الخميس، 22 يناير 2015

الفصل الرابع: معجزات يسوع: معجزة شفاء ابنة المرأة الكنعانية ومعجزة شفاء ابنة المرأة الفينيقية

الفصل الرابع: معجزات يسوع
تحدثت الأناجيل كثيراً عن معجزات يسوع، من شفاء الحمّى الى إحياء الموتى، كما تحدثت عن أسباب قيامه بها، وفي البداية سأستعرض معظمها لنرى إن كانت تثبت ما تقوله الأناجيل وقوانين إيمان الكنائس عنه من صفات سواء كمسيح أو إله وابن إله أو أنه الأُقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم متساوون في الجوهر والقدرة والإرادة، ومن ثم سأُناقش الأسباب التي قال إنه من أجلها قام بها.
معجزة شفاء ابنة المرأة الكنعانية
- ثم خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيداء،
وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة،
ارحمني يا سيد  يا ابن داوُد، ابنتي مجنونة جداً،
فلم يجبها بكلمة،
فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين اصرفها لأنها تصيح وراءنا،
فأجاب وقال لم أُرسل الا الى خراف بيت اسرائيل الضالة،
فأتت وسجدت له قائلة يا سيد أعني،
فأجاب وقال ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب،
فقالت نعم يا سيد، والكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها،
حينئذ أجاب يسوع وقال لها يا امرأة عظيم إيمانك،
ليكن لك كما تريدين. فشفيت ابنتها من تلك الساعة. (متّى 15: 21-28)
في هذه المعجزة يقوم يسوع بشفاء بنت كنعانية مصابة بمسّ من روح نجسة أو شيطان، ولكن هل يقوم يسوع بالسعي لشفاء تلك البنت كما حدث مع عبد قائد المائة بعد أن توسط له شيوخ اليهود؟ الحقيقة وللأسف فإنه لم يسعَ لشفاء تلك البنت، بل انه في البداية رفض أن يشفيها وان يستجيب لتضرعات وتوسلات المرأة حتى انه لم يجبها بكلمة واحدة، لأنه كان يظن أن هذه المرأة المسكينة وابنتها المعذبة لا تستحق حتى أن يقول لها كلمة الرفض لقبوله أن يشفي البنت، ولكن تلك المرأة، ككل إنسان مصاب في نفسه أو في أقاربه، لا تيأس من إمكانية السعي لإقناعه حتى يشفي ابنتها فتبدأ بالصراخ بصوت عال، وتتضرع إليه أن يشفي ابنتها المسكينة، مما استدعى تدخل التلاميذ فناشدوه أن يشفي ابنتها لأنها ملأت المكان صراخاً وتضرعاً فهم يعلمون أن شفاء تلك البنت المسكينة لا يتطلب جهداً، لأنه بكلمة واحدة منه تكون البنت قد شفيت، ولكن يسوع يجيبهم قائلاً لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة.
وهذا أمر غريب من يسوع، الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس، فإذا كان هو لم يُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة كما قال فهذا أمر مفهوم، وأما ما هو غير مفهوم فهو أن يحصر قدراته في شفاء المرضى على خراف بيت إسرائيل الضالة أيضاً!
وبعد تصريحه السابق بإظهار نفسه انه مرسل لتلك الخراف فقط، تأتي المرأة المسكينة والمجروحة في فلذة كبدها وتسجد له مرة ثانية قائلة يا سيد أعني.
فماذا كان جواب يسوع؟
كان جوابه أشدّ من السابق وأكثر إيلاما من امتناعه عن شفاء تلك البنت المسكينة، فيقول للمرأة ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب، أي انه يصف تلك المرأة وقومها بأنهم كلاب، وبما انه لم يُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة فليس حسناً أن يضيع جزء من طعامهم بطرحه للكلاب التي لم يُرسل لها حتى لو كان هذا الطعام هو إخراج الشياطين والأرواح النجسة من جسد تلك الفتاة المسكينة، فهو وان كان عدواً للشياطين وللأرواح النجسة إلا انه يقف على الحياد حيال ما تقوم به تلك الشياطين والأرواح النجسة إذا كان الأمر متعلقاً بغير خراف بيت إسرائيل الضالة!
فباقي الناس لم يُرسل إليهم ومن غير الجيد أن يقول كلمة واحدة من أجل هؤلاء حتى لو كان الأمر إخراج الشياطين من أجسادهم.
ولكن هل ينتهي هذا المشهد هنا؟
كلا، فتلك المرأة تحس بمدى الألم الذي تعانيه ابنتها فتأتي بفكرة لعلها تقنعه، فتخاطبه مرة أخرى: فقالت نعم يا سيد، والكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها.
فإذا كان هو لم يُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة وانه لن يعطيها من طعام أبنائه، الذين سيصلبونه بعد قليل ويجلدونه ويلطمونه ويصفعونه ويبصقون عليه كما تقول الأناجيل، فتتذكر المرأة أن أبناء يسوع قد يكون عندهم كلاب وفي هذه الحالة لا بد أنهم يطعمونها، فلذلك ترجوه أن يفعل بها ما يفعله أبنائه بكلابهم، وهنا يتهلل وجه يسوع مشرقاً وفرحاً لأنه أخذ من تلك المرأة المسكينة غير اليهودية هذا الاعتراف فيقول لها عظيم إيمانك يا امرأة.
وبعد هذا القول الذي عبّر يسوع به عن فرحه هل يقول لها كما كان يقول لمن يشفيهم من اليهود من الأقوال التي مرّت معنا في هذا الفصل؟
كلا، إنما قال لها ليكن لك ما تريدين، وكأني به وهو يقول هذه الكلمة قد أُصيب بحالة من عدم الرضا لِما أُجبر على القيام به من إعطاء الفتات للكلاب الذين لم يُرسل إليهم فقال ليكن لك ما تريدين، وكأنه قال هذه الكلمة، وهي أقل الصيغ التي استعملها في معجزاته، وهو مستكثر على تلك المرأة أن يقول لها لتشفى ابنتك أو ليخرج الشيطان منها أو غيرها من الصيغ.
بعد هذا الشرح الدقيق والمتأني لهذه المعجزة قد يبدأ بعض الطيبين من أتباع الكنائس، وهم من غير اليهود، بالإحساس بالغيظ، فيبدءوا بالشتم والسب، وأطيبهم قد يبدأ بالجدل بالتي هي أحسن فيقول انك تحرف الكلام الواضح عن معانيه الصحيحة فأنت تفسر قول يسوع لتلك المرأة عظيم إيمانك يا امرأة بأنه قال لها هذا الكلام لأنها شبهت نفسها بالكلاب وليس لأنها آمنت به، وهذا أكبر تحريف ممكن أن يقوم به إنسان، فبماذا ترد على هذا الكلام؟
أقول لهؤلاء الطيبين إن الرد لن يكون مني بل سأترك يسوع نفسه يرد عليكم ويوضح معنى كلامه السابق بالمعجزة التالية.
معجزة شفاء ابنة المرأة الفينيقية
- ثم قام من هناك ومضى الى تخوم صور وصيداء،
ودخل  بيتا وهو يريد أن لا يعلم أحد،
فلم يقدر ان يختفي،
لأن امرأة  كان بابنتها روح نجس سمعت به فأتت وخرّت عند قدميه،
وكانت الإمرأة أُممية وفي جنسها فينيقية سورية،
فسألته أن يُخرج الشيطان من ابنتها،
وأما يسوع فقال لها دعي البنين أولاً يشبعون،
لأنه ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب،
فأجابت وقالت له نعم يا سيد،
والكلاب أيضاً تحت المائدة تأكل من فتات البنين،
فقال لها لأجل هذه الكلمة اذهبي قد خرج الشيطان من ابنتك. (مرقس 7: 24-29)
هذا هو كلام يسوع الواضح والذي لا يجرؤ أحد على مناقضته يقول وبكل وضوح لأجل هذه الكلمة اذهبي قد خرج الشيطان من ابنتك.
وما هي تلك الكلمة؟
الكلمة هي قول تلك المرأة نعم يا سيد والكلاب أيضا تحت المائدة تأكل من فتات البنين.
فهذا هو المقصود من الكلمة التي قالها يسوع للمرأة الكنعانية عظيم إيمانك يا امرأة!
ودليل آخر على انه لم يقصد بقوله عن إيمان تلك المرأة سوى أنها شبهت نفسها بالكلاب هو قوله انه لم يُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، فهو غير معني بدعوة غير اليهود للإيمان به لأنه لم يُرسل إليهم.
وقوله انه لم يُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة لو واجه يسوع به أتباع الكنائس المختلفة وهم كلهم من غير اليهود يوم مجيئه الثاني ماذا سيكون ردهم عليه؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق