الاثنين، 26 يناير 2015

الفصل الأول: حياة يسوع: قصة صلب يسوع في الأناجيل الأربعة عرض ونقد

الفصل الأولحياة يسوع
في هذا الفصل سأستعرض حياة يسوع في مختلف مراحلها، من ولادته إلى صلبه وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السماء، مع مقارنة النصوص بعضها ببعض كما وردت في الأناجيل، ومقارنة تلك النصوص مع نصوص العهد القديم عند اقتباس كتبة الأناجيل من العهد القديم، لنرى إن كان مؤلفو الأناجيل قد كتبوا قصة واحدة عن حياة يسوع أم أن كل واحد منهم كتب قصة مختلفة عن الآخرين بحسب معلومات كل واحد منهم والمصادر التي كان يعتمد عليها، وكذلك لنرى صحة ما اقتبسوه في الأناجيل من نصوص العهد القديم، وسأبدأ باستعراض النسبين اللذين وضعهما متّى ولوقا ليسوع في إنجيليهما ثم نباشر في قراءة حياة يسوع.
طريق الآلام
ثم تذكر الأناجيل أن اليهود أخذوا يسوع ومضوا به إلى مكان الصلب كما في النصوص التالية:
- وفيما هم خارجون وجدوا انساناً قيروانياً اسمه سمعان فسخروه ليحمل الصليب. (متّى 27: 32)
- ثم خرجوا به ليصلبوه فسخروا رجلاً مجتازاً كان آتياً من الحقل وهو سمعان القيرواني أبو الكسندرس وروفس ليحمل صليبه. (مرقس 15: 20-21)
- ولما مضوا به أمسكوا سمعان رجلاً قيروانياً كان آتياً من الحقل ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع. (لوقا 23: 26)
- فأخذوا يسوع ومضوا به،
فخرج وهو حامل صليبه الى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة. (يوحنا 19: 16-17)
وهنا خلال طريق الآلام كما تحب الكنائس تسميتها مع أنه لا يوجد ذكر لتعرض يسوع خلالها للضرب، نجد على الرغم من قصر الفقرات وقصر الطريق أن كتبة الأناجيل اختلفوا فيما بينهم في تحديد من حمل الصليب!
فيوحنا يقول إن يسوع نفسه حمل الصليب، ومتّى ومرقس قالا إن الذي حمل الصليب رجل استأجروه أو سخروه اسمه سمعان من القيروان، ووافقهما لوقا على اسمه ولكنه خالفهما في السبب الذي من أجله حمل الصليب فقال أمسكوه، أي أجبروه، والفرق واضح بين الاستئجار والإجبار!
وبعض الطيبين من أتباع الكنائس قد يقولون إن يسوع حمل الصليب أولاً ومن ثم تعب، فاضطر العسكر لاستئجار سمعان، أي إن الأقانيم الثلاثة عجزت عن حمل عود من الخشب!
فمن المسؤول عن كتابة هذه الاختلافات في الأناجيل، والكنائس تقول أنها مكتوبة بسوق من الروح المقدس والسوق؟
وخلال الطريق يكتب لوقا أن يسوع قال:
- ولما مضوا به أمسكوا سمعان رجلاً قيروانياً كان آتياً من الحقل ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع،
وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتي كنّ يلطمن أيضاً وينحن عليه،
فالتفت اليهنّ يسوع وقال يا بنات أُورشليم لا تبكين عليّ بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن،
لأنه هو ذا أيام تأتي يقولون فيها طوبى للعواقر والبطون التي لم تلد والثديّ التي لم ترضع،
حينئذ يبتدئون يقولون للجبال اسقطي علينا وللآكام غطينا،
لأنه ان كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا فماذا يكون باليابس. (لوقا 23: 26-31)
في هذا النص يقول لوقا ان يسوع عندما أخذوه ليصلبوه تبعه جمهور كثير من اليهود وكانت النساء يلطمن عليه فالتفت إليهن وابتدأ يدعو عليهن ويبشرهنّ بالشر الذي سيلحق بهن وبأبنائهن من بعد، لأنهم فعلوا هذا بالعود الرطب، وهو يقصد هنا نفسه وصلبه، فماذا سيفعلون باليابس، ومن هو اليابس هذا؟!
وهذه الدعوات واللعنات وان كانت تتناقض مع ما تقوله الكنائس عن يسوع من انه جاء بالمحبة والمسامحة، إلا انه لا بد من التذكير بأن لوقا هو الوحيد الذي كتب ان يسوع سامح وغفر لمن قام بصلبه كما في النص التالي:
- فقال يسوع يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. (لوقا 23: 34)
فإذا كانوا لا يعلمون ماذا يعملون فكيف يلومهم على صلبه؟
وهنا نجد أن أقوال يسوع يزيل بعضها البعض وفي نفس الإنجيل و نفس الاصحاح، وهو القائل السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول، فماذا ستقول الكنائس عن هذا التناقض بين أقواله؟
هل غفر لهم ما فعلوه، أم ان نساء اليهود سيبكين على أنفسهن من كثرة المصائب التي ستلحق باليهود لأنهم صلبوه؟
وقد يتبادر إلى ذهن البعض أن ما قاله عن مستقبل اليهود إنما هو نبوءة للمستقبل وأما ما قاله عن طلب المغفرة فإنما هو طلب ورجاء من أبيه أن يغفر لهم.
وهذا القول يكون حقاً لو أن يسوع كان نبياً، وهذا ما لا تقوله الكنائس، فهي تقول انه الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، فمن هذا صفته يكون طلبه كنبوءته، أي إن ما طلبه يتحقق لأنه هو وأبيه واحد فكل ما يطلبه يكون واقعاً، وأما نبوءته عن المستقبل فالمفروض أنه هو من سيفعلها، وبالتالي فان الطلب والنبوءة واقعتان تحت سلطان واحد، فإذا كان قد غفر لهم فمعنى هذا أن ما قاله سابقاً قد انتفى وجوده، وان كان ما قاله عن المصائب التي ستحدث لليهود واقعاً لأنهم صلبوه فهذا يعني أن ما قاله عن مغفرته لهم لأنهم صلبوه لا معنى له!
وأما ما قاله يسوع عما سيحدث لليهود من مصائب، وان كان هذا مما يُفرح الكنائس باعتباره نبوءة تحققت ليسوع بهدم الهيكل سنة 70 بعد الميلاد على يد الرومان، إلا أن ما لا تفرح به الكنائس هو أن هذه الأقوال والنبوءة تنقض الأساس الذي أقامت الكنائس عليه قانون الفداء، إذ ان قوله هذا يدل على عدم رضاه عن صلبه، والكنائس تقول ان يسوع ما جاء إلا ليُصلب، كي تتصالح الأقانيم الثلاثة مع ذرية آدم وترتفع الخطيئة التي توارثتها البشرية منذ أن أكل آدم من تلك الشجرة!
عنوان الصليب أو علة الصليب
- وجعلوا فوق رأسه علته مكتوبة هذا هو يسوع ملك اليهود. (متّى 27: 37)
- وكان عنوان علته مكتوباً ملك اليهود. (مرقس 15: 26)
- وكان عنوان مكتوب فوقه بأحرف يونانية ورومانية وعبرانية هذا هو ملك اليهود. (لوقا 23: 38)
- وكتب بيلاطس عنواناً ووضعه على الصليب وكان مكتوباً يسوع الناصري ملك اليهود، فقرأ هذا العنوان كثيرون من اليهود لان المكان الذي صلب فيه يسوع كان قريباً من المدينة،
وكان مكتوباً بالعبرانية واليونانية واللاتينية،
فقال رؤساء كهنة اليهود لبيلاطس لا تكتب ملك اليهود بل ان ذاك قال أنا ملك اليهود،
أجاب بيلاطس ما كتبتُ قد كتبتُ. (يوحنا 19: 19-22)
كما نقرأ فإن الأناجيل اختلفت في ذكر الكلمات المكتوبة على الصليب، فمتّى كتب، هذا هو يسوع ملك اليهود، ومرقس كتب ملك اليهود، ولوقا قال انه كتب ملك اليهود باللغات اليونانية والرومانية والعبرانية، وأما يوحنا فكتب انه كان مكتوباً يسوع الناصري ملك اليهود وأنها كتبت بالعبرانية واليونانية واللاتينية!
مكان الصلب
- ولما أتوا الى موضع يقال له جلجثة وهو المُسمّى موضع الجمجمة. (متّى 27: 33)
- وجاءوا به الى موضع جلجثة الذي تفسيره موضع جمجمة. (مرقس 15: 22)
- ولما مضوا به الى الموضع الذي يُدعى جمجمة. (لوقا 23: 33)
- فخرج وهو حامل صليبه الى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة ويقال له بالعبرانية جلجثة.
(يوحنا 19: 17)
كما نقرأ فان كتبة الأناجيل اتفقوا على اسم الموضع الذي جرت فيه عملية الصلب!
الرجلان اللذان صلبا معه
- حينئذ صلب معه لصان واحد عن اليمين وواحد عن اليسار. (متّى 27: 38)
- وصلبوا معه لصين واحد عن يمينه وآخر عن يساره،
فتم الكتاب القائل وأُحصي مع أثمة. (مرقس 15: 27-28)
- ولما مضوا به الى الموضع الذي يُدعى جمجمة صلبوه هناك مع المذنبين واحداً عن يمينه والآخر عن يساره. (لوقا 23: 33)
- وصلبوا اثنين آخرين معه من هنا ومن هنا ويسوع في الوسط. (يوحنا 19: 18)
كما نقرأ فان مرقس استدل على صلب اللصين مع يسوع بقول من العهد القديم مذكور في سِفر إشعياء وكان قد استشهد لوقا في السابق بهذا الإصحاح من سفر إشعياء، وجاء الوقت لنلقي نظرة على هذا الإصحاح لنرى حقيقة هذه الاستدلال، وهل تمّ فعلاً ما قيل في إشعياء عندما صُلب يسوع بين لصين.
استيقظي استيقظي البسي عِزّكِ يا صهيون البسي ثياب جمالك يا أُورشليم، المدينة المقدسة،
لأنه لا يعود يدخلك في ما بعد أغلف ولا نجس.
يبدأ النص بخطاب للمدينة المقدسة ودعوتها لان تستيقظ وان تلبس ثياب العز والجمال، والسبب في ذلك هو عدم دخول الغلف والأنجاس بعد هذا الخطاب والبشارة!
وذكر الغلف في هذه الفقرات لا يشير إلى الكنائس بخير، لأنهم كلهم غلف بعد أن قام التلاميذ وخاصة بولس بمنع الختان.
- انتفضي من التراب قومي اجلسي يا أُورشليم، انحلّي من ربط عنقك ايتها المسبية ابنة صهيون،
فانه هكذا قال الرب مجاناً بُعتُم وبلا فضة تُفكّون، لانه هكذا قال الرب،
الى مصر نزل شعبي اولاً ليتغرب هناك،
ثم ظلمه أشور بلا سبب،
فالآن ماذا لي هنا يقول الرب حتى أُخذ شعبي مجاناً،
المتسلطون عليه يصيحون، يقول الرب،
ودائماً اسمي يهان،
لذلك يعرف شعبي اسمي، لذلك في ذلك اليوم يعرفون اني أنا هو المتكلم، هاأنذا.
هذه الفقرات تتحدث عن بني إسرائيل وأنهم شعب الرب، وان الرب سينقذهم من أعدائهم بعد معاناتهم في مصر وظلم أشور لهم وهذه الأُمور حدثت قبل ولادة يسوع بمئات السنين.
- ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام،
المبشر بالخير،
المخبر بالخلاص،
القائل لصهيون قد ملك الهك.
هنا يبدأ الحديث عن المُبشر بالسلام والخير، المخبر بالخلاص، القائل لصهيون قد ملك إلهك، وهنا يبدأ كتبة الأناجيل بتخيل أن هذا الإنسان هو يسوع، ويتناسون أن يسوع لم يملك ساعة واحدة فما فوقها على صهيون ولا على المدينة المقدسة، حتى انه عندما حاول اليهود أن يجعلوه ملكاً رفض وانصرف عنهم كما ذكرت سابقاً.
- صوت مراقبيك يرفعون صوتهم يترنمون معاً لانهم يبصرون عيناً لعين عند رجوع الرب الى صهيون،
اشيدي ترنمي معاً يا خرب أُورشليم لأن الرب قد عزّى شعبه فدى أُورشليم.
وهنا تتذكر الكنائس ما كتبته الأناجيل عن عودة يسوع إلى أُورشليم وينسون قول يسوع لبيلاطس إن مملكته ليست من هذا العالم!
- قد شمّر الرب عن ذراع قدسه أمام عيون كل الامم فترى كل أطراف الارض خلاص الهنا،
وهنا لا تستطيع الكنائس أن تقول ان هذه الفقرات تتحدث عن يسوع، فمن هو الذي رأى خلاص يسوع، والتلاميذ هربوا عنه ولم يصدقوا انه قام من القبر.
- اعتزلوا اعتزلوا أخرجوا من هناك لا تمسّوا نجساً،
اخرجوا من وسطها،
تطهروا يا حاملي آنية الرب،
لأنكم لا تخرجون بالعجلة ولا تذهبون هاربين،
لأن الرب سائر أمامكم واله اسرائيل يجمع ساقتكم.
وأما هذه الفقرات فهي تتحدث عن مسائل لا علاقة للكنائس بها، لأن الكنائس لا علاقة لها بالهيكل نفسه فكيف يكون لها علاقة بآنيته.
- هو ذا عبدي يعقل يتعالى ويرتقي ويتسامى جداً.
هو ذا عبدي، هذه الكلمة كان حرياً بكتبة الأناجيل إذ قرؤوها، أن يعلموا ان النص لا يتحدث عن يسوع لأنهم قالوا انه إله وابن إله، كما كان حرياً بالكنائس أن تتوقف عن وصف يسوع بما تصفه في قوانين إيمانها إذا كانت تؤمن أن هذا النص يتحدث عن يسوع، لأن الكلمة أوضح من أن تفسر، فضلاً عن قول ما يناقضها، هو ذا عبدي، عبد الرب وليس إله وابن الإله والأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر!
- كما اندهش منك كثيرون،
كان منظره كذا مفسداً أكثر من الرجل وصورته أكثر من بني ادم،
هكذا ينظح أُمماً كثيرين.
في الفقرة الأخير إشارة تؤكد أن هذا النص لا يتحدث عن يسوع، لا بصفته المسيح الذي ذكرته أسفار العهد القديم، ولا بصفته الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس، لأن قوله هكذا ينضح أُمماً كثيرين، فهذه صفة غير متحققة في يسوع لأنه لم يتزوج ولم ينجب فكيف سينضح أُمماً؟
ولا يستطيع الطيبون من أتباع الكنائس القول إن هذا سيحدث عند مجيء يسوع الثاني لأنه إذا جاء فلن يستطيع الزواج من امرأة من ذرية آدم لأن في مملكته لا يتزوج الناس، سواء الرجال أو النساء.
- من أجله يسدّ ملوك أفواههم لأنهم قد أبصروا ما لم يخبروا به وما لم يسمعوه فهموه.
وهذه الفقرة لم تخبرنا الأناجيل أنها تحققت في زمن يسوع، فهي تقول إن يسوع لم يتقابل مع ملوك قبل إلقاء القبض عليه، هذا إذا اعتبرنا أن هيرودس وبيلاطس ملكين، مع العلم أنهما كانا من ولاة قيصر، ولم يلتق يسوع في حياته برجل أكبر من قائد مائة!
وأما سدّ الملوك أفواههم، فولاة قيصر لم يكتفوا بفتح أفواههم على يسوع بل قاموا بجلده وضربه والاستهزاء به، وهذا يؤكد أن النص لا يتحدث عن يسوع.
- من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب.
هذه الفقرة اقتبسها يوحنا في إنجيله وقال إنها تتحدث عن يسوع، وأنا استغرب اقتباسها بعدما قرأناه سابقاً عن عبد الرب.
- نبت قدّامه كفرخ وكعرق من ارض يابسة لا صورة له ولا جمال فننظر اليه ولا منظر فنشتهيه،
محتقر ومخذول من الناس،
رجل أوجاع ومختبر الحزن،
وكمستّر عنه وجوهنا،
محتقر فلم نعتدّ به.
وهذه الفقرات تقول الكنائس أنها تتحدث عن المحاكمة وتتناسى أن النص قال إن المبشر بالسلام هو عبد الرب، وليس ابناً للإله وأحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر.
- لكنّ احزاننا حملها وأوجاعنا تحمّلها ونحن حسبناه مصابا مضروباً من الرب ومذلولاً.
هذه الفقرة استشهد بها متّى عندما قام يسوع بشفاء بعض المجانين والمرضى بقوله لكي يتمّ ما قيل بإشعياء النبي القائل هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا.
في الحقيقة إن الإنسان يصاب بالدهشة وهو يرى كتبة الأناجيل وهم يستميتون في محاولة إثبات أن العهد القديم تحدث عن يسوع حتى لو اضطرهم الأمر إلى قلب النصوص رأساً على عقب.
فهذه الفقرة لا تشير بأي حال من الأحوال إلى أن المبشر بالخير والخلاص، عبد الرب، يشفي المرضى، لان شفاء المرضى لا يعني أن أمراض هؤلاء تنتقل إليه وانه يحملها، فإيليا وأليشع وغيرهما من أنبياء بني إسرائيل قاموا بشفاء الكثير من المرضى كما ذكر العهد القديم ولم يقل أحد عنهم أنهم حملوا أمراض الذين شفوهم وأخذوا أسقامهم!
وأما متّى فبمجرد أن قرأ هذه الفقرة حتى قال انها تتحدث عن يسوع، ولم يكتف بهذا بل قال إن هذه الفقرة ما وقعت وتحققت إلا عندما قام يسوع بشفاء بعض المرضى والمجانين، مع أن الفقرة في معناها ابسط من هذا بكثير، إذ أنها تتحدث عن عبد الرب المبشر بالخير والخلاص، وتقول انه حمل أحزان أتباعه أو شعبه، وهذا يحدث لأي قائد يرى شعبه، أو أتباعه، في ضيق ومصائب وحزن شديد فيحزن لحزنهم ويحمل أحزانهم ويسعى لتخفيف الحزن عنهم، وأما أوجاعهم التي تحمّلها فهي إشارة إلى أن شعب عبد الرب المبشر بالخير والخلاص يسبب له كثيراً من الألم والتعب فيضطر إلى تحمّل هذه الآلام والأوجاع كي يقوم بإنهاء وظيفته التي أرسله الرب من أجلها، كما حدث مع موسى من قبل، فهو تحمل كل آلام بني إسرائيل وأوجاعهم ومشاغباتهم طوال أربعين سنة حتى استطاع في النهاية ان يعبر بهم إلى الأرض المقدسة، هذا ما تحمله الفقرة من معان بلا تكلف ولا قلب للمعاني كما فعل متّى، وكان حريّاً به أن يقرأ النص كاملاً حتى يعلم انه يتحدث عن عبد للرب ومخلص لبني إسرائيل وليس عن ابن للإله أو أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد كما تقول الكنائس.
- وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لآثامنا،
تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا،
كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه،
والرب وضع عليه اثم جميعنا،
ظلم اما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازّيها فلم يفتح فاه،
من الضغطة ومن الدينونة أُخذ،
وفي جيله من كان يظن انه قطع من أرض الأحياء،
انه ضرب من أجل ذنب شعبي.
هذه الفقرات كسابقاتها تقول الكنائس أنها تتحدث عن يسوع متناسية أن الذي يتحدث عنه النص هو عبد للرب وليس أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد، كما أنها تتناسى أن وصف عبد الرب المبشر بالسلام والخلاص بأنه لم يفتح فاه يتناقض مع ما كتبه يوحنا في إنجيله عن كلام يسوع في المحاكمة كما قرأنا سابقاً، بالإضافة الى أن الفقرة الأخيرة تنقض قول بولس والكنائس بأن العهد مع بني إسرائيل قد انتهى، لأنه يقول فيها أنه ضرب من أجل ذنب شعبي، أي شعب الرب وهم بنو إسرائيل، وهذا يعني أن يسوع لو صُلب كما تقول الأناجيل، فإنه صُلب من أجل اليهود وليس من أجل غير اليهود، وهم أتباع الكنائس المختلفة، الذين قال عنهم أنه لم يُرسل إليهم وإنما أُرسل الى خراف بيت إسرائيل الضالة، وأخيراً أنا أتساءل إذا كان يسوع ضُرب وصُلب من أجل ذنب شعب الرب فأين هي الخطيئة التي حملها آدم وزوجه بأكلهما من تلك الشجرة وأورثها لذريته من بعده كما تقول الكنائس؟
- وجُعل مع الأشرار قبره،
ومع غني عند موته،
على انه لم يعمل ظلماً ولم يكن في فمه غشّ،
أما الرب فسُرّ بان يسحقه بالحزن، ان جعل نفسه ذبيحة اثم،
يرى نسلاً تطول ايامه، ومسرّة الرب بيده تنجح.
هذه الفقرات تتناقض مع ما تقوله الأناجيل عن نهاية يسوع، فهو صُلب مع أشرار، وأما قبره فلم يكن مع أشرار، بل قبره كان له وحده، ولم يكن قد دُفن فيه أحد قبله، وكذلك الحال بالنسبة للفقرة الثانية فيسوع لم يُدفن مع غني عند موته بل دفن وحده.
وأما الفقرة الأخيرة يرى نسلاً وتطول أيامه، فلو كانت كل أسفار العهد القديم تتحدث عن يسوع لكانت هذه الفقرة لا تتحدث عنه يقيناً، لأن يسوع لم ير نسلاً في حياته، لأنه لم يتزوج.
وأما إطالة أيام عبد الرب الذي يتحدث عنه النص فانه يدل بشكل واضح وصريح انه لا يتحدث عن يسوع لأن يسوع مات وهو في ريعان الشباب ولم يتجاوز الثالثة والثلاثون سنة فمتى طالت أيامه؟!
- من تعب نفسه يرى ويشبع،
وعبدي البارّ بمعرفته يبرر كثيرين،
وآثامهم هو يحملها،
لذلك اقسم له بين الاعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة،
من اجل انه سكب للموت نفسه.
وهذه الفقرات تتحدث عن ذلك البارّ عبد الرب المبشر بالسلام وبالخير والخلاص، فتقول انه من تعب نفسه يرى ويشبع، وهذه الفقرة تفيد انه يأكل من تعب نفسه، ولكن الأناجيل الأربعة لم تذكر أن يسوع كان يعمل ليُطعم نفسه وتلاميذه، بل ذكرت ان النساء اللواتي آمنّ به كنّ يُنفقن عليه وعلى تلاميذه.
- وعلى إثر ذلك كان يسير في مدينة وقرية يكرز ويُبشر بمملكة الإله ومعه الاثنا عشر وبعض النساء كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض، مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين، ويونا امرأة خوزي وكيل هيرودس، وسوسنة،
وأُخر كثيرات كن يخدمنه من أموالهن. (لوقا 18: 1-3)
وفي نسخة كتاب الحياة الترجمة الانجليزية مكتوب:
 - After the suffering of his soul,
He will see the light of life and be satisfied. (Isaiah 53: 11)
وهذه الفقرة قد تكون أكثر بعداً في الحديث عن يسوع، لأنها تتحدث عن رؤيته للنور وانه سيكون مطمئناً، والأناجيل تذكر أن يسوع وهو على الصليب صرخ الى إلهه وقال إلهي إلهي لماذا تركتني، فأين حقيقة النور والاطمئنان وهو يصرخ، لو كان النصّ يتحدث عن يسوع؟
والفقرة الثانية تعيد التأكيد على أن ذلك المبشر بالسلام والخلاص هو عبد للرب وهذا يتناقض كلياً مع ما تصف به قوانين إيمان الكنائس يسوع!
فهل تقول الكنائس ان يسوع هو عبد للرب كما هو مقرّر في هذا السفر عدة مرات والذي استشهد متّى ومرقس ولوقا ويوحنا بفقرات منه وقالوا أنها تتحدث عن يسوع؟
- وأُحصي مع أثمة.
هذه هي الفقرة التي استشهد بها لوقا ومرقس للحديث عن اللصين اللذين صلبا معه، وهنا بعيداً عن الحديث عن ذكر شعب الرب إسرائيل، والحديث عن الغلف، والهيكل، وبعيداً أيضاً عن ذكر عبد الرب عدة مرات في هذا النص، ورؤية ذلك الإنسان لنسله وانه سينضح أُمماً، وجُعل قبره مع الأشرار ودفنه مع غني، وغيرها من المسائل التي لا تتحدث عن يسوع لا من قريب ولا من بعيد، أين وجد مرقس ولوقا أن فقرة أُحصي مع أثمة تدل على صلب يسوع بين لصين؟
ولو كان النص كله يتحدث عن يسوع لكانت هذه الفقرة لا تتحدث عنه، لأنها تقول وأُحصي مع أثمة، وهو صُلب كما تقول الأناجيل بين لصين، فكان الواجب على من كتب هذا السفر لو كان يتحدث عن يسوع أن يقول وأُحصي مع آثِمَيْن وليس مع أثمة، لأن الاثنين لا يُطلق عليهما صيغة الجمع، أو كان يفترض بكتبة الأناجيل أن يقولوا إن يسوع صلب مع عدة أشخاص وليس مع اثنين فقط ليتوافقوا مع هذه الفقرة وأُحصي مع أثمة!
- وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين. (إشعياء 52: 7 الى نهاية الاصحاح 53)
بعد هذا الشرح للنص الذي اقتبس منه لوقا ومرقس فقرة أُحصي مع أثمة، أعود للحديث عن موقف هذين اللصين الآثمين من يسوع وهما معلقان بجواره.
موقف الرجلين (اللصين) اللذين صُلبا مع يسوع منه
- وبذلك أيضاً كان اللصان اللذان صلبا معه يعيرانه. (متّى 27: 44)
- واللذان صُلبا معه كانا يُعيرانه. (مرقس 15: 32)
- وكان واحد من المذنبين المعلقين يُجَدِّف عليه قائلاً ان كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا،
فأجاب الآخر وانتهره قائلاً أولا أنت تخاف الإله، اذ أنت تحت هذا الحكم بعينه،
أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا،
وأما هذا فلم يفعل شيئاً ليس في محله،
ثم قال ليسوع اذكرني يا رب متى جئت في مملكتك،
فقال له يسوع الحق أقول لك انك اليوم تكون معي في الفردوس. (لوقا 23: 39-43)
كما هو واضح من النصوص فإن متّى ومرقس قالا إن اللصين كانا يُعيّران يسوع ولوقا قال إن واحداً منهما فقط عيّر يسوع والآخر دافع عنه!
فهذا الاختلاف بين ما كتب هؤلاء من هو المسؤول عنه؟
هل هم كتبة الأناجيل، أم الروح المقدس الذي كان يسوقهم، بحيث أوحى لمتّى ومرقس أن اللصين كانا يعيّران يسوع وعندما كتب لوقا إنجيله أوحى إليه أن اللصين لم يكونا يعيّران يسوع بل أحدهما فقط، وعندما كتب يوحنا إنجيله أوحى إليه بأن اللصين لم يقولا أي شيء، لهذا فهو لم يكتب شيئاً، وهذا يدل على أن اللصين لم يُعيّرا يسوع ولا أحدهما ولا دافع الآخر عنه، خاصة أن يوحنا كتب في إنجيله أنه كان حاضراً وقريباً من يسوع وانه تحدث معه وهو معلق على الخشبة بخصوص أُمه كما سنقرأ بعد قليل، فلو سمع يوحنا اللصين وهما يُعيران يسوع أو أحدهما لكتب هذا في إنجيله؟!
وقد تقول الكنائس أن عدم ذكر يوحنا لكلام اللصين لا يدل على عدم حدوثه، فكم هي القصص والأخبار التي تذكر في بعض الأناجيل ولا تذكر في بعضها الآخر.
وهذا القول صحيح لولا الاختلاف بين ما كتبه متّى ومرقس من جهة وما كتبه لوقا من جهة أُخرى، كما ان ما كتبه لوقا يحمل وعداً من يسوع لأحد اللصين لم يتحقق، فلوقا كتب ان يسوع قال للص المدافع عنه انه سيكون معه اليوم في الفردوس، وهذا لم يحدث يقيناً، لأن يسوع بعد هذا الكلام مكث يوماً وليلتين في القبر ومن ثم خرج من القبر وبدأ بالظهور للتلاميذ لمدة أربعين يوماً، وهذا يعني ان يسوع تأخر في الوفاء بوعده لذلك اللص أربعين يوما وهذا الفارق في تحقيق الوعد لا يدل على صدقه، لأن وعود الرب خالق السموات والأرض في العهد القديم تقع في الوقت المحدد لها ولا تزيد دقيقة عنه ولا تنقص.
كما أن قول لوقا عن اللص الأول انه كان يجدف على يسوع قائلاً إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا، يُعتبر من الأقوال الغريبة، لأنه يقول إن طلب الخلاص من يسوع تجديفاً!
فهل طلبْ اللص من يسوع الخلاص يُعتبر تجديفاً؟
وإذا كان طلب النجاة من يسوع تجديفاً فهل نستطيع القول ان التلاميذ كانوا يجدفون على يسوع عندما طلبوا النجاة منه وهم في السفينة؟
كما في النص التالي:
- ولما دخل السفينة تبعه تلاميذه وإذا اضطراب عظيم قد حدث في البحر حتى غطت الأمواج السفينة، وكان هو نائماً،
فتقدم تلاميذه وأيقظوه قائلين نجنا يا سيد فإننا نهلك،
فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان ثم قام وانتهر الرياح والبحر فصار هدوء عظيم،
فتعجب الناس قائلين أيّ إنسان هذا فإن الرياح والبحر جميعاً تطيعه. (متّى 8: 23-27)
أو قول بطرس نجني عندما أحس بالغرق عندما حاول المشي على الماء يمكن اعتباره تجديفاً:
- فقال تعال، فنزل بطرس من السفينة ومشى على الماء ليأتي الى يسوع،
ولكن لما رأى الريح شديدة خاف،
واذ ابتدأ يغرق صرخ قائلاً يا رب نجني،
ففي الحال مد يسوع يده وأمسك به،
وقال له يا قليل الايمان لماذا شككت،
ولما دخلا السفينة سكنت الريح. (متّى 14: 29-33)
وهل يمكن أن نعتبر أن طلب أتباع الكنائس الطيبين الخلاص من يسوع تجديفاً؟!
فإذا كان ما قاله التلاميذ وبطرس ليس تجديفاً وتفتخر الأناجيل والكنائس بأن يسوع قام بإنقاذهم من الغرق، فلماذا اعتبر لوقا قول اللص ليسوع نجِّنا تجديفاً؟
هل لأن يسوع لم يستطع إنقاذ نفسه واللصين اعتبر لوقا قول اللص تجديفاً؟
أم لأن اللص أظهر عجز يسوع، الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، فاعتبر لوقا ذلك القول تجديفاً؟
من هذه القصة، وغيرها الكثير، يظهر لنا انه لا علاقة للأقانيم الثلاثة بما تخبرنا به أسفار العهد القديم عن الرب وعظمته وقدرته التي لا تحدها حدود ولا يوثقها وثاق ولا تعلق على خشبة عاجزة عن إنقاذ نفسها فضلاً عن الآخرين ليقول لنا لوقا إن طلب النجاة من يسوع يُعتبر تجديفاً!
نعود الآن لمجريات عملية الصلب فنشاهد يسوع وقد وصل إلى مكان الصلب وهناك يقوم بعض الجند بإعطاءه شيئاً ليشربه.
الشراب الذي قدم ليسوع
- أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب ولمّا ذاق لم يُرد أن يشرب. (متّى 27: 34)
- وأعطوه خمراً ممزوجاً بمرّ ليشرب فلم يقبل. (مرقس 15: 23)
وأما لوقا ويوحنا فلم يذكرا شيئاً عن هذا الشراب.
كنت بينت فيما سبق النص الذي اقتبس منه متّى ومرقس هذه الحادثة من العهد القديم، وأظهرت انه لا علاقة لذلك النص بالحديث عن قصة يسوع، ولكن ما يثير النفس ويُحيّرها هو عدم اتفاق متّى ومرقس على نوع الشراب الذي قدم ليسوع فمتّى يقول خلاً ومرقس يقول خمراً!
فإذا قلنا إن الاثنين لم يكونا حاضرين في ذلك الوقت، ألم يكن باستطاعتهما أن يسألا باقي التلاميذ عن نوع الشراب، سواء النسوة اللواتي حضرن أو يوحنا الذي قال انه كان حاضراً وقت الصلب؟
وإذا لم يعلما من التلاميذ نوع الشراب، فهل الروح المقدس الذي كان يسوقهما عند كتابة إنجيليهما لا يفرق بين الخمر والخل حتى يقول لمتّى أنهم قدموا ليسوع خلاً ومن ثم يقول لمرقس أنهم قدموا ليسوع خمراً؟!
وإذا كان الروح المقدس لم يبين نوع الشراب لمتّى ومرقس فلماذا لم يبينه للكنائس التي وعد يسوع تلاميذه بإرساله لهم والمكوث معهم إلى الأبد حتى يبينوا نوع الشراب، إن كان خلاً أم خمراً، أو انه لم يُقدم له شراب أصلاً، لأن لوقا ويوحنا لم يذكرا انه قدم له شراب في هذه اللحظة.
وبعد ذلك يقوم الجند بتعليقه على الصليب بعد نزع ثيابه عنه ويقتسمون ثيابه بينهم.
اقتسام ثياب يسوع
- ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها،
لكي يتم ما قيل بالنبي اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوا قرعة.  (متّى 27: 35)
- ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها ماذا يأخذ كل واحد. (مرقس 15: 24)
- فقال يسوع يا ابتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون،
واذ اقتسموا ثيابه اقترعوا عليها. (لوقا 23: 34)
- ثم ان العسكر لما كانوا قد صلبوا يسوع أخذوا ثيابه وجعلوها أربعة أقسام لكل عسكري قسماً،
وأخذوا القميص أيضاً،
وكان القميص بغير خياطة منسوجاً كله من فوق،
فقال بعضهم لبعض لا نشقه بل نقترع عليه لمن يكون،
ليتم الكتاب القائل اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوا قرعة،
هذا فعله العسكر. (يوحنا 19: 23-24)
أول ما يلاحظه القارئ في هذه الفقرات هو قول لوقا على لسان يسوع يا أبتاه اغفر لهم فإنهم لا يعلمون ما يفعلون!
كيف لا يعلمون ما يفعلون؟
ألا يدل هذا القول على أن يسوع لم يقم بتبليغ ما أُرسل به، بحيث أن اليهود كانوا لا يعلمون من هو يسوع؟
وإذا كانوا لا يعلمون ما يفعلون، فلماذا كتب لوقا ان يسوع قال لنساء أُورشليم انهن سيبكين ويلطمن على أولادهن لأنهم صلبوه كما قرأنا سابقاً؟
وإذا كانوا لا يعلمون ما يفعلون فلماذا يُحمّل اليهود خطيئة صلبه إلى هذا اليوم؟
كما يُلاحظ أيضاً أن متّى ومرقس قالا إن الجند اقترعوا على الثياب كلها، في حين أن يوحنا قال إنهم اقترعوا على القميص وحده، محتجاً أن ذلك القميص كان منسوجاً كله من فوق ولم يريدوا أن يشقوه!
وأخيراً يُلاحظ استشهاد متّى ويوحنا بنص من المزامير، وهنا سنقرأ المزمور لنرى إن كان ما قالاه صحيحا وينطبق على يسوع أم لا.
إلهي إلهي لماذا تركتني بعيداً عن خلاصي عن كلام زفيري،
إلهي في النهار أدعو فلا تستجيب في الليل أدعو فلا هُدُوّ لي.
هذه بداية المزمور وفيها يظهر إنسان، تقول الكنائس انه يسوع ونحن سنوافقهم على هذا الآن، يدعو إلهه ويتساءل عن سبب تركه له، وهذه الفقرة كتبها متّى ومرقس على لسان يسوع وهو معلق على الصليب، وهذا ما سنتحدث عنه بعد قليل، والمهم هنا هو أن الرب ترك ذلك الإنسان، أو يسوع كما تقول الكنائس، وانه سواء دعا في النهار أو في الليل فان الرب لن يستجيب له!
وهذا القول كان يجب أن يضعه كاتبو قوانين إيمان الكنائس المختلفة نصب أعينهم وهم يتحدثون عن يسوع كأُقنوم ثان مساو للأُقنوم الأول ومن نفس الجوهر ومتحدان مع الأُقنوم الثالث في واحد، إلا إذا قلنا ان هذه الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد، لهم إله ويدعونه بالليل والنهار والإله لا يستجيب لهم.
- وأنت القدوس الجالس بين تسبيحات اسرائيل،
عليك اتكل آباؤنا اتكلوا فنجّيتهم، إليك صرخوا فنجوا،
عليك اتكلوا فلم يخزوا.
وهنا نقرأ أن المتكلم يقول ان إلهه نجّى بني إسرائيل عندما اتكلوا على الرب ولم يُخزهم.
- أما أنا فدودة لا إنسان،
عار عند البشر ومحتقر الشعب.
إن وجود هذه الجملة في هذا المزمور كان يجب أن يُعطي أعظم الإشارات لكتبة الأناجيل والكنائس بان هذا المزمور لا يتحدث عن يسوع لا من قريب ولا من بعيد، إذ كيف يمكن لإنسان أن يتصور أن يسوع، الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد، يصف نفسه أنه دودة، وهذا الوصف لا تعتبره الكنائس تجديفاً على يسوع في حين اعتبر لوقا أن طلب اللص النجاة من يسوع تجديفاً!
- كل الذين يرونني يستهزؤون بي،
يفغرون الشفاه وينغضون الرأس قائلين، اتكل على الرب فليُنجه،
ليُنقذه لأنه سُرّ به،
لأنك أنت جذبتني من البطن،
جعلتني مطمئنا على ثديي أُمي،
عليك أٌلقيت من الرحم،
من بطن أُمي أنت إلهي،
لا تتباعد عنّي لان الضيق قريب،
لأنه لا معين.
هذه الفقرات تقول الكنائس انها تتحدث عما جرى مع يسوع في قصة الصلب، من استهزاء الحاضرين به وقولهم اتكل على الإله فلينجه، ولكن ما تغفله الكنائس هو الفقرة التي تقول من بطن أُمي أنت إلهي، أي إن ليسوع إلهاً وهو ما زال في بطن أُمه، وليس هو الجسد الذي حلت فيه الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، إلا إذا كما قلت سابقاً إن لهذه الأقانيم الثلاثة إله واحد تعبده منذ أن كانوا في بطن أُمهم، وأنه لا معين لهم سواه!
- أحاطت بي ثيران كثيرة،
أقوياء باشان اكتنفتني،
فغروا عليّ أفواههم كأسد مفترس مزمجر.
وهذه الفقرات لم تكتب الأناجيل قصصاً تقول إن الثيران أحاطت بيسوع، وأقوياء باشان اكتنفته وفغروا أفواههم عليه كالأسد المفترس المزمجر!
- كالماء انسكبتُ، انفصلت كل عظامي، صار قلبي كالشمع ، قد ذاب في وسط أمعائي، يبستْ مثل شقفة قوتي ولصق لساني بحنكي.
وهذه الفقرات لم تكتب الأناجيل قصصاً تحوي مضمونها كما هي عادتهم في التعامل مع النصوص الأخرى، فهم لم يذكروا أن عظام يسوع كلها قد انفصلت وان قلبه صار كالشمع وان لسانه لصق في حنكه!
- والى تراب الموت تضعُني،
لأنه قد أحاطت بي كلابٌ، جماعة من الأشرار اكتنفتني،
ثقبوا يديّ ورجليّ،
أُحصي كل عظامي.
في هذه الفقرات كلام عن إحاطة الأشرار بالمتكلم، وعن ثقب يديه ورجليه، والأناجيل كتبت قصصاً عن يسوع استناداً لهذه الفقرات، ولكنها لم تكتب قصة عن إحصاء عظامه!
- وهم ينظرون ويتفرّسون فيّ،
يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون.
هذه هي الفقرة التي استشهد بها يوحنا ومتّى، فأين وجدا فيها حديثاً عن اقتسام ثياب الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر؟
- أما أنت يا رب فلا تبعُد،
يا قوتي أسرع الى نصرتي،
أنقذ من السيف نفسي.
في هذه الفقرات يعود المتكلم، وهو يسوع كما يقول كتبة الأناجيل، إلى مناجاة الرب فيدعوه أن لا يبتعد عنه وان يُسرع لنصرته وينقذ نفسه من السيف لأنه قوته، وهذه المناجاة تتناقض مع ما كتبته قوانين إيمان الكنائس من صفات ليسوع، فهي لا تدل على قوة يسوع بل على عجزه لأنه يطلب القوة والنصر والإنقاذ من الرب.
- من يد الكلب وحيدتي،
خلصني من فم الاسد ومن قرون بقر الوحش.
وهذه الفقرات كسابقاتها يستمر فيها المتكلم بطلب الخلاص من الرب!
- استجب لي،
أُخبر باسمك اخوتي،
في وسط الجماعة أُسبحك.
وهنا يزيد المتكلم في المناجاة فيقول استجب لي، ويقول انه يُسبح الرب بين الناس ويُخبر بعظمة اسمه إخوته، وهذا دليل على خضوعه وعبادته للرب مما يزيد من حاجته لاستجابة الرب له، وهذه الصلاة والمناجاة تتناقض مع قوانين إيمان الكنائس.
والفقرات التالية هي دعوة ذلك المتكلم لتسبيح الرب، لأن الرب لا يُذل المسكين ولا يحجب وجهه عنه بل عند صراخه يستجيب له، لأن للرب المُلك وهو المتسلط على الأُمم، وكل هذه الفقرات لا تتحدث عن يسوع كما تصفه الأناجيل وقوانين إيمان الكنائس، فالرب لم يستجب له ولم ينصره ولم يسمع لصلاته والنص يقول إن المُلك للرب وهو المتسلط على الأُمم، ويسوع خضع للأُمم وتسلطت عليه.
- يا خائفي الرب سبّحوه،
ومجّدوه يا معشر ذريّة يعقوب،
واخشوه يا زرع اسرائيل جميعاً،
لأنه لم يحتقر ولم يُرذِل مسكنة المسكين،
ولم يحجب وجهه عنه بل عند صراخه إليه استمع،
من قِبلك تسبيحي في الجماعة العظيمة،
أُوفي بنذوري قدّام خائفيه يأكل الودعاء ويشبعون،
يُسبح الرب طالبوه،
تحيا قلوبكم الى الأبد،
تذكرُ وترجع الى الرب كل أقاصي الارض وتسجد قدامه كل قبائل الامم،
لأن للرب المُلك وهو المتسلط على الامم،
أكل وسجد كل سميني الأرض قدّامه يجثوا كل من ينحدر الى التراب ومن لم يُحي نفسه،
الذرية تتعبد له،
يُخبّر عن الرب الجيل الآتي،
يأتون ويُخبرون ببرّه شعباً سيولد بانه قد فعل. (مزمور 22: 1-31)
من هذه القراءة المتأنية لهذا المزمور نجد أن اقتطاع فقرة منه، أو من غيره، والقول انه حدث هذا ليتم هذا القول أو غيره لا يجعل هذا الاستشهاد صحيحاً إلا إذا كان النص كله يتحدث عن المسألة بكل وضوح، وهو ما لم نجده إلى الآن في النصوص التي قال كتبة الأناجيل أنها تتحدث عن يسوع أو عن زمانه.
موقف الناس من يسوع وهو مُعلق على الصليب
- وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلص نفسك،
ان كنت ابن الإله فانزل عن الصليب،
وكذلك رؤساء الكهنة أيضاً وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها،
ان كان هو ملك اسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به،
قد اتكل على الإله فلينقذه الآن ان أراده، لأنه قال أنا ابن الإله. (متّى 27: 39-43) و(مرقس 15: 29-32)
- وكان الشعب واقفين ينظرون والرؤساء أيضا معهم يسخرون به قائلين خلص آخرين فليخلص نفسه ان كان هو المسيح مختار الإله،
والجند أيضاً استهزأوا به، وهم يأتون ويُقدمون له خلاً، قائلين ان كنت أنت ملك اليهود فخلص نفسك. (لوقا 23: 35-38)
كما نقرأ فإن الناس كانوا يسخرون من يسوع ويجدفون عليه ويقولون إن كان هو المسيح ابن الإله فليخلص نفسه، ومسألة اعتبار الطلب منه إنزال نفسه عن الصليب وتخليصها تجديفاً كنت قد ناقشتها سابقاً فأغنى عن إعادتها، إلا أن رفضه الاستجابة لطلبهم ينقض قوانين إيمان الكنائس التي تتحدث عن الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد، فلو كان هو أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد، هذا إذا كانت موجودة أصلاً، وهي ليست بموجودة، لنزل عن الصليب كما قام من القبر ولأظهر لهؤلاء المستهزؤون به انه الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر!
ونزوله عن الصليب والجميع ينظرون إليه أقوى في الحجة من قيامه من القبر، الذي لم ير أحد من البشر كيف قام، بل إن بضعة نسوة ذهبن إلى القبر فوجدنه فارغاً، وعندما أخبرن التلاميذ انه قام لم يصدقوهن كلهم، مع انه أخبرهم عدة مرات انه سيقوم، حتى إن توما لم يصدق أن يسوع قام حتى وضع أصابعه في جراح يسوع، وهذا كله وفقاً لما هو مكتوب في الأناجيل!
وأخيراً فإن تعليق يسوع على الصليب قد أعطى اليهود حجة لا تقاوم بان يسوع ليس هو المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم، فضلاً عما تصفه به قوانين إيمان الكنائس، لأنه لا يوجد أي نص في العهد القديم يقول إن المسيح سيُعلق على الخشبة، وأما بالنسبة لما تقوله عنه قوانين الكنائس فالنصوص في العهد القديم أكثر من أن تحصى تخبر عن عظمة الرب وقوته التي لا تحدها الحدود ولا يقو عليها شيء، وفيما يلي أحدها:
أيها الرب أنت إلهنا، لا يقوَ عليك إنسان. (أخبار الايام الثاني 14: 11)
ايها الرب انت إلهنا، لا يقوَ عليك انسان.
ايها الرب انت إلهنا، لا يقوَ عليك انسان.
فهذا النص يثبت أن الإنسان لا يقو على الرب سبحانه وتعالى عما يصفون ويشركون.
وأما يسوع فلم يقو عليه اليهود فقط بل جلدوه ولطموه وضربوه وبصقوا عليه وأخيراً علقوه على الخشبة، وهذا كله وفقاً لما هو مكتوب في الأناجيل!
كما أن موقف الناس هنا يتناقض مع قوله في إنجيل يوحنا وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب اليّ الجميع. (يوحنا 12: 32)
لأنه ها هو الآن مرتفع ولم يجذب إليه أحداً، حتى تلاميذه هربوا وتركوه وحيداً عند إلقاء القبض عليه!
فهل يستطيع أحد من أتباع الكنائس الطيبين أن يقول انه الآن ازداد إيمانا بما قالت الأناجيل عن يسوع وما كتبته عنه قوانين الإيمان؟
أم هل يستطيع أحد أن يقول إن اليهود رفضوا يسوع وهم عالمون أنه المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم؟
وقت الصلب
- وكانت الساعة الثالثة فصلبوه. (مرقس 15: 25)
- وكان استعداد الفصح ونحو الساعة السادسة فقال لليهود هو ذا ملككم فصرخوا خذه خذه اصلبه،
قال لهم بيلاطس أأصلب ملككم،
أجاب رؤساء الكهنة ليس لنا ملكاً الا قيصر،
فحينئذ أسلمه اليهم ليُصلب،
فأخذوا يسوع ومضوا به. (يوحنا 19: 14-16)
كما نلاحظ فإنه يوجد اختلاف في الوقت الذي تم فيه صلب يسوع، فمرقس قال إن ساعة صلبه كانت الساعة الثالثة في حين أن يوحنا كتب ان اليهود استلموا يسوع نحو الساعة السادسة ثم مضوا به ليصلب، فمن هو المسؤول عن هذا الاختلاف، وهل صُلب يسوع الساعة الثالثة أم استلمه اليهود في الساعة السادسة ثم مضوا به ليصلبوه؟
معجزة وقوع ظلام على الأرض أثناء الصلب
وبعد الصلب بثلاث ساعات تحدث معجزة.
- ومن الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الأرض الى الساعة التاسعة. (متّى 27: 45)
- ولما كانت الساعة السادسة كانت ظلمة على الأرض كلها الى الساعة التاسعة. (مرقس 15: 33)
- وكان نحو الساعة السادسة، فكانت ظلمة على الأرض كلها الى الساعة التاسعة. (لوقا 23: 44)
وهنا نفتقد يوحنا بن زبدي فهو لم يتحدث عن هذه المعجزة، وكيف يتحدث عنها وهو يكتب أن يسوع كان في الساعة السادسة في طريقه إلى الصلب؟!
فهل حدثت هذه المعجزة أم لا؟
هل نصدق متّى ومرقس ولوقا انه كانت ظلمة على الأرض، أم نقول أن هذه الظلمة لم تحدث لأن يوحنا يقول إن يسوع في الساعة السادسة لم يكن قد وصل بعد إلى مكان الصلب، وهو يقول انه كان حاضراً وقت الصلب في حين أن متّى لم يكن موجوداً وأما مرقس ولوقا فلم يكونا قد سمعا باسم يسوع بعد؟!
إسلام يسوع الروح وموته
بعد هذا يُحدثنا الأربعة عن موت يسوع، كما في النصوص التالية:
- ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً إيلي إيلي لما شبقتني، أي إلهي إلهي لماذا تركتني،
فقوم من الواقفين هناك لما سمعوا قالوا انه ينادي إيليا،
وللوقت ركض واحد منهم وأخذ اسفنجة وملأها خلاً وجعلها على قصبة وسقاه،
وأما الباقون فقالوا اترك، لنرى هل يأتي إيليا يخلصه،
فصرخ يسوع أيضاً بصوت عظيم وأسلم الروح. (متّى 27: 46-50)
- وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً الوي الوي لما شبقتني، الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني،
فقال قوم من الحاضرين لما سمعوا هو ذا ينادي إيليا،
فركض واحد وملأ اسفنجة خلاً وجعلها على قصبة وسقاه، قائلاً اتركوا، لنرى هل يأتي إيليا لينزله،
فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح. (مرقس 15: 34-37)
- وكان نحو الساعة السادسة، فكانت ظلمة على الأرض كلها الى الساعة التاسعة،
وأظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل من وسطه،
ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يدك أستودع روحي،
ولما قال هذا أسلم الروح. (لوقا 23: 44-46)
- بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل،
فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان،
وكان اناء موضوعاً فملأوا اسفنجة ووضعوها على زوفا وقدموها الى فمه،
فلما أخذ يسوع الخلّ قال قد أُكمل،
ونكس رأسه وأسلم الروح. (يوحنا 19: 28-30)
بإمعان النظر في هذه النصوص نجد أننا بحاجة لمناقشة المسائل التالية:
المسألة الأُولى وهي الشراب الأخير الذي قدم ليسوع.
المسألة الثانية وهي الكلمات الأخيرة التي قالها يسوع.
المسألة الثالثة وهي إسلام يسوع الروح.
المسألة الرابعة وهي لمن أسلم يسوع الروح؟
المسألة الأُولى وهي الشراب الذي قدم ليسوع فقد اتفق متّى ومرقس ويوحنا على أن الخلّ هو الذي قدم ليسوع وهو على الصليب، وقال يوحنا أن يسوع قال انه عطشان لكي يتم الكتاب وهو يشير إلى المزمور التاسع والستين الذي ناقشته سابقاً وفيه فقرة ويجعلون في طعامي علقماً، وفي عطشي يسقونني خلاً، وظهر لنا هناك انه لا يتحدث عن يسوع، فأغنى عن إعادته.
المسألة الثانية وهي الكلمات الأخيرة التي قالها يسوع قبل إسلامه الروح فقد حدث اختلاف واضح بين كتبة الأناجيل، فمتّى كتب: صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً ايلي ايلي لما شبقتني، أي إلهي إلهي لماذا تركتني، ومرقس قال: صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً إلوي إلوي لما شبقتني، الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني، وهما اقتبسا هذه الجملة من المزمور الثاني والعشرين الذي سبق الحديث عنه وظهر لنا أنه لا يتحدث عن يسوع، وأما لوقا فاقتبس جملة من المزمور الحادي والثلاثين وقال ان يسوع كان آخر ما قاله قبل إسلامه الروح، ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يدك أستودع روحي، لهذا فإنني سأتوقف قليلاً لاستعراض المزمور ثم نتابع حديثنا.
عليك يا رب توكلت،
لا تدعني أخزى مدى الدهر،
بعدلك نجّني،
أمل اليّ أذنك، سريعاً انقذني،
كن لي صخرة، حصن بيت، ملجأ لتخليصي،
لان صخرتي ومعقلي انت،
من اجل اسمك تهديني وتقودني،
اخرجني من الشبكة التي خبّؤها لي، لانك انت حصني.
في هذه الفقرات يُناجي المتكلم في المزمور ربه ويدعوه، وهذه الدعوات والصلوات لا تدل على أن المتكلم هو الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، إلا إذا كانت هذه الأقانيم الثلاثة الحالة في جسد يسوع لها إلهاً تتوكل عليه، وتدعوه أن لا يدعها تخزى وأن يُنجيها بعدله وأنه وحده من تلجأ إليه ليخلصها من الشباك التي تحيط بها وبالجسد الحالة فيه.
- في يدك استودع روحي.
هذه هي الفقرة التي اقتبسها لوقا ووضعها على لسان يسوع كآخر كلماته ولكنه زاد عليها كلمة غير موجودة هنا وهي قوله يا أبتاه ليخدم فكرته، مع أن النصّ يبدأ بالتضرع والصلاة إلى الرب وليس إلى أبيه، وهذا الأمر ليس بجديد على كتبة الأناجيل، فقد قرأناه كثيراً.
- فديتني يا رب إله الحق.
وهذه الفقرة تردُّ على لوقا وعلى كلمته التي زادها على النص بالقول إن رب المتكلم في المزمور هو الإله الحق وليس أب المتكلم!
- ولم تحبسني في يد العدو بل أقمتَ في الرحب رِجلي.
وأما هذه الفقرة فهي تدل على أن المتكلم ليس يسوع، لان يسوع كما تقول الأناجيل حُبس في يد العدو حتى تمّ صلبه!
- ارحمني يا رب لاني في ضيق ارحمني يا رب لاني في ضيق.
وهذا الدعاء بالتأكيد لا يدل على أن قائله هو احد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس، إلا إذا قلنا أن لهذه الأقانيم إلها تطلب منه الرحمة والخلاص من ضيقاتها!!
- لأن حياتي قد فنيت بالحزن وسنيني بالتنهد.
وهذه الفقرة تزيد الأمر تأكيداً!
- عند كل اعدائي صرتُ عاراً وعند جيراني،
ورعباً لمعارفي،
الذين رأوني خارجاً هربوا عني،
نُسيتُ من القلب مثل الميت،
الخوف مستدير بي بمؤامرتهم معاً عليّ،
تفكروا في أخذ نفسي.
وهذه الفقرات أقول لمن يخطر على قلبه من الطيبين من أتباع الكنائس إنها تتحدث عن يسوع كما تصفه قوانين إيمان الكنائس اقرأوا الفقرة التالية.
- اما أنا فعليك توكلت يا رب.
وإذا لم يؤمنوا أن هذه الفقرة تكفي ليقتنعوا أن المزمور لا يتحدث عن يسوع كما تقول عنه تلك القوانين فأدعوهم لقراءة الفقرتين التاليتين.
- قلت إلهي انت،
في يدك آجالي.
هاتان الفقرتان تؤكدان أن المزمور إما انه لا يتحدث عن يسوع، أو ان يسوع ليس كما تصفه قوانين إيمان الكنائس، فهما تؤكدان أن للمتكلم في هذا المزمور إلهاً، وان لحياته أجل ونهاية وان أجلها بيد الإله وهو عكس ما تقوله الكنائس!
وإذا أرادوا المزيد فالفقرات التالية من المزيد.
- نجّني من يد أعدائي ومن الذين يطردونني،
اضئ بوجهك على عبدك خلصني برحمتك.
وهذه الفقرات تصرّح بكل وضوح ان ذلك المتكلم هو عبدٌ للرب وانه بحاجة إلى رحمته كي ينجو من أعدائه.
وإذا لم يؤمنوا حتى هذه اللحظة فلا يقرأوا الفقرة التالية.
- لتبكم شِفاه الكذب المتكلمة على الصّديق بوقاحة بكبرياء واستهانة.
في هذه الفقرة دعاء على الكذبة بان تبكم شفاههم التي تتكلم على الصّدّيق بوقاحة وكبرياء واستهانة وأنا أتساءل من هو المقصود بهذا الدعاء؟
هل هم الذين إذا سمعوا يسوع يقول إنني لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، قالوا لا بل نذهب وندعو كل الشعوب إلا بني إسرائيل؟
أم هم الذين إذا سمعوا انه اختتن قالوا إننا لن نختن أنفسنا؟
أم هم الذين إذا سمعوه يدعو لحفظ السبت وانه كان لا يعلم إلا في السبت، قالوا إن السبت غير محفوظ واستبدلوه بيوم الشمس الذي يطلق عليه يوم الأحد بالعربية؟
أم هم الذين قرؤوا أن لحم الخنزير نجس ومحرم في الناموس قالوا إن لحم الخنزير حلال وطاهر من اجل أقوال بولس وبطرس؟
وأقول كما في ختام المزمور مبارك الرب الذي يُظهر الحق.
- مبارك الرب لانه قد جعل عجباً رحمته لي في مدينة محصنة،
وانا قلت في حيرتي اني قد انقطعت من قدام عينيك ولكنك سمعت صوت تضرعي اذ صرخت اليك. (مزمور 131: 1-22)
بعد هذه القراءة للمزمور، والذي يُظهر خطأ اقتباس لوقا، وهو الذي خالف متّى ومرقس في آخر الكلمات التي قالها يسوع قبل إسلامه الروح، هل أستطيع القول إن يسوع لم يقل شيئاً قبل إسلامه الروح، وهو ما يتوافق مع يوحنا الذي قال انه كان حاضراً وقت الصلب ولم يكتب شيئاً عن كلام يسوع قبل إسلامه الروح سوى كلمة قد أُكمل!
المسألة الثالثة وهي اتفاق الأناجيل الأربعة على القول إن يسوع أسلم الروح، فهذا القول يتناقض مع ما كان يقوله ويتنبأ به يسوع عن نهايته، إذ انه قال في عدة مواضع انه يُقتل ولم يقل انه يموت، كما في النصوص التالية:
- من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يُظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب الى أُورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم،
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يا رب، لا يكون لك هذا،
فالتفت وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان،
أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما للإله لكن بما للناس. (متّى 16: 21-23)
- وفيما هم يترددون في الجليل قال لهم يسوع، ابن الإنسان سوف يسلم إلى أيدي الناس، فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم، فحزنوا جداً. (متّى 17: 22-23)
- وكانوا في الطريق صاعدين إلى أورشليم ويتقدمهم يسوع،
وكانوا يتحيرون، وفيما هم يتبعون كانوا يخافون،
فاخذ ألاثني عشر أيضاً وابتدأ يقول لهم عما سيحدث له،
ها نحن صاعدون إلى أُورشليم وابن الإنسان يُسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم فيهزؤون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم. (مرقس 19: 32-34)
وهنا قد يقول بعض الطيبين من أتباع الكنائس وما هو الفرق بين القتل وإسلام الروح؟
فأقول لهم إن الفرق بين الموت والقتل كبير جداً، فالقتل هو إزهاق روح الإنسان باستخدام وسائل عنيفة، والموت هو إسلام الإنسان لروحه دون استخدام وسائل عنيفة، كما قال كتبة الأناجيل عن إسلام يسوع الروح، فلو أن أنساناً حُكم عليه بالإعدام شنقاً وفيما هو ذاهب لتنفيذ الحكم أُصيب بجلطة، فهل يقول أحد عنه انه قتل؟ أم يقولون انه مات، وكذلك الحال لو أن انساناً أضرب عن الطعام ومات هل يقول أحد ان ساجنيه قتلوه؟
وفي حالتنا هذه فان نزف يسوع من جراحه لم تتسبب في موته للقول انه قُتل، لأن اللصين اللذين كانا معه لم يموتا، وقال يوحنا إن الجند قطعوا أرجلهما كي يموتا، في حين لم يقطعوا رجلي يسوع لأنهم رأوه قد مات، كما ان سؤال بيلاطس عما إذا كان يسوع مات أم لا، كي يُعطي الجسد ليوسف الذي من الرامة، فلما علم أنه مات تعجب أن يسوع مات سريعاً، فهذه الأُمور تثبت أن يسوع مات ولم يُقتل مما يعني أن كلامه عن قتله لم يتحقق، وهذا كله وفقاً لما هو مكتوب في الأناجيل!
المسألة الرابعة وهي لمن أسلم يسوع روحه؟
وهذا السؤال موجه للكنيسة الأُرثوذكسية خصوصاً لأن قانون إيمانها يقول إن الذي صُلب هم الأقانيم الثلاثة الحالة في جسد يسوع؟!
معجزات حدثت بعد الصلب
- واذا حجاب الهيكل قد انشق الى اثنين من فوق الى أسفل،
والأرض تزلزلت والصخور تشققت. (متّى 27: 51)
- وانشق حجاب الهيكل الى اثنين من فوق الى أسفل. (مرقس 15: 38)
- وأظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل من وسطه. (لوقا 23: 45) 
- والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين،
وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين. (متّى 27: 52-53)
في هذه النصوص كتب متّى ومرقس ولوقا عن معجزات حدثت عند إسلام يسوع روحه، وهي انشقاق حجاب الهيكل وتزلزل الأرض وتشقق الصخور وإظلام الشمس كما قال لوقا، وإن ذكر متّى ومرقس أن الشمس أظلمت ثلاث ساعات من الساعة السادسة حتى التاسعة لحظة إسلام يسوع الروح كما ذكرت سابقاً، وتفردَ متّى بذكر معجزة أُخرى وهي خروج الكثير من القديسين الأموات من القبور ودخولهم المدينة وظهورهم لكثير من الناس.
وأنا لن أتعرض لصحة حدوث هذه المعجزات من عدمه، فهذا أمر لم أشهده ولا غيري من أهل هذا الزمان، وما يهم هنا هو ردة فعل الناس في ذلك الزمان على حدوثها كما كتبت الأناجيل.
لا تذكر الأناجيل أن يسوع تحدث مع تلاميذه عن هذه المعجزات عندما ظهر لهم بعد قيامته من الأموات وإنما تحدث معهم عما هو مكتوب في أسفار العهد القديم من نصوص وظن أنها تتحدث عنه كما حدث مع التلميذين اللذين كانا متوجهين لقرية عمواس، وأظهر لهم جراحه كدليل على أنه هو وليس روح عندما ظهر لهم جميعاً وطلب من توما أن يضع أصابعه في الجراح ليؤمن.
كما ان الأناجيل لم تتحدث عن أي تأثير لهذه المعجزات على إيمان التلاميذ فهم ظلوا غير مؤمنين حتى ظهر لهم يسوع شخصياً، كما اننا لا نقرأ أي قول للتلاميذ عن هذه المعجزات سواء في الأناجيل أو في رسائل العهد الجديد الأخرى.
كما كتبت الأناجيل ان جندياً طعن يسوع في خاصرته عندما رآه مات على الصليب، وهذا لا يدل على تأثر الجندي بالظلمة التي أحاطت بالأرض كلها لمدة ثلاث ساعات، ولا بالزلزال الذي ضرب المكان، ولا بتشقق الصخور، وكذلك لم يتأثر بخروج الأموات من القبور!
ثم تخبرنا الأناجيل أن بيلاطس عندما أراد أن يُسلم جسد يسوع ليوسف الذي من الرامة سأل قائد المائة إن كان يسوع مات أم لا فقال له قائد المائة انه مات فتعجب بيلاطس من موته سريعاً، وهذا يدل على عدم تأثر، ولا أُريد القول عدم سماع، بيلاطس ولا قائد المائة بكل تلك المعجزات!
وأخيراً موقف رؤساء الكهنة عندما طلبوا من بيلاطس أن يُرسل جند لحراسة القبر لا يدل على تأثر رؤساء الكهنة ومعهم بيلاطس بكل هذه المعجزات، وأترك الاستنتاج للقارئ إن كانت تلك المعجزات قد وقعت أم لا.
موقف الناس بعد إسلام يسوع الروح
- وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جداً،
وقالوا حقاً كان هذا ابن الإله. (متّى 27: 54)
- ولما رأى قائد المئة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا وأسلم الروح قال حقاً كان هذا الانسان ابن الإله. (مرقس 15: 39)
- فلما رأى قائد المئة ما كان، مجّد الإله قائلاً بالحقيقة كان هذا الانسان باراً. (لوقا 23: 47)
في هذه النصوص كتب متّى ومرقس ولوقا عن موقف قائد المائة من إسلام يسوع للروح، وان كان متّى لم يذكر أن موقف قائد المائة نتيجة إسلام يسوع للروح وإنما نتيجة لرؤيته المعجزات التي جاء ذكرها سابقاً فقال إن قائد المائة عندما رأى هو ومن معه الزلزلة خافوا وقالوا حقاً كان هذا ابن الإله، وأما مرقس فقال إن قائد المائة لما سمع يسوع يصرخ قال إن هذا الإنسان ابن الإله!
وأما لوقا فقال إن قائد المائة لما رأى تلك المعجزات قال بالحقيقة كان هذا الإنسان باراً.
وهنا أيضاً لن أتحدث عن حقيقة ما قاله قائد المائة ولكنني أود أن أُشير إلى مسألتين:
الأولى وهي هل أعاد قائد المائة والجند الذين معه ملابس يسوع التي أخبرنا كتبة الأناجيل الأربعة أنهم اقترعوا عليها ليتم الكتاب؟!
والثانية وهي بما أن قائد المائة آمن بيسوع كما تصفه الأناجيل، فلماذا طعن أحد جنوده يسوع في خاصرته، أم ان طعن يسوع لا علاقة له بإيمان قائد المائة وإنما لكي يتم ما قيل؟!
وكتب لوقا عن موقف الحاضرين من إسلام يسوع الروح، كما في النص التالي:
- وكل الجموع الذين كانوا مجتمعين لهذا المنظر لما أبصروا ما كان،
رجعوا وهم يقرعون على صدورهم. (لوقا 23: 48)
وهذا النص لن نتحدث عنه من ناحية صدقه أو كذبه، فالإنسان عادة يخشع أمام الموت حتى لو كان يستهزئ بمن مات وهو حيّ، أما وقد مات فان الإنسان عادة يصاب بحالة من الحزن وعبّر عنها لوقا بقرع الصدور.
الحاضرون من التلاميذ وقت الصلب
نأتي الآن لنرى من كان حاضراً من التلاميذ وقت الصلب، فنقرأ النصوص التالية:
- وكانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه،
وبينهن مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب ويوسي وأُم ابني زبدي. (متّى 27: 55-56)
- وكانت أيضاً نساء ينظرن من بعيد بينهن مريم المدلية ومريم أُم يعقوب الصغير ويوسي وسالومة،
اللواتي أيضاً تبعنه وخدمنه حين كان في الجليل،
وأُخر كثيرات اللواتي صعدن معه الى أُورشليم. (مرقس 15: 40-41)
- وكان جميع معارفه ونساء كن قد تبعنه من الجليل واقفين من بعيد ينظرون ذلك. (لوقا 23: 49)
كما نلاحظ فإن مجموعة من النساء كن حاضرات وقت الصلب، ولم يذكروا حضور أحد من التلاميذ الرجال لأنهم كانوا هاربين من الليلة السابقة عند إلقاء القبض على يسوع.
- وكانت واقفات عند صليب يسوع أُمه وأُخت أُمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية،
فلما رأى يسوع أُمه والتلميذ الذي كان يُحبه واقفاً،
قال لأُمه يا امرأة هو ذا ابنك،
وقال للتلميذ هو ذا أُمك،
ومن تلك الساعة أخذها التلميذ الى خاصته. (يوحنا 19: 25-27) 
في هذا النص يقول يوحنا انه كان حاضراً وقت الصلب، ومع هذا فلم يذكر لنا شيئاً عن المعجزات التي حدثت عند إسلام يسوع روحه، وقال إن  الصلب بدأ بعد الساعة السادسة في حين أن الآخرين الذين لم يكونوا حاضرين قالوا إن الصلب بدأ من الساعة الثالثة.
ثم يبدأ يوحنا بأخذنا إلى قصة لم يتحدث عنها أحد غيره، فيكتب ان يسوع عندما رأى أُمه والتلميذ الذي يحبه قال لأُمه يا امرأة!
يا امرأة هكذا يخاطب يسوع أُمه كما كتب يوحنا التلميذ الذي كان يسوع يحبه!
يا امرأة وكأنه لا يعرف اسمها، إن الإنسان الذي لا يعرف اسم امرأة عندما يخاطبها يقول لها يا آنسة أو يا سيدة أو إذا كانت كبيرة في العمر فانه يناديها بقوله يا خالة أو يا عمة، ولكن يوحنا التلميذ الذي كان يسوع يحبه يكتب أن يسوع قال لأُمه يا امرأة!
ولكن ماذا يريد أن يقول يسوع لأُمه؟
قال لها يا امرأة هو ذا ابنك، أي ان يوحنا، الذي قال عنه يسوع انه لا يعرف من أي روح هو، أصبح الآن في منزلة يسوع.
ثم يتابع كلامه فيقول ليوحنا هو ذا أُمك، ومن تلك الساعة أخذها يوحنا إلى خاصته!
إن القارئ عندما يسمع هذا الكلام يظن أن أُم يسوع ليس لها أحد في هذا الوجود حتى يقول لها يسوع ان يوحنا سيتكفل بها.
ولكن القارئ يعلم كما تقول الأناجيل انه كان لمريم أربعة أولاد ذكور وكانوا من القدرة والقوة حتى أنهم كانوا يعترضون على يسوع في طريقة كرازته وتبشيره لأن طريقته لم تكن تعجبهم، حتى أن يسوع في أحد الأعياد لم يذهب إلى أُورشليم إلا عندما ذهب إخوته ليطمئن على نفسه من عدم حصول مكروه له كما كتب يوحنا نفسه، ولم ينتظر يوحنا حتى يذهب هناك، كما في النص التالي:
- وكان عيد المظال قريباً،
فقال له إخوته انتقل من هنا واذهب الى اليهودية لكي يرى تلاميذك أيضاً أعمالك التي تعمل،
لأنه ليس أحد يعمل شيئاً في الخفاء وهو يريد أن يكون علانية،
ان كنت تعمل هذه الأشياء فأظهر نفسك للعالم،
لان اخوته أيضاً لم يكونوا يؤمنون به،
فقال لهم يسوع ان وقتي لم يحضر بعد،
وأما وقتكم ففي كل حين حاضر،
لا يقدر العالم ان يبغضكم،
ولكنه يبغضني أنا، لأني أشهد عليه ان أعماله شريرة،
اصعدوا أنتم الى هذا العيد،
أنا لست أصعد بعد الى هذا العيد لأن وقتي لم يكمل بعد،
قال هذا ومكث في الجليل،
ولما كان اخوته قد صعدوا حينئذ صعد هو الى العيد،
لا ظاهراً بل كأنه في الخفاء. (يوحنا 7: 2-10)
كما أن الأناجيل لم تقل ان يوحنا كان غنياً ليتكفل مريم، هذا إذا اعتبرنا أن إخوة يسوع كانوا غير مؤهلين للقيام بواجب أُمهم، فالأناجيل تخبرنا أن يسوع نفسه مع التلاميذ بمن فيهم يوحنا كانت تنفق عليهم النسوة اللواتي تبعنه كما في النص التالي:
- وعلى إثر ذلك كان يسير في مدينة وقرية يكرز ويُبشر بمملكة الإله ومعه الاثنا عشر وبعض النساء كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض، مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين، ويونا امرأة خوزي وكيل هيرودس، وسوسنة،
وأُخر كثيرات كن يخدمنه من أموالهن. (لوقا 8: 1-3)
إنزال يسوع عن الصليب
بعد إسلام يسوع الروح كتب يوحنا أنهم أنزلوه عن الصليب، كما في النص التالي:
- ثم اذ كان استعداد فلكي لا تبقى الأجساد على الصليب في السبت لأن يوم ذلك السبت كان عظيماً،
سأل اليهود بيلاطس أن تكسر سيقانهم ويرفعوا،
فأتى العسكر وكسروا ساقيّ الأول والآخر المصلوب معه،
وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات،
ولكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحربة،
وللوقت خرج دم وماء،
والذي عاين شهد وشهادته حق،
وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم،
لأن هذا كان ليتم الكتاب القائل عظم لا يكسر منه،
وأيضاً يقول كتاب آخر سينظرون الى الذي طعنوه. (يوحنا 19: 31-37)
بإمعان النظر في هذا النص نجد أنه يتضمن عدة مسائل يجب الإضاءة عليها.
المسألة الأُولى وهي قوله ان عدم بقاء يسوع معلق على الصليب كان بسبب أن ذلك السبت كان عظيماً، فهذا غير صحيح لأن شريعة اليهود لا تجيز إبقاء المصلوب على الخشبة بعد غروب الشمس سواء كان في سبت أو خميس كما في النص التالي:
واذا كان على انسان خطية حقها الموت فقتل وعلّقته على خشبة،
فلا تبت جثته على الخشبة بل تدفنه في ذلك اليوم لان المعلق ملعون من الإله،
فلا تنجس ارضك التي يعطيك الرب الهك نصيباً. (التثنية 21: 22-23)
في هذا النص لا يوجد حديث عن سبت إن كان عظيماً أو غير عظيم، فشريعة اليهود تعتبر أن يوم السبت عظيم سواء كان في فصح أو في غير فصح كما انه لا يتحدث عن يوم السبت ولا غيره من الأيام بل يتحدث عن عدم بقاء المصلوب على الخشبة لأنه ملعون من الرب، وحتى لا تتنجس الأرض يتم دفنه قبل مغيب الشمس، وهنا نجد أن يوحنا لم يستطع أن يُصرح بحقيقة ما هو مكتوب عن لعن المصلوب في حين إن بولس صرّح بهذه الحقيقة وقال ان يسوع أصبح لعنة حتى يُكفر عن خطايا بولس وأتباعه، كما في النص التالي:
المسيح افتدانا من لعنة الناموس اذ صار لعنة لأجلنا،
لانه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة. (غلاطية 3: 13)
وأما السبب الذي من أجله كتب عن السبت فكما قلت سابقاً ان يوحنا كان يريد أن يُصلب يسوع وهو حيّ وشريعة اليهود لا تقول بهذا بل تقول إن من يكون حكمه القتل فانه يُقتل ومن ثم يُعلق وهو ميت وقبل مغيب الشمس يُنزل من على الصليب ويدفن لأنه ملعون وحتى لا تتنجس الأرض.
لهذا أُضطر يوحنا إلى القول على لسان رؤساء الكهنة أن شريعتهم لا تجيز قتل أحد حتى يحكم بيلاطس على يسوع بالموت على الصليب وهو حيّ، وعندما تمّ ليوحنا ما أراد احتاج لإنزاله عن الصليب ودفنه فقال إن اليهود طلبوا من بيلاطس أن تكسر سيقان المصلوبين لأن ذلك السبت كان عظيماً، فاستجاب لطلبهم!
المسألة الثانية وهي قوله ان اليهود طلبوا من بيلاطس أن تكسر سيقان المصلوبين ليُرفعوا، فأذن لهم، فهذه الفقرة تثير الشكوك في صحة ما قاله مرقس في النص التالي:
- ولما كان المساء اذ كان الاستعداد أي قبل السبت جاء يوسف الذي من الرامة مشير شريف وكان هو أيضاً منتظراً مملكة الإله فتجاسر ودخل الى بيلاطس وطلب جسد يسوع،
فتعجب بيلاطس انه مات كذا سريعاً،
فدعا قائد المئة وسأله هل له زمان قد مات،
ولما عرف من قائد المئة وهب الجسد ليوسف،
فاشترى كتاناً فانزله وكفنه ووضعه في قبر كان منحوتاً في صخرة ودحرج حجراً على باب القبر،
وكانت مريم المجدلية ومريم أُم يوسي تنظران اين وضع. (مرقس 15: 42-47)
ففي هذا النص يقول مرقس إن بيلاطس تعجب عندما سمع أن يسوع مات كذا سريعاً وأنه دعا قائد المائة وسأله هل له زمان قد مات، ويوحنا يكتب إن بيلاطس أمر بكسر سيقانهم، فإذا كان قد أمر بكسر سيقانهم كي يموتوا فلماذا استغرب موت يسوع، والمفروض أن اليهود طلبوا منه كسر سيقانهم ليموتوا، فمن هو الصادق في روايته يوحنا الذي يقول إن بيلاطس أمر بكسر سيقان المصلوبين أم مرقس الذي قال إن بيلاطس تعجب عندما سمع أن يسوع مات كذا سريعاً؟!
المسألة الثالثة وهي قوله إن دماً وماء خرج من جنب يسوع نتيجة للطعنة، وهنا لا أريد التشكيك في صحة القصة من حيث خروج الماء والدم معاً من يسوع اثر هذه الطعنة مع أن الأناجيل كتبت أن يسوع عندما صُلب كان عطشاناً حتى أنهم سقوه خلاً ليشرب، وبقي على الصليب ست ساعات، فأي ماء سيبقى في جوفه حتى يخرج مستقلاً عن الدم، إلا إذا كان جوف يسوع له طبيعة غير ما هو موجود عند البشر، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا قال انه عطشان وجوفه مليء بالماء؟!
المسألة الرابعة وهي قوله ليتم الكتاب عظم لا يُكسر، وهو هنا يستشهد بفقرة من المزمور الرابع والثلاثين، فهل هذا المزمور يتحدث عن يسوع؟
لنقرأ المزمور لنرى حقيقة ما يتحدث عنه، وهو كما يلي:
- المزمور الرابع والثلاثون، لداوُد عندما غير عقله قدّام أبيمالك فطرده فانطلق.
كما نقرأ فإن هذا المزمور لداوُد، وقاله بعدما طرده ابيمالك.
أبارك الرب في كل حين، دائماً تسبيحه في فمي،
بالرب تفتخر نفسي، يسمع الودعاء فيفرحون،
عظّموا الرب معي ولِنُعلّ اسمه معاً.
يبدأ داوُد بتسبيح الرب وتعظيمه وإعلاء اسمه، ثم يكمل كلامه فيقول:
- طلبت إلى الرب فاستجاب لي ومن كل مخاوفي انقذني.
وهذا دليل على أن الرب استجاب له وأنقذه من كل مخاوفه، ولو كان المزمور يتحدث عن يسوع، كما يريد يوحنا أن يُقنع أتباع الكنائس الطيبين لكان هذا القول غير صحيح، لأننا سمعنا يسوع وهو معلق على الصليب يصرخ بصوت عظيم ويقول إلهي إلهي لماذا تركتني!
- نظروا إليه واستناروا ووجوههم لم تخجل،
هذا المسكين صرخ والرب استمعه ومن كل ضيقاته خلّصه،
ملاك الرب حالٌّ حول خائفيه ويُنجّيهم،
ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب طوبى للرجل المتوكل عليه.
وهذه الفقرات كسابقتها تقول إن هذا المسكين صرخ والرب استمع له ومن كل ضيقاته خلصه، وهذا يتناقض مع ما كتبت الأناجيل عن نهاية يسوع، لأنه ظل طوال الليل يُصلي كي لا يُصلب ولكنه لم يُستجب له، مما اضطره في نهاية الأمر الى أن يصرخ ويقول إلهي إلهي لماذا تركتني، فلو كان هذا المزمور يتحدث عن يسوع لما صُلب على الخشبة كما تقول الأناجيل لان الرب كان سيُخلصه من كل ضيقاته.
- اتقوا الرب يا قدّيسيه لأنه ليس عوز لمُتقيه،
الاشبال احتاجت وجاعت واما طالبوا الرب فلا يعوزهم شيء من الخير،
هلمّ أيها البنون استمعوا إليّ فأُعلمكم مخافة الرب،
من هو الإنسان الذي يهوى الحياة ويُحب كثرة الأيام ليرى خيراً،
صُن لسانك عن الشرّ وشفتيك عن التكلم بالغش،
حِد عن الشرّ واصنع الخير اطلب السلامة واسع وراءها،
عينا الرب نحو الصّدّيقين وأُذناه إلى صُراخهم،
وجه الرب ضدّ عاملي الشرّ ليقطع من الأرض ذكرهم،
أولئك صرخوا والرب سمع ومن كل شدائدهم أنقذهم.
وأما هذه الفقرات فهي تتحدث عن بنين المتكلم وان الرب أنقذهم من كل الشدائد وهذا ما ينطبق على أولاد داوُد، فهم عاشوا ملوكاً لأجيال كثيرة، وأما إذا قلنا انه يتحدث عن يسوع وتلاميذه، فكل من قرأ شيئاً عن حياة التلاميذ يعلم أن هذه الفقرات لا تتحدث عنهم، لأنهم عاشوا في ضنك وذاقوا كل أنواع الشدائد فمنهم من جلد ومنهم من صلب ومنهم من قتل بالسيف ومنهم من رجم بالحجارة وغيرها الكثير مما تخبرنا به الكتب التي تحدثت عنهم، فواقع حالهم لا يدل على أن هذه الفقرات تقصدهم.
- قريب هو الرب من المنكسري القلوب ويٌخلص المُنسحقي الروح،
كثيرة هي بلايا الصّديق ومن جميعها يُنجّيه الرب،
يحفظ جميع عظامه،
واحد منها لا ينكسر.
في هذه الفقرات يبدأ حديث عن الصدّيق وعن بلاياه التي ينجيه منها الرب، وانه يحفظ جميع عظامه ولا ينكسر منها أي واحد، وهذه هي الفقرة التي استشهد بها يوحنا على قصته تلك، وأنا أتساءل أين هي الفقرة التي تتحدث عن صلب هذا الصدّيق وعن طعن أحد الجنود له حتى يقول يوحنا إن هذه الفقرة تمت في ذلك الوقت؟
هل توجد أي إشارة تدل على حادثة الصلب والطعن؟
وهذا الصدّيق أين قرأ يوحنا انه أحد الأقانيم الثلاثة حتى يقول إن هذه الفقرة تمت في حادثة الصلب والطعن، وكل الدلائل تشير إلى انه إنسان صالح وصدّيق وهو ما ينطبق على آلاف الأشخاص وخاصة داوُد قائل هذا المزمور؟
وباقي المزمور يظهر أن من اتكل على الرب لا يعاقبه، ولا يصلبه.
- الشر يُميت الشرير ومُبغضوا الصّديق يُعاقبون،
الرب فادي نفوس عبيده وكل من اتكل عليه لا يُعاقب. (مزمور 34: 4-22)
المسألة الخامسة وهي استشهاد يوحنا بنص ثان من العهد القديم، وهو مكتوب في كتاب زكريا الاصحاح الثاني عشر، فهل النص يتحدث عن يسوع؟
لنقرأ نص زكريا، وهو كما يلي:
- وحي كلام الرب على إسرائيل،
يقول الرب باسط السموات ومؤسس الارض وجابل روح الانسان في داخله،
هاأنذا أجعل أُورشليم كأس ترنح لجميع الشعوب حولها، وأيضاً على يهوذا تكون في حصار أُورشليم،
ويكون في ذلك اليوم أني أجعل أُورشليم حجراً مشوالاً لجميع الشعوب،
وكل الذين يشيلونه ينشقّون شقاً،
ويجتمع عليها كل أُمم الأرض،
في ذلك اليوم يقول الرب أضرب كل فرس بالحيرة وراكبه بالجنون،
وأفتح عيني على بيت يهوذا وأضرب كل خيل الشعوب بالعمى،
فتقول أُمراء يهوذا في قلبهم إن سكان أُورشليم قوة لي برب الجنود إلههم،
في ذلك اليوم أجعل أمراء يهوذا كمصباح نار بين الحطب،
وكمشعل نار بين الحزم،
فيأكلون كل الشعوب حولهم عن اليمين وعن اليسار فتثبت أُورشليم أيضاً في مكانها بأُورشليم،
ويُخلص الرب خيام يهوذا أولاً لكيلا يتعاظم افتخار بيت داوُد وافتخار سكان أُورشليم على يهوذا.
كما نلاحظ فان هذا الإصحاح عبارة عن وحي الرب باسط السموات ومؤسس الارض على إسرائيل، ثم يبدأ  بالحديث عن أورشليم وان الرب سيجعلها حصينة ومنيعة على الأعداء من كل الشعوب التي حولها والذين يحاصرونها، وتجعلهم كالسكارى في ترنحهم من قوتها ومنعتها، وان الرب سيجعلها كالحجر المشوال، كل من يحاول ان يحمله فانه ينشق من ثقله، ولو اجتمعت عليها كل أُمم الارض فانهم لا يقدرون عليها، وكذلك يقول الرب انه سيضرب في يوم حصارها كل فرس بالحيرة وكل فارس بالجنون وانه سيعمي كل خيول الشعوب المحاصرة لأُورشليم، وانه في نهاية الامر ستهزم أُورشليم كل الشعوب التي حولها.
وهذا الاستعراض التاريخي لأُورشليم هو بالتأكيد لا يتحدث عن الفترة التي كان يسوع يعيش فيها، لأن أُورشليم في ذلك الوقت كانت واقعة تحت الاحتلال الروماني ولم تكن هناك حروب بين أُورشليم والشعوب التي حولها بل كانوا خاضعين جميعاً للرومان، ويسوع نفسه كان يدفع الجزية للرومان ويأمر تلاميذه بذلك بقوله أعطوا ما لقيصر لقيصر، فالنصّ يتحدث عن زمن غير زمن يسوع.
-  في ذلك اليوم يستر الرب سكان أُورشليم فيكون العاثر منهم في ذلك اليوم مثل داوُد،
وبيت داوُد مثل الرب، مثل ملاك الرب أمامهم.
هذه الفقرات هي مقدمة للفقرة التي قال يوحنا انها تتحدث عن يسوع، لهذا سنتفحصها بدقة شديدة لنتبين حقيقة ما تقصده من معان، فنجد ان الرب يُكمل وحيه عن أُورشليم الذي وصف فيه حال الهزيمة للشعوب التي حول أُورشليم، فيقول انه في ذلك اليوم أي يوم هزيمة تلك الشعوب يستر سكان أُورشليم ويحفظهم حتى ان العاثر منهم، وفي نسخة كتاب الحياة الترجمة الانجليزية مكتوب الضعيف منهم أو الأضعف، كما في النصّ التالي:
- On that day the LORD will shield those who live in Jerusalem,
So that the feeblest among them will be like David,
And the house of David will be like God,
Like the Angle of LORD going before them. (Zechariah 12: 8)
يكون مثل داوُد، أي مثلما أنجا الربُ داوُد سينجيه، ومثلما ستر الرب داوُد عن أعين أعدائه سيستره، وبيت داوُد مثل الرب مثل ملاك الرب أمامهم، وهذه الفقرة لا تُشير الى أن بيت داوُد سيكونون مثل الرب بل تدل وبكل وضوح على ان قوة الرب وقوة ملاك الرب ستكون معهم، كما حدث مع موسى عندما كان بنو اسرائيل في البرية، فقد أرسل الرب له ملاكاً يقودهم في طريقهم، وكما حدث مع بني اسرائيل في بعض حروبهم فقد كان الرب يرسل ملاكه ليحارب معهم كما في النصوص التالية:
- فانتقل ملاك الرب السائر أمام عسكر اسرائيل وسار وراءهم. (خروج 14: 19)     
ها أنا مرسل ملاكاً أمام وجهك ليحفظك في الطريق وليجيء بك الى المكان الذي أعددته،
احترز منه واسمع لصوته ولا تتمردّ عليهلأنه لا يصفح عن ذنوبكم لأن اسمي فيه،
ولكن إن سمعت لصوته وفعلت كل ما أتكلم به أُعادي أعداءك وأُضايق مُضايقيك،
فإن ملاكي يسير أمامك ويجيء بك الى الأموريين والحثيين والفرزيين والكنعانيين والحويين واليبوسيين فأُبيدهم. (خروج 23: 20-23)
- هو ذا ملاكي يسير أمامك. (خروج 32: 34)
- وأنا أرسل أمامك ملاكاً وأطرد الكنعانيين. (خروج 33: 2)
- وحدث لما كان يشوع عند أريحا أنه رفع عينيه ونظر وإذا برجل واقف قبالته وسيفه مسلول بيده، فسارع يشوع إليه وقال له هل أنت لنا أو لأعدائنا،
فقال كلا بل أنا رئيس جند الرب، الآن أتيت، فسقط يشوع على وجهه إلى الأرض وسجد وقال له بماذا يكلم سيدي عبده. (يشوع 5: 13-14)
- وكان في تلك الليلة أن ملاك الرب خرج وضرب من جيش أشور مئة ألف وخمسة وثمانين ألفاً. (الملوك الثاني 19: 35)
- ورفع داوُد عينيه فرأى ملاك الرب واقفاً بين الارض والسماء وسيفه مسلول بيده وممدود على أُورشليم. (الايام الاول 21: 16)
- فأرسل الرب ملاكاً فـأباد كل جبار بأس ورئيس وقائد في محلة ملك أشور. (الايام الثاني 32: 21)
فالنص يشير الى انه في ذلك اليوم ستنتصر أُورشليم على أعدائها من كل الشعوب التي حولها، وهذا اليوم لم يكن في زمن يسوع بالتأكيد لان أُورشليم كانت في ذلك الوقت خاضعة لحكم الرومان.
ثم يُعيد النصّ التأكيد على ذلك اليوم بالقول:
- ويكون في ذلك اليوم أني ألتمس هلاك كل الأُمم الآتين على أُورشليم.
وهذا الهلاك لم يحدث في زمن يسوع لأن جميع الأُمم التي حول أُورشليم وأُورشليم ذاتها ويسوع نفسه كانوا تحت حكم الرومان.
- وأفيض على بيت داوُد وعلى سكان أُورشليم روح النعمة والتضرعات فينظرون إليَّ، الذي طعنوه، وينوحون عليه كنائح على وحيد له،
ويكونون في مرارة عليه كمن هو في مرارة على بكره،
في ذلك اليوم يعظم النوح في أُورشليم كنوح هدد رمّون في بقعة مجدّون.
في هذه الفقرات يقول الرب انه في ذلك اليوم يفيض على بيت داوُد وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات فينظرون إليه، وهنا يبدأ النص الذي استشهد به يوحنا وأول ما نلاحظه هو هذا الفرق بين نص يوحنا ونص زكريا، فيوحنا يقول ينظرون الى الذي طعنوه ونص زكريا يقول ينظرون إليّ، أي الى الرب الذي هزم كل أعداء أُورشليم وأهلكهم وأفاض عليهم التضرعات وروح النعمة.
نص يوحنا من نسخة الملك جيمس:
19:37 And again another scripture saith, They shall look on him whom they pierced.
نص زكريا من نسخة الملك جيمس:
12:10 And I will pour upon the house of David, and upon the inhabitants of Jerusalem, the spirit of grace and of supplications: and they shall look upon me whom they have pierced, and they shall mourn for him, as one mourneth for [his] only [son,] and shall be in bitterness for him, as one that is in bitterness for [his] firstborn.
نص زكريا من النسخة العبرانية:
10 And I will pour upon the house of David, and upon the inhabitants of Jerusalem, the spirit of grace and of supplication; and they shall look unto Me because they have thrust him through; and they shall mourn for him, as one mourneth for his only son, and shall be in bitterness for him, as one that is in bitterness for his first-born.
نص زكريا من النسخة السبعينية:
10 And I will pour upon the house of David, and upon the inhabitants of Jerusalem, the spirit of grace and compassion: and they shall look upon mebecause they have mocked me, and they shall make lamentation for him, as for a beloved friend, and they shall grieve intensely, as for a firstborn son.
الملاحظة الثانية أن نص زكريا لا يتحدث عن عملية الصلب بل عن عملية إهلاك الشعوب التي تحارب أُورشليم وانتصارها عليهم.
ثم ينتقل النصّ للحديث عن الذي طعنوه وهو بالتأكيد ليس الرب باسط السموات ومؤسس الأرض الذي نصرهم وهزم أعدائهم، وأنا الآن لا أريد الدخول في تخمينات واستنتاجات ليست يقينية لهذا سأفترض ان النص يتحدث عن يسوع بعيداً عن الفرق بين ما كتبه يوحنا وزكريا، فيكمل النص بالقول ان سكان أورشليم ينوحون عليه كالنائح على وحيده كما أنهم يكونون في مرارة كمن هو في مرارة على بكره ويقول ان ذلك النوح يكون عظيماً ويكون في كل أُورشليم، وهذا الأمر لم يكتب لنا يوحنا ولا غيره من كتبة الاناجيل انه وقع وقت الصلب! وكل ما ذكروه يتحدث عن بعض النسوة اللواتي جئن معه من الجليل، وكن يبكين عليه حتى ان تلاميذه بعد هربهم ليلة إلقاء القبض عليه لم يكونوا يخرجون من بيوتهم بعد صلبه خوفاً من اليهود، (يوحنا 20: 19)، فأي نوح ومرارة عمّت أُورشليم وقت الصلب حتى تشبه نوح هدد رمون في بقعة مجدّون، لو كان النص يتحدث عن يسوع؟!
ثم يُبين النائحين عليه في الفقرات التالية:
وتنوح الارض عشائر عشائر على حدتها،
عشيرة بيت داوُد على حدتها ونسائهم على حدتهن،
عشيرة بيت ناثان على حدتها ونسائهم على حدتهن،
عشيرة بيت لاوي على حدتها ونسائهم على حدتهن،
عشيرة شمعي على حدتها ونسائهم على حدتهن،
كل العشائر الباقية عشيرة عشيرة على حدتها ونسائهم على حدتهن. (زكريا 12: 1-14)
ولم يكتب أحد انه ناحت على يسوع هذه العشائر أو غيرها، بل ذكرت الأناجيل ان بعض النسوة من الجليل كن ينحن عليه، وهذا يدل على ان النص لا يتحدث عن يسوع وخطأ استشهاد يوحنا به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق