلاثة، أو أحدها، الساكنة والحالة في جسد يسوع هي الفقر والذل وانسحاق القلب!
- وأحب اللعنة فأتته ولم يُسرّ بالبركة فتباعدت عنه،
ولبس اللعنة مثل ثوبه فدخلت كمياه في حشاه، وكزيت في عظامه،
لتكن له كثوب يتعطف به وكمنطقة يتنطق بها دائماً،
هذه أُجرة مُبغضيّ من عند الرب وأُجرة المتكلمين شرّاً على نفسي.
في هذه الفقرات يعود المتكلم إلى لعن ذلك الشرير وهو ما لم تكتبه الأناجيل عن يسوع، لا بل إن يسوع عندما سأله يهوذا إن كان هو من سيُسلمه قال له أنت قلت!
- أما أنت يا رب السيد فاصنع معي من أجل اسمك،
لأن رحمتك طيبة نجني.
في هذه الفقرة يُناجي المتكلم الرب ويطلب منه أن يصنع معه خيراً وأن يُنجّيه لأن رحمة الرب طيبة، ثم يبدأ بالحديث عن نفسه فيقول:
- فإني فقير ومسكين أنا وقلبي مجروح في داخلي،
كظل عند ميله ذهبتُ،
انتفضت كجرادة.
وهذه الفقرات أتركها دون تعليق حتى يتأملها أتباع الكنائس الطيبين ويُقارنوها بما هو مكتوب في قوانين الإيمان عن يسوع، وخاصة وصف نفسه هنا أنه جرادة!
- رُكبتاي ارتعشتا من الصوم ولحمي هزل عن سمن،
وأنا صرت عاراً عندهم، ينظرون اليّ وينغضون رؤوسهم،
أعني يا رب إلهي.
وهذه الفقرات كسابقاتها ولكن هنا لا بد من طرح سؤال وهو لماذا لم يُعن إله يسوع وهو يصرخ ويقول إلهي إلهي لماذا تركتني، هذا إذا كان يسوع إنسان، فكيف إذا كان الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول الكنائس المختلفة؟!
- خلصني حسب رحمتك،
وليعلموا أن هذه هي يدك،
أنت يا رب فعلت هذا،
أما هم فيلعنون،
وأما أنت فتبارك،
قاموا وخزوا،
أما عبدك فيفرح.
وهنا لا أُريد التوقف إلا عند الفقرة الأخيرة فهي تُظهر بشكل واضح أن المتكلم هو عبد للرب، وليس إله وابن إله، وهذا ينقض ما قاله لوقا لوقا من أن المزمور يتكلم عن زمن يسوع، إلا إذا كان لوقا يؤمن أن يسوع هو عبد للرب، مع أن ما كتبه عن نهاية يهوذا يتناقض مع ما كتب متّى.
ونهاية المزمور تنتهي بالصراخ بأعلى صوت أنها لا تتكلم عن يهوذا ولا عن يسوع لأن المتكلم يقول إن ربه يُخلصه من محاولة القاضين عليه في حين أن الأناجيل تقول إن إله يسوع تركه على الصليب كي يصير لعنة كما قال بولس، وكما تقول كل قوانين إيمان الكنائس!
- ليلبس خُصمائي خجلاً وليتعطفوا بخزيهم كالرداء،
أحمد الرب جداً بفمي وفي وسط كثيرين أُسبّحه،
لأنه يقوم عن يمين المسكين ليُخلصه من القاضين على نفسه. (مزمور 109: 1-31)
من هذا الشرح للمزمورين نجد أنهما لا يتحدثان عن يسوع ولا عن يهوذا الاسخريوطي، كما نجد ان كتبة الأناجيل كانوا يأخذون نصوصاً من أسفار العهد القديم ويضعونها في قصصهم ليقولوا إن العهد القديم ذكر يسوع حتى لو اضطرهم الأمر الى أن يزيدوا فقرات أو يدمجوها من مزامير مختلفة أو يتلاعبوا في معاني الكلمات حتى تتوافق مع القصص التي يكتبونها، على الرغم من أن هذه القصص والنصوص تتعارض مع ما كتبه الآخرون، لإضفاء حالة من المصداقية والقدسية على ما يكتبونه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق