الأربعاء، 21 يناير 2015

الفصل الخامس: أمثال يسوع وأسباب تكلمه بها وأخطاءها وتناقضاتها

الفصل الخامس: أمثال يسوع

تأخذ الأمثال حيزاً كبيراً في الأناجيل، وتفتخر الكنائس بها، وهو ما يستدعي دراستها بالتفصيل لنعرف حقيقتها ودورها في إظهار الصفات التي كتبتها الأناجيل وقوانين إيمان الكنائس ليسوع، وأبدأ بأسباب تكلم يسوع بالأمثال.
أسباب تكلم يسوع بالأمثال
يحدد كتبة الأناجيل أسباب تكلم يسوع بالأمثال بأمرين اثنين، الأول وهو ما عبّر عنه متّى بقوله:
- بدون مثل لم يكن يكلمهم لكي يتم ما قيل بالنبي القائل سأفتح بأمثال فمي وأنطق بمكتومات منذ تأسيس العالم. (متّى 13: 34-35)
فالسبب كما يقول متّى في تكلم يسوع بالأمثال هو لكي يتم ما قيل بالنبي القائل سأفتح بأمثال فمي وأنطق بمكتومات منذ تأسيس العالم، أي إن يسوع تكلم بالأمثال لأن العهد القديم تنبأ عنه بهذه الصفة، ولكن هل القول الذي استشهد به متّى ينطبق على يسوع؟
لنقرأ المزمور الثامن والسبعين الذي أقتطع منه متّى هذه الفقرة لنرى إن كان ينطبق على يسوع أم لا.
اصغ يا شعبي الى شريعتي،
أميلوا آذانكم الى كلام فمي،
أفتح بمثل فمي،
أُذيع الغازاً منذ القدم،
التي سمعناها وعرفناها وآباؤنا اخبرونا،
لا نخفي عن بنيهم الى الجيل الاخر.
يبدأ المزمور بدعوة المتكلم لشعبه بأن يُصغي إلى شريعته وان يميلوا آذانهم إلى كلامه، وهم بنو إسرائيل، ولا يمكن أن تكون الكنائس هي المقصودة بهذا الخطاب لأنها ليست من بني إسرائيل، كما ان يسوع قال انه لم يُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، فأين الكنائس من هذا الكلام وهم ينتمون إلى كل شعوب الأرض إلا شعب إسرائيل!
إن أول ما يظهر من المقارنة بين المزمور ونص متّى، وهو عادة ما يظهر كلما قارنا بين نصوص العهد القديم والنصوص المقتبسة في الأناجيل، هو الاختلاف بين نص المزمور ونصّ الإنجيل، فمتّى قال سأفتح بأمثال فمي وانطق بمكتومات منذ تأسيس العالم، والمزمور يقول أفتح بمثل فمي، أُذيع الغازاً منذ القدم، التي سمعناها وعرفناها وآباؤنا أخبرونا، وأنا لست أدري ما هو السبب الذي كان من أجله يقوم كتبة الأناجيل بتغيير نصوص العهد القديم، هل هو عدم توفر نسخ العهد القديم بين أيديهم، آم أنهم كانوا في عجلة من أمرهم حتى أنهم كانوا يضطرون إلى نقل النصوص بالمعنى وليس حرفيّاً، أم ان الروح المقدس كان يصحح لهم نصوص العهد القديم حتى يُظهر الحق، كما وعد يسوع تلاميذه بان الروح المقدس سيخبرهم بالحق كله، وإذا كان هذا السبب مقبولاً عند الكنائس فانه من المستغرب أن لا يقوموا بتصحيح النصوص كذلك في العهد القديم، كما فعلت الكنيسة البروتستنتية عندما قامت بحذف سبعة أسفار من العهد القديم وقالت إنها ليست وحياً وأنها منحولة ولم تكتب بسوق من الروح المقدس!
كما أن متّى يقول إن يسوع ينطق بمكتومات منذ تأسيس العالم، وأنا أتساءل أين هي المكتومات التي أخبر بها يسوع، وهل تستطيع الكنائس أن تخبرنا عن أيّة مكتومة قالها، ليس منذ تأسيس العالم بل في أي زمان كان سواء القريب أو البعيد، باستثناء الحديث عن خراب الهيكل الذي يمكن أن يكون حدث قبل كتابة الاناجيل؟!
وأما المزمور فيقول انه يذيع ألغازاً منذ القدم التي سمعناها وعرفناها وآبائنا أخبرونا بها، أي إن ذلك المُخبر سيذيع ألغازاً كانت مخفية عن الناس، وهي ألغاز كان بنو إسرائيل قد سمعوها وعرفوها من آبائهم فهل أخبر يسوع بأي لغز كان خافياً على بني إسرائيل، لو كان هذا النص يُقصد به يسوع؟
- مُخبرين بتسابيح الرب وقوته وعجائبه التي صنع،
أقام شهادة في يعقوب،
ووضع شريعة في إسرائيل التي أوصى آباءنا ان يُعرّفوا بها أبناءهم لكي يعلم الجيل الآخر،
بنون يُولدون فيقومون ويُخبرون أبناءهم،
فيجعلون على الرب اعتمادهم ولا ينسون أعمال الرب بل يحفظون وصاياه،
ولا يكونون مثل آبائهم جيلاً زائغاً ومارداً جيلاً لم يُثبّت قلبه ولم تكن روحه أمينة للإله.
هذه الفقرات تتحدث عن تسابيح الرب وعن شريعته، وأمره لبني إسرائيل بحفظ تلك الوصايا وتبليغها للأجيال التالية، وهذا الأمر لم تعمل به الكنائس المختلفة، فمن يقول ان هذا النص يتحدث عن يسوع يجب عليه القول ان الكنائس خالفت هذا النصّ بعينه، لأنهم لم يلتزموا بالشريعة ولا حفظوا وصايا الرب كما أمرهم المتكلم في هذا النصّ، كالختان والسبت وغيرهما، والأهم من هذا كله هو أنهم لم يلتزموا بقول يسوع نفسه بعدم دعوة غير اليهود لأنه لم يُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة!
- بنو أفرايم النّازعون في القوس الرّامون انقلبوا في يوم الحرب،
لم يحفظوا عهد الرب وأبوْا السلوك في شريعته،
ونسوْا أفعاله وعجائبه التي أراهم،
قدّام آبائهم صنع أُعجوبة في أرض مصر بلاد صوعن.
هذه الفقرات تتحدث عن بني أفرايم وكيف أنهم لم يحفظوا عهد الرب وأبوْا السلوك في الشريعة وأنهم نسوْا أفعال الرب، ولم يخبرنا متّى ولا غيره من كتبة الأناجيل أن بني أفرايم انقلبوا في يوم حرب كانت في زمن يسوع، ولا ان يسوع دعا بني أفرايم ولم يستجيبوا له وأبوا السلوك في الشريعة، بل ما أخبرنا كتبة الأناجيل سوى محاولات وأقوال ليسوع كانت تدعو لعدم التمسك بالشريعة كما بينت ذلك سابقاً، وكما هو حال الكنائس من عدم التمسك بالشريعة ووصاياها والعمل على مخالفة أكثر أوامرها.
- وجرّبوا الرب في قلوبهم بسؤالهم طعاماً لشهوتهم،
فوقعوا في الرب،
قالوا هل يقدر الرب ان يرتب مائدة في البرية،
هو ذا ضرب الصخرة فجرت المياه وفاضت الأودية هل يقدر أيضاً أن يُعطي خبزاً أو يُهيئ لحماً لشعبه.
وهذه الفقرات تتحدث عن بني إسرائيل في سيناء، وهذا يثبت ان المزمور لا يتحدث عن يسوع.
- وجربوا الإله في قلوبهم بسؤالهم طعاما لشهوتهم،
فوقعوا في الإله،
قالوا هل يقدر الإله ان يرتب مائدة في البرية،
هو ذا ضرب الصخرة فجرت المياه وفاضت الأودية هل يقدر أيضاً أن يُعطي خبزاً أو يُهيئ لحماً لشعبه،
لذلك سمع الرب فغضب واشتعلت نار في يعقوب وسخط أيضاً صعد على اسرائيل،
لأنهم لم يؤمنوا بالإله ولم يتكلوا على خلاصه،
فأمر السحاب من فوق وفتح مصاريع السموات،
وأمطر عليهم منّاً للأكل وبرّ السماء أعطاهم،
أكل الانسان خبز الملائكة،
أرسل عليهم زاداً للشبع،
أهاج شرقية في السماء وساق بقوته جنوبية،
وأمطر عليهم لحماً مثل التراب وكرمل البحر طيوراً ذوات أجنحة،
وأسقطها في وسط محلتهم حوالي مساكنهم، فأكلوا وشبعوا جداً وأتاهم بشهوتهم،
لم يزوغوا عن شهوتهم طعامهم بعد في أفواههم،
فصعد عليهم غضب الإله وقتل من أسمنهم وصرع مُختاري إسرائيل،
في هذا كله اخطأوا بعد ولم يؤمنوا بعجائبه.
وهذه الفقرات كذلك تتحدث عن بني إسرائيل وكيف أنهم كثيراً ما كانوا يكفرون بالرب ولا يتكلون عليه ولا يؤمنون بعجائبه، كما نقرأ قوله أكل الإنسان خبز الملائكة، وفي هذا نقض لما تقوله قوانين إيمان الكنائس من أنه لا يوجد أكل في مملكة يسوع لأن الناس يكونون هناك كالملائكة، وهنا يقول المزمور أن للملائكة طعاماً أكله الناس!
ثم تتوالى الفقرات بالحديث عن بني إسرائيل في التيه حتى تصل إلى الفقرات التالية:
- فجربوا وعصوا الإله العلي،
وشهاداته لم يحفظوا،
بل ارتدوا وغدروا مثل آبائهم،
انحرفوا كقوس مخطئة،
أغاظوه بمرتفعاتهم وأغاروه بتماثيلهم،
سمع الإله فغضب ورذل إسرائيل جداً،
ورفض مسكن شيلو الخيمة التي نصبها بين الناس،
وسلّم للسبي عزه وجلاله ليد العدو،
ودفع الى السيف شعبه وغضب على ميراثه،
مختاروه أكلتهم النار وعذاراه لم يُحمدن،
كهنته سقطوا بالسيف وأرامله لم يبكين.
كما نقرأ في هذه الفقرات فإن المتكلم يقول إن الرب غضب على شعبه بني إسرائيل وأسلمهم للسبي والسيف سواء منهم العامة أو الكهنة، والسبب في ذلك هو إغاظتهم إياه بالمرتفعات والتماثيل، أي إن الرب يغتاظ من التماثيل ومن الذي يصنعها، فماذا ستقول الكنائس لأتباعها الطيبين وهي تملأ الأرض بالتماثيل والصور من كل صنف ونوع؟
وهل الرب الذي غضب على شعبه لأنهم عملوا التماثيل وأسلمهم للسبي والسيف ولم يرحمهم سيفرح بعمل الكنائس للتماثيل والصور ويورثهم الحياة الأبدية جزاء عملهم هذا؟!
- فضرب أعداءه الى الوراء، جعلهم عاراً أبدياً،
ورفض خيمة يوسف ولم يختر سبط أفرايم،
بل اختار سبط يهوذا جبل صهيون الذي أحبه،
وبنى مثل مرتفعات مقدسة كالأرض التي أسسها الى الأبد،
واختار داوُد عبده وأخذه من حظائر الغنم من خلف المرضعات،
أتى به ليرعى يعقوب شعبه واسرائيل ميراثه،
فرعاهم حسب كمال قلبه وبمهارة يديه هداهم. (مزمور 78: 1-72)
في بداية هذه الفقرات جملة تتحدث عن الرب أُنزهه عما فيها من معان لهذا لم اكتبها هنا، وباقي النص يتحدث عن رفض الرب لنسل يوسف والمتمثل بسبط أفرايم واعطاء العهد لسبط يهوذا، واختياره لداوُد عبده ليرعى شعبه بمهارة وكمال قلب.
وبعدْ فهل يستطيع متّى والكنائس المختلفة أن يقولوا لنا أين وجدوا يسوع في هذا النص الطويل حتى في الفقرة التي قال متّى أنها تتحدث عن يسوع، مع انه قام بتغيير معناها ومضمونها، فهي غير متحققة في الأقوال التي نسبوها ليسوع وقالوا انه تحدث بمكتومات منذ تأسيس العالم كما بينت ذلك في فصل النبوءات؟
وإذا كان استشهاد متّى بفقرة من المزمور خاطئ فهل ما كتبت الأناجيل عن يسوع يشهد له أنه فتح بمثال فمه ونطق بمكتومات منذ تأسيس العالم؟ هذا ما سنعرفه عند استعراض الأمثال بعد قليل.
والسبب الثاني لتكلم يسوع بالأمثال هو ما عُبّر عنه في النصين التاليين:
- فتقدم التلاميذ وقالوا له لماذا تكلمهم بأمثال،
فأجاب وقال لهم لأنه قد أُعطي لكم أن تعرفوا أسرار مملكة السماء،
وأما لاولئك فلم يعط،
فان من له سيُعطى ويُزاد،
وأما من ليس له فالذي عنده سيُؤخذ منه،
من أجل هذا أُكلمهم بأمثال،
لأنهم مبصرين لا يبصرون، وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون. (متّى 13: 10-13) و(مرقس 4: 10- 20) و(لوقا 8: 9-15)
وفي إنجيل لوقا قال ومن ليس له فالذي يظنه له يؤخذ منه.
- وأمثال كثيرة كان يكلمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا، وبدون مثل لم يكن يكلمهم وأما على انفراد فكان يفسر لتلاميذه كل شيء. (مرقس 4: 23-24)
في هذين النصين نقرأ أغرب أمر يمكن أن يقوم به إنسان، سواء كان نبياً أو صاحب فكرة فلسفية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية يريد تبليغها للناس، فالأصل في هؤلاء أن يكون شغلهم الشاغل هو كيفية توضيح أفكارهم للناس حتى يؤمنوا بها، وهم يستخدمون من أجل ذلك كل أنواع التوضيح والشرح، وإذا وجدوا صعوبة في إيصال أفكارهم للناس فإنهم يلجؤون إلى توضيحها بذكر الأمثال المقاربة حتى لا يكون هناك إشكال في عقول من يتوجهون له تجاه صحة تلك الأفكار، إلا يسوع، كما تقول الأناجيل، فانه يذكر الأمثال حتى لا يستطيع الناس الذين أُرسل إليهم أن يفهموا دعوته وبالتالي يبقوا على ضلالهم!
فالنبي أو الرسول يُرسَل لهداية الناس وإخراجهم من ضلالهم لا أن يزيدهم ضلالاً فوق ضلالهم كما يقول يسوع عن أُولئك اليهود، الذين لم يُرسَل إلا إليهم، فإذا لم يُعطِ اليهود أن يعرفوا أسرار مملكة السماء فلماذا أُرسل إليهم؟!
ولم يكتف يسوع بالقول ان اليهود لم يُعطوْا معرفة أسرار مملكة السماء، بل قال إن من كان عنده شيء من العلم فإنه سيؤخذ منه، ويستشهد بقول من العهد القديم بأنهم مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون!
أعود الآن لبداية النص فهو يقول لتلاميذه انه قد أُعطي لهم أن يعرفوا أسرار مملكة السماء، فهل أعطى لهم معرفة أسرار مملكة السماء؟
موقف تلاميذ يسوع من أمثاله
- ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان، فأجاب وقال كل غرس لم يغرسه أبي السماوي يقلع، اتركوهم هم عميان قادة عميان، وان كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة،
فأجاب بطرس وقال له فسّر لنا هذا المثل،
فقال لهم يسوع هل انتم أيضا حتى ألآن غير فاهمين،
ألا تفهمون بعد أن كل ما يدخل الفم يمضي إلى الجوف ويندفع إلى المخرج، وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر، وذاك ينجس الإنسان، لأن من القلب تخرج أفكار شريرة قتل، زنى، فسق، سرقة، شهادة زور، تجديف، هذه هي التي تنجس الإنسان، وأما الأكل بأيد غير مغسولة فلا ينجس الإنسان. (متّى 15: 11-20)
- ولما جاء تلاميذه إلى العبر نسوا أن يأخذوا خبزاً،
وقال لهم يسوع انظروا وتحرّزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين،
ففكروا في أنفسهم قائلين إننا لم نأخذ خبزاً،
فعلم يسوع وقال لهم لماذا تفكرون في أنفسكم يا قليلي الأيمان إنكم لم تأخذوا خبزاً،
أحتى الآن لا تفهمون ولا تذكرون خمس خبزات الخمسة الآلاف وكم قفة أخذتم،
ولا سبع خبزات الأربعة وكم سلا أخذتم،
كيف لا تفهمون أني ليس عن الخبز قلت لكم أن تتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين. (متّى 16: 5-11)
في هذين النصين نقرأ أن التلاميذ لم يفهموا تلك الأمثال، لا بل إن يسوع وصفهم بعدم الفهم وقلة الإيمان، وهذا يدل على أنهم لم يكونوا يعرفون معاني كلامه ولا أمثاله شبه الواضحة، فأين ومتى أعطاهم معرفة أسرار مملكة السماء؟!
- ولما دخل السفينة تبعه تلاميذه وإذا اضطراب عظيم قد حدث في البحر حتى غطت الأمواج السفينة، وكان هو نائماً،
فتقدم تلاميذه وأيقظوه قائلين نجنا يا سيد فإننا نهلك،
فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان. (متّى 8: 23-26)
في هذا النص يصف يسوع تلاميذه بقليلي الإيمان، وهذا لم يكن أول التبشير بل بعد معجزة إطعام آلاف الناس وإشباعهم بقليل من الخبز والسمك.
- ولما جاء التلاميذ إلى العَبَر نسوا أن يأخذوا خبزاً،
وقال لهم يسوع انظروا وتحرّزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين،
ففكروا في أنفسهم قائلين إننا لم نأخذ خبزاً،
فعلم يسوع وقال لهم لماذا تفكرون في أنفسكم،
يا قليلي الإيمان،
أنكم لم تأخذوا خبزا،
أحتى ألان لا تفهمون،
ولا تذكرون خمس خبزات الخمسة الآلاف وكم قفة أخذتم. (متّى 16: 5-9)
- ولما جاءوا إلى الجمع تقدم إليه رجل جاثيا له، وقائلاً يا سيد ارحم ابني فانه يُصرع ويتألم شديداً، ويقع كثيراً في النار وكثيراً في الماء،
وأحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه،
فأجاب يسوع وقال أيها الجيل غير المؤمن الملتوي،
إلى متى أكون معكم،
إلى متى احتملكم، قدّموه إليّ ههنا،
فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان، فشفي الغلام من تلك الساعة،
ثم تقدم التلاميذ إلى يسوع على انفراد وقالوا لماذا لم نقدر نحن أن نُخرجه،
فقال لهم يسوع لعدم إيمانكم،
فالحق أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم. (متّى 17: 14-20)
وهذا النص ليس بحاجة إلى شرح لنعلم ان التلاميذ لم يُعطوْا معرفة أسرار مملكة السماء.
- ولما كان وحده سأله الذين حوله مع ألاثني عشر عن المثل،
فقال لهم قد أُعطي لكم أن تعرفوا سرّ مملكة الإله،
وأما الذين هم من الخارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء،
ثم قال لهم إما تعلمون هذا المثل،
فكيف تعلمون جميع الأمثال. (مرقس 4: 10-13)
وفي هذا النص رد واضح على كل من يقول أن التلاميذ أُعطوا معرفة أسرار مملكة السماء.
- فصرفوا الجمع وأخذوه كما كان في السفينة، وكانت معه أيضاً سفن أُخرى صغيرة،
فحدث نوْء ريح عظيم فكانت الأمواج تضرب الى السفينة حتى صارت تمتلئ،
وكان هو في المؤخر، على وسادة نائماً،
فأيقظوه وقالوا يا معلم أما يهمُّك أننا نهلك،
فقام وانتهر الريح وقال للبحر اسكت، ابكم،
فسكنت الريح وصار هدوء عظيم،
وقال لهم ما بالكم خائفين هكذا،
كيف لا إيمان لكم،
فخافوا خوفاً عظيماً،
وقالوا بعضهم لبعض من هو هذا،
فإن الريح أيضاً والبحر يطيعانه. (مرقس 4: 36-41)
في هذا النص نقرأ أن التلاميذ يتساءلون عن يسوع نفسه من هو هذا، مع انه قبل هذا بقليل كان قد أطعم خمسة آلاف رجل وأشبعهم من عدة أرغفة من الخبز وبضع سمكات صغار، ثم يقول انه أعطاهم معرفة أسرار مملكة السماء!
- فأخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين ورفع نظره نحو السماء وبارك ثم كسّر الأرغفة وأعطى تلاميذه ليقدموا إليهم، وقسّم السمكتين للجميع،
فأكل الجميع وشبعوا،
ثم رفعوا من الكسر اثنتي عشرة قفة مملوءة ومن السمك،
وكان الذين أكلوا من الأرغفة نحو خمسة ألاف رجل،
وللوقت ألزم تلاميذه أن يدخلوا السفينة ويسبقوا إلى العبر إلى بيت صيدا حتى يكون قد صرف الجمع،
وبعدما ودعهم مضى إلى الجبل ليصلي، ولما صار المساء كانت السفينة في وسط البحر وهو على البر وحده، ورآهم معذبين في الجذف لأن الريح كانت ضدهم،
ونحو الهزيع الرابع من الليل أتاهم ماشيا على البحر و أراد أن يتجاوزهم،
فلما رأوه ماشيا على البحر ظنوه خيالا فصرخوا،
لأن الجميع رأوه واضطربوا،
فللوقت كلمهم وقال لهم ثقوا، أنا هو، لا تخافوا فصعد إلى السفينة فسكنت الريح،
فبهتوا و تعجبوا في أنفسهم جداً إلى الغاية،
لأنهم لم يفهموا بالأرغفة،
إذ كانت قلوبهم غليظة. (مرقس 6: 41-52)
في هذا النص يصف مرقس التلاميذ بأنهم لم يفهموا بالأرغفة لأن قلوبهم كانت غليظة، فإذا كان إنسان قلبه غليظاً ولا يفهم فيما هو مشاهد وواقع أمامه من معجزات، فكيف سيفهم أسرار مملكة السماء؟!
- وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم إلى جبل عال منفردين وحدهم، وتغيرت هيئته قدامهم، وصارت ثيابه تلمع بيضاء جداً كالثلج لا يقدر قصّارٌ على الارض أن يُبيض مثل ذلك،
وظهر لهم إيليا مع موسى، وكانا يتكلمان مع يسوع،
فجعل بطرس يقول ليسوع يا سيدي جيد أن نكون ههنا،
فلنصنع ثلاث مظال، لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليا واحدة،
لأنه لم يكن يعلم ما يتكلم به، إذ كانوا مرتعبين،
وكانت سحابة تظللهم فجاء صوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب، له اسمعوا،
فنظروا حولهم بغتة ولم يروا أحداً غير يسوع وحده معهم،
وفيما هم نازلون من الجبل أوصاهم أن لا يُحدثوا أحدا بما أبصروا إلا متى قام ابن الإنسان من الأموات،
فحفظوا الكلمة لأنفسهم يتساءلون ما هو القيام من الأموات. (مرقس 9: 2-10)
في هذا النص نقرأ انهم لم يفهموا كلام يسوع عن قيامته من الأموات، وهذه القصة حدثت قبل محاكمة يسوع بأقل من شهر!
- وخرجوا من هناك واجتازوا الجليل ولم يرد أن يعلم احد،
لأنه كان يُعلّم تلاميذه ويقول لهم إن ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الناس فيقتلونه،
وبعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث،
وأما هم فلم يفهموا القول وخافوا أن يسألوه. (مرقس 9: 30-32)
وهذا النص كسابقه فالتلاميذ لم يفهموا كلام يسوع عن قيامته من الاموات!
- وبعدما قام باكراً في أول الاسبوع ظهر أولاً لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين،
فذهبت هذه وأخبرت الذين كانوا معه، وهم ينوحون ويبكون،
فلما سمع اولئك انه حيّ وقد نظرته،
لم يصدقوا. (مرقس 16: 9-11)
في هذا النص نقرأ أن التلاميذ لم يصدقوا مريم المجدلية عندما أخبرتهم أنها رأت يسوع، ولم يصدقوا انه قام من الأموات.
- وأخيراً ظهر للأحد عشر وهم متكئون،
ووبخ عدم ايمانهم،
وقساوة قلوبهم،
لانهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام. (مرقس 16: 14)
في هذا النص نقرأ ان يسوع قام بتوبيخ التلاميذ على عدم ايمانهم وقسوة قلوبهم لانهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام! فموقف يسوع من تلاميذه هنا ليس في أول إيمانهم به، بل بعد أن انتهت كرازته وقام من الأموات!
من هذا يتبين لنا أن التلاميذ لم يكونوا يفهمون معجزات يسوع ولا كلامه ولا أمثاله مما يدل على أنهم لم يُعطوا فهم أسرار مملكة السماء، أو على الأقل هم لم يقبلوا تلك الهبة!
ولكن هل كان يسوع حقاً يُكلم التلاميذ بدون أمثال لأنهم أُعطوا معرفة أسرار مملكة السماء، وانه كان يكلم الباقين بالأمثال لأنهم لم يُعطوا معرفة أسرار مملكة السماء، وان من كان عنده شيء من علم فانه سيؤخذ منه؟
لنقرأ هذا النص:
قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن تأتي ساعة حين لا أُكلمكم أيضاً بأمثال بل أخبركم عن الأب علانية،
قال له تلاميذه هو ذا الآن تتكلم علانية ولست تقول مثلاً واحداً،
الآن نعلم انك عالم بكل شيء ولست تحتاج أن يسألك احد،
لهذا نؤمن الآن انك من الإله خرجت،
أجابهم يسوع آلآن تؤمنون،
هو ذا تأتي ساعة وقد أتت ألآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته،
وتتركوني وحدي. (يوحنا 16: 29-32)
في هذا النص يقول يسوع لتلاميذه انه كان يُكلمهم بأمثال، وهذا القول قاله ليلة إلقاء القبض عليه، أي في نهاية حياته على الأرض، وهذا يعني انه طوال الفترة السابقة كان يتكلم معهم بأمثال، وليس كما قال سابقاً انه يتكلم مع غيرهم بأمثال لأنه أُعطي للتلاميذ فقط معرفة أسرار مملكة السماء وان غيرهم لم يُعطوا، فهذا القول يدل على أحد أمرين، إما أن قوله الأول ليس صحيحاً، أو أن تلاميذه أيضاً لم يُعطوا معرفة أسرار مملكة السماء لهذا كان يكلمهم بأمثال كما قال هنا!
وأما قوله انه تأتي ساعة لا يكلمهم بأمثال بل يخبرهم عن أبيه علانية، فان الأناجيل لم تذكر أي قول له عن أبيه بعد أن قال هذا القول!
وأما مسارعة التلاميذ بتصديقهم قوله هذا بقولهم قال له تلاميذه هو ذا ألآن تتكلم علانية ولست تقول مثلاً واحداً، الآن نعلم أنك عالم بكل شيء ولست تحتاج أن يسألك احد، لهذا نؤمن الآن انك من الإله خرجت، فهو لا يدل على إيمانهم وصدقهم لأن يسوع يعرفهم جيداً لهذا أجابهم يسوع آلآن تؤمنون،
هوذا تأتي ساعة وقد أتت ألان تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته، وتتركوني وحدي، فهو يعلم أنهم يقولون ذلك القول بأفواههم وليس من قلوبهم، لهذا قال لهم انه تأتي ساعة وقد أتت، الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته، ويتركونه وحده.
ولكن ما هو موقف يسوع من تلاميذه الذين لا يفهمون ما يقوله من أمثال على الرغم من إعطائهم فهم أسرار مملكة السماء!
لنقرأ النص التالي:
- وأوصاهم قائلاً انظروا وتحرّزوا من خمير الفريسيين وخمير هيرودس،
ففكروا قائلين بعضهم لبعض ليس عندنا خبز،
فعلم يسوع وقال لهم لماذا تفكرون أن ليس عندكم خبز،
ألا تشعرون بعد،
ولا تفهمون،
أحتى ألآن قلوبكم غليظة،
ألكم أعين ولا تبصرون،
ولكم آذان ولا تسمعون،
ولا تذكرون حين كسرت الأرغفة الخمسة للخمسة الآلاف كم قفة مملوءة كسراً رفعتم،
قالوا له اثنتي عشرة،
وحين السبعة للأربعة الآلاف كم سل كسر مملوءة رفعتم،
قالوا له سبعة،
فقال لهم كيف لا تفهمون. (مرقس 8: 15-21)
اكتفي برد يسوع هنا على التلاميذ الذين قال كتبة الأناجيل أنهم أُعطوا معرفة أسرار مملكة السماء، وأبدأ باستعراض ما قاله من أمثال لنرى أن كانت تدل على صفاته التي كتبتها الأناجيل وقوانين إيمان الكنائس عنه أم لا.
أربعة عشر مثلاً عن مملكة السماء
كتبت الأناجيل أربعة عشر مثلاً عن مملكة يسوع أو مملكة السماء أو مملكة الإله، وفيما يلي استعراض لها.
مثل حبة الخردل
1- قدّم لهم مثلاً آخر قائلاً تشبه مملكة السماء حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله وهي أصغر جميع البزور ولكن متى نمت فهي اكبر البقول وتصير شجرة حتى أن طيور السماء تأتي وتتآوى في أغصانها. (متى 13: 31-32) و (مرقس 4: 30-33) و (لوقا 13: 18-19)
إن كل الطيبين من أتباع الكنائس المختلفة عندما يقرؤون هذا المثل يتمنون لو أن يسوع لم يقله، أو لو أن متّى ومرقس ولوقا أخفوه ولم يكتبوه، كما أخفى يوحنا الكثير مما يعلمه عن يسوع ولم يكتبه في إنجيله كما في النصين التاليين:
- وآيات اخر كثيرة صنع يسوع قدّام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب،
واما هذه فقد كتبت لتؤمنوا ان يسوع هو المسيح ابن الإله،
ولكي تكون لكم اذا امنتم حياة باسمه. (يوحنا 20: 30-31)
- وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع ان كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة. (يوحنا 21: 25)
لأن هذا المثل بكل بساطة يُخالف ليس عقول البشر جميعاً بل يخالف أبصارهم وأسماعهم وأيديهم لان أي إنسان شاهد نبات الخردل أو سمع عن نبات الخردل أو لمس نبات الخردل يعلم أن هذا النبات ليس هو أكبر البقول في العالم، ولا انه من أكبرها، فأقصى ما يبلغه من علو لا يزيد عن سنابل القمح أو الشعير وأنه لا توجد لغة من لغات العالم تطلق عليها اسم شجرة، وانه لا يمكن لعصفور صغير أن يأوي إليها، فكيف بطيور السماء أن تأوي إليها وتبني أعشاشها فيها!
فهل يمكن القول ان يسوع لم يُوفق في هذا المثل لنقل ما يتصوره عن مملكة السماء، وهذا يدل على أنه لا يتمتع بالصفات التي تقولها عنه الكنائس في قوانين إيمانها؟!
مثل الزرع الذي ينمو
2- وقال هكذا مملكة الإله كأن إنساناً يُلقي البذار على الأرض وينام ويقوم ليلاً ونهاراً والبذار يطلع وهو لا يعلم كيف،
لأن الأرض من ذاتها تأتي بثمر، أولاً نباتا ثم قمحاً ملآن في السنبل وأما متى أدرك الثمر فللوقت يرسل المنجل لان الحصاد قد حضر. (مرقس 4: 26-29)
في هذا المثل يشبه يسوع مملكة الإله برجل يُلقي البذر على الأرض وينام ويقوم ليلاً ونهاراً، ثم ذلك البذر يطلع ويكبر حتى يصير قمحاً في السنابل، وذلك الرجل لا يعلم من أين تنبت السنابل ولا من أين يأتي القمح، ولكن متى رأى القمح فللوقت يُرسل المنجل لأن الحصاد قد حضر.
إن كل إنسان يعلم أن القمح يأتي من البذور التي تتحول إلى سنابل وفي آخر الأمر تُخرج القمح، فكيف لا يعلم ذلك الرجل، وهو مزارع، من أين يأتي القمح مع أنه هو من  بذر البذور كما يقول المثل.
مثل القمح والزوان
3- قدم لهم مثلاً آخر قائلاً تشبه مملكة السماء إنساناً زرع زرعاً جيداً في حقله، وفيما الناس نيام جاء عدوه وزرع زواناً في وسط الحنطة ومضى، فلما طلع النبات وصنع ثمراً حينئذ ظهر الزوان أيضاً فجاء عبيد رب البيت وقالوا له يا سيد أليس زرعاً جيداً زرعت في حقلك، فمن أين له زوان، فقال لهم إنسان عدو فعل هذا، فقال له العبيد أتريد أن نذهب ونجمعه، فقال لا، لئلا تقلعوا الحنطة مع الزوان وانتم تجمعونه، دعوهما ينميان كلاهما معاً إلى الحصاد، وفي وقت الحصاد أقول للحصادين اجمعوا أولاً الزوان واحزموه حزماً ليحرق وأما الحنطة فاجمعوها إلى مخزني. (متّى 13: 24-30)
في هذا النص يُشبّه يسوع مملكة السماء برجل مزارع حكيم ذو خبرة، وليس كالرجل الجاهل والكسول الذي مرّ معنا في المثل السابق، فهذا المزارع حكيم حتى أنه يعرف البذور التي زرعها من البذور التي زرعها أعداءه، ويصبر على الزوان حتى يكبر ليسهل فصله عن الحنطة الجيدة ثم يجعل الزوان قي حزم فيلقى في النار ليحرق، فهذا مثل جيد عن مملكة السماء وليس كالمثل السابق.
مثل العشر عذارى
4- حينئذ تشبه مملكة السماء عشر عذارى أخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس، وكان خمس منهن حكيمات وخمس جاهلات، أما الجاهلات فأخذن مصابيحهن ولم يأخذن معهن زيتاً وأما الحكيمات فأخذن زيتاً في آنيتهن مع مصابيحهن، وفيما أبطأ العريس نعسن جميعهن ونمن، ففي نصف الليل صار صراخ هو ذا العريس مقبل فاخرجن للقائه، فقامت جميع أولئك العذارى وأصلحن مصابيحهن، فقالت الجاهلات للحكيمات أعطيننا من زيتكن فان مصابيحنا تنطفئ فأجابت الحكيمات قائلات لعله لا يكفي لنا ولكن بل اذهبن إلى الباعة وابتعن لكنّ وفيما هن ذاهبات ليبتعن جاء العريس والمستعدات دخلن معه إلى العرس وأُغلق الباب،
أخيراً جاءت بقية العذارى ايضا قائلات يا سيد افتح لنا،
فاجاب وقال الحق اقول لكنّ أني ما أعرفكن،
فاسهروا اذاً لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان. (متّى 25: 1-13)
هذا المثل فيما أعلم لم يحاول أحد من رجال الكنائس المختلفة أن يستشهد به في أي موعظة وهو يرى هذا الكم الهائل من النساء مقابل رجل واحد، وهو يعظ ويفتخر بان رجلاً واحد لامرأة واحدة، وامرأة واحدة لرجل واحد، وان ما يجمعه الإله لا يفرقه أحد وانه من البدء كان رجل وامرأة! وكنت قد تحدثت عن هذا المثل في فصل التعاليم فأغنى عن إعادته.
مثل العمال في الكرم
5- فان مملكة السماء تشبه رجلاً رب بيت خرج مع الصبح ليستأجر فعلة لكرمه، فاتفق مع الفعلة على دينار في اليوم وأرسلهم الى كرمه، ثم خرج نحو الساعة الثالثة ورأى آخرين قياماً في السوق بطالين، فقال لهم اذهبوا أنتم أيضاً إلى الكرم فأُعطيكم ما يحق لكم، فمضوا، وخرج أيضاً نحو الساعة السادسة والتاسعة وفعل كذلك، ثم نحو الساعة الحادية عشرة خرج ووجد قياماً بطالين فقال لهم لماذا وقفتم ههنا كل النهار بطالين، قالوا له لأنه لم يستأجرنا أحد، قال لهم اذهبوا أنتم أيضاً إلى الكرم فتأخذوا ما يحق لكم، فلما كان المساء قال صاحب الكرم لوكيله أُدع الفعلة وأعطهم الأجرة مبتدءاً من الآخرين إلى الأولين فجاء أصحاب الساعة الحادية عشرة وأخذوا ديناراً ديناراً، فلما جاء الأولون ظنوا أنهم يأخذون أكثر، فأخذوا هم أيضاً ديناراً ديناراً، وفيما هم يأخذون تذمروا على رب البيت، قائلين هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة وقد ساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار والحر، فأجاب وقال لواحد منهم يا صاحب ما ظلمتك، أما اتفقت معي على دينار، فخذ الذي لك واذهب، فاني أريد أن أُعطي هذا الأخير مثلك، أوما يحلّ لي أن أفعل ما أُريد بما لي، أم عينك شريرة لأني أنا صالح، هكذا يكون الآخرون أولين والأولون آخرين، لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون. (متّى 20: 1-16)
هذا المثل كسابقه واضح المعاني بسبب تفسير يسوع له، وهو يعطينا فكرة عن الكثير ممن يزعمون أنهم داخلون إلى مملكة السماء وأعينهم شريرة ولا يحبون أن يدخل الناس إليها لأنهم يظنون أن هؤلاء سيأخذون جزءاً من نصيبهم في تلك المملكة، وليتهم توقفوا عند المملكة بل قاموا بأخذ ما أُعطي لهم من خيرات في الدنيا.
مثل الابنان
6- كان لإنسان ابنان فجاء إلى الأول وقال يا بني اذهب اليوم اعمل في كرمي، فأجاب وقال ما أريد، ولكنه ندم أخيراً ومضى، وجاء إلى الثاني وقال كذلك فأجاب وقال ها أنا يا سيد، ولم يمض، فأي الاثنين عمل إرادة الأب قالوا له الأول،
قال لهم يسوع الحق أقول لكم إن العشارين والزواني يسبقونكم إلى مملكة الاله. (متّى 21: 28-31)
هذا المثل واضح ولكنه بحاجة لإنزاله على الواقع لنعرف على من ينطبق، فعندما يطلب يسوع من بطرس ويعقوب ويوحنا في الليلة التي قبض عليه فيها السهر معه والصلاة يقولون ها نحن يا سيد، ولكن بعد أن يذهب يسوع للصلاة والطلب من أبيه أن تعبر عنه تلك الكأس يعود فيجدهم نياماً ويتكرر هذا الأمر ثلاث مرات!
وعندما يطلب يسوع من أتباعه عدم امتلاك الذهب والفضة يكون الجواب ها نحن يا سيد، ومع هذا فهم يملؤون الخزائن ذهباً وفضة!
وعندما يطلب منهم أن لا يمضوا في طريق للأُمم، يأتيه الجواب ها نحن يا سيد، ثم تكون النتيجة أنهم لا يمضون إلا إلى الأمم!
وعندما يسمعونه يقول لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة يكون الجواب ها نحن يا سيد، ومن ثم يتوجهون لدعوة غير اليهود!
أكتفي بهذا حتى لا أُطيل في ذكر مخالفاتهم، وأقول كما قال يسوع الحق أقول لكم إن العشارين والزواني يسبقونكم إلى مملكة الإله!
مثل المزارعين القتلة
7- اسمعوا مثلاً آخر كان إنسان رب بيت غرس كرماً وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبنى برجاً وسلمه إلى كرّامين وسافر، ولما قرب وقت الإثمار أرسل عبيده إلى الكرّامين ليأخذ أثماره، فأخذ الكرّامون عبيده وجلدوا بعضاً وقتلوا بعضاً ورجموا بعضاً، ثم أرسل أيضاً عبيداً آخرين أكثر من الأولين ففعلوا بهم كذلك، فأخيراً أرسل إليهم ابنه قائلاً يهابون ابني، وأما الكرّامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث هلموا نقتله ونأخذ ميراثه، فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه، فمتى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرّامين،
قالوا له أولئك الأردياء يهلكهم هلاكاً رديّاً ويُسلم الكرم إلى كرّامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها. (متّى 21: 33-41) و(مرقس 12: 1-12) و(لوقا 20: 9-19)
بعد أن حدثنا يسوع في المثل السابق عن الذين يدّعون طاعته ويخالفون أوامره في حياتهم، يقول في هذا المثل اسمعوا مثلا آخر ونحن نقول له إننا سمعناه، ونقول لمن يدعي انه من أتباعه وهو لا يلتزم بتعاليمه اسمعوا انتم نهاية المثل إن أولئك الأردياء يُهلكهم هلاكاً رديّا ويُسلم الكرم إلى كرّامين آخرين يعطون الأثمار في أوقاتها.
فمن هم هؤلاء الكرّامين الآخرين الذين يُعطون الكرم فيعطون الثمار في أوقاتها؟
مثل وليمة الملك
8- تشبه مملكة السماء إنساناً ملكاً صنع عرساً لابنه، وأرسل عبيده ليدعوا المدعوين إلى العرس فلم يريدوا أن يأتوا، فأرسل أيضاً عبيداً آخرين قائلاً قولوا للمدعوين هو ذا غدائي أعددته، وكل شيء معد، تعالوا إلى العرس، ولكنهم تهاونوا ومضوا واحد إلى حقله وآخر إلى تجارته، والباقون أمسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم، فلما سمع الملك غضب وأرسل جنوده وأهلك أولئك القاتلين وأحرق مدينتهم، ثم قال لعبيده أما العرس فمستعد وأما المدعوين فلم يكونوا مستحقين، فاذهبوا إلى مفارق الطرق وكل من وجدتموه فادعوه إلى العرس، فخرج أولئك العبيد إلى الطرق وجمعوا كل الذين وجدوهم، فامتلأ العرس من المتكئين،
فلما دخل الملك لينظر المتكئين رأى هناك إنساناً لم يكن لابساً لباس العرس، فقال له يا صاحب كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس، فسكت، حينئذ قال الملك للخدام اربطوا رجليه ويديه وخذوه واطرحوه في الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان، لأن كثيرين يُدعون وقليلين يُنتخبون. (متّى 22: 2-13)
هذا المثل ايضا واضح ولا يحتاج إلا إلى سؤال وهو من هو ذلك المدعو الذي يدّعي انه من أهل العرس وليس لابساً كما أمره يسوع ولا يعمل بتعاليم يسوع ووصاياه؟
فهل نتوقع مصيراً لهؤلاء كما هو هنا في المثل إذ يقول الملك للخدام أن يربطوا أيديهم وأرجلهم ويُطرحوا في الظلمة الخارجية؟!
9- تشبه مملكة السماء خميرة أخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع. (متّى 13: 33) و(لوقا 13: 20-21)
في هذا المثل يُشبّه يسوع مملكة السماء بامرأة خبأت خميرة في ثلاثة أكيال من دقيق حتى اختمرت كلها، فهل نفهم من هذا المثل ان مملكة يسوع ستقبل في نهاية الأمر جميع الناس الذين آمنوا به والذين لم يؤمنوا، وإذا كان هذا صحيحاً فما الفائدة من إرساله؟!
مثل الكنز المخفي
10- تشبه مملكة السماء كنزاً مخفي في حقل وجده إنسان فأخفاه ومن فرحه مضى وباع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل. (متّى 13: 44)
هذا المثل صحيح المعنى والمضمون فكل من يؤمن بشيء بصدق فهو يضحي من أجله بكل ما يملك، ولكن هل كان هذا هو حال التلاميذ الذين اختارهم وسماهم رسلاً وهم يهربون عنه ويتركونه وحيداً، أو وهم لا يصدقون أنه قام من الأموات، أو وهم لا يلتزمون بقوله انه لم يُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، أو وهم يمنعون الختان وهم يعرفون أن يسوع نفسه ختن؟!
مثل اللؤلؤة
11- تشبه مملكة السماء إنساناً تاجراً يطلب لآليء فلما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن مضى وباع كل ما كان له واشتراها. (متّى 13: 46)
هذا المثل وُفّقَ يسوع فيه لتوصيل فكرته بأن من يؤمن بشيء فانه يبيع كل ما يملك من اجله، ولكن يبقى السؤال الذي طرحته في المثل السابق عن مدى التزام التلاميذ بهذا المثل وهم يهربون عنه عند القبض عليه وينكرونه ويشكون فيه ويتركونه وحيداً ليُعلق على الصليب ولا يصدقون أنه قام من الاموات، كما تقول الأناجيل؟!
مثل الشبكة
12- تشبه مملكة السماء شبكة مطروحة في البحر وجامعة من كل نوع فلما امتلأت أصعدوها على الشاطئ وجلسوا وجمعوا الجياد إلى أوعية وأما الأردياء فطرحوها خارجاً. (متّى 13: 47)
في هذا المثل يُشبه يسوع مملكة السماء بشبكة صيد امتلأت بأنواع مختلفة من الأسماك، فأما السمك الجيد فيُحتفظ به والسمك الرديء يُطرح خارجاً، وهو من الأمثلة الجيدة.
مثل الخادم القاسي القلب
13- لذلك تشبه مملكة السماء إنساناً ملكاً أراد أن يحاسب عبيده، فلما ابتدأ في المحاسبة قدم إليه واحد مديون بعشرة ألاف وزنة وإذ لم يكن له ما يوفي أمر سيده أن يباع هو وامرأته وأولاده وكل ما له ويوفي الدين،
فخرّ العبد وسجد له قائلاً يا سيد تمهّل عليّ فأوفيك الجميع، فتحنن سيد ذلك العبد وأطلقه وترك له الدين،
ولما خرج ذلك العبد وجد واحداً من العبيد كان مديوناً له بمئة دينار،
فأمسكه قائلاً أوفني ما لي عليك، فخرّ العبد على قدميه وطلب إليه قائلاً تمهّل علي فأوفيك الجميع، فلم يرد بل مضى وألقاه في سجن حتى يوفي الدين، فعلم سيده بذلك، وقال له أيها العبد الشرير كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت إلي أفما كان ينبغي انك أنت أيضاً ترحم العبد رفيقك كما رحمتك أنا، وغضب سيده وسلمه إلى المعذبين حتى يوفي كل ما كان له عليه،
فهكذا أبي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته. (متّى 18: 23-35)
هذا المثل كما فسره يسوع في الفقرات الأخيرة منه، واضح المعالم ولا يحتاج إلى مزيد تفسير ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا وهو هل التزمت الكنائس بهذا المثل؟
هل كانوا فعلاً يتركون زلات إخوانهم ولا يطالبونهم بالعقاب، كما حدث مع عشرات العلماء الذين قتلوا أو أُحرقوا أو صلبوا نتيجة لقولهم نتائج ما توصلوا إليه في العلوم الطبيعية؟
أم إن ما قامت به الكنيسة الكاثوليكية من حروب شنتها على المخالفين لها الذين انتقدوا بعض التعاليم والطقوس وأدت تلك الحروب على مدار عدة قرون إلى قتل ملايين الناس هو من باب ترك زلات بعضهم لبعض؟!
مثل الوزنات
14- وكأنما إنسان مسافر دعا عبيده وسلمهم أمواله، فأعطى واحداً خمس وزنات وآخر وزنتين وآخر وزنة كل واحد على قدر طاقته وسافر للوقت فمضى الذي أخذ الخمس وزنات وتاجر بها فربح خمس وزنات أُخر، وهكذا الذي أخذ الوزنتين ربح أيضاً وزنتين أخريين وأما الذي أخذ الوزنة فمضى وحفر في الأرض وأخفى فضة سيده، وبعد زمان أتى سيد أولئك العبيد وحاسبهم، فجاء الذي أخذ الخمس وزنات وقدم خمس وزنات أخر قائلاً يا سيد خمس وزنات سلمتني هو ذا خمس وزنات أُخر ربحتها فوقها فقال له سيده نعماً أيها العبد الصالح والأمين كنت أميناً في القليل فأقيمك على الكثير، أُدخل إلى فرح سيدك ثم جاء الذي أخذ الوزنتين وقال يا سيد وزنتين سلمتني هو ذا وزنتان أُخريان ربحتهما فوقهما، قال له سيده نعماً أيها العبد الصالح كنت أميناً في القليل فأُقيمك على الكثير أُدخل إلى فرح سيدك،
ثم جاء أيضاً الذي أخذ الوزنة الواحدة وقال يا سيد عرفت انك إنسان قاس تحصد حيث لم تزرع، وتجمع حيث لم تبذر، فخفت ومضيت وأخفيت وزنتك في الأرض هو ذا الذي لك،
فأجاب سيده وقال أيها العبد الشرير والكسلان،
عرفت أني أحصد حيث لم أزرع وأجمع من حيث لم أبذر،
فكان ينبغي أن تضع فضتي عند الصيارفة،
فعند مجيئي كنت آخذ الذي لي مع ربا،
فخذوا منه الوزنة وأعطوها للذي له العشر وزنات،
لان كل من له يعطى ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه،
والعبد البطال اطرحوه إلى الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. (متّى 25: 14-30) وفي لوقا مضمون المثل ولكن بكلام مختلف. (لوقا 19: 11-27)
هذا المثل أظن أن يسوع لم يُوفق فيه، إذ كيف يصف مملكته بأنها قاسية تحصد حيث لم تزرع، وتجمع حيث لم تبذر!
كما انه لم يكن موفقاً في الحكم على ذلك الرجل لأنه لم يكن قد أمرهم عندما أعطاهم الفضة أن يتاجروا فيها، فلو أن الرجلين خسرا ما أعطاهما فماذا سيكون حكمه عليهما؟!
كما ان قوله لو وضعتها عند المرابي لكنت ربحت، هو أيضاً قول خاطئ لأنه إذا كان يريد المراباة فكان يجب عليه أن يضعها بنفسه!
مثل عمّن يصلح لمملكة يسوع
- وقال آخر أيضاً أتبعك يا سيد ولكن ائذن لي أولاً أن أودّع الذين في بيتي،
فقال يسوع ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لمملكة الإله. (لوقا 9: 61-62)
هذا المثل ليس دقيقاً في مبناه اللفظي وان كان يحمل معان صحيحة، فالجميع يعلم أن من يحرث يستطيع النظر إلى الخلف والى اليمين والى الشمال فهو من هذا الباب ليس جيداً في التشبيه، إلا إذا قلنا إن عدم خبرة يسوع في حرث الأرض، إذ أنه كان نجاراً، هي التي جعلته يتخيل أن الحارث لا يستطيع النظر إلى الوراء!
مثل عن صعوبة دخول الأغنياء إلى مملكة يسوع
- وأقول لكم أيضا إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى مملكة الإله. (متّى 19: 24)
فلما سمع تلاميذه بهتوا جداً قائلين اذاً من يستطيع أن يخلص. (متّى 19: 25)
- فنظر يسوع حوله وقال لتلاميذه ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى مملكة الاله،
فتحير التلاميذ من كلامه،
فأجاب يسوع أيضاً وقال لهم يا بني ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى مملكة الاله،
مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى مملكة الاله،
فبهتوا إلى الغاية،
قائلين بعضهم لبعض فمن يستطيع أن يخلص. (مرقس 10: 23-26) و(لوقا 18: 24-26)
هذا المثل واضح في معانيه وأهدافه، فهو يقول إن الأغنياء لن يدخلوا مملكة الإله إلا إذا دخل الجمل في ثقب إبرة الخياط، وهو موقف ليس بجديد على نظرة يسوع للأغنياء فهو يقول إن الإنسان الذي لا يبيع كل ما يملك لن يقدر أن يكون تلميذاً له.
وهذا المثل يُعتبر من أكثر الأمثال التي قالها يسوع وتعرضت للاستهجان أو التأويل والتفسير سواء من التلاميذ كما نقرأ هنا من أنهم بهتوا جداً قائلين اذاً من يستطيع أن يخلص وفي النص الثاني فبهتوا الى الغاية وهذان التعبيران يدلان على أن التلاميذ استغربوا واستهجنوا قول يسوع للمثل، أو من الكنائس المختلفة التي لا تزال تحاول تأويله وتفسيره بشكل مغاير لما قصد يسوع أن يوصله لنا من انه لن يدخل غني مملكة السماء، وإن كان التلاميذ أكثر التزاماً بتنفيذ قوله هذا على أنفسهم أول الأمر، كما يقول لوقا في كتاب أعمال الرسل:
- وجميع الذين آمنوا كانوا معاً وكان عندهم كل شيء مشتركاً،
والأملاك والمقتنيات كانوا يبيعونها ويقسمونها بين الجميع كما يكون لكل واحد احتياج. (أعمال الرسل 2: 45-46)
- وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة،
ولم يكن أحد يقول ان شيئاً من أمواله له، بل كان عندهم كل شيء مشتركاً، اذ لم يكن فيهم أحد محتاجاً، لان كل الذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت كانوا يبيعونها ويأتون بأثمان المبيعات ويضعونها عند أرجل الرسل، فكان يوزع على كل أحد كما يكون له احتياج،
ويوسف الذي دُعي من الرسل برنابا الذي يُترجم ابن الوعظ وهو لاوي قبرسي الجنس، اذ كان له حقل باعه وأتى بالدراهم ووضعها عند أرجل الرسل. (اعمال الرسل 4: 32-37)
- ورجل اسمه حنانيا وامرأته سفيرة باع مُلكاً واختلس من الثمن وامرأته لها خبر بذلك،
وأتى بجزء ووضعه عند أرجل الرسل، فقال بطرس يا حنانيا لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح المقدس وتختلس من ثمن الحقل،
فلما سمع حنانيا هذا الكلام وقع ومات،
ثم حدث بعد مدة نحو ثلاث ساعات أن امرأته دخلت وليس لها خبر ما جرى، فأجابها بطرس قولي لي أبهذا المقدار بعتما الحقل،
فقالت نعم،
فقال لها بطرس ما بالكما اتفقتما على تجربة روح الرب،
هو ذا أرجُل الذين دفنوا رَجُلك على الباب وسيحملونك خارجاً،
فوقعت في الحال عند رجليه وماتت. (أعمال الرسل 5: 1-10)
فهذه النصوص تقول أن التلاميذ كانت أموالهم مشتركة، وكان كل واحد منهم يأخذ قدر حاجته، إلا أن من جاء بعدهم استسهل تأويل وتفسير المثل أكثر من تطبيقه، كما هو مشاهد في حياتهم، سواء منهم رجال الكنائس المختلفة أو الأتباع الطيبين العاديين، من حرص على جمع الثروات والعمل بشتى الطرق لتحصيلها، وهو أمر مشروع ومتوافق مع النفس الإنسانية وما فطرت عليه، إلا أنه وبناء على هذا المثل فإننا نجد أن الكنائس تخالف هذا القول ليسوع ولم تلتزم به في حياتها.
مثل عن الكيفية التي سيأتي بها يسوع
- لأنه كما أن البرق الذي يبرق من ناحية تحت السماء يضيء إلى ناحية تحت السماء كذلك يكون أيضاً ابن الإنسان في يومه. (لوقا 17: 24)
في هذا المثل يُشبّه يسوع عودته كالبرق الذي يُبرق من ناحية تحت السماء فيضيء الناحية الأُخرى، وهو مثل جميل المعنى إلا انه للأسف لم يتحقق كما أخبر تلاميذه من أن عودته ستكون قبل أن يموتوا جميعاً كما في النصوص التالية:
- الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في مملكته. (متّى 16: 28)
- الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله،
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول،
وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماء الا أبي وحده. (متّى 24: 34-36)
- قال للجميع من أراد ان يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني، فإن من أراد أن يُخلص نفسه يُهلكها، ومن يُهلك نفسه من أجلي فهو يخلصها، لأنه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها،
لأن من استحى بي وبكلامي فبهذا يستحي ابن الانسان متى جاء بمجده ومجد الأب والملائكة القديسين،
حقاً أقول لكم ان من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا مملكة الاله. (لوقا 9: 23-27)
وهم بقوا ينتظرون حدوث هذا البرق ولكنهم ماتوا جميعاً ولم تتحقق أقوال يسوع بعودته قبل موتهم، وها هم أتباع الكنائس الطيبين بعد أكثر من تسعة عشر قرناً ينتظروا في جيلنا عودته كالبرق.
وقد يقول احدهم إذا كان يسوع لم يعد في ذلك الجيل وهو الذي وعدهم كل هذه الوعود فهل سيعود في هذا الجيل وهو لم يعدهم بشيء؟
مثلان عن العهد الجديد
- ليس أحد يجعل رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق،
لان الملء يأخذ من الثوب فيصير الخرق أردأ. (متّى 9: 16) و(مرقس 2: 21) و(لوقا 5: 36)
- ولا يجعلون خمراً جديدة في زقاق عتيقة لئلا تنشق الزقاق فالخمر تنصب والزقاق تتلف،
بل يجعلون خمراً جديدة في زقاق جديدة فتحفظ جميعاً. (متّى 9: 17) و(مرقس 2:22) و(لوقا 5: 37-39)
في هذين المثلين نقرأ تشبيه يسوع للعهد الجديد بالقماش والخمر الجديدين، فالقماش الجديد لا يرقع به الثوب القديم لأن الثوب القديم يُصبح أردأ من السابق، بل يجب أن يُخاط القماش الجديد ثوباً لوحده، وكذلك الخمر الجديدة يجب أن لا توضع في زقاق قديمة لئلا تتلفها وتهرق الخمرة فتضيع على صاحبها!
وهنا لن أُناقش صحة المثلين من الجانب المادي والواقعي بل المقصود بهما، فنجد أن يسوع نفسه لم يلتزم بهما، ولا كتبة الأناجيل ولا الكنائس المختلفة، فيسوع كثيراً ما يستشهد بنصوص العهد القديم ويطلب من تلاميذه وأتباعه الالتزام بما جاء فيه من وصايا وتعاليم، لا بل انه عندما أراد أن يتحدث عن علامات آخر الزمان استشهد بما جاء في سِفر دانيال، وهذا كله مناقض لما في هذين المثلين، بل يمكن القول انه قلب لمعاني المثلين لأنه جعل القماش القديم في الثوب الجديد والخمرة القديمة في الزقاق الجديد!
كما أن كتبة الأناجيل فعلوا مثله فقاموا بالاستشهاد بعشرات بل بمئات النصوص القديمة ووضعوها في العهد الجديد!
وكذلك الكنائس المختلفة فعندما طبعت العهد الجديد طبعت معه القديم، لا بل طبعته قبل الجديد!
فلماذا لم يلتزم هؤلاء كلهم بهذا المثل؟
وقد يقول بعض الطيبين من أتباع الكنائس انه لا يقصد في المثلين الكتب والأسفار وإنما يقصد اليهود وأنهم أصبحوا ثياب قديمة وزقاق قديمة، ولهذا فإن دعوته بحاجة إلى أُناس جُدد غيرهم، وهذا القول لو صحّ لنقض كثيراً من أقوال يسوع، وأشهرها قوله انه لم يُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، وأمره للتلاميذ بأن لا يمضوا في طريق للأُمم ولا يدخلوا مدينة للسامريين.
فكيف السبيل للتعامل مع هذين المثلين في حياة يسوع والكنائس؟
مثل عن الناس الذين كانوا في زمانه
- وبمن يشبه هذا الجيل،
يشبه أولاداً جالسين في السوق ينادون إلى أصحابهم ويقولون زمرنا لكم فلم ترقصوا نُحنا لكم فلم تلطموا. (متّى 11: 16-17) و(لوقا 7: 31-32) وفي إنجيل لوقا بدلاً من نُحنا لكم فلم تلطموا، نُحنا لكم فلم تبكوا.
هذا المثل أظن أن يسوع قاله بعدما انزعج كثيراً من عدم إيمان اليهود به، وهم مشهورون بكثرة معارضتهم لأنبيائهم، ولهذا نجد يسوع يستخدم ألفاظاً غريبة عنه، كالتطبيل والتزمير والرقص والنوح واللطم.
مثل عمن يعمل بأقواله
- فكل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر،
فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبّت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط. (متّى 7: 24-25) و(لوقا 6: 46-48)
هذا مثل جميل لتشبيه من يسمع أقوال يسوع ويعمل بها، ولكن من يسمع ويعمل بأقواله وخصوصاً هذا القول:
- وكان جموع كثيرة سائرين معه فالتفت،
وقال لهم ان كان أحد يأتي اليّ ولا يُبغض، أباه وأُمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته، حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً،
ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر ان يكون لي تلميذاً،
فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر ان يكون لي تلميذاً،
الملح جيد ولكن اذا فسد الملح فبماذا يُصلح،
لا يصلح لأرض ولا لمزبلة فيطرحونه خارجاً،
من له أُذنان للسمع فليسمع.(لوقا 14: 25-35)
مثل آخر عمن يعمل بأقواله
- وفيما هو يكلم الجموع إذا أمه وإخوته قد وقفوا خارجاً طالبين أن يكلموه،
فقال له واحد هو ذا أُمك وإخوتك واقفون خارجاً طالبين أن يكلموك،
فأجاب وقال للقائل له من هي أُمي ومن هم إخوتي،
ثم مد يده نحو تلاميذه وقال ها أُمي وإخوتي، لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماء هو أخي وأختي وأمي. (متّى 12: 46-50)
- فجاءت حينئذ إخوته وأُمه ووقفوا خارجاً وأرسلوا إليه يدعونه،
وكان الجمع جالساً حوله فقالوا له هو ذا أُمك وإخوتك خارجاً يطلبونك،
فأجابهم قائلاً من أُمي وإخوتي،
ثم نظر حوله إلى الجالسين وقال ها أُمي وإخوتي،
لان من يصنع مشيئة الإله هو أخي وأُختي وأُمي. (مرقس 3: 31-35)
- وجاء إليه أُمه وإخوته ولم يقدروا أن يصلوا إليه لسبب الجمع،
فاخبروه قائلين أُمك وإخوتك واقفون خارجاً يريدون أن يروك،
فأجاب وقال لهم أُمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الإله ويعملون بها. (لوقا 8: 19-21)
هذا المثل وان كان جيداً في مبناه اللغوي والمعنوي، ولكن تبقى ملاحظة  لا بد من الإشارة إليها وهي لو أن يسوع ذكر المثل بعيداً عنه، أي أخرج نفسه من المثل، لكان أصاب الحقيقة كاملة وأما إقحام نفسه وأُمه وإخوته في المثل فهو يُحدث إشكالا في قوانين إيمان الكنائس، إذ أن أُمه ليست امرأة عادية ولا هو إنسان عادي فالمثل من هذا الباب لم يُصب الحقيقة.
مثل لمن ينتظر يسوع
- فمن هو العبد الأمين الحكيم الذي أقامه سيده على خدمه ليعطيهم الطعام في حينه، طوبى لذاك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا، الحق أقول لكم انه يقيمه على جميع أمواله ولكن إن قال ذلك العبد الرديء في قلبه سيدي يُبطئ قدومه، فيبتدئ يضرب العبيد رفقاءه ويأكل ويشرب مع السكارى، يأتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها فيقطعه ويجعل نصيبه مع المرائين. (متّى 24: 45-50)
في هذا المثل يتحدث يسوع عن الإنسان الذي ينتظره لحين عودته، فإذا التزم بما قاله وقام بخدمة إخوانه فانه سيدخل مملكته، وأما إن قام بأعمال ليست جيدة كضرب إخوانه والسكر ومخالطة السكارى فان يسوع سيقطعه، ولن ينفعه التعميد ولا أكل الخبز وشرب الخمر.
وهذا من الأمثال الجيدة ولكن ذاكرة البشرية مشوشة بكثرة ما قامت به الكنائس من حروب فيما بينها ذهب ضحيتها عشرات الملايين من أتباعها فإذا عاد يسوع فأين سيجعل نصيبهم؟!
مثل عمن لا يعمل بأقواله
- وكل من يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها يشبه رجل جاهل بنى بيته على الرمل فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط وكان سقوطاً عظيماً. (متّى 7: 26-27) و(لوقا 6: 49)
هذا المثل من الأمثال الصحيحة التي قالها يسوع وذكرت في الأناجيل، ولكن من الذي يسمع كلامه ويعمل به وخصوصاً النصوص التالية:
- فان كانت عينك اليمنى تعثرك، فاقلعها وألقها عنك، لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله في جهنم. (متّى 5: 29)
- وان أعثرتك عينك فاقلعها عنك،
خير لك أن تدخل الحياة أعور من أن تلقى في جهنم النار ولك عينان. (متّى 18: 9)
- وان كانت يدك اليمنى تعثرك، فاقطعها وألقها عنك،
لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله في جهنم. (متّى 5: 30)
- وان أعثرتك رجلك فاقطعها، خير لك أن تدخل الحياة أعرج من أن تكون لك رجلان وتطرح في جهنم في النار التي لا تطفأ، حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ. (مرقس 9: 45-46)
مثل عمن لا يتبعونه
- وقال له آخر تلاميذه يا سيد ائذن لي أمضي أولاً وأدفن أبي،
فقال له يسوع اتبعني ودع الموتى يدفنون موتاهم. (متّى 8: 21-22) و(لوقا 9: 59-60)
في هذا المثل يصف يسوع من لا يتبعه بالميت، وأنا أقول معه للطيبين من أتباع الكنائس المختلفة اتبعوه في كل تعاليمه ووصاياه ودعوا الموتى يدفنون موتاهم، وهو سينفذ لكم هذا الوعد:
- فأجاب بطرس حينئذ وقال له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا،
فقال لهم يسوع الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل ألاثني عشر،
وكل من ترك بيوتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو إماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً من أجل اسمي،
يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية. (متّى 19: 27-29)!
مثل عن أصناف الناس في قبول دعوته
- فكلمهم كثيراً بأمثال قائلاً هو ذا الزارع قد خرج ليزرع،
وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق فجاءت الطيور وأكلته،
وسقط آخر على ألأماكن المحجرة حيث لم تكن له تربة كثيرة فنبت حالاً إذ لم يكن له عمق ارض،
ولكن لما أشرقت الشمس احترق، وإذ لم يكن له أصل جفّ،
وسقط آخر على الشوك فطلع الشوك وخنقه،
وسقط آخر على الأرض الجيدة، فأعطى ثمراً
بعض مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين، من له أذنان للسمع فليسمع. (متّى 13: 3-9) و(مرقس 4: 2-9) و(لوقا 8: 4-8)
هذا المثل فسره يسوع كما في النص التالي:
- فاسمعوا أنتم مثل الزارع كل من يسمع كلمة المملكة ولا يفهم فيأتي الشرير ويخطف ما قد زرع في قلبه، هذا هو المزروع على الطريق،
والمزروع على ألاماكن المحجرة هو الذي يسمع الكلمة وحالاً يقبلها بفرح، ولكن ليس له اصل في ذاته بل هو إلى حين، فإذا حدث ضيق أو اضطهاد من اجل الكلمة فحالا يعثر، والمزروع بين الشوك هو الذي يسمع الكلمة، وهم هذا العالم وغرور الغنى يخنقان الكلمة فيصير بلا ثمر،
وأما المزروع على الأرض الجيدة فهو الذي يسمع الكلمة ويفهم وهو الذي يأتي بثمر فيصنع بعض مئة وأخر ستين وأخر ثلاثين. (متّى 13: 18-23)
وهذا المثل من الأمثال الجميلة التي يجدها الإنسان في الأناجيل ولكن كما قال يسوع من له أُذنان للسمع فليسمع؟!
مثل عن تلاميذه وأتباعه أنهم ملح الأرض
- انتم ملح الأرض،
ولكن إن فسد الملح فبماذا يملح،
لا يصلح بعد لشيء إلا لان يطرح خارجا ويداس من الناس. (متّى 5: 14) و(لوقا 15: 24-25)
وأنا سأُردد مع يسوع هذا المثل الرائع أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح فبماذا يُملح؟
لا يصلح بعد لشيء إلا أن يُطرح خارجاً ويُداس من الناس!
مثل عن تلاميذه وأتباعه أنهم نور العالم
- أنتم نور العالم،
لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل، ولا يُوقدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت،
فليُضئ نوركم قدّام العالم، لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجّدوا أباكم الذي في السماء. (متّى 5: 14-16) و(لوقا 11: 33-36)
هذا المثل من الأمثال الجيدة التي قالها يسوع، ولكن هل وضع التلاميذ وأتباعهم النور الذي أخذوه من يسوع على المنارة أم إنهم أخفوا كثيراً من تعاليمه وأقواله وخصوصاً الأقوال التالية:
- فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر ان يكون لي تلميذاً، من له أُذنان للسمع فليسمع. (لوقا 14: 33)
- فأجاب بطرس حينئذ وقال له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا،
فقال لهم يسوع الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل ألاثني عشر،
وكل من ترك بيوتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو إماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً من أجل اسمي،
يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية. (متّى 19: 27-29)
- ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم. (متّى 5: 22)
- هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً،
إلى طريق أمم لا تمضوا والى مدينة للسامريين لا تدخلوا،
بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. (متّى 10: 5-6)
مثل عن أتباعه وأعدائه
- ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء، فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار، ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبي رثوا المملكة المعدة لكم منذ تأسيس العالم،
لأني جعت فأطعمتموني،
عطشت فسقيتموني،
كنت غريباً فآويتموني،
عرياناً فكسوتموني،
مريضاً فزرتموني،
محبوساً فأتيتم اليّ،
فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين يارب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك أو عطشاناً فسقيناك ومتى رأيناك غريباً فآويناك أو عرياناً فكسوناك ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا أليك،
فيجيب الملك ويقول لهم الحق لقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم،
ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته،
لأني جعت فلم تطعموني، عطشت فلم تسقوني، كنت غريباً فلم تؤوني عرياناً فلم تكسوني، مريضاً ومحبوساً فلم تزوروني،
حينئذ يجيبونه هم أيضا قائلين يارب متى رأيناك جائعاً أو عطشاناً أو غريباً أو عرياناً أو مريضاً أو محبوساً ولم نخدمك،
فيجيبهم قائلاً الحق أقول لكم بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الاصاغر فبي لم تفعلوا،
فيمضي هؤلاء إلى عذاب ابدي والأبرار إلى حياة أبدية. (متّى 25: 31-46)
في هذا المثل يُقسّم يسوع الناس إلى قسمين بحسب أعمالهم فالذين يعملون الحسنات، هؤلاء هم الذين يرثون مملكة أبيه، والذين لا يعملون الحسنات هم الملعونون الذين يذهبون إلى النار الأبدية، وهذا المثل من هذه الناحية جيد ولكنه ينقض عدداً من أقواله وعدداً من قوانين إيمان الكنائس كما انه يثير علامات استفهام على عدد آخر منها!
فهذا المثل ينقض قوله التالي:
- من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يُدن. (مرقس 16: 16)
هذا القول يزول إذا قلنا ان المثل صحيح، لأن يسوع قال إن عدم الإحسان للناس سيُدين الإنسان ولن ينفعه الإيمان ولا التعميد.
كما أن هذا المثل ينقض بعض قوانين إيمان الكنائس والتي تقول إن يسوع جاء ليُصلب حتى ترتفع خطيئة آدم وذريته ويحمل خطاياهم ويتصالح معهم.
والمثل أيضاً يثير عدة أسئلة على حقيقة التعميد وتناول الخبز والخمر، الأول وهو لماذا لم يستطع الروح المقدس ويسوع الحالان في ذلك الإنسان من منعه عن عمل السوء؟
والثاني وهو هل الروح المقدس ويسوع الحالان في ذلك الإنسان يعملان الأعمال السيئة أم إن عملية التعميد وأكل الخبز وشرب الخمر لا تؤدي إلى حلولهما في الإنسان بخلاف ما تقوله الكنائس والأناجيل عنهما؟!
ومع كل هذه الأُمور المهمة إلا أنني سأتحدث عن هذا المثل من الناحية التاريخية، لنرى أين يكون تلاميذه الذين اختارهم وجعلهم خاصته ورسله عندما يعود في مملكته بمجد عظيم.
المثل تحدّث عن عدة أمور تحدُث للناس خلال حياتهم منها الجوع والعطش والغربة وعدم وجود ملابس، أو العري، والمرض والحبس، وهذه الأمور حدثت مع يسوع مباشرة، فماذا كانت ردة فعل تلاميذه تجاهه؟
فيسوع كما يعلم الطيبون من أتباع الكنائس كان قد حُبس بعد إلقاء القبض عليه ليلة ويوم فهل قام أحد من تلاميذه بزيارته؟
الجواب كلا!
وهم لم يكتفوا بعدم زيارته فقط، بل هربوا كلهم عنه، وأنكروه وشكّوا فيه وزاد عليهم بطرس بلعنه!
ثم إن يسوع بقي تلك الفترة دون أكل ولا شرب فهل قام أحد من تلاميذه بإطعامه أو بتقديم الشراب له؟
الجواب كلا!
لم يقم أحد من تلاميذه بتقديم الطعام والشراب ليسوع خلال فترة احتجازه، ومات على الصليب وهو عطشان كما تقول الأناجيل!
ثم عندما قاموا بصلبه وغرسوا المسامير في يديه، وهذا يعتبر حالة مرضية فهل قام أحد من تلاميذه بمحاولة معالجته وتضميد جراحه؟
الجواب كلا!
لم يقم أحد من تلاميذه بتضميد جراحه، لا بل ان توما قال انه لن يؤمن بيسوع حتى يضع أصابعه في جراح يسوع بدل أن يحاول تضميد جراحه!
وكما تقول الأناجيل فإن يسوع كان شبه عريان وهو على الصليب، فهل قام أحد من تلاميذه بكسائه وهو على الصليب؟
الجواب كلا!
لم يقم احد من تلاميذه بكساء يسوع وهو على الصليب.
أكتفي بهذا العرض للواقع التاريخي للتلاميذ تجاه يسوع، وليس تجاه أحد آخر من الناس وأترك للطيبين من أتباع الكنائس أن يحكموا في أي الفريقين سيكون التلاميذ!
مثل عن تقييم الانسان (من ثمارهم تعرفونهم)
- احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحُملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة،
من ثمارهم تعرفونهم،
هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً،
هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة، وأما الشجرة الرديئة فتصنع أثماراً رديئة، لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثماراً رديئة ولا شجرة رديئة أن تصنع أثماراً جيدة،
كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى بالنار،
فاذاً من ثمارهم تعرفونهم،
ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل مملكة السماء،
بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماء،
كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا الشياطين وباسمك صنعنا قوّات كثيرة،
فحينئذ أصرّح لهم أني لم أعرفكم قط،
اذهبوا عني يا فاعلي الإثم. (متّى 7: 21-23)
في هذا المثل الرائع في مبناه اللغوي والمعنوي يحذر يسوع من الانبياء الكذبة الذين يأتوننا في ثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة، وهو بيّن الصفات التي يأتون بها، بقوله أنهم يأتون باسمه وإنهم يتنبؤون باسمه ويخرجون الشياطين باسمه ويصنعون المعجزات والخوارق الكثيرة باسمه.
ولم يكتف يسوع بذكر هؤلاء الأنبياء الكذبة الذين يسعون لإضلال الناس باسمه في هذا المثل، بل كرر التحذير منهم في حديثه عن علامات مجيئه، كما في النصوص التالية:
فان كثيرين سيأتون باسمي قائلين انا هو المسيح ويضلون كثيرين. (متّى 24: 5)
ويقوم انبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين. (متّى 24: 11)
- حينئذ ان قال لكم أحد هو ذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا،
لانه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضاً. (متّى 24: 23-24)
وفي هذا المثل أعطانا وصفاً آخر لهم كي نعرفهم فقال من ثمارهم تعرفونهم وكرر هذا القول مرتين للتأكيد والتحذير من هؤلاء.
والسؤال الذي يطرحه كل من يقرأ هذا المثل من هم الأنبياء الكذبة الذين جاءوا باسم يسوع وتنبأوا باسمه وأخرجوا الشياطين باسمه وصنعوا المعجزات باسمه؟!
مثل عن التلميذ والمعلم
- وضرب لهم مثلا هل يقدر أعمى أن يقود أعمى، أما يسقط الاثنان في حفرة،
ليس التلميذ أفضل من معلمه بل كل من صار كاملا يكون مثل  معلمه. (لوقا 6: 39-40)
في هذا المثل يريد أن يقول لنا لوقا على لسان يسوع ان التلاميذ كاملين مثل يسوع، وحتى لا أُكرر الحديث فقد اطلعنا فيما سبق على صفات التلاميذ ونستطيع أن نحكم إن كانوا مثل معلمهم أم لا!
مثل عن الكهنة وتشبيههم بالقبور
- ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبوراً مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة،
هكذا أنتم من خارج تظهرون للناس أبراراً ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثماً. (متًى 23: 27-28)
في هذا المثل يشبه يسوع الكتبة والفريسسين بأنهم كالقبور المبيضة من الخارج وهي مملوءة عظاماً ونجاسة من الداخل، وهو مثل جميل وواقعي، ولكن أخشى ما أخشاه أن ينطبق هذا المثل على الكثير من رجال الكنائس المختلفة خلال القرون الماضية، خاصة ونحن نشاهدهم بالملابس الفخمة والمطرزة بخيوط الذهب وعصيهم المحلاة بالأحجار الكريمة، والتي نهاهم يسوع نفسه عن امتلاكها، بل ونهاهم عن امتلاك أكثر من ثوب واحد ونهاهم عن امتلاك الأحذية مطلقاً!
مثل عن إعطاء يسوع للسائلين
- ثم قال لهم من منكم يكون له صديقاً ويمضي إليه نصف الليل ويقول له يا صديق أقرضني ثلاثة أرغفة، لان صديقاً لي جاء من سفر وليس لي ما أقدم له، فيجيب ذلك من داخل ويقول لا تزعجني، الباب مغلق الآن وأولادي معي في الفراش، لا أقدر أن أقوم وأُعطيك،
أقول لكم وان كان لا يقوم ويعطيه لكونه صديقه فانه من اجل لجاجته يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج، وأنا أقول لكم اسألوا تعطوا اطلبوا نجدوا اقرعوا يُفتح لكم. (لوقا 11: 5-9)
يقول يسوع في هذا المثل إنه سيستجيب للسائلين إن لم يكن عن محبة فخوفاً من لجاجتهم!
ومع هذا التشبيه الغير جيد إلا أننا لم نرَ أن ما وعد يسوع أن يُعطيه لتلاميذه قد أعطاهم إياه لا بلجاجة ولا بغير لجاجة، كما في النص التالي:
- فأجاب بطرس حينئذ وقال له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا،
فقال لهم يسوع الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل ألاثني عشر،
وكل من ترك بيوتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو إماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً من أجل اسمي،
يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية. (متّى 19: 27-29)
مثل غريب عن إعطاء أب يسوع للسائلين
- وأنا أقول لكم اسألوا تعطوا،
اطلبوا تجدوا،
اقرعوا يُفتح لكم،
لأن كل من يسأل يأخذ،
ومن يطلب يجد،
ومن يقرع يُفتح له،
فمن منكم وهو أب يسأله ابنه خبزاً أفيعطيه حجراً،
أو سمكة أفيعطيه حيّة بدل السمكة،
أو اذا سأله بيضة أفيُعطيه عقرباً،
فان كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة،
فكم بالحري الأب الذي من السماء يُعطي الروح المقدس للذين يسألونه. (لوقا 11: 9-13)
في هذا المثل يقول لوقا على لسان يسوع إن أباه أفضل من الناس الذين يعرفون ما يُعطون أولادهم ما يُفيدهم، فأبوه يعرف أن يُعطي من يطلبون منه أفضل من الناس، لهذا فهو يقول لهم اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم، لأن كل من يسأل يأخذ، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يُفتح له، وهنا لن أُناقش حقيقة إعطاء الروح المقدس للتلاميذ والكنائس، ولكن سأهمس في أُذن لوقا ويسوع والكنائس وأسأل لماذا لم يُعطِ أب يسوع الذي من السماء ما طلبه منه يسوع وهو يُصلي طوال الليل أن تعبر عنه تلك الكأس ولا يُصلب إذا كان ما كتب لوقا ههنا صحيحاً؟!
مثل عن استجابة الإله للسائلين
- وقال لهم أيضاً مثلاً في أنه ينبغي أن يُصلى كل حين ولا يُملّ قائلاً كان في مدينة قاض لا يخاف الإله ولا يهاب إنساناً، وكان في تلك المدينة أرملة وكانت تأتي إليه قائلة انصفني من خصمي، وكان لا يشاء إلى زمان، ولكن بعد ذلك قال في نفسه وان كنت لا أخاف الإله ولا أهاب إنساناً، فاني لأجل أن هذه الأرملة  تزعجني انصفها لئلا تأتي دائماً فتقمعني، وقال الرب اسمعوا ما يقول قاضي الظلم، أفلا ينصف الإله مختاريه الصارخين إليه نهاراً وليلاً وهو متمهل عليهم،
أقول لكم انه ينصفهم سريعاً، ولكن متى جاء ابن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض. (لوقا 18: 1-8)
هذا من الأمثال التي لم يوفق لوقا في نسبتها إلى يسوع لأنه يشبه الإله بأشياء يخجل الإنسان العادي أن يُشبهه بها أحد!
مثل عن إخراج الشياطين بالشيطان
- فعلم يسوع أفكارهم وقال لهم كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب،
وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت،
فان كان الشيطان يخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته. (متّى 12: 25-26) و(مرقس 3: 23-26) و(لوقا 11: 14-19)
هذا المثل حاول يسوع من خلاله أن يُدافع عن نفسه ويرد على اليهود الذين كانوا يتهمونه بأنه يُخرج الشياطين بأمر من رئيس الشياطين بعلزبول إلا أن هذا الرد والمثل عليه عدة ملاحظات.
الملاحظة الأُولى وهي ان محاولة يسوع الدفاع عن نفسه في مسألة إخراجه للشياطين تثير في نفس الإنسان الشكوك إن كان يسوع يُحس انه الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس، لا بل تؤكد عدم وجود هذه الأقانيم إلا في مخيلة من كتب تلك القوانين، فلو كان يُحس أو يشعر أو يعلم أن هذه هي صفاته لما حاول أن يبرر فعلته كما هو الحال في هذا المثل، بل كان يكتفي بالإشارة إلى صفاته تلك لينتهي أي جدل حول هذا الموضوع!
الملاحظة الثانية وهي إن كل من عنده علم في موضوع إخراج الشياطين يعلم أن الإنسان هو الذي يقوم بإخراجهم من الناس وليس الشيطان، وهو مشاهد ومعلوم عند كثير من الأمم كما هو الحال عند الهنود والبوذيين والصينيين وغيرهم من الأمم الذين يوجد فيهم من يستطيع أن يخرج الشياطين من الناس، وأما الطرق أو الكيفية التي يخرجون بها الشياطين فهي متعددة وليست قاصرة على يسوع أو باسم يسوع.
الملاحظة الثالثة وهي على قول يسوع بأن الشيطان لا يُخرج الشيطان لأنه لا يقسم بيته أو مملكته، فأقول إن الشيطان قد يساعد البعض في إخراج الشياطين إذا كانت نتيجة ذلك العمل هي السيطرة على ذلك الإنسان وإخضاعه لرغباته ومن ثم إدخاله هو ومن يؤمن به في كفر أكبر وأشد مما كانوا فيه، فالشيطان يعطيهم القليل ليسيطر عليهم في كل حياتهم، وهذا لا يؤدي إلى انقسام مملكة الشيطان أو عدم ثباتها بل يزيدها قوة وكفراً وضلالاً كما هو مشاهد.
ولهذا أستطيع القول إن يسوع لم يكن موفقاً في ذكره لهذا المثل للرد على مجادلات اليهود.
مثل عن رزق الإله للناس
وقال لتلاميذه من أجل هذا أقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون ولا للجسد بما تلبسون،
الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس،
تأملوا الغربان إنها لا تزرع ولا تحصد وليس لها مخدع ولا مخزن والإله يقيتها، كم انتم بالحري أفضل من الطيور،
ومن منكم اذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعاً واحدة،
فان كنتم لا تقدرون ولا على الأصغر، فلماذا تهتمون بالبواقي،
تأملوا الزنابق كيف تنموا، لا تتعب ولا تغزل،
ولكن أقول لكم انه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها، فان كان العشب الذي يوجد اليوم في الحقل ويطرح غداً في التنور يلبسه الإله هكذا فكم بالحري يلبسكم أنتم يا قليلي الأيمان. (لوقا 12: 22-28)
هذا من الأمثلة الجيدة والتي وفق لوقا في كتابتها على لسان يسوع.
مثل عن قريب الإنسان
- قال ليسوع ومن هو قريبي،
فأجاب يسوع وقال إنسان كان نازلاً من أورشليم إلى أريحا فوقع بين لصوص فعرّوه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حي وميت،
فعرض أن كاهناً نزل في تلك الطريق فرآه وجاز مقابله، وكذلك لاوي إذ صار عند المكان جاء ونظر وجاز مقابله،
ولكن سامرياً مسافراً جاء إليه ولما رآه تحنن فتقدم وضمد جراحاته وصب عليها زيتاً وخمراً وأركبه على دابته وأتى به إلى فندق واعتنى به، وفي الغد لما مضى أخرج دينارين وأعطاهما لصاحب الفندق وقال له اعتن به ومهما أنفقت أكثر فعند رجوعي أُوفيك،
فأي هؤلاء الثلاثة ترى صار قريباً للذي وقع بين اللصوص،
فقال الذي صنع معه الرحمة،
فقال له يسوع اذهب أنت أيضاً واصنع هكذا. (لوقا 10: 29-37)
هذا المثل يحمل معان جيدة، ولكنه للأسف ينقض ويزيل بعض تعاليم يسوع وكلماته التي دعا فيها لكره الأقارب، كما في النص التالي:
- وكان جموع كثيرة سائرين معه فالتفت،
وقال لهم ان كان أحد يأتي اليّ ولا يُبغض أباه، وأُمه، وامرأته، وأولاده، وإخوته، وأخواته،
حتى نفسه أيضاً،
فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً،
ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر ان يكون لي تلميذاً،
فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر ان يكون لي تلميذاً،
الملح جيد ولكن اذا فسد الملح فبماذا يُصلح،
لا يصلح لأرض ولا لمزبلة فيطرحونه خارجاً،
من له أُذنان للسمع فليسمع.(لوقا 14: 25-35)
مثل عن عدم الاغترار بكثرة العبادة
- ومن منكم له عبد يحرث أو يرعى يقول إذا دخل من الحقل تقدم سريعاً واتكأ، بل ألا يقول له أعدد ما أتعشى به وتمنطق واخدمني حتى آكل وأشرب وبعد ذلك تأكل وتشرب،
كذلك أنتم متى فعلتم ما أُمرتم به فقولوا إننا عبيد بطالون، إننا إنما عملنا ما كان يجب علينا. (لوقا 17: 7-10)
هذا المثل قاله يسوع لحضّ تلاميذه وأتباعه على القيام بما أمرهم به من تعاليم، ولكن كما ظهر لنا فإن كثيراً من وصاياه وتعاليمه لم يلتزم بها أحد.
مثل عن قبول المتواضعين في الدعاء
- وقال لقوم واثقين بأنفسهم أنهم أبرار ويحتقرون الآخيرن هذا المثل،
إنسانان صعدا إلى الهيكل ليصليا واحد فريسي والآخر عشار، أما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا، اللهم أنا أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار، أصوم مرتين في الأسبوع وأعشر كل ما اقتنيه،
وأما العشار فوقف من بعيد لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء بل قرع على صدره قائلا اللهم ارحمني أنا الخاطئ،
أقول لكم إن هذا نزل إلى بيته مبرراً دون ذاك لان من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع. (لوقا 18: 9-14)
هذا من الأمثلة الجميلة التي كتبها لوقا على لسان يسوع في إنجيله ووفق فيها.
مثل عن إعطاء عدة فرص للتوبة
- وقال هذا المثل كانت لواحد شجرة تين مغروسة في كرمه، فأتى يطلب فيها ثمراً ولم يجد،
فقال للكرام هو ذا ثلاث سنين آتي اطلب ثمراً في هذه التينة ولم أجد، اقطعها، لماذا تبطل الأرض أيضاً، فأجاب وقال له يا سيد اتركها هذه السنة أيضا حتى أنقب حولها وأضع زبلاً، فان صنعت ثمراً والا ففيما بعد تقطعها. (لوقا 13: 6-9)
هذا من الأمثال التي وفق لوقا في كتابتها على لسان يسوع، خاصة وأن لوقا لم يكن موفقاً في كتابة قصته عن نهاية يهوذا الاسخريوطي والتي خالف فيها ما كتبه متّى، كما أنه لم يكن موفقاً في كتابة خطبة استفانوس والتي وضع فيها عدة أخطاء كما بينت ذلك سابقاً.
ثلاثة أمثال عن التوبة وقبولها
مثل الخروف الضائع ومثل الدرهم الضائع ومثل الابن الضال
1 - وكان جميع العشارين والخطاة يدنون منه ليسمعوه، فتذمّر الفريسيون والكتبة قائلين هذا يقبل خطاة ويأكل معهم، فكلمهم بهذا المثل قائلاً أي إنسان منكم له مئة خروف وأضاع واحداً منها ألا يترك التسعة والتسعين في البرية ويذهب لأجل الضال حتى يجده، وإذا وجده يضعه على منكبيه فرحا ويأتي إلى بيته ويدعو الأصدقاء والجيران قائلاً لهم افرحوا معي لأني وجدت خروفي الضال،
أقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة. (لوقا 15: 1-7)
2 - أو أيّة امرأة لها عشرة دراهم إن أضاعت درهماً واحداً ألا توقد سراجاً وتكنس البيت وتفتش باجتهاد حتى تجده وإذا وجدته تدعو الصديقات والجارات قائلة افرحن معي لأني وجدت الدرهم الذي أضعته،
هكذا أقول لكم يكون فرح قدام ملائكة الإله بخاطئ واحد يتوب. (لوقا 15: 8-10)
هذان المثلان أصاب لوقا في كتابتهما على لسان يسوع فهما من الأمثال الجيدة والصحيحة.
3 - وقال إنسان كان له ابنان،
فقال أصغرهما لأبيه يا أبي أعطني القسم الذي يصيبني من المال فقسم لهما معيشته،
وبعد أيام ليست بكثيرة جمع الابن الاصغر كل شيء وسافر إلى كورة بعيدة وهناك بذر ماله بعيش مسرف،
فلما أنفق كل شيء حدث جوع شديد في تلك الكورة فابتدأ يحتاج،
فمضى والتصق بواحد من أهل تلك الكورة فأرسله إلى حقوله ليرعى خنازير،
وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله فلم يعطه أحد،
فرجع إلى نفسه وقال كم من أجير لأبي يفضل عنه من الخبز وأنا أهلك جوعاً،
أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك،
ولست مستحقاً أن أُدعى لك ابناً، اجعلني أجيراً كأحد أُجرائك،
فقام وجاء إلى أبيه وإذ كان لم يزل بعيداً رآه أبوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبّله،
فقال له الابن يا أبي أخطأت الى السماء وقدامك ولست مستحقاً بعد أن أُدعى لك ابناً،
فقال الأب لعبيده اخرجوا الحلة الأُولى وألبسوه واجعلوا خاتماً في يده وحذاء في رجليه،
وقدّموا العجل المسمّن واذبحوه فنأكل ونفرح،
لأن ابني هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد فابتدأوا يفرحون،
وكان ابنه الاكبر في الحقل فلما جاء وقرب من البيت سمع صوت آلات طرب ورقصاً،
فدعا واحد من الغلمان وسأله ما عسى أن يكون هذا،
فقال له أخوك جاء فذبح أبوك العجل المسمن لأنه قبله سالماً،
فغضب ولم يرد أن يدخل فخرج أبوه يطلب إليه،
فأجاب وقال لأبيه ها أنا أخدمك سنين هذا عددها وقط لم أتجاوز وصيتك وجدياً لم تعطني قط لأفرح مع أصدقائي،
 ولكن لما جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني ذبحت له العجل المسمّن،
فقال له يا بني أنت معي في كل حين وكل مالي فهو لك،
ولكن كان ينبغي أن نفرح ونسرّ لان أخاك هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد. (لوقا 15: 11-31)
كنا فرحنا للوقا أنه كتب الأمثال السابقة وأجاد في صياغتها ولكنه يأبى إلا وان يكتب هذا المثل، وهنا لا أُريد التعليق عليه بل أرجو من القارئ أن يتأمل فيه فقط!
مثل عن الأعمال الصالحة وأنها كنوز لا تفسد
- لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض حيث يُفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون،
بل اكنزوا لكم كنوزاً في السماء حيث لا يُفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً. (متّى 6: 19-22) و(لوقا 12: 32-35)
هذا من الأمثال الجيدة التي تؤدي الغرض منها بأقصر عبارة دون الدخول في قصص كما في المثل السابق.
مثل عن إصلاح النفس قبل دعوة الآخرين لإصلاح أنفسهم
- ولماذا تنظر القَذى في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها،
أم كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك،
يا مرائي أخرج أولاً الخشبة من عينك وحينئذ تُبصر جيداً أنْ تخرج القذى من عين أخيك. (متّى 7: 3-5) و(لوقا 6: 41-43)
هذا المثل أيضاً من الأمثال الجميلة التي أراد يسوع أن يلفت انتباه التلاميذ وأتباعه لإصلاح أنفسهم قبل الحديث عن أخطاء الآخرين، وان كان واقع الحال لا يمنع الإنسان الخاطئ من إرشاد الآخرين لما يمكن أن يكونوا واقعين فيه من أخطاء كما نشاهد رجال الكنائس وهم يعظون الناس فيما هم يخالفون يسوع في كثير من أقواله، وخاصة في وقت مواعظهم إذ يعظون أيام الأحد ويسوع لم يعظ الناس إلا في أيام السبت، كما يُخالفونه في نهيه عن امتلاك أكثر من ثوب وعدم اقتناء الأحذية، وعدم امتلاكهم للذهب والفضة وهم جعلوها تزخرف ثيابهم وعصيهم.
مثل عن الطمع
- وقال لهم انظروا وتحفظوا من الطمع فانه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله،
وضرب لهم مثلا قائلاً، إنسان غني أخصبت كورته،
ففكر في نفسه قائلاً ماذا أعمل لأن ليس لي موضع أجمع فيه أثماري، وقال أعمل هذا، أهدم مخازني وأبني أعظم، وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي وأقول لنفسي يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة، استريحي وكلي واشربي وافرحي، فقال له الإله يا غبي هذه الليلة تطلب نفسك منك، فهذه التي أعددتها لمن تكون،
هكذا الذي يكنز لنفسه وليس هو غنياً للإله. (لوقا 12: 15-21)
هذا المثل جيد ولكن لوقا نسي، وهو يكتب هذا المثل، قول يسوع أنه هو القيامة والحياة وان كل من كان حياً وآمن به فلن يموت إلى الأبد وأن من آمن به ولو مات فسيحيا!
- قال لها يسوع أنا هو القيامة والحياة،
من آمن بي ولو مات فسيحيا،
وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد. (يوحنا 11: 25-26)
مثل عن قلب الإنسان
- الإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يُخرج الصالحات، والإنسان الشرير من الكنز الشرير يُخرج الشرور. (متّى 12: 35)
هذا المثل من الأمثال الجيدة التي قالها يسوع باعتبار القلب مركز توجيه الإنسان، وان كل الخير والشر يصدر منه.
مثل عن العين وانها سراج الجسد
سراج الجسد هو العين فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيّراً وان كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً،
انظر إذاً لئلا يكون النور الذي فيك ظلمة،
فإن كان النور الذي فيك ظلاماً فالظلام كم يكون.(متّى 6: 22-23) و(لوقا 11: 34-36)
هذا المثل وان كان يحمل نتائج سليمة، إلا انه ليس صحيحاً لسبب بسيط وهو أن يسوع ضرب هذا المثل بناء على النظريات الطبيعية التي كانت سائدة في ذلك الوقت والقائلة ان للعين نور يخرج منها فتضيء ما حولها ومن هذا النور يرى الإنسان ما حوله!
بهذا أكون قد استعرضت معظم الأمثال التي قالها يسوع، والتي ظهر لنا أن فيها كثير من الأمثال التي تحمل في طياتها الخطأ وعدم التناسق، وبعضها يحمل أخطاء علمية، مما يشير إلى أن قائلها إنسان يعيش في زمنه متأثراً بعلوم ذلك الزمن ونظرياته الاجتماعية والسياسية، فهو يُخطئ ويُصيب وفيما أصاب لا يأتِ بجديد، وفيما أخطأ فهي تمثل كوارث كبيرة مقارنة بما يُقال عنه من صفات، وهذا يُشير إلى أنه لا علاقة له بخالق السموات والأرض إلا كعلاقة باقي البشر والمخلوقات من عبودية واستسلام وخضوع، كما أنه لم يستطع حتى أن يوصل لنا مفهومه عن أهم المسائل التي ضرب لها الأمثال بشكل واضح ومتناسق، وأقصد مملكته، فبعد الأمثال التي نقلتها عنه وهو يصف مملكته، مَن مِن أتباع الكنائس الطيبين يستطيع أن يُحدد مفهوماً واضحاً عن مملكة يسوع؟
هل هي مثل رجل كسول أم رجل حكيم أم رجل قاس أم رجل له عشر جواري، أو أن مملكته كحبة الخردل أو كشبكة الصيد أو كخميرة...... أو لا شيء من كل هذا وأنه لا مملكة له؟!
لأنه لو كانت له مملكة لتحققت وعوده ونبوءاته، وخاصة عودته بمملكته ومجده قبل مضي الجيل الذي عاش بينه، وقبل موت جميع تلاميذه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق