الجمعة، 23 يناير 2015

الفصل الثالث: تعاليم ووصايا يسوع : وصايا يسوع بحمل الصليب والحذر من الأخطاء والعثرات والأنبياء الكذبة الذين يأتون باسمه وبعض الوصايا الإنسانية التي تعتمد عليها الكنائس بالتبشير

الفصل الثالث: تعاليم يسوع ووصاياه
لا تتحدث الكنائس عن تعاليم يسوع كثيراً باستثناء دعوته للمحبة والسلام، وهذا أمر مستغرب لأن الأناجيل مليئة بالتعاليم في شتى المجالات، وفي هذا الفصل قمت بجمع أكبر عدد منها ودراستها، لنرى حقيقة هذه التعاليم من عدة جوانب، الأول مدى توافق هذه التعاليم مع أقوال يسوع نفسه، والثاني مدى توافق تعاليمه مع الحياة الإنسانية، والثالث مدى توافقها مع ما تقوله الكنائس من أن يسوع هو مُخلص البشرية، والرابع مدى توافق هذه التعاليم مع الصفة التي تقدمه بها الكنائس باعتباره الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، والخامس مدى توافقها مع شرائع العهد القديم وهو القائل ما جئت لأنقض الناموس بل لأُكمل وأخيراً مدى التزام الكنائس بهذه التعاليم.
يقول يسوع أن من يؤمن به ولو مثل حبة خردل فإنه يستطيع عمل المعجزات، ومنها الطلب من الشجر الإنغراس في البحر، كما في النص التالي:
- فقال الرسل للرب زد إيماننا،
فقال الرب لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذه الجميزة انقلعي وانغرسي في البحر فتطيعكم. (لوقا 17: 5-6)
وهذا الأمر لا يحدث مع أتباع الكنائس، ولم يحدث، فما هو السبب في عدم طاعة الشجر لهم بالإنغراس في البحر؟
 هل هو عدم صحة هذا النص، أم لأن إيمان تلاميذه وأتباع الكنائس أقل من حبة خردل؟!
الكنائس تقول ان هذا النص صحيح، إذاً فلا يبقى سوى القول أن إيمان التلاميذ وأتباع الكنائس أقل من حبة خردل! وهذا القول يطرح سؤالاً كبيراً وهو لماذا يكون إيمان الكنائس المختلفة وأتباعها أقل من حبة الخردل، هل لأنهم راضون بقلة الإيمان، أم لأن الإيمان الذي جاء به يسوع صعب ولا يمكن تحقيقه؟
وللإجابة على هذا السؤال لا بدّ من دراسة معنى الإيمان كما بينه يسوع في الأناجيل حتى نعلم إن كانت الكنائس المختلفة تلتزم بهذا الإيمان أم لا.
- ولماذا تدعونني يا رب يا رب وأنتم لا تفعلون ما أقوله،
كل من يأتي اليّ ويسمع كلامي ويعمل به أُريكم ما يشبه، يشبه انساناً بنى بيتاً وحفر وعمّق ووضع الأساس على الصخر، فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت فلم يقدر أن يزعزعه لأنه كان مؤسساً على الصخر، وأما الذي يسمع كلامي ولا يعمل به فيشبه انساناً بنى بيته على الأرض من دون أساس، فصدمه النهر فسقط حالاً وكان خراب ذلك البيت عظيماً. (لوقا 6: 46-49)
في هذا النص نقرأ استنكار يسوع لمن يدعوه رباً وهو لا يفعل ما يقوله، ويضرب مثلاً لمن يسمع كلامه ولا يعمل به ومن يسمع كلامه ويعمل به، فحقيقة الإيمان هي العمل بكلامه، وليس الإدعاء فقط، ويبين هذا الأمر بصورة جلية في النص التالي:
- ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل مملكة السماء،
بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماء،
كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا الشياطين وباسمك صنعنا قوّات كثيرة،
فحينئذ أصرّح لهم أني لم أعرفكم قط،
اذهبوا عني يا فاعلي الإثم. (متّى 7: 21-23)
فليس كل من يقول ليسوع يا رب يدخل مملكته، وإن عمل المعجزات وأخرج الشياطين باسمه، وصنع المعجزات باسمه، وتنبأ باسمه، مع أن نبوءات يسوع نفسه لم تتحقق، بل من يفعل ما يريده أبوه الذي في السماء!
فماذا يريد أب يسوع من الكنائس المختلفة وأتباعها حتى يُدخلهم في مملكة يسوع، وماذا يريد يسوع من الكنائس وأتباعها كي يقبلهم في مملكته؟
تخبرنا الأناجيل أن أبا يسوع تكلم بجملتين فقط، إحداهما في النص التالي:
- وفيما هو يتكلم إذا سحابة نيرة ظللتهم وصوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا،
ولما سمع التلاميذ سقطوا على وجوههم وخافوا جداً،
فجاء يسوع ولمسهم وقال قوموا ولا تخافوا،
فرفعوا أعينهم ولم يروا أحداً الا يسوع وحده. (متّى 17: 5-8)
في هذا النص يطلب أبو يسوع من التلاميذ والكنائس المختلفة أن يسمعوا ليسوع، ولا يوجد كلام لأب يسوع في الأناجيل الأربعة سوى هذه الجملة، والتي قالها أيضاً بعد تعميد يوحنا المعمدان ليسوع في نهر الأردن أول كرازته، ولكن دون قول اسمعوا له، وجملة ثانية مجّدت وأُمجد (يوحنا 12: 28)
وهذا الطلب بالسماع ليسوع يتطلب دراسة كلام يسوع وصفاته.
فما هي صفات كلام يسوع، وبماذا وصف يسوع من يسمع كلامه وينفذ إرادته وإرادة أبيه، وماذا طلب يسوع من تلاميذه ومن الكنائس؟
لقد وصف يسوع كلامه في عدة مواضع في الأناجيل ومنها النصوص التالية:
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. (متى 24: 35)
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. (مرقس 13: 31) 
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول. (لوقا 21: 23)
وقال في وصف كلامه أيضاً:
- إن لي أُموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم،
ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن،
واما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأُمور آتية،
ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويُخبركم. (يوحنا 16: 12-14)
- واما المعزي الروح المقدس الذي سيرسله الاب باسمي فهو يُعلّمكم كل شيء ويُذكركم بكل ما قلته لكم. (يوحنا 14: 25)
وهنا لن أتحدث عن المعزي إن كان قد جاء أم لا، ولا في أي كنيسة هو ماكث، ولكننا نلاحظ أن يسوع وصف كلامه بأنه حق.
ووصف يسوع كلام أبيه بأنه حق، كما في النص التالي:
- قدسهم في حقك، كلامك هو حق. (يوحنا 17: 17)
كما أن بطرس وصف كلام يسوع بأنه كلام الحياة الأبدية كما في النص التالي:
- فقال يسوع للاثني عشر ألعلكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا،
فأجابه سمعان بطرس يا رب إلى من نذهب،
كلام الحياة الأبدية عندك. (يوحنا 6: 67-58)
من هذه النصوص نخلص إلى أن كلام يسوع وأبيه هو كلام حق وكلام الحياة الأبدية.
وأما بماذا وصف يسوع من يسمع كلامه فهذا يجيب عليه يسوع في النصوص التالية:
- وفيما هو يُكلم الجموع إذا أمه وإخوته قد وقفوا خارجاً طالبين أن يُكلموه،
فقال له واحد هو ذا أُمك وإخوتك واقفون خارجاً طالبين أن يُكلموك،
فأجاب وقال للقائل له من هي أُمي ومن هم إخوتي،
ثم مد يده نحو تلاميذه وقال ها أُمي وإخوتي، لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماء هو أخي وأختي وأمي. (متّى 12: 46-50)
- فجاءت حينئذ إخوته وأُمه ووقفوا خارجاً وأرسلوا إليه يدعونه،
وكان الجمع جالساً حوله فقالوا له هو ذا أُمك وإخوتك خارجاً يطلبونك،
فأجابهم قائلاً من أُمي وإخوتي،
ثم نظر حوله إلى الجالسين وقال ها أُمي وإخوتي،
لان من يصنع مشيئة الإله هو أخي وأُختي وأُمي. (مرقس 3: 31-35)
- وجاء اليه أُمه واخوته ولم يقدروا أن يصلوا اليه لسبب الجمع،
فاخبروه قائلين أُمك واخوتك واقفون خارجاً يريدون ان يروك،
فأجاب وقال لهم أُمي واخوتي هم الذين يسمعون كلمة الإله ويعملون بها. (لوقا 8: 19-21)
في هذه النصوص يصف يسوع من يسمع كلام الإله ويصنع مشيئة أب يسوع أنهم أُمه وإخوته وأخواته.
كما وصف يسوع التلاميذ والكنائس بأنهم ملح الأرض ونور العالم فقال:
- أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح فبماذا يُملح لا يصلح بعد لشيء إلا أن يطرح ويُداس من الناس. (متّى 5: 13)
- أنتم نور العالم،
لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل، ولا يُوقدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت،
فليُضئ نوركم قدّام العالم، لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجّدوا أباكم الذي في السماء. (متّى 5: 14-16)
ووصفهم بأنهم خِرافه التي تسمع صوته، وسماع صوته تعبير عن العمل بما أمرهم به، كما في النص التالي:
- خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني،
وأنا أُعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد،
ولا يخطفها أحد من يدي. (يوحنا 10: 27-28)
واعتبرهم في قول آخر أنهم رُسُله الذين اختارهم ليُبلغوا أقوله إلى العالم:
- ولمّا كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سماهم أيضاً رُسلاً. (لوقا 6: 13)
- كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم،
ولأجلهم أُقدس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضاً مقدسين في الحق. (يوحنا 17: 18)
ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم،
لكي يُعطيكم الأب كل ما طلبتم باسمي،
بهذا أُوصيكم حتى تُحبوا بعضكم بعضاً. (يوحنا 15: 16-17)
وقال عنهم أنهم خاصته وانه يضع نفسه على الصليب من أجلهم وأنه جاء ليخدمهم، مع أنه الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس المختلفة، كما في النصين التاليين:
- أما أنا فاني الراعي الصالح وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني،
كما أن الأب يعرفني وأنا أعرف الأب،
وأنا أضع نفسي عن الخراف. (يوحنا 10: 14-15)
- لأن ابن الانسان أيضاً لم يأت ليُخدم بل ليَخدم وليَبذل نفسه فِدية عن كثيرين. (مرقس 10: 45)
وهذا ما تقوله كل الكنائس المختلفة أن يسوع صُلب من أجلها.
وأعطاهم مملكة أبيه، فقال:
- ورفع عينيه إلى تلاميذه وقال طوباكم ايها المساكين لأن لكم مملكة الإله. (لوقا 6: 20)
وأعطاهم القدرة على فعل كل المعجزات التي عملها هو وأعظم منها، فقال:
- الحق الحق اقول لكم من يؤمن بي فالاعمال التي انا اعملها يعملها هو ايضاً، ويعمل أعظم منها لأني ماض إلى أبي،
ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجد الأب بالابن،
ان سألتم شيئاً باسمي فإني أفعله. (يوحنا 14: 12-14)
وهذه الآيات تتبع المؤمنين،
يُخرجون الشياطين باسمي،
ويتكلمون بالسنة جديدة،
ويحملون حيّات وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم،
ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون. (مرقس 16: 17-18)
- وفيما انتم ذاهبون اكرزوا قائلين انه قد اقتربت مملكة السماء،
اشفوا مرضى،
طهروا برصاً، أقيموا موتى، أخرجوا شياطين. (متّى 10: 7-8)
هذه الصفات التي وصف يسوع بها من آمن به والقدرات التي وَعَد بإعطائها لهم  كانت مشروطة بعدة شروط منها العمل بوصاياه وأقواله، كما في النص الأول، وسماع أقواله كما قال أبوه في النص الثاني اسمعوا له، وكما قال هو في نص آخر ان خرافه تسمع صوته وتتبعه، وصوته يعني كلامه الذي سمعه من أبيه كما في النص التالي:
- لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي. (يوحنا 15: 15)
وسماع صوته وكلامه ليس فقط بالأُذن، بل بالعمل به والمحافظة عليه، كما في النصوص التالية:
- أنا الكرمة وأنتم الأغصان، الذي يثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً،
إن كان أحد لا يثبت فيّ يُطرح خارجاً كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق،
إن ثبتم فيّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم،
بهذا يتمجد أبي أن تأتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي،
كما أحبني الأب أحببتكم أنا، اثبتوا في محبتي،
إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته،
كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم. (يوحنا 15: 5-11)
- هذه هي وصيتي لكم أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم،
ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه،
أنتم أحبائي ان فعلتم ما أُوصيكم به،
لا أعود أُسميكم عبيداً لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده،
لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي. (يوحنا 15: 12-15)
الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يُحبني. (يوحنا 14: 21)
- أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم،
كانوا لك وأعطيتهم لي،
وقد حفظوا كلامك،
والآن علموا أن كل ما أعطيتني هو من عندك،
لأن الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم. (يوحنا 17: 6-8)
في هذه النصوص نقرأ أن يسوع يطلب ممن يؤمن به أن يَثبُت كلامه فيه، وهذا الثبات يكون بحفظ وصاياه وفعلها والعمل بها، فان هم قاموا بذلك فإنهم يأتون بثمر كثير ويكون لهم ما يريدون، ويكونون أحباء وتلاميذ له.
فعدم ظهور الصفات التي وعد يسوع بها التلاميذ والكنائس المختلفة وخاصة القدرة على أمْر الشجر بالإنقلاع من الأرض والإنغراس في البحر، وإحياء الموتى وغيرهما، يدل على أحد أمرين، إما أنهم لم يحفظوا كلامه ويعملوا بوصاياه، أو أن هذه الوصايا غير قابلة للتنفيذ وليست صحيحة، فما هي كلمات يسوع ووصاياه التي إن فعلها أحد يكون تلميذاً له، ويتحقق له ما وعده يسوع؟
وصية يسوع بحمل الصليب
- ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر ان يكون لي تلميذاً. (لوقا 14: 27)
- قال للجميع من أراد ان يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني، فان من أراد ان يُخلص نفسه يُهلكها، ومن يُهلك نفسه من أجلي فهو يخلصها، لأنه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها،
لأن من استحى بي وبكلامي فبهذا يستحي ابن الانسان متى جاء بمجده ومجد الأب والملائكة القديسين،
حقاً أقول لكم ان من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا مملكة الاله. (لوقا 9: 23-27)
- ودعا الجمع مع تلاميذه وقال لهم من أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني،
فان من أراد أن يُخلص نفسه يُهلكها،
ومن يُهلك نفسه من أجلي ومن أجل الانجيل فهو يُخلصها،
لأنه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه،
أو ماذا يُعطي الانسان فداء عن نفسه،
لأن من استحى بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ فان ابن الانسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين،
وقال لهم الحق أقول لكم ان من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا مملكة الاله قد أتت بقوة. (مرقس 8: 34-38)
الفقرة الأخيرة مكتوبة بين الإصحاح الثامن والتاسع وكتبت كأنها الفقرة الأولى من الإصحاح التاسع مع أنها تتمة للكلام السابق لها، ولا علاقة لها ببداية الإصحاح التاسع فاقتضى التنويه.
في هذه النصوص يطلب  يسوع ممن يريد أن يكون تلميذاً له أن يحمل الصليب ويتبعه.
وهذا الأمر لن أناقش مضمونه فكل إنسان له أن يطلب من أتباعه ما يشاء، وتعبيراً عن التزام الكنائس بهذه الوصية نرى رجال الكنائس يحملون الصليب على صدورهم، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وهو هل حمل التلاميذ الذين اختارهم يسوع ليكونوا خاصته ورسله صلبانهم وتبعوه؟
هذا الأمر أظهرته بكل وضوح سابقاً، فالتلاميذ لم يحملوا صلبانهم ويتبعوا يسوع، بل ناموا عندما كان يصلي قبل إلقاء القبض عليه وهربوا عند إلقاء القبض عليه، وأنكروا معرفتهم به وشكوا فيه عند محاكمته، ولم يصدقوا أنه قام من الأموات بعد يوم وليلتين.
وما يلفت النظر هو قوله لأن من استحى بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ فان ابن الإنسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين، فهذا القول عن استحياء ذلك الجيل منه ومن كلامه يشير إلى أن يسوع مرسل إلى بني إسرائيل، وتحديداً ذلك الجيل، وخاصة أننا نقرأ له تعقيباً على هذا القول: وقال لهم الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا مملكة الإله قد أتى بقوة، مما يؤكد أن يسوع كان يظن أن نهاية العالم ومجيئه الثاني سيكون في ذلك الوقت وقبل نهاية ذلك الجيل، وإلا لما حدد مجيئه بأنه سيكون قبل نهاية الجيل ورؤية بعضهم له عند عودته بمملكة أبيه مع الملائكة القديسين بقوة!
وصية يسوع بالحذر من الأخطاء والعثرات
- ويل للعَالم من العثرات،
فلا بدّ أن تأتي العثرات ولكن ويل لذلك الانسان الذي به تأتي العثرة. (متّى 18: 7)
في هذه الوصية نجد يسوع يحذر العَالم من الإنسان الذي يكون سبباً لمجيء العثرات على يديه.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما معنى العثرات التي حذر يسوع منها العالم؟
أليس من العثرات الابتعاد عن وصاياه وعدم العمل بها؟
أليس من العثرات أنه إذا سمعت الكنائس قولاً ليسوع أو فعلاً قام به أن تقوم بعمل يخالف قول يسوع وعمله؟
فإذا قال يسوع إلى طريق أُمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا.
- هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً إلى طريق أمم لا تمضوا والى مدينة للسامريين لا تدخلوا،
بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. (متّى 10: 5-6)
ثم يأتي التلاميذ وبولس والكنائس ويقولوا بل نمضي في طريق الأُمم، أليس هذا من الاعثار الذي حذر منه يسوع؟
وإذا قال يسوع إن المسيح ليس ابن داوُد وأنه هو المسيح، ثم يضع له متّى ولوقا نسبان يقولان انه من نسل داوُد، أليس هذا من الاعثار؟
ولكن من هم هؤلاء تحديداً، وهل وصفهم يسوع بأكثر من هذا؟
لنقرأ الوصية التالية:
وصية يسوع بالحذر من الأنبياء الكذبة الذين يأتون باسمه
- احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحُملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة،
من ثمارهم تعرفونهم،
هل يجتنون من الشوك عنباً أو من ألحسك تيناً،
هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة، وأما الشجرة الرديئة فتصنع أثماراً رديئة، لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثماراً رديئة ولا شجرة رديئة أن تصنع أثماراً جيدة،
كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى بالنار،
فاذاً من ثمارهم تعرفونهم،
ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل مملكة السماء،
بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماء،
كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا الشياطين وباسمك صنعنا قوّات كثيرة،
فحينئذ أصرّح لهم أني لم أعرفكم قط،
اذهبوا عني يا فاعلي الإثم. (متّى 7: 21-23)
في هذا النص يُحذر يسوع من أنبياء يأتون بعده وباسمه يقومون بعمل المعجزات المختلفة ويخرجون الشياطين باسمه.
فمن هم هؤلاء الأنبياء الكذبة الذين يأتون باسم يسوع ويعملون المعجزات ويخرجون الشياطين؟
لا شك أنهم هم الذين يظن الناس أنهم أتباع يسوع ويعملون المعجزات باسم يسوع ويخرجون الشياطين باسم يسوع، ولكنهم في الحقيقة أنبياء كذبة لأنهم لا يعملون بما قاله لهم يسوع ويخالفون أقواله!!
هذه الوصايا والتعاليم أكثرها لم تلتزم به الكنائس والعديد منها ينقض وصايا وتعاليم الناموس الذي قال عنه يسوع إن زوال السماء والأرض أيسر من سقوط نقطة واحدة منه، فهل هذه جميع الوصايا أم يوجد وصايا أُخرى؟
وصايا وتعاليم إنسانية تعتمد عليها الكنائس المختلفة في تبشيرها بيسوع
في الحقيقة يوجد عدة وصايا وتعاليم تعتمد عليها الكنائس المختلفة في تبشيرها وإيمانها بيسوع وهي من الوصايا الإنسانية التي يلتزم بها الإنسان السَويّ بعيداً عن الرسالات، لأنها جزء من الفطرة التي خُلق بها، كما توجد بعض الوصايا والتعاليم التي نجدها في جميع الدعوات التي تدعو إلى تهذيب النفس الإنسانية وعدم سيطرة حياة الغاب على الإنسان، وفيما يلي أهم تلك الوصايا والتعاليم.
وصية يسوع للتوبة
- وبعدما أُسلم يوحنا جاء يسوع الى الجليل يكرز ببشارة مملكة الاله، ويقول قد كَمُلَ الزمان واقتربت مملكة الاله،
فتوبوا وآمنوا بالانجيل. (مرقس 1:14)
- من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لانه اقتربت مملكة السماء. (متّى 4: 17)
في هذين النصين يأمر يسوع الناس بالتوبة، وهو ما أمر به كل الرسل والأنبياء، وخاصة يوحنا المعمدان الذي جاء يُعمّد الناس للتوبة ومغفرة الخطايا، حتى ان يسوع نفسه تعمّد من يوحنا!
وصية يسوع للتواضع
- فمن يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع. (متّى 23:12) و(لوقا 14: 11)
- لأن الاصغر فيكم جميعاً هو يكون عظيماً. (لوقا 9: 48)
في هذه الوصية يطلب يسوع من أتباعه التواضع وهي من التعاليم المشتركة عند جميع الرُسُل لأنها تعبر عن المساواة بين الناس، لان التكبر هو نقيض للمساواة.
وصية يسوع لغفران خطايا الناس
- ومتى وقفتم تصلون فاغفروا ان كان لكم على أحد شيء لكي يغفر لكم أيضاً أبوكم الذي في السماء زلاتكم، وان لم تغفروا أنتم لا يغفر أبوكم الذي في السماء أيضاً زلاتكم. (مرقس 11: 25-26) 
اغفروا يُغفر لكم. (لوقا 6: 37)
وهذه من الوصايا الانسانية التي دعى إليها جميع الأنبياء لا بل وجميع المُصلحين في كل الشعوب.
وصية يسوع لحب الأعداء والاحسان إليهم
- سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك،
وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم،
باركوا لاعنيكم وأحسنوا الى مبغضيكم. (متّى 5: 43-44)
- لكني أقول لكم أيها السامعون أحبوا أعداءكم، أحسنوا الى مبغضيكم،
باركوا لاعنيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون اليكم. (لوقا 6: 27-28)
هذه الوصية من الوصايا الجميلة، ولكن ما جرى من حروب بين الكنائس أودت بحياة ملايين البشر لا يدل على إلتزامهم بهذه الوصية الجميلة والتي كثيراً ما تذكر بها في عظات أيام الأحد.
وصية يسوع لإعطاء الصدقات وإخفائها
- احترزوا من أن تصنعوا صدقاتكم قدّام الناس لكي ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السماء، فمتى صنعت صدقة فلا تُصوت قدّامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقة لكي يمجدوا من الناس، الحق أقول لكم انهم قد استوفوا أجرهم. (متّى 16: 1-4)
- بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة. (لوقا 12: 33)
وهذه الوصية جميلة وهي تدعو للتواضع وعدم المفاخرة في صنع الخير، وهي من الوصايا التي جاء بها جميع الرسل والأنبياء.
وصية يسوع للاحسان للفقراء
- وقال أيضاً للذي دعاه إذا صنعت غداء أو عشاء فلا تدع أصدقاءك ولا إخوتك ولا أقرباءك ولا الجيران الأغنياء لئلا يدعوك هم أيضاً فتكون لك مكافأة،
بل اذا صنعت ضيافة فادع المساكين الجُدع والعرج والعمي،
فيكون لك طوبى اذ ليس لهم ما يُكافئوك، لأنك تُكافأ في قيامة الأبرار. (لوقا 14: 12-14)
وهذه من الوصايا الجميلة والتي دعى إليها جميع الرسل والأنبياء.
وصية يسوع بالنهي عن الطمع
- وقال لهم انظروا وتحفظوا من الطمع،
فانه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله. (لوقا 12: 15)
هذه الوصية من الوصايا الجميلة والتي تحمل معان إنسانية، وهي من الوصايا التي دعى إليها جميع الرسل والأنبياء.
وصية يسوع لإقراض الناس
- ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده. (متّى 5: 42)
- وكل من سألك فأعطه. (لوقا 6: 29)
وهذه من الوصايا الجميلة.
وصية يسوع بمراضاة الخصوم
- كن مراضياً لخصمك سريعاً ما دمت معه في الطريق،
لئلا يسلمك الخصم الى القاضي ويسلمك القاضي الى الشرطي فتلقى في السجن. (متّى 5: 25)
وهذه من الوصايا الجميلة، والتي تدعوك للتأمل في كلماتها.
وصية يسوع بالصفح والعفو عن الناس
- حينئذ تقدم اليه بطرس وقال يا رب كم مرة يُخطئ اليّ أخي وأنا أغفر له، هل أغفر الى سبع مرات،
قال له يسوع لا أقول لك الى سبع مرات بل الى سبعين مرة سبع مرات. (متّى 18: 21-22)
- وان أخطأ اليك أخوك فوبخه،
وان تاب فاغفر له،
وان أخطأ اليك سبع مرات في اليوم ورجع اليك سبع مرات في اليوم قائلاً أنا تائب فاغفر له. (لوقا 17: 3-5)
وهذه من الوصايا الجميلة والتي تعتمد عليها الكنائس المختلفة كثيراً بالتبشير باعتبار أن دعوة يسوع تعتمد على المسامحة والغفران.
وصية يسوع بالنهي عن الاستعلاء في الأرض
- ان المستعلي عند الناس هو رجس قدّام الإله. (لوقا 16: 15)
وهذه أيضاً  من الوصايا الجميلة والتي دعى إليها جميع الرسل والأنبياء.
وصية يسوع بعدم أخذ أُجرة عن إخراج الشياطين
- وفيما انتم ذاهبون اكرزوا قائلين انه قد اقتربت مملكة السماء،
اشفوا مرضى،
طهروا برصاً،
أقيموا موتى،
أخرجوا شياطين،
مجاناً أخذتم مجاناً أعطوا،
لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم،
ولا مزود للطريق،
ولا ثوبين، ولا أحذية ولا عصا. (متّى 10: 7-10)
وهذه الوصية مما تفتخر بها الكنائس المختلفة، وان كانت تغض النظر عما جاء فيها من عدم اقتناء الذهب والفضة وعدم اقتناء أكثر من ثوب وعدم اقتناء أحذية!
وصية يسوع بدعوة الخاطئين
- أقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد أكثر من تسعة وتسعين بارّاً لا يحتاجون الى توبة. (لوقا 15: 7)
وهذه الوصية من الوصايا الجميلة والتي جاء من أجلها جميع الرسل والأنبياء.
وصية يسوع بحب أتباعه لبعضهم البعض
- وصية جديدة أنا أُعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً،
كما أحببتكم أنا تحبون أنتم بعضكم بعضاً. (يوحنا 13: 34)
وهذه من الوصايا الجميلة التي تدعو لمحبة الكنائس بعضها لبعض، ولكن الحروب التي حدثت بين الكنائس لا تدل على تمسكهم بها.
بهذا أكون قد وصلت إلى ختام الحديث عن تعاليم ووصايا يسوع كما هي مكتوبة في الأناجيل، ولا أُريد الاستفاضة في الحديث عما تحمله هذه الوصايا والتعاليم، وإنما أترك القارئ ليستخلص النتائج ويحكم بنفسه إن كانت هذه التعاليم والوصايا تصلح ليعيش الناس بها وتستقيم حياتهم، أو إذا كانت تُشير الى أن قائلها له علاقة بالرب خالق السموات والأرض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق